الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//الاسس المادية للثورة التحديثية في المغرب .// تابع

بلكميمي محمد

2008 / 12 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


« ماهي الاسباب التي جعلت من المغرب ، وهو البلد الزراعي حسب المعايير الاقتصادية – الاجتماعية ، يصبح عاجزا حتى عن انتاج ما يكفي لتغذية مواطنيه ؟ .
لماذا ظل المغرب ، رغم امكانياته البشرية وثرواته المعدنية ومحيطاته الشاسعة ، عاجزا عن ان يكون بلدا صناعيا ؟
لماذا لم يجد المغرب المثقل بالديون الخارجية من مخرج لازمته المالية سوى التنازل عن السيادة الوطنية لصندوق النقد الدولي الذي اصبح المتحكم في رسم السياسة الاقتصادية للبلاد ؟ .
هل مرد هذا التخلف المجتمعي الشامل الى عجز بنيوي في نفوس وعقول واجسام المغاربة ، بما هم ذوات مشلولة الفكر والفعل والارادة ؟ .» ام يعود لاسباب اخرى ؟.

تحول الارستقراطية القبلية الى اقطاع تحت الرعاية الاستعمارية :

ان التطور التاريخي للملكية العقارية حتى مجيئ الاستعمار ، يسمح اذن بالخلاصة العامة التالية: لقد كانت البادية المغربية في ذلك الوقت مقسمة الى منطقتين اقتصاديتين – سياسيتين متميزتين نسبيا . فبالنسبة للمنطقة المخزنية التي كانت تشمل معظم المناطق المجاورة للمدن الكبرى ، فقد كانت قد ظهرت فيها اذن ارستقراطية قبلية تابعة للسلطة المخزنية المركزية ، وخضعت هذه الارستقراطية في تشكلها – كما تم التاكيد سابقا - لطرفين مختلفين ، الطريق الفوقي الذي تميز بكون السلطة المركزية استطاعت فرض موظفيها الاجانب عن المنطقة بالقوة ، كقواد وولاة قبل ان يسمح تفكك القبيلة الذاتي بفرز ارستقراطية محلية يمكن الاستناد اليها . في هذه الحالة ، كانت السلطة السياسية الفوقية هي صانعة قاعدتها العقارية .
اما الطريق الاخر فهو الطريق التحتي ، الذي كان يتميز بتبلور ارستقراطية محلية نتيجة التفكك الاقتصادي الذي اصاب الاسرة الابوية ، والذي انعكس ايضا على البناء السياسي . فالرئيس التاقبيلتي الذي كان في البداية يتم انتخابه بشكل " ديمقراطي " ، سيصبح فيما بعد "امغار" مستبدا فزعيما قبليا كبيرا . ان هذا التطور السلطوي التصاعدي ينتهي حتما بصاحبه الى المؤسسة المخزنية التي يصبح واحدا من افرادها ، باعتبارها الوحيدة التي تمنحه الحماية العسكرية الضرورية . في هذه الحالة كانت اذن القاعدة العقارية التحتية هي صانعة غطائها السياسي .
بالنسبة للمنطقة " السائبة " التي كانت تشمل الجبال البعيدة والمناطق النائية ، فانها ظلت محتفظة بقاعدتها الانتاجية الاسروية ، لكون التجارة الراسمالية الاوربية لم تصلها . وعلى الصعيد السياسي لم تكن القبيلة قد تجاوزت بعد مرحلة الرئيس التاقبيلتي المنتخب .
هذا التمايز الاقتصادي - السياسي بين المنطقتين ، سيولد موقفين سياسيين مختلفين تجاه المستعمر الاجنبي الذي دخل البلاد .
بالنسبة للمنطقة المخزنية : ان القواد المخزنيين وخاصة الكبار الذين راكموا ثروات واسعة ، والذين اصبحوا اندادا للسلطة المخزنية نفسها ، لم يزكوا فحسب معاهدة الاستعمار التي قبلها المركز ، بل كانوا في العديد من الحالات محاوريه الاوائل الاساسيين . وهذا ينسجم كليا مع مصالحهم باعتبار ان الدعم الذي تقدمه لهم الادارة الاستعمارية سيفوق دعم المؤسسة المخزنية .
