الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الناصريه، والبعث ايضا، كظاهره غير قوميه

عبد العزيز حسين الصاوي

2008 / 12 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


في اطار تفاعل نقدي مع مسودة " مشروع النهوض العربي " المطروح للنقاش من قبل مركز دراسات الوحده العربيه طرح صاحب هذا المقال السؤال التالي : هل يمكن تحميل الناصريه وقيادة عبد الناصر مسئولية إخفاقها الديموقراطي؟ واعطي إجابة بالنفي رغم إقراره بأن عبد الناصر بالذات وطاقمه القيادي كان صاحب القرار النهائي ورغم تعييبه للمسوده بأن تقديرها للاثار السلبية لهذا الاخفاق اقل كثيرا من الواقع. جري تبرير هذه الاجابه بأن : " الظروف المصريه والدوليه التي نشأت فيها التجربة الناصريه واكسبتها ملامحها المحدده ليست من صنع هذه القياده كما ان التعامل معها بغير الطريقة التي تعاملت بها معها لم يكن ممكنا في السياق المصري بالذات حيث انبثقت أداة التغيير من الجيش وبرزت فيها شخصية ذات خصائص زعاميه استثنائيه. هذه الظروف هي : الاولوية المشروعه لقضية التنميه في علاقتها بالعدل الاجتماعي، الصراع حول هذا المحور ومحور التحرير الوطني المصري وغير المصري مع النموذج الغربي وثالثا جاذبية النموذج الاشتراكي الشيوعي كمصدر دعم في هذا الصراع وتجربة بدت ناجحة في حينها للتنميه والعدل الاجتماعي. المصدر الثاني لوجاهة السؤال هو ان كافة التجارب العربيه لاسيما البعثيه، وايضا في اليمن الجنوبي والجزائر وليبيا وعدد من دول العالم الثالث الاخري، تقولبت بنفس الملامح."
هذه المتابعه للموضوع محاولة لتجذير عملية النقد والنقد الذاتي للتيار القومي العربي يجدر استهلالها، تمشيا مع روح هذا التوجه، بتجريد هذا المصطلح من إدعاء يوحي به. فالحقيقة هي ان هذا التيار، كما هو الحال مع التيار الاسلامي، يمثل تأويلا سياسيا فكريا للرابطة القوميه وليس الرابطة القومية نفسها إذ تحيل هذه الي الانتماء القومي العربي في حد ذاته شاملا جميع العرب بدون فرز فكري او سياسي. علي هذا الاساس فأن المصطلح السليم الذي ينطبق علي الناصرية وحزب البعث هو " تيار القوميه / العروبه السياسيه ". اما صلب هذه المحاوله فهو إعادة النظر في التجربة الناصريه بما يعتبرها ظاهرة مصرية من حيث الجوهر مخالفا بذلك الاجماع السائد في اوساط العروبه السياسيه الي درجة ان مسودة " مشروع النهوض العربي " اعتبرتها تجسيدا للمرحلة الثانية في النهوض العربي. المحاججة التي يستند عليها هذا المقال ملامحها موجودة في الفقرة السابقه. فالقول بأن أداة التغيير انبثقت من الجيش كان معناه حكماً انعدام تعددية الرأي لتنافيه مع التكوين الانضباطي للعقلية العسكريه. وهي خاصية لم تضعف بمرور الزمن وتحول العسكريين الي مدنيين لان النظام الجديد كان عندها قد استقر علي نمط واحدي القياده بما يتجاوز اي نموذج عربي اخر بسبب الجاذبية الشعبية الصاعقة لجمال عبد الناصر. جانب الخصائص الزعامية الذاتية كان متوفرا فيه بكثرة : قوة الشخصيه، الذكاء ، قوة الاراده وفيما يتعلق بنقاء السيره وحتي الشكل الخارجي : طول القامه، العينان النافذتان، الوسامة الرجوليه. هناك ايضا توفرُ مقومات الجانب الصناعي او الأصطناعي في هذه الزعامه من حيث مصادر الترويج والتركيز التي لم تتوفر لاي نموذج اخر : بالاضافة للتقدم الكبير للاذاعة والصحافه وصناعة السينما المصريه بالمقارنة لبقية الاقطار العربيه كانت هناك شعبية المطربين/ات المصريين كمصدر قولبة فعال للرؤية والمشاعر الشعبيه فضلا عن الوزن الخاص للثقافة والمثقفين المصريين الذين انحازوا غالبا، إكراها احيانا، الي النموذج الناصري. التقاء هذه العناصر الثلاثه رفع عبد الناصر الي مرتبة نصف الاله في الخيال الجمعي المصري والعربي مااستحال معه تفاعل قيادته مع المحيط السياسي الا بشروطه. والحال ان " قومنة " القيادة الناصريه سياسيا وفكريا، أي تطوير رصيد وعيها القومي السياسي المكتسب من التجربة الشخصيه الي المستوي الذي يخلع عليها صفة الممثل لهذا التيار اعترضته عقبتان اساسيتان. الاولي هي ان سقف قومنة الحركة السياسية المصرية عموما كان منخفضا لان مكوناتها كانت بالاساس وطنية مصريه وامميه اسلاميه او شيوعيه لذلك فأن اتصال عبد الناصر المتعدد الوجوه بها لم يفد كثيرا في هذا الصدد. فرغم ان مصر كانت الحاضن الرئيسي للثقافة العربيه بمختلف ضروبها فكرا وادبا وفنا إحتمي بها وازدهر فيها كثير من منتجيها المشرقيين الهاربين من الجور العثماني الا ان مولد ونمو تيار العروبة السياسيه كان سوريا- لبنانيا–عراقيا وليس مصريا. من هنا فأن العلاقة الفلسطينية القويه بتحرك ضباط ثورة 23 يوليو ضد القصر والاستعمار البريطاني كانت ذات ابعاد مصريه داخليه اساسا.
كذلك فأن امكانية قومنة القيادة الناصريه من مصدر اخر وهو العلاقة الوثيقة التي نشأت بينها وبين اهم الحركات القوميه المشرقيه وهو حزب البعث العربي الاشتراكي بعد انتصارها المدوي في حرب السويس عام 56 لم تتحقق لسببين الاول هو بروز الاختلافات في طبيعة الطرفين وعقلية منتسبيهما بين حزب وسلطه حاكمه عندما دخلا مجال العمل التطبيقي في وحدة مصر وسوريا عام 59 فأنحدرت نحو العدائية بسرعه. السبب الثاني هو تراجع مستوي القومنه في البعث نفسه بأنزلاقه التدريجي نحو الفصل بين الوحده العربيه والديموقراطيه بحيث انخفض مستوي القومنه في الفضاء السياسي العربي عموما. فالوحده كهدف مميز لتيار القوميه/ العروبة السياسيه باعتبارها ركنا رئيسيا في تأويله للرابطة القومية بين العرب كأساس للنهضة الشامله، مستحيلة دون توفير اطر سياسيه وغير سياسيه للمشاركة الطوعية للنخب والجمهور العام في العمل من اجلها. وفيما يشبه ظاهرة التماهي مع العدو اذا استحال التغلب عليه المعروفة في علم النفس، فأن النصر الساحق الذي حققته الناصريه علي البعث في المعركة بينهما بسبب شعبيتها المنعدمة النظير حتي هزيمة 67 أفضي الي تخلي البعث التدريجي عن الموروث الديموقراطي في تجربته كحركه سياسيه عبر فهم قاصر لمأخذه علي الناصريه بهذا الخصوص ينحصر في كونها عسكرية المنشأ. الاستطراد المنطقي والعملي لهذا الفهم البعثي القاصر كان الاستجابة لمجموعة العوامل المشار اليها سابقا ( اولوية التنميه مع العدل الاجتماعي، نجاح النماذج الاشتراكيه الخ .. الخ ) بما أدي الي الفصل بين العدل الاجتماعي والسياسي لمصلحة الاول ومن ثم الدخول في تجربة السلطة من باب الانفرادية مع الاحتياط فقط ضد الهيمنة العسكرية عليها. هذا ماحدث بعد الانقلابين البعثيين في 8 فبراير عام 63 في العراق وبعد ذلك بشهر في سوريا، واستغرق البعث فكريا بعد ذلك في جهود مركزة لتطوير المحتوي الاشتراكي لفكرة الوحدة العربيه بدلا من الديموقراطي وهو ماانتهي به الي نفس الموقع الناصري : نموذج دوله شموليه تحقق انجازات مادية لمصلحة القواعد الشعبيه لاتلبث ان تستولي عليها البيروقراطية المتضخمه والطبقة الجديده ناخرة في عظم أجهزتها السياسيه وغيرالسياسيه.
وبما ان البعث كان اقرب الي تجسيد مواصفات التيار القومي السياسي من الناصريه بحكم طبيعته كحزب وظروف نشأته الشامية فأن انعدام قدرته علي التجاوب مع الحاجة الي التجديد الديموقراطي عندما حان اوانه بعد ماجري للمعسكر الاشتراكي نتيجة طغيان الاعتبارات السلطويه علي الحزبيه، كان معناه نهاية التيار وبقاء فكرة الوحده العربيه رهينة إعادة تأسيسها ديموقراطيا. والمفارقة هي ان الناصريه التي كانت مصرية الجوهر رغم تأثيرها القوي عربيا حتي علي البعث نفسه ، كما ذكر سابقا، دافعة اياه نحو جوهر عراقي وسوري غير قومي، احتفظت بصفة الممثل للتيار لدي بعض النخب العربيه انعكاسا لبريق صورة قائدها في الذاكرة الجمعيه لاسيما في لحظات تأزم الوضع العربي حين يشتد الحنين الي زمن فتوة النموذج الناصري الذهبي وفوران الاحساس بالرابطة القوميه. وفي هذا كما في انعدام قابليتها للاستيحاء المستقبلي الا كروح ومقاصد عامه، تبقي التجربة الناصريه شبيهة بالاسلام فهي لم تكن ظاهرة مصريه فقط وانما وليدة التقاء نادر بين لحظة تاريخية مصرية معينه وشخصية مصرية استثنائيه حققت أقصي مايمكن تحقيقه في زمن كانت فيه الديموقراطيه شأنا ثانويا لدي قوي التغيير في كل العالم. وعلي ذلك فأن محاولة قسر النموذج الناصري علي الامتداد الي زمن حاضر مختلف جذريا كما تفعل بعض نخب القوميين السياسيين ستؤدي الي تغليب السلبي علي الايجابي في الارث الناصري وتحويله الي رصيد لحركات متخلفه كما يبدو جليا الان في تحالف تلك النخب مع الاسلاميين الماضويين الذين يحاولون نفس الشئ : قسر التعاليم الاسلاميه علي الخروج من اطارها التاريخي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -علموا أولادكم البرمجة-..جدل في مصر بعد تصريحات السيسي


.. قافلة مساعدات إنسانية من الأردن إلى قطاع غزة • فرانس 24




.. الشرطة الأمريكية تداهم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات الطلاب


.. أصداء المظاهرات الطلابية المساندة لغزة في الإعلام • فرانس 24




.. بلينكن يلتقي من جديد مع نتنياهو.. ما أهداف اللقاء المعلنة؟