الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لكنه بكاء ... كالبكاء

خالد الكيلاني

2008 / 12 / 31
الارهاب, الحرب والسلام


لا ضحك كالبكاء لديّ اليوم أقدمه لكم، لكنه بكاء... كالبكاء، بكاء ولا دموع، فقد جفت الدموع في المآقي. أبكي القاتل والقتيل، لا تنزعجوا .. فنحن القاتل والقتيل، من غرتهم الأمانيّ وشهوة الحكم فاختطفوا غزة طمعاً وجشعاً ليجعلوها إمارة إسلامية، ومن عزت عليهم منافع ومزايا وغنائم السلطة فتمسكوا ببيت الحكم الواهن في رام الله.. كلهم قتلة، من تقاعسوا عن نجدة الأخ والصديق وأغلقوا عليه الأبواب وزادوا حصاره حصاراً، ومن تواطئوا على الجريمة سكوتاً وخوفاً، أو مساندة وضعفاً.. كلهم قتلة، من يهادن العدو التزاماً بصلح مضى.. ومن يهادن العدو انتظاراً لصلح قد يجيء.. كلهم قتلة، هؤلاء المتقاتلين خلف الميكروفونات، والمتصارعين على الفتات من فتح وحماس.. كلهم قتلة أرى الدماء تسيل من أيديهم، أنظر أين هم الآن؟ لا أحد منهم يواجه الموت في غزة "عباس" كان في القاهرة وعاد إلى مقاطعته في رام الله، "خالد مشعل" يصرخ من دمشق ومعه "نزال"، وفلان في بيروت وآخر في عمان وفلان في القاهرة وأخر في الدوحة وهكذا، حتى من بقي في غزة، "هنية " ورفاقه في منازلهم المحصنة لا تصل الصواريخ إلى أطفالهم، فحكامنا وقادتنا وزعماؤنا دائماً في مأمن، أتذكر الآن كيف كانت طائرة ياسر عرفات لا تقلع إلا بعد إخطار ثلاث أجهزة مخابرات هي الإسرائيلية والمصرية والأمريكية!! حتى لا يصيب القائد أذى، أطفالنا ونساؤنا فقط هم الذين في مرمى الموت دائماً.
حدقوا في الشاشات كي تحصون كم طفلاً .. كم امرأة.. كم شيخاً قُتلوا غدراً وغيلة في غزة وهم نائمون، لا تنشغلوا كثيراً بالأرقام.. فسوف تبكون غيرهم بعد لحظات، آلة القتل مستمرة والموت لن ينتظر بكائكم، ابكوا كالنساء على غزة التي لم تحموها كالرجال، وتذكروا أن القتلة ليسوا فقط جنود الصهاينة، وليست فقط قاذفات الصواريخ الإسرائيلية، أنتم القتلة... أنتم أيها القابعون خلف ضعفكم وخنوعكم، الواقفون خلف منصات الخطابة وأمام الكاميرات تبكون أطفال غزة بدموع التماسيح، تصرخون ملء حناجركم وتلوكون كلاماً منمقاً زاعقاً، كلام يلد كلاماً .. كلام لا يؤدي إلا إلى كلام، ثم تحصون عدد المصفقين وعدد المعجبين، وتعودون تهجعون في بيوتكم، وتسكنون إلى زوجاتكم، وتنعمون بدفء أسرتكم الوثيرة، "عايزين النضال .. قدامكو الميدان"، ولكن الميدان بعيد - كما كتب أحمد فؤاد نجم - عن جوف المدينة، وبعيد أيضاً عن سلم نقابة الصحفيين .. بعيد عن باب نقابة الأطباء. ولكننا نعلم وأنتم تعلمون أنكم كاذبون ومزيفون، فقد بادلتم شرفكم بمكاسب هزيلة.. أحزاب وصحف تديرونها بينكم، ومقاعد هزيلة في حركات معارضة كرتونية تنفقون الوقت فيها على الصراع، من يكون الرئيس ومن يكون النائب ومن يكون المنسق العام... ومن ومن ومن، تهافت التهافت، وأنتم ومن يحكمونكم سواء، لا فرق بينكم، نضالكم المزيف تحتالون به علينا، وما هي إلا أدوار مرسومة لكم بدقة لا تستطيعون تجاوزها ولا تحيدون عنها. المنافسة على الشاشات حامية، أنتم هنا ومشعل في دمشق والسيد في بيروت ومازال الصراخ عبر الشاشات مستمراً، وأطفال غزة لن يسمعوا شجبكم ولا تنديدكم فهم لا يسمعون سوى أزيز الطائرات وانفجارات الصواريخ، أطفال غزة لن يشاهدوا تظاهراتكم ولا مسيراتكم فهم في انتظار الموت، وهنية من غزة يصرخ "حماس لن تتراجع حتى لو أبيدت غزة "، ولا تسألوني عن ماذا تتراجع حماس؟ وما الموقع الذي تقدمت إليه ولن تتراجع عنه، فهذا كله هراء، المهم أن حماس لن تتراجع!!، والسيد أبو الغيط يصرخ من القاهرة " لقد حذرناهم.. وقد أعذر من أنذر"!!، ولا تسألوني من حذر من؟ ومما حذره؟ فهذا كله هراء، المهم أن مصر قد حذرت وأنذرت وسبقت حكمتها الجميع!! ومع ذلك لا أستطيع الضحك الذي هو كالبكاء.
