الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الساعة الحادية عشر – قصة قصيرة*

باسم السعيدي

2008 / 12 / 29
الادب والفن


استمر رنين هاتفها النقال بضع ثوان قبل أن تصل اليه، تسابقت أنفاسها مع نغماته التي تتغزل بجبينه الأسمر وهي تسعى بشغف لإخماد أنفاس نغمة الهاتف لتسمع صوته الحنون.
ضغطت الزر الذي يفتح إمامها أبواب الفردوس، جاء صوته حزينا هذه المرة:-
- كفاح .. كيف حالك؟
ردت هي في محاولة يائسة لإخفاء لهفتها
- بخير.. أين أنت؟ كيف يمتلك قلبك كل هذه القسوة؟
وجم جابر قليلاً، لم يرد على لهفتها بالبوح كما يفعل في كل مرة، بعد صمت بدا لها دهراً قال:-
- حبيبتي .. إن المسافة التي بيننا تمزق قلبي، وتحرق أعصابي، لكنني ...
كان لكلمة لكنني وقعاً في أذنيها يشبه وقع اليوم الذي ماتت فيه أمها، لم تطق خسارة أخرى بعد خسارتها، كانت أمها هي كل شيء في الدنيا، عندما مات زوجها لم تبكِ عليهِ، بل بكت أمها، عجيب أن يحضر موت أمها في كل مناسبة حزينة ، مع كل خبر حزين يتجدد موت أمها.
حينما خًطِف ابنها البكر قبل سنين ثلاث ذكرت موت أمها، لم تفهم العلاقة العميقة بين أمها والحياة، وبين موت أمها وخسارة أي قريب..
لم تعثر لولدها على أثر، وبقت أمها الميتة ماثلة أمام عينيها في كل وقت تخلو بنفسها مع قلقها النهم، ولدها الثاني هو الوحيد الذي ينسيها موت أمها، وحين يمضي الى عمله الرتيب يأكلها القلق بلا رحمة ولا شفقة.
- لكنك ماذا؟
كان جابر يفهم إشارات وجهها ويقرأ ملامحها قبل أن تقول شيئاً، ولكنها عبر الهاتف وفي لحظات صمتها تلك كان يقرأ صمتها نفسه مع إن ملامحها تغيب عن ناظريه لكنه يتفرسها في مخيلته ويجوب أرجاء وجهها ليفهم، فقال لها بحزن واضح:-
- ذكرت موت أمك أليس كذلك؟
قالت هي :-
- أجل.. لكنني لم افهم لماذا؟
صمت جابر للحظة ثم قال :-
- أنت تعلمين مدى حبي لكِ، وشوقي العظيم لأنظر في عينيك الجميلتين .. تعلمين أن عينيك عالماً يسحرني، ولا أجد الأمان إلا بين رمشيك.
فاضت عيناها بالدموع واختنقت بعبراتها ولم تجد الكلمات التي تسعفها، فأطبقت فاها لتتيح لعينيها ان تعبر عن مكنون قلبها، ها هي أمها المسجاة تتجسد أمامها مرة أخرى.
قال جابر:-
- ربما لن تصدقيني .. لكن الحقيقة هي أنني في هذه الساعة وتحت وطأة البرد مضيت الى غرفة إبنتيَّ الصغيرتين، كي أغطيهما خوفاً من أن تمرضا.. وقفت على رأس سمر ابنتي البكر .. متأملاً وجهها الملائكي الجميل .. وقلت في نفسي .. ماذا لو لم تكن سمر في بيتي الآن؟
ماذا لو كانت مخطوفة وليس بوسعي أن أطمئن عليها؟
ماذا لو كانت قد قًتِلت ودفنت ولا أعرف مكان قبرها؟
وجدتني بحرقة وكأنها فًقِدت فعلاً ..
صمت هو .. وظلت صامتة هي
والدموع تملأ أعينهما ..
مسح عينيه ثم استطرد
- كفاح .. صحيح أن الأمر قد يقتلك حزناًَ .. وهو يقتلني حزنا بلا ريب، لكنني لا أستطيع أن أشغل في قلبك الوسيع هذا مكاناً هو ليس لي .. بل لولديك، وصورة جميل الفقيد تؤرقني، يمد يديه في كل وقت ليزيحني ويستقر هو في قلبك.. كنت أطرد هذه الصورة من خيالي لأملأها بصورتك المتبسمة .. لكن في هذه الليلة ردَّت سمر اليَّ سكوني واحترامي لكِ ولنفسي.
عند ذاك سمع جابر صوت بكائها، كان الى المواء أقرب لكنه فهم أنه قتلها مرتين.
فأغلق سمّاعة الهاتف
* القصة حقيقة .. والتفاصيل بتصرًّف
بغداد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب