الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لنصفق لجماعة الإخوان .. بمرارة

إبراهيم المصري

2004 / 3 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لنفترض أن واعظاً من وعاظ الفضائيات ولنفترض أنه السيد / عمرو خالد تقدم للترشيح إلى عضوية مجلس الشعب المصري ، هل سيفوز ؟ .. أعتقد أن الإجابة هي نعم ، كون السيد / عمرو خالد يحظى بجماهير تجد في خطابه الديني ما يلمس مكنوناً دينياً داخلها .
ولنفترض أكثر أن جماعة مثل جماعة الإخوان المحظورة تم السماح لها بخوض الإنتخابات فهل ستفوز ؟ .. الإجابة .. فوزها مؤكد لأنها سوف تمس أيضا مكنوناً دينياً في مجتمع لا يزال مرتبكاً في عدم الإدراك أن الإيمانَ شئ وأن الحديث باسم الدين واتخاذه شعاراً سياسياً شئ آخر تماماً .
إنَّ ما تسميه جماعة الإخوان المحظورة ( بشعبيتها ) يقع في هذه المنطقة بالضبط أي منطقة المكنون الديني القابل للاستغلال من أي فئة محتالة سياسياً حتى وإن رفعت شعار الإسلام هو الحل .
يصدق هذا مثلا على طوفان الشباب الذين ذهبوا طوابيرَ إلى أفغانستان لكي ( يجاهدوا ) وبدون أن يدركوا أنهم كانوا مجرد أداة صغيرة في حرب تقويض الإتحاد السوفيتي ولم يكن لدورهم علاقة بالجهاد قدر ما كان له علاقة بفكرة طرأت على ذهن زبيجينو بريجنيسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق والذي رأى أن استثارة العالم الإسلامي للجهاد ضد الشيوعية في أفغانستان بوصفها بلدا محتلا سوف يساعد الولايات المتحدة ، وقد كان وذهب الشباب وعادوا إرهابيين .
جماعة الإخوان المحظورة تنفي عن نفسها صفة التطرف ، ويرتدي قادتها بدلات عصرية بربطات عنق ويروجون ضمن ما يروجون للديموقراطية وحقوق الإنسان ، وعيونهم تكاد تنفطر حسرة على كرسي السلطة الذي سيمكنهم في النهاية من إقامة جنة الله على الأرض .
وفي الحقيقة ليس للإخوان شعبية تذكر ، حالهم في هذا حال جميع الأحزاب المصرية ، لكن الإخوان وخلافا للأحزاب يزايدون على المكنون الديني لشعبٍ معذب .
وتقدم جماعة الإخوان المحظورة ما قال ( مرشدها ) إنه مبادرة ، وما أوضح الصحفي اللامع نبيل شرف الدين أنه برنامج مرشد الجماعة الراحل مأمون الهضيبي الانتخابي .
وأيَّاً كان الأمر فإن الحكومة وعلى لسان وزير داخليتها السيد / حبيب العادلي رفضت المبادرة فوراً .
غير أن المهم في كل هذا هو مثابرة جماعة الإخوان المحظورة على الوهم الذي لا يخفي التناقض الصارخ في مبادرتها أو تفكيرها ...
تقول الجماعة في مبادرتها الشعب مصدر السلطات وللنساء نفس حقوق الرجال إلا حق ( الإمامة الكبرى ) ويُقصد به رئاسة الدولة وهذا المصطلح قادم من التراث الفقهي وفي المنظور المعاصر فإن الأمر لا يستقيم إلا إذا قبلت جماعة الإخوان المحظورة بمساواة في المواطنة تقطع الجذر الديني في تفكيرها وتقبل بأن تكون سيدة قبطية مصرية رئيسة للجمهورية إن توافرت فيها شروط المنصب .
سوف تفزع جماعة الإخوان المحظورة بالطبع من هذا الطرح وقد تتلطى مثلما فعل أحد رؤساء الحكومة المصرية وقال الحكم للأغلبية وهذا صحيح ولكنه أضاف والأغلبية في مصر مسلمون ، والرجل كان يثرثر ، ولكن الجماعة تأخذ مصر كلها على هذا المعنى وتسعى إلى أن تكون ( دولة إسلامية ) ليس بالمفهوم الذي نقول به فرنسا دولة مسيحية وإنما بالمفهوم الطالباني عن الدولة .
غير أن الديموقراطية لا تعترف إلا بحق المواطنة وتسمح من هذا المنظور ولو نظرياً بأن يكون رجلاً يهودياً رئيسا للولايات المتحدة رغم أغلبيتها المسيحية .
