الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السودان:بداية التأريخ و سلفاكير الأول (1-2)

محمد عثمان ابراهيم

2008 / 12 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


ظل الدكتور جوناس سافيمبي يحتل مكانة المتمرد الأفريقي الأكثر سحراً في دوائر الإعلام و مراكز صنع القرار الغربية لحوالي الثلاثين عاماً. ففي الولايات المتحدة كان يتحدث بلكنته الإنجليزية الفصيحة أمام مؤسسات على شاكلة هيريتيدج فاونديشن عن رياح الديمقراطية التي ينبغي أن تستمر في الهبوب على أنجولا، و في باريس كان يخاطب الثقافة الفرنسية و يرضي غرورها بفرنسيته المبهرة و هكذا ظل يفعل في البرتغال و في غير مكان بلغاته العديدة و معارفه المتنوعة حتى وصفه أحد كبار مسانديه في دهاليز واشنطن في حديث لمراسل البي بي سي السابق في أنجولا كريس سيمبسون، بأنه الرجل الأكثر ذكاء ضمن من إلتقاهم طوال حياته لكنه أضاف أن سافيمبي خطير وعصابي. كاتب آخر وصف التحريفي الماوي الذي قضى غالب حياته يحارب الماركسية و يتعبد بها سراً بأنه التجلى الأكثر قرباً من الشيطان فهو ذكي و بارع الحديث و شديد القسوة.
في عام 1986م فتح رونالد ريغان امام الرجل، الذي يزين ثمانية من أصابعه بخواتم ضخمة، بوابات البيت الأبيض ووصف إنتصارات حركته ( يونيتا) بأنها " تكهرب " العالم وتجلب المزيد من المساندة والتعاطف للمناضلين من أجل الحرية حول العالم! و على ذات الدرب سارت جين كيركيباتريك سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة التي وصفت سافيمبي بأنه " واحد من الأبطال الحقيقيين في عصرنا هذا" وواصل الرجل سحره حتي إن جورج بوش الأب تعهد بمواصلة دعمه قبل أن يؤدي القسم رئيساً لأمريكا ( نيويورك تايمز 12/1/1989 م ) و هكذا فإن حجات سافمبي نحو البيت الأبيض تواصلت حيناً حتى انقطعت.
الرجل الأسود الذي جمع المتناقضات لم يكتف بهذا و إنما كان يتموًن من حكومة جنوب افريقيا العنصرية البيضاء في حربه من أجل حقوق السود في أرياف أنغولا و جمع مساندة بكين والغرب و لم يتخلف العرب عن مساعدته إذ ناب عنهم العاهل المغربي الحسن الثاني بما تيسر.
لكن الرجل الذي جمع المتناقضات لم يكن بلا خطايا أو خوف فقد أعدم ذات مرة سيدة إتهمها بممارسة السحر عليه و الطيران ليلاً حول منزله و عاقب بقسوة آخريات تخلفن عن الوفاء بحاجاته كرجل!
و بعد فإن خوف الرجل الأكبر كان من الديمقراطية !
فحين استوجبت ترتيبات السلام الأنجولي الهش إجراء إنتخابات عام 1993م ترشح سافمبي مكرهاً لرئاسة الجمهورية على أمل واحد هو أن تأتي به رئيساً للجمهورية و قد صرح بذلك بطيبة خاطر يحسد عليها لصحفي سأله عن رد فعله إذا لم يفز في السباق. رد سافمبي :إذن فلابد إن الإنتخابات مزورة، إن (يونيتا) لن تقبل على الإطلاق بنتائج إنتخابات مزورة!
في ليبيريا لم يكن شارلس تايلور بمثل هذا الوضوح حين خضع للإستحقاق الإنتخابي لكنه ألمح ومساعدوه إلى أن الجبهة الوطنية القومية من أجل ليبيريا لن تقبل بنتيجة مزيفة لا تثبته على المقعد الأول في البلاد، لذا فقد صوت له الجميع ممن سئموا الحرب مغنين ببعض حسرة: " لقد قتل أبي ، لقد قتل أمي ، لكني سأصوت له"!
وفى رواندا كان الجنرال اللطيف باول كيغامي أكثر حياء وهو يقدم سلفه باستور بيزيمونغو للرئاسة بينما يتفرغ هو نائباً للرئيس و قائداً أعلى للجيش لحين الإنتخابات المقبلة التي كان الجميع يعرف بدقة تامة نتيجتها القادمة.
كان كل هؤلاء يعرفون نتائج الإنتخابات سلفاً و يستطيعون قراءة نسبها غيباً ربما دونما حاجة لأوراق و أقلام و صناديق لكن أي من هؤلاء لم يزعم انه يعرف عدد السكان دون إجراء إحصاء سكاني.
لم يعلن أي زعيم أفريقي او نائب زعيم مقدرته على التكهن بنتائج الإحصاءات السكانية إلا الفريق أول سلفاكير ميارديت النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب. أعلن كير أنه لن يقبل بنتائج ( غير معقولة ) للإحصاء السكاني الذي أجرى ما بين 22 و 30 ابريل 2008 الماضي. و قال كير لدى مخاطبته ، في 4 ديسمبر الماضي ، لحشد جماهيري في لاينيا بولاية الإستوائية الوسطى " إننا لن نقبل بأقل من 15 مليوناً كعدد لسكان شعب جنوب السودان" ( سودان تريبيون 5/12/2008 م ).
إذن فإن الفريق أول كير يعرف عدد السكان مسبقاً و لن يعترف بأي نتائج سوى ما يعرف ، إذن لماذا وافق على إجراء التعداد و عن أي شيء إستحق إشادة وزارة الخارجية الأمريكية التي أثنت على ما قام به من أجل إنجاح التعداد ( سودان تريبيون 26 أبريل 2008 م )؟
لم يحفل أحد – في إعلام الشمال- بتصريحات كوماراد سلفا الخطيرة و التي يمكن القياس عليها لتبين موقفه من الإنتخابات المقبلة خاصة و انه أحد مرشحيها الكبار و هو مؤيد في تلك الخطوة من قبل جناح في الحركة الشعبية لتحرير السودان التي يترأسها و كل المؤتمر الشعبي بزعامة الترابي ( وهذه قصة أخرى).
على صعيد مواقف القوى الأخرى : لم يعلن الحزب الشيوعي ( حليف المؤتمر الشعبي ! ) حتى الآن موقفه من ترشيح الرفيق سلفا و لم يظفر رجال الحركة الشعبية في الفوز بكلمة (نعم ) من زعيم الحزب نقد الذي حظيت زيارته التأريخية- كما قيل – إلى جوبا بحفاوة بالغة .
و يعول الجناح الذي دفع بترشيح الرفيق سلفا للرئاسة الحصول على دعم الحزب الإتحادي الديمقراطي بأصواته الكثيرة و ضعفه التنظيمي خصوصاً و إن الحزب العريق لا يبدو انه يحفل كثيراً بمخاطبة راهن الواقع السياسي و يفضل الدوران حول نفسه و إذا إستثنينا زعيم الحزب السيد محمد عثمان الميرغني و الذي أرجح عدم ترشيحه لنفسه فإنه يصعب رصد شخص فيه مواصفات رئيس جمهورية ضمن المائة شخصاً الأوائل في هرم الحزب و هيكله التنظيمي. تبدو محاولات كسب الحزب الإتحادي جلية بعد عودة زعيمه إلى السودان إذا وضعنا في الإعتبار سخونة خطوط التواصل بين فاقان أموم و ياسر عرمان و مالك عقار من جهة و السيد الميرغني و بطانته من جهة أخرى ، و الدعوة العلنية للسيد الميرغني لزيارة جوبا في حين لم يتيسر له حتى الآن مقابلة أنصاره و زيارتهم ربما في مشارق البلاد و أواسطها.
لا تستطيع الحركة الشعبية - مثلها في ذلك مثل المؤتمر الوطني- التعويل على موقف من حزب الأمة الذي أثبت خلال العشرين سنة الماضية أنه الحزب الأكثر تحريكاً لمواقفه و تحالفاته الداخلية و الخارجية.
لكن كيف تم التوافق داخل الحركة الشعبية على ترشيح الفريق أول سلفاكير و لماذا تم إعلانه وحده دون أن يتوافق أصحاب النفوذ داخل الحركة الشعبية علي أي إسم آخر لمرشح آخر في منصب آخر، خاصة و إن الحركة – شريك نيفاشا- تعلم بأن الإنتخابات – إن أجريت – ستتم على جميع المستويات و لم نسمع حتى الآن عن لجنة من قادة الحركة تناقش هذا الأمر رغم أن ( قلب الحركة على لسانها ) في مثل هذه المسائل و ما إن تقوم بمناقشة أحبولة من أحابيلها السياسية إلا و تجد الأمر في صدر و سائل الإعلام حول العالم من صوت أميركا إلي يديعوت أحرونوت، الى أجراس الحرية!
في أعقاب طلب مدعي المحكمة الجنائية الدولية من المحكمة توجيه الإتهام للرئيس البشير بشأن إرتكاب جرائم حرب في دارفور أعلنت الحركة الشعبية عن ترشيحها لزعيمها لخوض إنتخابات الرئاسة و هو ما وصفه المؤتمر الوطني و مراقبون قريبون منه بأنه فقاعة سياسية و محاولة إنتهازية من الحركة للصيد في ماء القرارات الدولية العكر ، لكن نائب الأمين العام لقطاع الشمال السيد ياسر عرمان كان له رأي آخر أفضى به للصحفي بصوت امريكا بيتر كلوتي ( صوت أمريكا 28 يوليو 2008 ) قائلاً عن زعيم حزبه "لديه فرصة كبيرة جداً تنبع من حقيقة إن للحركة شعبية كبيرة ، لدينا رؤية.و إذا كنت تتحدث عن وحدة السودان و عن الوحدة كلها على أسس عادلة فإن سلفاكير قادم من جنوب السودان ليكون رئيساً للسودان من أجل الحفاظ على وحدة القطر. إنني متأكد أنه ستكون للناخبين العديد من الحوافز للتصويت لصالح سلفاكير".
على المستوى الشخصي تجدني أنظر بإهتمام دائماً لتصريحات عرمان فالرجل ( بلدوزر ) سياسي و صاحب مبادرات و وجوده في الحركة الشعبية مبنٍ على هذه الميزات أكثر من كونه شمالياً أو صاحب تحالفات أو صلات وثيقة بغيره من أصحاب النفوذ. و عرمان – في تقديري- يعرف تماماً أن يضع قدميه لذلك فإن محاولة إظهاره من جانب بعض وسائل الإعلام على إنه تابع شمالي للجنوبيين أمر غير موفق. إذا توقفنا برهة واحدة عند المواقف المتطرفة لعرمان ضد المؤتمر الوطني أو ربما ضد القوى الشمالية نجد أنها تتسق و وضعه داخل الحركة الشعبية الذي يتطلب منه بإستمرار إبتدار أجندة للحوار. إن حاجة الحركة الشعبية لعرمان تنتفى فقط – في تقديري – إذا انتفت حاجة الحركة إلى مبادرات جديدة و إلى مساهمات جديدة تغير بها أجندة الجدل السياسي العام من مناقشة ما يتعلق بها من قضايا إلى ما يتعلق بغيرها لذلك فإن الحديث عن تسليح جيش الحركة أو مزاعم الفساد في حكومة الجنوب أو تدخلات جيش الحركة في منطقة البحيرات تغرق سريعاً في بحر من الأجندة يفرضه عرمان و السيد فاقان أموم على صناع القرار و على الساحة السياسية كلها.
بتلك القراءة تجدني أحسب أن ترشيح الفريق سلفاكير الذي فاجأ الكثير من أصحاب الرأي داخل الحركة مثل د. لوكا بيونق وزير شئون الرئاسة بحكومة الجنوب ( أبلغ بيونق محرر أجراس الحرية في الأسبوع الثالث من أغسطس الماضي أن الحركة لم تتخذ حتى الآن قراراً بترشيح سلفاكير) يقع ضمن محاولات عرمان تغيير أجندة الجدل السياسي بمواضيع بمثل هذا الحجم فالكل يدرك أن ترشيح الرجل للمنصب غير المضمون يضع مستقبله السياسي، الذي جاءه على طبق من ذهب ، على طاولة النقاش مرة أخرى و هذه مخاطرة يصعب أن يرمي الجنرال المحترف بنفسه فيها.
و قد ذهبت الكاتبة منى البشير بصيحفة " سودان فيشن اليومية " ( 25 /8/2008 م ) مذهباً أبعد مما ذهبت إليه و قالت " إن مجموعة قرنق لم يهدأ لها بال حتى عزلت سلفاكير عن مؤيديه مثل تيلارا ( دينق) و إليو ( أجانق) حتى أجبرته على فصلهما من الحركة ، و تسعى الآن لتوريطه بالترشيح للرئاسة"، و تمضي الكاتبة بأنه سواء فاز سلفاكير بالرئاسة أم خسر فإنه سيخسر سلطاته التنفيذية بالجنوب حتى يعاد إنتخابه لرئاسة الحركة.
أكثر ما يثير الدهشة في ترشيح السيد سلفاكير هو محاولة تقديمه على إنه التجلي السوداني لباراك أوباما الملهم الأمريكي و أن " سلفاكير للتغيير". و لعل من المناسب هنا أن نشير – رغم كل ما كتب عن ترشيح وفوز أوباما- إلى أن الرئيس الأمريكي المنتخب لم يتوسل الرئاسة بلون بشرته أو كونه و لد في هاواى أو يعيش في شيكاغو. حصل الرجل على الرئاسة بإستخدامه نفس أدوات المجتمع الأمريكي العام و التسلح بقدرات تؤهله للحصول على المنصب دون إستعطاف، و لو طرح الرجل نفسه كمرشح للسود لفشل لأن دعوة كتلك كانت تعني بالضرورة طرح مرشح منافس من البيض.
و حسناً كتب بريان ماديسون في منتديات (قيرتونق) الجنوب-سودانية على الإنترنت إذ أشار إلى أن توقع فوز أوباما لم يكن ليحتاج إلى مجهود لوكان بارك أبيضاً فهو يملك ثلاث صفات تؤهله للمنصب هي أنه شاب ، ذكي ، و يطرح تغييراً مضاداً لسياسة بوش التي كرهها غالبية الأمريكان، و إن لون أوباما الأسود كان أحد النواقص التي هددت فوزه على هيلاري كلنتون في تصفيات الحزب الديمقراطي.
( نواصل )
* في العنوان تنويع لا يخفى على فطنة القاريء على عنوان كتاب رائج.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حاكم دارفور: سنحرر جميع مدن الإقليم من الدعم السريع


.. بريطانيا.. قصة احتيال غريبة لموظفة في مكتب محاماة سرقت -ممتل




.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين يضرمون النيران بشوارع تل أبيب


.. بإيعاز من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي.. ضرورات دعت لقيام




.. بعبارة -ترمب رائع-.. الملاكم غارسيا ينشر مقطعاً يؤدي فيه لكم