الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتهاز فرصة الأزمة للانقضاض على الدعم

رمضان متولي

2008 / 12 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


تأثرت مصر بالتأكيد بالأزمة المالية العالمية، وذلك باعتراف المسئولين في حكومة نظيف، وأيضا باعتراف الأرقام بعد إعلان انخفاض نسبة الإشغال في قطاع السياحة بنسبة كبيرة، ومن المنطقي أيضا أن تتأثر الصادرات المصرية بعد تدهور أسعار النفط عالميا بما يزيد على الثلثين في فترة وجيزة، خاصة وأن الطفرة التي شهدتها الصادرات المصرية على مدى العامين الماضيين اعتمدت بشكل أساسي على التوسع في الصادرات البترولية وارتفاع أسعار النفط من جانب وعلى زيادة صادرات صناعية تتميز بكثافة استهلاك الطاقة من جانب آخر، الأمر الثالث يرتبط أيضا بمؤشرات حول تدهور تحويلات العاملين بالخارج – وخاصة في دول الخليج التي يحتمل أن تقوم بتسريح أعداد كبيرة من العاملين المصريين في قطاع التشييد على وجه الخصوص، علاوة على تراجع إيرادات قناة السويس وتدفقات الاستثمار الأجنبي.

غير أن الأزمة الاقتصادية في مصر ليست بالأساس وليدة للأزمة المالية العالمية وإن ساهمت الأخيرة في التعجيل بضربتها، فكل عناصر هذه الأزمة كانت تتفاعل في مصر قبل انهيار أسعار المنازل في الولايات المتحدة في أغسطس 2007 وبداية السلسلة المعقدة من انهيار النظام المصرفي وأزمة الائتمان في أمريكا وأوروبا على السواء. كانت مصر تشهد موجة غير مسبوقة من ارتفاع أسعار العقارات في ظل توسع هائل في هذه السوق المحفوفة بالمخاطر وبالاعتماد الكثيف على القروض المصرفية، وجر ذلك معه ارتفاعا غير مسبوق في أسعار مواد البناء، كما عزز ارتفاع أسعار العقارات طرح الدولة للأراضي في المزاد وتدفق أموال خليجية هائلة للاستثمار في سوق البناء المصرية. صاحب ذلك موجة من التضخم الحاد تصاعدت تدريجيا حتى بلغت 23.5% وفقا للأرقام الرسمية والتي تقل كثيرا عن واقع الحال الذي شهد بتضاعف أسعار السلع الغذائية والنقل مع زيادة الدولة لأسعار الوقود وارتفاع أسعار الغذاء في العالم، كل هذه العوامل كانت تضغط بشدة في اتجاه الأزمة حتى أن بعض الاقتصاديين أكدوا خلال العام الماضي أن الفقاعة العقارية تكونت بالفعل في مصر وأن انفجارها بات وشيكا مع تزايد المضاربة على العقارات الفاخرة وأراضي البناء.

الحكومة المصرية ورجال الأعمال كانوا يراهنون على شئ آخر بطبيعة الحال، فهم لا يستهدفون السوق المحلية ولا المستهلك المحلي بهذه العقارات الفاخرة كنوع من عنصرية رأس المال ضد الفقراء، وتركز سعيهم على ترويج هذه العقارات وسط أغنياء الخليج والأجانب تحت عنوان تشجيع سياحة الإقامة، بل وسعوا ومازالوا يسعون إلى تعديل القانون لتقديم قروض الرهن العقاري للأجانب، وهي القروض التي تمول بالأساس من ودائع المصريين بالبنوك. ولكن خاب رجاؤهم مع انفجار الأزمة العالمية، لتبدأ بوادر انفجار الفقاعة العقارية في مصر وتنخفض أسعار العقارات للمرة الأولى منذ سنوات.

الحكومة المصرية سوف تستغل هذه الأزمة وبعض التطورات المصاحبة لها في تمرير مشروعاتها المعادية للفقراء. أحد أمثلة ذلك ينصب على الدعم. كانت الحكومة قد رفعت أسعار الوقود مما أدى إلى موجة عنيفة من زيادة أسعار المواصلات والنقل محتجة بارتفاع أسعار النفط عالميا، وبعد انهيار أسعار النفط لن تقوم الحكومة بسحب الزيادة في أسعار الوقود ولا أسعار المواصلات العامة لتعمل على خصمها من فاتورة الدعم الموجه للفقراء، فالأغنياء طبعا لا يستخدمون المواصلات العامة في تنقلاتهم. نفس الأمر ينطبق على بعض السلع الغذائية التي لن تنخفض أسعارها في الداخل رغم انخفاضها عالميا، ويرجع ذلك جزئيا إلى وجود مافيا من المحتكرين في هذا المجال، وجزئيا إلى رغبة الدولة في انتهاز فرصة انخفاض الأسعار العالمية في تخفيض دعم السلع التموينية والخبز.

أما ما يكشف عن عداء الحكومة للفقراء وانحيازها الكامل للأغنياء في معالجتها لأمر الأزمة الاقتصادية الحالية فهو اتجاهها إلى تقديم مزيد من الدعم للأثرياء في الوقت الذي تتحين الفرص فيه للانقضاض على ما تبقى من الدعم الموجه للفقراء. عندما تحقق النمو الاقتصادي بمعدلات مرتفعة، وعدوا الفقراء بأن ثمار هذا النمو سوف تتقطر عليهم في المدى المتوسط، في حين كان الفقراء يزدادون فقرا والأغنياء يزدادون غنى. واليوم سوف يحتجون بأن هذا الأثر المزعوم لم يتحقق بسبب الأزمة العالمية، والحقيقة أن سياساتهم كانت ومازالت تتجه عن قصد ووعي كامل إلى طحن الفقراء وتكثيف استغلالهم من خلال برامج الإصلاح المزعومة التي لا تصب في نهاية المطاف إلا في كروش الأثرياء وأصحاب النفوذ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: ماذا عن إصدار محكمة عسكرية حكما بالسجن سنة بحق المعارض


.. مشاهير أمريكا. مع أو ضد ترامب؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الولايات المتحدة وإسرائيل ..الدعم العسكري| #التاسعة


.. ما هي التقنيات الجديدة لصيانة المباني الشاهقة؟




.. حماس تتهم إسرائيل بقطع الطريق على جهود الوسطاء | #غرفة_الأخب