بالنسبة للمنطقة " السائبة " : كانت المقومة هنا التي قادها الزعماء القبليون المحاربون ، مقاومة شرسة . فالضباط الفرنسيون انفسهم يعترفون بان القبائل كانت لاتقبل القاء السلاح الا اذا اضطرت لذلك اضطرارا وبعد ان تكون قد استنفذت كل امكانيات المقاومة ( جرمان عياش : اصول حرب الريف ، بالفرنسية – منشورات سمير – لاسوربون ) .
ولما كان ميزان القوى العسكري – الاجتماعي مختلا بشكل لا يقاس لصالح الجانب الاستعماري ، فقد تمكنت الادارة الاستعمارية في الاخير من اخضاع كل القبائل لسلطتها المركزية وفرض ما اصطلحت على تسميته ب " التهدئة Pacification في منتصف الثلاثينات .
اما سياستها تجاه زعماء القبائل المنهزمين ، فلم تكن ترمي الى التخلص ، بل اختارت الاستفادة منهم عن طريق الاحتواء والتاطير . هكذا . . . فباحتفاظها لهم على مناصبهم القيادية على راس القبيلة ، وبتجنبها فرض موظفين اداريين تابعين لها ، تكون اذن قد سهلت على نفسها مهمة احكام سيطرتها على البادية واطلاق صيرورة التحويل العقاري لصالح الزعماء القبليين ، وهو التحويل الذي ستستند اليه لتاسيس تحالفها الاستراتيجي مع البادية المغربية .
يقول رومي لوفي ، المساعد التقني الفرنسي في وزارة الداخلية ، في الستينات ، عن تلك الحقبة التاريخية ، في كتابه الهام " الفلاح المغربي حامي العرش " – بالفرنسية ما يلي : " ان النخبة القبلية التي قادت الكفاح ضد الغزو الفرنسي ، قد مكنتها سياسة " التهدئة " من البقاء في السلطة . ولقد وجد كل الفرقاء في هذا الوضع ما يرضيه . فالفرنسيون قد زكوا الزعيم الذين يعرفون انه يتمتع بنفوذ داخل وسطه الاصلي . والسكان يفضلون طاعة اوامر الزعيم الذي اختاروه هم بانفسهم للدفاع عن وجودهم وحريتهم ، بدل صنيعة يفرضها عليهم المنتصر الاجنبي " ( الفلاح المغربي – بالفرنسية ) .
غير ان هذا الزعيم القبلي لم يكن يستمد نفوذه قبل التدخل الفرنسي - الا من كفاءته الشخصية ومن احترام السكان له ، سيجد نفسه فجاة بعد التدخل محاطا بالحماية العسكرية والقانونية التي توفرها له الادارة الكولونيالية بسخاء . لذلك فان منطق الاشياء نفسه ، سيدفع هذا الزعيم القبلي الى تشييد القاعدة العقارية – تحت التغطية الساسية الكولونيالية – التي اصبحت تلائم وضعه الجديد ، بهذه الطريقة سيتم اذن التحول التدريجي من زعيم حرب قبلي الى ملاك عقاري كبير " لوفو ( المصدر السايق- ) .
ان النظام العقاري المغربي الذي ظلت تعترض نزوعه الاقطاعي ، العديد من المعيقات ، سوف يعمل التدخل الكولونيالي على تكسيرها عسكريا وسياسيا وقانونيا ، وسوف يمنحه القاعدة العقارية الثابتة والراسخة التي طالما افتقدها ، والتي عليها سيتم توحد جناح القواد المخزنيين مع جناح زعماء الحرب القبليين ، ليشكلوا معا فئة اجتماعية جديدة موحدة المصالح ، هي الفئة الاقطاعية ( بكل ما لكلمة اقطاع من دلالة ) .
ان الصعود السريع للاقطاع المغربي ، مع ماترتب عليه من تمركز للملكية العقارية ، ادى حتما وبالنتيجة الى فصل المنتجين المباشرين ( الفلاحين ) عن وسائل انتاجهم وبالتالي الى تساقطهم . والفلاحون الذين وجدوا انفسهم فجاة بلا ارض وبلا وسائل استغلالها ، بحيث لم تبق في ملكيتهم سوى قوة عملهم ، سيضطرون اذن من اجل ضمان عيشهم ، الى استخدام تلك القوة كاقنان في اراضي الاقطاعيين ( لنلاحظ هنا ان الفلاحين الذين تحدث عنهم بول باسكون في كتابه " تطور الراسمالية في حوز مراكش في عهد الحماية " ، والذين كانوا يفضلون العمل كعمال زراعيين في ضيعات المعمرين ، على العمل كاقنان في اراضي الاقطاع ، لم يتعزز لديهم ذلك الميل الا حينما اشتد عليهم الضغط . اما في البداية فقد كانت الروابط الايديولوجية العشائرية – القبلية قادرة على شدهم الى ارض الاقطاعي ).
ان اصطلاح القن ينطبق في النظام الاقطاعي المغربي على الخماس ( او احد اشتقاقاته مثل الرباع ، والخباز ، والعزاب ... الخ ) . والعلاقة التي يضبطها العقد المتفق عليه بين الاقطاعي والخماس ، تسمح للاول بالاستحواذ على اربعة اخماس المنتوج على شكل ريع عقاري ، بينما يترك الخمس الباقي للثاني مقابل عمله .وهذا معناه ان الاقطاعي الذي يملك اراضي شاسعة ، يعمل على تجزئتها على عدد كبير من القطع الارضية الصغيرة ، فيضع على راس كل واحدة منها خماسا يمده بوسائل الانتاج الضرورية ( حبوب ، حيوانات الجر ... ) مقابل ان تعود اربعة اخماس المحصول لمالك وسائل الانتاج والخمس الاخر لمالك قوة العمل ( ان بعض النظريات الافتصادية التي تريد طمس واقع الاستغلال الذي يتعرض له الخماس ، لاتقدم علاقة الاقطاعي بالخماس على انها علاقة اجتماعية بين مالك لوسائل الانتاج وغير مالك لها . بل بصفتها علاقة عوامل انتاج ساهم فيها عامل العمل بالخمس والعوامل الاخرى باربعة اخماس !!) .
بيد ان الشروط التاريخية المتميزة التي احاطت ظهور النظام الاقطاعي المغربي ، وهي شروط الهيمنة لراس المال العالمي دوليا والفرنسي محليا ، ستطبع ذلك النظام بطابعها الخاص . لذلك لم يكن الاقطاع المغربي منغلقا على ذاته كما كان الشان بالنسبة للاقطاع الاوربي في مراحله الاولى ، بل كان بالعكس خاضعا وتابعا للسوق الراسمالية ( لتبيان درجة الانغلاق القصوى التي كان يتميز بها الاقطاع الالماني – مثلا - في بداية نشاته ، يسوق كارل كاوتسكي في كتابه " المسالة الزراعية " – بالفرنسية - الحكاية التالية : مادامت العلاقة التجارية مع العالم الخارجي منعدمة انعداما كليا ، كان الاقطاعيون عندما يريدون تجديد انتاجهم من الخمور للاستهلاك الخاص ، يضطرون من اجل التخلص من الخمور القديمة ، الى فرض شربها قهرا على الاقنان كنوع من انواع العمل الاكراهي ، حتى اذا ما اصيبوا بالسكر واخذوا يتشاجرون فيما بينهم ، يتدخل عندئذ يصفته رجل امن فيفرض عليهم دفع الغرامات بسبب المخالفات التي ارتكبوها . وبهذه الطريقة الملتوية كان يسترجع مقابلا لخموره ) .
ان السوق الراسمالية قد خلقت للاقطاعي المغربي حاجيات جديدة وكثيرة ، وكماليات متنوعة . لذلك كان يحرص على تحويل جزء هام من فائض الانتاج الى نقود لشراء وسائل بذخه ( يذكر بيير جيلي في "جمهورية لملك " ، بان الكلاوي كان زبونا مداوما لارقى المحلات التجارية الباريسية ، وقد سبق له ان اشترى جوهرة فريدة من نوعها اراد اهداها الى الملكة اليزابيت بمناسبة تتويجها على عرش بريطانيا ، ولكنها رفضتها ) .

في العدد القادم : تحول الاقطاع الى بورجوازية زراعية .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوكرانيا تقر قانونا يسمح لسجنائها بالقتال في صفوف قواتها الم


.. دول الاتحاد الأوروبي تتفق على استخدام أرباح أصول روسيا المجم




.. باريس سان جيرمان.. 3 أسباب أدت للفشل الأوروبي منها كيليان مب


.. هيئة البث الإسرائيلية: نقاشات في إسرائيل بشأن بدائل إدارة مع




.. وزير الدفاع الإسرائيلي: المهمة لم تكتمل في الشمال والصيف ربم