على المقهى كان التليفزيون مفتوحاً على قناة الجزيرة على غير العادة، فقط قنوات القرآن الكريم والأغاني والرياضة هي القنوات الرسمية في المقاهي، أحدق في الشاشة وأكاد أشم رائحة الدم الطاهر الذي يتفجر من أجساد الأطفال، أعود إلى الصحف التي أقرأ فيها فأكاد ألمس برودة الموت تخرج من بين السطور والصور، أسأل "علام" عامل المقهى البسيط ماذا نحن فاعلون؟ فيقول لي: لابد أن نثأر للعدوان على ديننا!!، تغيظني إجابته وهو الذي ضللته المنابر واللافتات والميكروفونات فأقول له لكن الأطفال يموتون كل لحظة، فيقول نعم لابد أن نقف معهم فهم مسلمون!!، أرد بغيظ أكثر إنهم بشر حتى لو لم يكونوا مسلمين، وأسارع بإنهاء جدل لا طائل من ورائه فأعود إلى جرائدي لأقرأ في الأهرام أن وكيلي وأمين سر اللجنة الدينية بمجلس الشعب تقدموا بطلب إحاطة لرئيس الوزراء حول ما قاله الشيخ خالد الجندي بإحدى الفضائيات من أن الله تعالى قال في أثناء حجة الوداع للرسول (صلعم) إن مهمته قد انتهت وعليه أن "يلم عزاله "، لم أعلم ما علاقة رئيس الوزراء بما قاله – مازحاً على ما اعتقد – خالد الجندي في التليفزيون؟!!، رغم أني أعلم أن الدكتور نظيف لم يحضر حجة الوداع، ومع ذلك لا أستطيع الضحك الذي هو كالبكاء.
أترك الأهرام لأقرأ إعلاناً في جريدة أخرى عن برنامج لقناة فضائية تحت عنوان " يا ترى مين اللي عليها الدور؟ " وأجده عنواناً مناسباً للمرحلة، وسؤال تردده على نفسها كل مدينة عربية، فما الذي يمنع أن يأتي الدور عليها بعد غزة، وقبل غزة ألم تضيعوا القدس التي كانت عروس عروبتكم أولاد ال... ، أنهض لأمشي في الشوارع بلا جدوى فلا أرى أمامي سوى صور الأطفال القتلى ولا أشم سوى رائحة الدم والموت بينما ترن في أذني كلمات صلاح جاهين التي كتبها عن أطفال بحر البقر منذ عقود " الدرس انتهى لموا الكراريس .. بالدم اللي على ورقهم سال" أتذكر أطفالي فما الذي يحول بينهم وبين ذلك المصير؟.
نحن أيها السادة الذين قتلنا أطفال غزة وكل الأطفال منذ زمن بعيد، منذ أن اعتلى الأفاقون كل منبر، وتصدر تجار المبادئ والوطنية والكلمات كل ساحة، لا فرق هنا بين أطفال غزة الذين ماتوا بصواريخ أعداء الخارج، وأطفال الدويقة أو أطفال العبارة أو أطفال المبيدات المسرطنة أو أطفال الدم الملوث الذين ماتوا بفعل أعداء الداخل، قتلناهم بعجزنا وخنوعنا وعشوائيتنا وفوضانا، قتلناهم حينما سلمنا عقولنا ووطننا ومستقبلنا لمحتكري السلع ومحتكري الدين ومحتكري الوطنية فضاع الوطن بين الجميع، ولم يبق لنا سوى البكاء.. الذي كالبكاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما حقيقة الاختراق الأمني الإسرائيلي للجزائر؟| المسائية


.. 5 ا?شكال غريبة للتسول ستجدها على تيك توك ?????? مع بدر صالح




.. الجيش الإسرائيلي يشن غارات على رفح ويعيد فتح معبر كرم أبو سا


.. دعما لغزة.. أبرز محطات الحركة الاحتجاجية الطلابية في الجامعا




.. كيف يبدو الوضع في شمال إسرائيل.. وبالتحديد في عرب العرامشة؟