قادة الإخوان ليسوا أغبياء إلى الدرجة التي لا يدركون فيها ما هو حاصل في هذا العالم ، وحينما بادروا أخيرا كانوا كمن يحمل بندقيته سريعاً لنجدة أخيه الذي يوشك عدو على قتله ، ولم تكن الدولة المصرية بحاجة إلى بندقية الإخوان في رفضها لمبادرة الشرق الأوسط الكبير الأمريكية .
الجماعة في رأيي كانت تشن غارة ربما عادت منها ببعض الغنائم مثل أن يُصرح لهم بحزب رغم أن الدستور المصري قاطع برفضه أحزاباً على أسس دينية .
ألم يتعب الإخوان إذن في سعيهم السرمدي إلى هدايتنا .. سؤال لا أثق كثيرا في أن أحدهم فكر فيه .. لأنهم وهم مشدودون بوهم أنهم الأصلح يزوغ منهم القدر الكافي من التعقل لكي يفهموا أن الحياة تغيرت والعالم كذلك وأن الصحوات الدينية لا تعني أن ثمة حلولاً لمشكلات الواقع أو أن الإخوان دون غيرهم القادرون على إصلاحنا .. ألم يقل ( مرشدهم ) الجديد .. ( نحن أحق الناس بالمبادرة ) ، ولن نسأل بالطبع لماذا هم أحق الناس ، طالما يرفعون ومنذ ثمانية وسبعين عاماً شعار الإسلام هو الحل بدون أن يقدموا حلاً لأي مشكلة .
قد يقولون وهل أعطانا أحد الفرصة ؟ وهذا السؤال يجوز على سذاجتنا التي لم تدقق كثيراً والتي سمحت لآفاتٍ كثيرة أن تستشري في حياتنا .. لأن من تحالفوا مع الإستعمار الإنجليزي ومع الملك فاروق بغية رفعه خليفة للمسلمين ، ومن كانوا يجمعون معلومات وملفات عن شخصيات مصر العامة قبل ثورة يوليو أي يتجسسوا بالمعنى الحرفي للكلمة استعدادا للقفز على السلطة ، ومن غيروا رياحهم وتحالفوا مع ضباط الثورة ثم انقلبوا عليها في صراع دموي ينكرون مسؤوليتهم عنه دائماً ، ومن خرج منهم منظر الإرهاب سيد قطب بكتابه معالم على الطريق الذي أوجد شجارا رهيبا حول مفاهيم مثل الحاكمية ، والذين تحالفوا مع السادات آملين أيضا في الوصول إلى السلطة والذين تلونوا بكل لون من التحالف الحزبي مع الوفد ثم نقل القدم إلى العمل ثم نقل القدم إلى أكذوبة المستقلين ، أقول هؤلاء لا يمكن أن يكونوا صادقين أو جديرين بأي فرصة ، فضلا عن عدم احترامهم للشعب المصري الذي لم يصنف الناس مؤمنين وملاحدة أو مسلمين و أقباطاً ، وإنما فعل ذلك الإخوان إن لم يكن كمنهج متعمد رغم أنه كذلك فعلى الأقل كثقافة معلنة وهو الأخطر .
حسنا تفعل جماعة الإخوان المحظورة لو التزمت بحكم حظرها وكفت عن دس أنفها في الحياة السياسية المُعاقة أصلا بهم وبغيرهم .
حسنا تفعل الجماعة لو أغلقت مقرها وعاد قادتها إلى بيوتهم ، حسنا لو تنحت الجماعة ويكفيها أكثر من ثلاثة أرباع القرن تمكنت خلالها من زرع الفتنة وثقافة الاغتيالات والإرهاب والانفصام الوجداني عند عدد هائل من البشر .
لقد أطالت جماعة الإخوان المحظورة أزمتنا وتحالف معها في هذا بقصد أو بدون قصد حكومات لم تخطو إلى حداثة العالم بجسارة وإنما كانت هذه الحكومات تتماهى بشكل أو بآخر مع خطاب الإخوان الذي كان ولا يزال خطاباً طفيلياً يتغذي على المكنون الديني للمجتمع
اصنعوا بنا معروفا وارحلوا ونعدكم بأننا سوف نصفق لكم بمرارة على ما ضعيته جماعتكم من حياتنا في جدل رهيب كانت ذروته الإرهاب الذي نراه مجسدا في وجوه جماعات وأشخاص تغذوا جيدا على فكر الإخوان ومنظرهم الأكبر سيد قطب .

إبراهيم المصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترامب يهاجم مجددا مدعي عام نيويورك ويصعد لهجته ضد بايدن | #أ


.. استطلاع يكشف عدم اكتراث ذوي الأصول الإفريقية بانتخابات الرئا




.. بمشاركة 33 دولة.. انطلاق تدريبات -الأسد المتأهب- في الأردن |


.. الوجهة مجهولة.. نزوح كثيف من جباليا بسبب توغل الاحتلال




.. شهداء وجرحى بقصف الاحتلال على تل الزعتر في غزة