الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في حماية زهر اللوز

حمزة الحسن

2008 / 12 / 30
الارهاب, الحرب والسلام


لم أجد أحدا الوذ به كصبي خائف فقد رائحة قديمة لمعطف قديم لأب منسي في قبر قديم، في وطن قديم منسي، في منفى قديم، في هذه الايام الرمادية، غير محمود درويش الوذ به.

أحتمي بزهر اللوز من زهر الموت.

هل يجب حذف طقس الصباح في شرب القهوة ـ خجلا من منظر الدم ـ لأن التنافر بين لون القهوة ولون الدم يلغي جمال اليقظة ويخدش حياء البحيرة الغارقة في الضباب كصبية جبلية تستحم في حلم بهي، في عشب بهي، قرب نبع بهي؟

كزهر اللوز أو أبعد ـ ديوان محمود درويش ـ هل يستطيع توفير الحماية النفسية من جنون هياج شهوة القتل؟
هل توفر شهوة القصيدة ملاذا من شهوة الموت العاري، موت الطرقات، والمنازل، والاشجار، والخيول؟

وماذا غير زهر اللوز؟ الحائط؟ لا نملك حائطا في منفى ولا في وطن.

وماذا غير زهر اللوز؟ السلاح؟ في القاموس الجديد يقولون ان السلاح، سلاح المقاوم، كمن تتبرع بعذريتها لمسافرين عابرين في محطات القطار. يقولون أيضا السلاح ـ هذه الأيام ـ سرير وفير، وسوق " حضاري" لبيع الغنائم، ورصيد، في آخر العمر، وعولمة للخيانة، ومساواة" حضارية" بين قضبان السجن ورحلات السنونو، بين ما تكتبه الضحية على جسدها من وشم الايام، وبين ما يكتبه الشرطي ـ كان ملتزما في ليالي الهتاف ـ بين وجع المحتضرين فوق المصاطب، بلا من يقرأ الفاتحة، ولا من يغلق العين، ولا من قبلة للوداع، وبين من يعرض أوطنا للبيع، الأوطان المعولمة، المهربة، كالسجائر.

وماذا بعد زهر اللوز؟
لا شيء، لا أحد.

وماذا قبل زهر اللوز؟ شتاء كسول وكراسي تنام تحتها قطة هانئة وستائر مفتوحة على الضباب الأجنبي وشاشة تعرض كم من الأحياء سيبقى هذه الليلة، وقهوة بردت من برادات الجثث وسجائر قديمة في منفضة قديمة وزجاجة نبيذ قديمة مخفية احتراما لصلاة العائلة.

ماذا بعد زهر اللوز؟
" إن مشيت على شارع لا يؤدي الى هاوية
قل لمن يجمعون القمامة: شكرا".

وماذا نقول، يا محمود، لمن يجمعون الجثث، وبقايا الاقراط، والدفاتر،والشظايا؟ هل نقول شكرا لمن جمع اللحم؟ شكرا لمن لم البقايا على البقايا؟ وماذا نقول للشرطي ـ صار كاتبا في نسخته الجديدة ـ والمحتال والخائن والطرطور؟ هل نقول شكرا لمن جعل الأوطان في مرتبة البغايا؟

هل نذهب الى المقهى ونترك الشاشات؟ وانت تعرف شتاء المقاهي ـ حتى في الصيف ـ حين تذكِّر الجريدة والشاي والشمس والواجهات الزجاجية ومرور المشاة، المنسي بحضور الغياب؟ ماذا نفعل في المقاهي؟
" كم أنت حر أيها المنسي في المقهى!
فلا أحدُ يرى أثر الكمنجة فيك،
ولا أحد يحملق في حضورك أو غيابك،
أو يدقق في ضبابك إن نظرت"

الجرائد هي نفسها والقتلى يتجددون في الاسماء لا في القضية لكن عرسا هناك. هناك عرس وهناك جنازة موتى؟ ماذا يحدث لو التقى الطرفان؟ ستقول يتعانقان. وماذا لو " أحبطتنا البراهين " ؟ هل ستقول هو ثمن الحرية؟
الحرية بلا وطن، كدفن الموتى في العراء، والولادة في فرن للغاز، والغناء في مقبرة؟ ماذا تبقى من حريتنا أكثر من حرية السجناء في تنظيف ملابسهم الداخلية وشرها على الأسلاك؟

قالوا سنذهب للحرب يوم الأحد. خدعة التاريخ. هم يعرفون ان الرب في التوراة يرتاح في يوم الأحد.
" يوم الأحد
هو أول الأيام في التوراة، لكنّ
الزمان يغير العادات: اذ يرتاح رب الحرب في يوم الأحد"

لكن ما هذا المطر الخفيف الذي يبلل الأشجار والطرقات والجثث والشفاه، يا محمود؟ هل نستطيع أن نبيع الكناري ـ مقابل صمته ـ كل هذا الضجيج؟ ونبيع المطر أو نقايضه في الأقل، كل هذا الشحوب كي نحصل على غيمة ضاحكة؟ ونعطي النهار كل ما يحتاجه الضوء كي نحصل على حطب لمواقد الليل لتائهين ضلوا الطريق الى بيوتهم من شدة القصف؟

وماذا بعد زهر اللوز؟ المقهى والحديقة والبحيرة والجريدة؟
لن أخرج اليوم الى الشارع ـ ليس شارعي مع ذلك ولا يعرفني هو ايضا ـ . سابقى مع زهر اللوز كمن يلوذ برائحة معطف قديم في وطن منسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -