الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كل العتب على الطليان!

جمعة الحلفي

2004 / 3 / 12
الادب والفن


يعرّف فن الكاريكاتير بوصفه التعبير الساخر عن الواقع، أو التعبير الناقد للواقع، إلا أنه، بتعريف آخر أكثر دلالة، الواقع نفسه في واحد من وجوهه. ولأنه كذلك فطالما أبكانا الفنان الراحل ناجي العلي قبل أن يضحكنا، لأننا كنا نرى في رسومه واقعنا، كما هو في الواقع، مهترئاً ومشوهاً وملتبساً وغرائبياً.
وفي تلك الرسوم وسواها، طالما ابتسمنا، أوحتى قهقهنا عالياً، لرؤية الشاعر وهو يقرأ على الجمهور مطولة شعرية تقاس بالأمتار وليس بالصفحات، فيما الجمهور المسكين يستمع إليه بملل أو ببلاهة ربما. هذه الصورة، التي تبدو متخيلة، غرضها السخرية، أو الهزء مما هو ليس بشعر ولا بفن، يمكننا أن نشاهدها عيانا في أي مهرجان عربي للشعر يسعدنا الحظ بحضوره، وقد كان لي شرف حضور واحد من هذه المهرجانات قبل فترة حيث تكررت أمامي، تلك الصورة الساخرة، صورة الكاريكاتير إياه، بكل تفاصيلها وخطوطها، مع فوارق بسيطة منها أن صورة الواقعة كانت أكثر سخرية من صورة الكاريكاتير نفسه، فيما كان الجمهور "الواقعي" أكثر شجاعة من "جمهور" الكاريكاتير!
ففي كل ليلة من ليالي المهرجان كانت الأنوار الساطعة تضاء في القاعة الكبيرة، فيتقاطر الجمهور لسماع الشعر، وبعد أن يقدم عريف الحفل، الشاعر، مسبوقاً بعبارات الثناء والتبجيل والترحيب، يمتطي منصة الخطابة، فيصمت الجمهور. لكن، من الدقائق الخمس الأولى يبدأ الافتراق بين الاثنين… الشاعر يقرأ والجمهور يتململ… الشاعر يصّر على الاستمرار أكثر من الوقت المخصص له،…والجمهور يرد عليه بالشغب، فيتصاعد الخلاف… صوت الشاعر يتحول إلى صراخ… و الشغب يتحول إلى فوضى… بعض الجمهور يتجرأ فيخرج من القاعة إلى الأروقة، يدخّن ويفضفض عن احتقانه. وبعض آخر يلوذ بالصمت لكن دون اكتراث. بعض ثالث يفتح مناقشات حول شوؤن الحياة والأسواق والأسعار، فيما الشاعر يستمر حتى … يتعب، فيخرج من بحور الشعر وهو يتصبب عرقاً ليعلن: والآن أقرأ عليكم قصيدتي الأخيرة… فتضج القاعة الكبيرة بالتصفيق، تصفيق حار ومتواصل يعّبر عن امتنان الجمهور للشاعر!!
كنت استرق النظر إلى الجمهور، في تلك اللحظات، فأراه وقد انفرجت أساريره..فقد كف عن الكلام من كان يتكلم مع جاره، وعاد من كان خرج من القاعة، وحّل الصمت مرة أخرى.. بانتظار شاعر آخر..وفي كل مرة كنت أتساءل مع نفسي : يا ألهي كم يحب الجمهور القصيدة الأخيرة ؟
طبعاً لاذنب للمهرجان، أي مهرجان، أن يأتي الشاعر ليقرأ على الجمهور شعراً رديئاً أو قديماً كان قد سمعه الجمهور من الشاعر نفسه من أيام إيليا أبو ماضي وبدوي الجبل !… كذلك لاذنب للجمهور لكي يُجلد بالمطولات وبالشعر الرديء، وهو قادم أصلاً لسماع ما يُسحر وُيسكر ويُطرب ويخفق له القلب والوجدان … أيضاً لا ذنب للشاعر، لأنه قد يكون تصور الأمر معكوساً.. بمعنى أنه وجد في خروج البعض من القاعة تعبيراً عن تأثره وعدم قدرته على تحمل الوجد الشعري! .. أو تَصور أن منً كان يتحدث مع جاره الجالس جنبه، إنما كان يناقش جماليات القصائد الملقاة عليه !! كل هذا جائز لذلك، ولكي لا نظلم الشاعر أكثر، نقول : كل العتب على الطليان !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي