الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فاجعة عاشوراء 2004 لم تكن الأولى فهل تكون الأخيرة ؟!

محمد عنوز

2004 / 3 / 13
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


لأول مرة في تاريخ العراق يتجرأ مجرمون على تنفيذ فعلة دنيئة في مدينتي كربلاء والكاظمية المقدستين في مثل يوم عاشوراء الذي له مكانة متميّزة ليس بين أبناء العراق وحدهم بل وفي حياة كل الأحرار في العالم بغض النظر عن دينهم أو عرقهم. فالعاشر من محرم عنوان أصيل للثوار والمجاهدين في سبيل خير الناس ، يوم للكرامة ورفض المذلة ، يوم لصرخة الحق ضد الباطل ، صرخة للإمام الحسين ( ع ) وأصحابه، الذين إنتصروا بشهادة جعلت طريق العدل والحق واضحاً وجعلت من العزيمة والأصرار بوصلة له.
إن هذه الفاجعة الكبرى لم تكن الأولى من حيث الزمان والمكان والغاية، فقد سبقها تفجير مقر الأمم المتحدة وخسارتنا لنصير مهم لنا هو الشخصية الدولية السيد ديملو ممثل الأمين العام لهيئة الأمم في العراق، وواقعة النجف الأشرف التي كان ضحيتها المئات من المصلين الآمنين وفي مقدمتهم سماحة السيد محمد باقر الحكيم ، وواقعة أربيل والتي تجاوز عدد ضحاياها المائة ومن ضمنهم قياديين وكوادر من الحزب الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني، وغيرها من الأعمال الإجرامية التي راح ضحيتها أبناء العراق والمدافعون عنه.
وبعيداً عن العواطف وحجم الحزن بهذا المصاب الجلل، فإن التعبير عن المواساة والإستنكار لم يعد موقفاً كافياً رغم أهميته ، إذ يتطلب ما يواجهه الوطن من خطر، موقفاً وطنياً صادقاً ومجسداً بخطوات عمل على الأرض تتجاوز حدود الإدانة الى السعي الجاد لمعالجة خطيئتنا الكبرى المتمثلة في غياب المشروع الوطني المشترك قبل التغييرات في 9 نيسان / أبريل 2003 وأثناءها .
إن الهَم العراقي لم ينظر إليه بموضوعية وترابط بين حقيقة الأمل الذي ينشده أبناء وبنات العراق ومستلزمات تحقيق ذلك الأمل الأنساني الواقعي. فلم يتم كما أعتقد إدراك الأولويات في مرحلة الإحتلال ومعرفة المستلزمات التي تتطلبها هذه المرحلة، والتي تأتي في مقدمتها مسألة تعبئة القوى العراقية المنظمة وغير المنظمة السياسية منها والأجتماعية والدينية في إطار عمل موحد كتشكيل لجان تنسيق وهيئات عمل، وأعتماد ذلك منهجاً لا يرتبط برغبات ذاتية يستجيب البعض لها ويرفضها البعض الأخر، والتخلي عن أوهام الإدعاء بعدم وجود ضرورة للعمل الموحد، والتي راح البعض يقول بها، مغتراً بقوته المفترضة متناسياً القوة الحقيقية التي تتضاعف من خلال وحدة العمل وليس فقط وحدة الهدف.
إن هذا الوهم الأخير يؤشر الى عدم إحترام المرحلة وطبيعة المهام التي تواجه الشعب وقواه الوطنية والإسلامية ، وهذا هو مصدر الضرر الأول حسب زعمنا ، الذي تستفيد منه سلطات الإحتلال وقواته العسكرية وتزيد تدخلها في الصغيرة والكبيرة من قضايا المجتمع.
إن الإجماع على ما هو أساسي يقطع الطريق على كل أعداء شعبنا وطموحاته بتحقيق الإستقلال وحفظ الكرامات وإعادة الحقوق وتوفير الأمن والعدل، أما ما يقال على دور قوات الإحتلال وسلطته القائمة فعلياً ، كواقع حال ، فمن الضروري جداً أن نمييز بين عملية التعامل مع واقع الحال هذا وبين أن نصبح جزء منه .
