الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحبظاتي كليب -عرض في الحكي المسرحي -

هاني أبو الحسن سلام

2008 / 12 / 26
الادب والفن



النقد النسوي feminism هو أحد نظريات النقد التفكيكي ، التي اجتاحت الغرب في إطار اتجاه مابعد الحداثة في تسعينيات القرن الماضي والتي قامت على فكرة تحرر المرأة من نظرية (الفالوظ) أو من سيطرة الرجل عليها . وقد تم التنظير لهذه الفكرة على أيدي مفكرات ومفكرين كبار في الأدب الغربي ، وعلى الرغم من ندرة من أدلوا بدلوهم في هذا المجال في مجتمعاتنا العربية ، على مستوى الكتابة النقدية إلاّ أن فرقة ( ورشة المسحراتي ) بقيادة المخرجة عبير علي والكاتبة رشا عبد المنعم قد اقتحمتا الأفق الإبداعي تأليفاً وإعداداً وإخراجاً بعرضٍ نسويٍ بالكامل في أمسية رمضانية سكندرية بعنوان ( حكاوي الحرملك ) تتناول قضية المرأة في معاناتها من السيطرة الرجولية في قوتها وضعفها بعد عرض (شهرزاد) لفرقة الرقص المسرحي الحديث الذي اعتمد اعتماداً كلياً على السرد التشكيلي بلغة الجسد وبلغة الصورة. ويقف عرض حكاوي الحرملك موقفاً مواجهاً لعروض السرد التشكيلي المسرحية والعرض يسرد بلغة الصوت إلقاء وتشخيصاً وغناءاً وعزفاً مواقف ماضوية بالتشخيص إذ يتعرض نقدياً للعديد من القيم والعادات الماضوية بالتشخيص الأدائي الحي تمثيلاً وغناء وإلقاء.
شكلت تلك المواقف لوحات متتابعة لحكايات بعينها من تاريخنا الاجتماعي مع قصصٍ للأطفال مثل حكاية (سيد وصفية ) - وهما زوجان - تقوم أحداثها على تصوير العلاقة الزوجية المملة وانعدام التفاهم بين الزوجين ومثلها حكاية (علي ونور ) في إطار فكاهي ممتع .
وتتخلل الحكاوي أغانٍ تراثية مختارة من إبداعات صفوة المغنيين والملحنين في مصر من أمثال سيد درويش بأغاني (والله تستاهل - حرج عليّا بابا) ولرتيبة أحمد أغاني ( يانا يامك ) ولسيد مكاوي ( يالا بينا تعالوا ) ومن تراث السمسمية البورسعيدي ( بتغني لمين يا حمام) ولوجيه عزيز ( مش نظرة وابتسامة - شوية هموم – ساكته ليه )
يقتبس العرض من أسلوب المسرح الشامل الذي يوظف كل أشكال الفنون من ( تمثيل أوتشخيص إلى الغناء إلى الحكي إلى المونولوج إلى العزف إلى الرقص إلى خيال الظل ) وهو أسلوب عرفته فرق المحبظين – من التحبيذ – وهي فرق مسرحية لفنون الارتجال قبل أوربا بكثير - حيث قدّم عرض (حكاوي الحرملك) ثلاثة لوحات بيضاء لخيال الظل موزعة في الخلفية تعكس كل منها صورة ظلية لدمية إحداها بقدم ونصف والثانية مصلوبة والثالثة بلا يدين . تشكل ثلاثتها معادلاً تشكيلياً لرؤية المخرجة خاصة وأن اتجاه الشخصية المرسومة في كل لوحة من تلك اللوحات الثلاث يعطي المتفرج عليها ظهره وهي دلالة على الاتجاه للخلف وليس إلى الأمام تعبيراً عن توجهها نحو الماضي وهي تتضح من اختيار العنوان ( حكاوي الحرملك) كإطار للاحتفالية (السامر) التي قدمتها وكلنا نعرف أن الحرملك هو مكان سكن الحريم في القصور الشرقية وتتلخص الرؤية في مقولة مكتوبة للعرض : ( هنا في الحرملك حكايات ستات ورجّاله جوه الحرملك .. يا ترى هل امتد الحرملك ليشملنا جميعاً أم تسلل ليسكننا من الداخل ؟! المسحراتية)
اعتمد هذا العرض الاحتفالي على تقنية المونتاج السينمائي في تقديمه للوحات من حكاوي الحرملك في تتابع غير منطقي للمشاهد كما في الفيلم السينمائي حيث يبدأ المشهد بحدوته ثم لا يلبث أن ينتقل إلى مشهد آخر ولا يكمله ليعود إلى المشهد الأول ثم يعرض جزءاً تالياً لما قدمه في البداية ثم ينتقل إلى مشهد ثالث وهكذا .
ويتبدى توظيف المخرجة (عبير علي) للوحات المرسومة والمعلقة في الخلفية عندما تسقط عليها الإضاءة كلما بدأ الأداء التمثيلي أو الغنائي في تشخيص موقف ماضوي لنقده في الواقع .
لاشك عندي في أن هذه الفرقة الوليدة التي جمعت كل فنون الأداء الشعبي المصري فنون ما قبل المسرح والتي اتخذت أسلوباً يجمع ما بين المحبظاتية وأسلوب المقامة العربية حيث وظفت كل الفنون تقريباً باستثناء فنون الرقص وفنون الحركة ، إذ ينحصر الأداء في إطار فنون الصوت مع القليل من الإشارة أو الإيماءة أو التحريك ، إلى جانب القليل من الأقنعة وقطع الملابس أوالباروكات واللحى والذقون .
وإذا كنت أنسب أسلوبها لأسلوبي المحبظاتية وهي فرق مسرحية مرتجلة انتشرت في مصر منذ أيام المماليك وفي عصر محمد علي حيث كانت تقيم الحفلات في المناسبات المختلفة وتعرض في قصور الأمراء وصفوة القوم عروضاً شعبية تجمع العديد من الفنون قبل المسرحية فإني أقصد اقتراب عروض (ورشة المسحراتي) من حيث الشكل من المحبظاتي ، بل تختلف لأنها لا تستهدف التسلية والترفيه ولكنها عروض تنويرية بمعنى الكلمة ، لأنها تستحضر موضوعات وقيم تراثية مقيدة لحرية التعبير بل لحرية التفكير والتدبير . ويبدو دور هذه الورشة الفاعل في أنها تستحضر تلك القيم والعادات المتخلفة في عصر تجتذبنا فيه من أعناقنا كالقطيع (رجالاً ونساءً) جماعات الظلام نحو عصور التخلف والانحطاط.
أما إشارتي إلى اقتباس عرض (حكاوي الحرملك) لأسلوب المقامة العربية التي شهر بها بديع الزمان الهمذاني وغيره في العصر العباسي فسببه أن المقامة في حكي وحكواتي يقوم على التشخيص ويستعين بالاقتباسات الشعرية والنثرية وفنون التنكر وفنون التشخيص والإلقاء دون فن الحركة باعتبارها حكاية درامية تحكى بأسلوب (السرد الانعكاسي) الذي يشكل إحدى دعامات تقنية التفكيك في أدب ما بعد الحداثة post modernism.
إن هذه الفرقة الوليدة التي اتخذت لنفسها من حيث الشكل أسلوباً قائماً على إحياء فنون شعبية درامية وغنائية وقولية أصيلة ونذرت نفسها لقضية نقض الخطاب الذكوري في نظرته للمرأة عبر العصور مركزة على ماضينا وحاضرنا تنويراً لنظرتنا المستقبلية للمرأة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج