الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مركز وأطراف

كريم كطافة

2008 / 12 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


في سبعينات القرن المنصرم، برز من بين الماركسيين، رجل مصري درس الاقتصاد السياسي بتخصص عال، كان اسمه (سمير أمين). خرج هذا الرجل على العالم بنظرية اقتصادية تتنفس من رحم الماركسية، إلا أنها لم تنتم إلى ماركسيات عصره. دعا نظريته أو دعاها الآخرون بـ(مركز وأطراف). حاول من خلالها أن يصف المسار الذي وصلت إليه الرأسمالية في زمنه، بعيداً عن المقولات والمسلمات المتخشبة لذلك الزمن، المقولات المتمحورة حول فكرة؛ "نظام رأسمالي آيل للسقوط ونظام اشتراكي مزدهر أو أن سمة العصر هي الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية..إلخ المفارقة الكبرى كانت أن الرجل حورب من قبل ماركسيي زمانه وكان على رأسهم ماركسيي بلده والبلدان المشابهة لبلده، واُحتضن من قبل مراكز الرأسمال الكبرى، إذ عرضوا عليه العمل في أخطر مراكزهم الاقتصادية ومنها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتجارة والتنمية، وقد تقلد مناصباً قيادية في تلك المؤسسات.. كما هو واضح أنهم حاولوا الاستفادة من تنبؤاته الثاقبة لمآل سير نظامهم..
كان ملخص نظرية هذا الرجل؛ أن هناك مركزاً متقدماً علمياً وتقنياً واقتصادياً واجتماعياً لا يسكنه سوى 15% من سكان الكرة الأرضية يستحوذ على أكثر من 85% من ثروات الأرض وهو منغلق على نفسه ومحاط بأحزمة من الفقر. فقر من نوع جرى قياسه بمقياس شبيه بمقياس ريختر لقياس درجة قوة الزلازل، إذ قسم إلى فقير وأفقر وفقير جداً وتحت خط الفقر. وكان الهدف النهائي لنظرية الرجل هو محاولة تفكيك المركز والأطراف معاً، لأحداث حالة من التوازن تجعل الحياة على الأرض ممكنة وميسرة ليس لأهل المركز فقط، بل لباقي الكائنات المحزمة بأحزمة الفقر كذلك. لأن عدم حصول مثل هذا التوازن سيجعل مصير الأرض بمركزها وأطرافها في مهب الريح، ستكون عرضة لزلازل وبراكين أين منها زلازل وبراكين الجيولوجيا. والسبب يكمن في آلية سير النظام الرأسمالي نفسه، إذ من بين أخطر وسائل تنفيس أزماته الدورية هي الحروب. ومعروف للجميع ما وصلت إليه تقنيات الحروب المعاصرة، ليس أقل من أنها وصلت إلى إمكانية إبادة ليس الجنس البشري فقط، بل كل مظاهر الحياة على الأرض، بكبسة زر يقدم عليها مجنون أو يائس..!!
شخصياً، لا أعلم على وجه اليقين إن كان الأمر صدفة أم هو انقياداً لتنبؤات هذا الرجل، درجت الدول الرأسمالية الكبرى ومنذ السبعينات، على تقليد تخصيص نسبة من ميزانياتها القومية تكون موجهة لتنمية أحزمة الفقر في القارات الثلاثة. كمية وأهمية تلك التخصيصات النقدية تختلف من دولة إلى أخرى، تمنح مبالغها أما على شكل هبات عينية ونقدية أو ديون بلا فوائد أو اعتمادات مصرفية، الهدف منها المساعدة في تنمية بلدان الأحزمة، وفق نظام الأواني المستطرقة ما أن تسكب الماء من جهة حتى تراه في أقصى جهة من الأواني بنفس المستوى أو هكذا كان الهدف المعلن.
غير أن هذا الحل جوبه بعاملين معوقين، الأول هو ضآلة وتفاهة تلك النسب المخصصة لتنمية أحزمة الفقر، واضح أن جشع الرأسمالي أقوى من غريزة البقاء نفسها والعامل الثاني أن تلك البلدان المحزمة بالفقر تقاد من قبل أنظمة استبدادية وصلت السلطة عبر انقلابات عسكرية، نجحت نجاحاً منقطع النظير في إخصاء شعوبها، معلوم أن الإنسان ليس بالضرورة يموت من الفقر، لكن المؤكد أن كرامته هي التي ستموت من الفقر..!! سعت تلك الحكومات بقصد أو بدونه إلى إفشال هذا المسعى، إذ عملوا على لوي عنق الأواني وأنابيبها باتجاه العودة بالأموال من جديد إلى ذات المركز، ما أن تصل تلك الأموال إلى الدولة المعنية حتى يقوم الحكام بإعادة ضخها مضافاً لها ما يُسرق من ثروات البلد إلى بنوك المركز من جديد..!! إنما تكون الأموال هذه المرة بحسابات ذات أرقام سرية على اسماء الرؤساء وأبناءهم وزوجاتهم وأقاربهم.
الميزة الأخرى الكامنة في أنظمة الأطراف، أنها هي الأخرى تعاني من معضلة مركز وأطراف..!! إذ تجد في كل بلد ذات المقياس الريختري؛ مركز قوي ومزدهر في العادة يكون هو العاصمة، محاط بأحزمة تتدرج في فقرها مكانياً على طول مساحة البلد. إنما درجات الفقر تقاس هنا بالبعد والقرب من طائفة أو عرق أو عقيدة أو قومية الرئيس وحزبه الحاكم..!!
لكل هذه الأسباب ووفق نظرية المركز والأطراف لا مندوحة من هدف وحيد أمام البشر بمركزهم وأطرافهم هو فتح بلدان أحزمة الفقر وفي القارات الثلاث، لتوطين مخلوق (اسطوري) يدعى الديمقراطية، هذا المخلوق هو الوحيد القادر على تقزيم إلى حد إلغاء الاستبداد والاستفراد بثروات البلد من قبل حكام شعارهم كان وسيبقى (إلى الأبد إلى الأبد... أو جئنا لنبقى) وبدون هذه الفتوحات الإنسانية، سيظل المركز منكمشاً على نفسه يخرج من أزمة ليقع في الثانية وينفس أزماته بحروب الإبادة التي سيكون وقودها في الغالب بشر الأحزمة وستظل أحزمة الفقر تصدر المهاجرين والإرهاب إلى المركز. أنها دوامة ضحاياها الفقراء وحدهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على خطى حماس وحزب الله.. الحوثيون يطورون شبكة أنفاق وقواعد ع


.. قوة روسية تنتشر في قاعدة عسكرية في النيجر




.. أردوغان: حجم تجارتنا مع إسرائيل بلغ 9.5 مليارات دولار لكننا


.. تركيا تقطع العلاقات التجارية.. وإسرائيل تهدد |#غرفة_الأخبار




.. حماس تؤكد أن وفدها سيتوجه السبت إلى القاهرة