الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محنة اليسار مع ابطاله الجدد

عبد العزيز حسين الصاوي

2008 / 12 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


هؤلاء ابطال يصنعهم بعض اليساريين الذين تتطابق مقاييسهم للوطنيه مع مقاييس الاسلاميين والقوميين التقليديين وهو في الحقيقة مقياس واحد بسيط للغايه : أنظر اين تقف امريكا وتمترس في الموقف المضاد ولاداعي لأجهاد نفسك بالتفكير ماإذا كان هذا الموقف صحيحا بمعايير مصلحتك الوطنيه حتي لو تقاطع مع الموقف الامريكي في نقطة او اخري، ام لا. هؤلاء يرفعون راية العداء لامريكا والامبرياليه بيد ويستخدمون اليد الاخري لتكتيف قدمي ويدي عقل الانسان ويلقون به في يم لاتنفع في الخروج منه عضلات بدون دماغ النتيجة انه يضحي إما عاجزا عن الدفاع حتي عن عتبة داره او يتحول الي روبوت جهادي وذلك عبر القاسم المشترك بين هذين الضدين وهو مصادرة قدرته علي التفكير المستقل. في الحالتين الحصيلة العقيمة واحده. بقاء الامبرياليه محتفظة بكامل عافيتها لان النظام السياسي القائم علي فك إسار عقل الانسان يعمل بكفاءه لمعالجة اخطاء السياسة والاقتصاد داخليا وخارجيا.
النموذج المخفف قليلا لهذه النوعية من الاسلاميين والقوميين التقليديين، او مزيج منهما، موجود عندنا في السودان عيانا بيانا إذ يصدر من اعلي المنابر ومع ذلك يبقي قسم مؤثر من اليساريين غافلا عن اشباهه في امريكا اللاتينيه وغيرها لمجرد ان هؤلاء يستبدلون لافتة الوطنيه والاسلام والعروبه بالاشتراكيه والحركة المضادة للعولمه. وعلي وقع زفة التأييد الاعمي الصادرة عن هؤلاء تتسلل سياسات ومواقف شخصيةٍ مثل الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز الي وعي شبابنا كبطل يساري فيعاد انتاج العلاقة التي دمرت نماذج الاشتراكيه فيما مضي من الزمان السوفيتي وغير السوفيتي بين قضية التنميه بالشعب وللشعب وانظمة العقل المكّتف بالحزب الواحد. وعلي ذلك ليس لنا ان نعجب عندما يعجز طلاب الجامعات المعارضون عن توحيد صفوفهم، فهم أبناء انساق فكرية وسياسية لاتزال مغلقة علي نفسها رغم كل ادعاءات الاستفادة من تجارب الماضي وان نهلل نحن جميعا معهم لحذاء الزيدي.
في اخر انباء نبي اليسار المزيف الفنزوبلي هذا انه خسر مواقعه في مراكز المدن بما في ذلك احزمة الفقر التي بني شهرته كنصير لها. ففي انتخابات محليه جرت اواخر نوفمبر الماضي فازت المعارضة في اربع من خمس بلديات في العاصمه كاراكاس من بينها بلدية SUCRE ذات الكثافة السكانية العاليه والتي تعتبر افقر منطقة حضريه في امريكا الجنوبيه. اما " حزب فنزويلا الاشتراكي المتحد " الذي يتزعمه شافيز فقد فاز في 17 بلديه من بين 22 بلديه معظمها في المناطق الريفيه ذات الكثافه السكانيه، وايضا الوعي، المحدود. ورغم ان عدد الاصوات الكلي التي حصل عليها حزب شافيز تتجاوز تلك التي حصلت عليها المعارضه ( 6 مليون مقابل 4 مليون للمعارضه ) الا ان الاية تنعكس اذا علمنا ان عددا من مرشحي الحزب الذين يعارضون توجهاته حصلوا علي نسب عالية من الاصوات دون ان يفوزوا ولكنها حسبت ضمن اصوات الحزب، وكذلك النسبة الكبيرة استثناء من الاصوات التي احرزها احد الذين فازوا من هؤلاء ( 73 % ) وهو في الوقت نفسه ممثل رئيسي للتيار المعارض لشافيز داخل الحزب وسبق له أن فصله. مع كل ذلك، وفي سلوك معهود من قبل انظمة الدكتاتوريه الصريحه والمستتره الذي يقلب الهزائم انتصارات، اعتبر شافيز النتيجه مصادقة شعبية علي " طريق الاشتراكيه الذي اخترناه " ويعني ذلك، حسب جريدة الاندبندنت البريطانيه اقوي الاصوات الصحفية الناقدة للمؤسسات الغربية الحاكمه، انه سيحاول إعادة الحياه الي مشروع يمنحه سلطات اضافيه ويبقيه في السلطه مدي الحياه تقريبا كان قد رُفض في استفتاء العام الماضي. وكان شافيز قد طرح للاستفتاء مشروع تعديل للدستور الذي كان قد حصل بموجبه علي اغلبية برلمانية ساحقه، يزيل القيد الزمني علي مدة بقاء رئيس الجمهورية في الحكم وينزع السلطات الاقليميه ويمركز التعليم ويسيس الجيش ويضع احتياطات العمله الاجنبيه تحت تصرفه ويمنحه سلطة مصادرة الاراضي والممتلكات. بعبارة اخري الغاء الديموقراطيه بعد استخدامها للوصول الي السلطه ... حذوك النعل بالنعل كما كان الشيخ علي بلحاج والاسلاميون الجزائريون يخططون عام 1990 بدخول الانتخابات واصفين إياها في الوقت نفسه ب " السم الديموقراطي". وهذا نموذج اخر لوقوع بعض الطيور اليساريه علي اشكالها الاسلاميه وليس معروفا مإاذا كان التشابه يتجاوز العام الي الخاص ايضا لان شافيز يؤسس لاسرة مالكه حيث يحتل شقيقه ووالده ، وكذلك والدته، مناصب سياسية هامه .. بينما بدأ ملوك وأمراء العرب من الخليج الي المغرب والاردن يتحدثون، وبعضهم يفعل بخطوات خجوله، منذ مده عن انفتاحات سياسية في انظمتهم ... وفي نفس الايام التي تشهد فيها غانا انتخابات رئيس الجمهوريه بعد نهاية ولاية الرئيس " كوفور " .
من المؤسف ان الحالة الوحيدة التي غادر فيها حاكم ينتمي الي اليسار مقعده بغير الموت او القوة الاجنبيه هي حدوث ذلك لسبب اضطراري اخر وهو المرض. هذا ماحدث مع الزعيم الكوبي فيديل كاسترو في 18 فبراير الماضي بينما الرئيس الجزائري بوتفليقه لم يمنعه حتي المرض فعدل الدستور مؤخرا للبقاء في منصبه بعد نوبتين مرضيتين كادتا تقضيان عليه. هناك نصف استثناء لهذه القاعده وهي حالة الزعيم جمال عبد الناصر الذي استقال عقب هزيمة 67 ولكنه سحب استقالته اثر مظاهرات شعبية عارمه فسرها محبوه بكونها تعبير عن الارادة الشعبيه فأطلق عليها هيكل " تفويض بالتغيير " بينما ذهب التفسير المناقض الي ان الامر مدبر من الاجهزة الرسميه والحزبيه شبه الرسميه. والارجح ان كلا التفسيرين نصف صحيح بمعني ان رد الفعل الشعبي كان تلقائيا ولكنها مع ذلك تلقائية مصنوعه. فخلال 15 عاما منذ يوليو 52 قامت التربية السياسيه علي الوصاية الابوية مجسدة في الزعيم الفرد، والاب مهما أخطأ يظل أبا يعادل غيابه عند الابناء إنهيار عالمهم فلا يرضون له بديلا إذا استطاعوا الي ذلك سبيلا.
اما الاستثناء الحقيقي الذي يصلح مثلا للاقتداء اليساري به فهو رئيس جمهورية موزمبيق السابق يواكيم شيزانو احد زعيمي جبهة " فريليمو"، جبهة التحرير ضد الاستعمار البرتغالي الماركسيه، الذي غادر مقعده الرئاسي طائعا مختارا عام 2004 رغم ان الدستور يسمح له بولاية اضافيه، واختير عام 2007 كأول مستحق لجائزة " مو ابراهيم"، رجل الاعمال السوداني، التي تمنح لاكثر رئيس افريقي التزاما بالسلوك الرشيد. وهو لم يتردد في اتباع سياسة السوق المفتوح وفي فترات معينه تنفيذ وصفات صندوق النقد الدولي بما فيها خصخصة المرافق الاستراتيجيه إذ رأي انها تخدم مصلحة بلاده، ولكن بدون رقابة قبليه علي الصحف واغلبية برلمانيه ميكانيكيه الخ.. الخ..تمنع اخضاع هذه السياسات للفحص والتدقيق من قبل الاخرين، وفعلا حققت موزامبيق مستويات عالية من النمو الاقتصادي، 7% في المتوسط ، رغم كوارث الفيضانات وفقر مواردها الطبيعيه. ولنفس الاسباب تخلي شيزانو عن الماركسيه والسياسات الراديكاليه لدرجة انه عقد اتفاقا مع جنوب افريقيا في عز هيمنة نظام الفصل العصري ليوقف دعمها للتمرد المسلح في بلاده.
الملاحظة الختامية التي تثيرها النماذج المذكورة في هذا العرض اذا نظرنا للموضوع من الناحية الدينيه، هي ان المجتمعات المسيحيه وغير الاسلامية عموما تبدو اكثر قابلية لتنمية تيارات وقيادات قادرة علي تمييز موقع المصلحه الوطنيه بصرف النظر عن مدي التقائها أو افتراقها عن السياسات الامريكية والغربية عموما، حتي في فنزويلا حيث ينكشف الوجه التسلطي، والعقيم لهذا السبب، لادعاءات شافيز تحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة امريكا من داخل حزبه وخارجه. الحق أن الاسلام ايضا وليس اليسار وحده في محنه.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة ترفع شعار -الخلافة هي الحل- تثير مخاوف عرب ومسلمين في


.. جامعة كولومبيا: عبر النوافذ والأبواب الخلفية.. شرطة نيوريورك




.. تصريحات لإرضاء المتطرفين في الحكومة للبقاء في السلطة؟.. ماذا


.. هل أصبح نتنياهو عبئا على واشنطن؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. طبيبة أردنية أشرفت على مئات عمليات الولادة في غزة خلال الحرب