إن هذه الفاجعة والفواجع التي سبقتها هي نتاج طبيعي للمشروع الأمريكي الذي كان واضحاً منذ صدور قانون تحرير العراق والذي وقع في فخه الكثيرون ولم ينتبه لمخاطره العديد من القوى ، بل جرى تناسي مقصود الى إن أي مشروع بحجم التغيير المطلوب في العراق لا يمكن أن يتجاوز دور العراقيين في التخطيط والتنفيذ وتوفير الأمن وإعادة الإعمار، فالدور العراقي أولاً ويقف خلفه الدعم الدولي أمريكياً كان أو غيره.
لقد أكدنا وبشكل مبكر، على ضرورة التمييز بين مسألة الدعم الدولي أو الأجنبي للمشروع الوطني وبين قبول العراقيين للمشروع الأمريكي ، وهذا التمييز هو المعيار الذي يفسر لنا تطورات الأحداث ، فلو كان هناك مشروع وطني جامع وشامل لكل القوى الوطنية والإسلامية قبل التغيير أوأثنائه أوبعده لما وصلنا إلى هذا الحد الذي يجعل المعاناة مستمرة والنزيف غير منقطع ، ولا زال هذا التمييز مطلوباً كي لا نبقى في جب الأوهام ونعمل على تسويغها من دون أساس.
إن إنقسامنا من دون مبرر في هذه المرحلة، حول إعتبار ما حصل " تحريراً " أم إحتلالاً وحول كيفية نقل السلطة وإجراء الإنتخابات وتحديد مصادر التشريع وضمان حقوق المواطنين ومن ضمنها حقوق المرأة والقوميات، هو الذي أعطى لسلطة الإحتلال أمداً أطول وتدخلاً - من حيث المظهر – أرحم ! وهذه مفارقة يفترض أن لا تغيب عن ذهن العراقيين الذين يطموحون إلى دور واع لقواهم السياسية ، دور لا يفسح في المجال للتدخل الأجنبي وإلى درجة تحديد السبل والأهداف و... و... ، وكأننا لا نملك أهلية سياسية أو إدارية .
إن الجميع يعترف بوجود التنوع القومي والديني والسياسي في إطار العراق الواحد، ويتطلب هذا الأعتراف العمل على أساس مبدأ المواطنة والكفاءة بعيداً عن الوقوع في شرك الكانتونات والتخندق الضار بمستقبل البلاد، فهذا المبدأ أعظم سد بوجه أعداء العراق ، وأعظم سند لإعادة سيادته التي فقدناها في وضح النهار!
المطلوب إدراك الحاجة الماسة لمشروع وطني يبحث عن دعم دولي لا كما هو حاصل اليوم حيث السلطة ومصير الشعب والوطن مرهون بيد سلطة الإحتلال وخصوصاً توفير الأمن وإجراءات إعادة إعمار البلاد ، أي وجود مشروع أمريكي يبحث عن قبول عراقي بالإكراه أو بالتوافق ، وتبديل الحال ليس من المحال ، وبالإمكان العمل بحرص جديّ من خلال تشكيل لجان وطنية في المحافظات والمدن على صعيد الأمن والإدارة العامة للمؤسسات الإنتاجية والخدمية ، والمبادرة لزج الشباب في إعادة بناء القوات المسلحة خصوصاً من أبناء العوائل التي كانت ضحية للنظام الدكتاتوري.
إن اي تأخير في هذا المجال هو الذي يجعلنا نخشى أن لا تكون هذه الفاجعة الأخيرة، فقوات الإحتلال تتخذ من الإجراءات التي تعطي الفرص الكافية والمضمونة لأيتام النظام المهزوم وحلفائه ومرتزقته من كل الأصناف أن تسرح وتمرح في طول وعرض البلاد ، فترك الحدود وعدم الفسح في المجال لفضح أفعال المجرمين الذين تم إعتقالهم ، وإعطاء فرصة لبعضهم بمغادرة البلاد من دون محاسبة ، الأمر الذي جعل العراقيين يتندرون بعد إعتقال صدام بالقول (( بأن صدام بعث برسالة لعزت الدوري يقول له سلّم ماكو شئ فقط فحص أسنان )) ، في حين ضحايا النظام والمناضلين الذين تصدوا له وقاتلوا ضده طيلة عقود طويلة من الزمان لم يجد أغلبهم مكاناً للعمل أو دوراً للمساهمة بشكل فاعل .
كما إن موضوع نقل السيادة المنتظر لم يكن ذي فائدة إذا لم نكن مستعدين جدياً للعمل المشترك وتجاوز طرح الموضوعات الثانوية التي تجعلنا بعدين عن الأولويات والتي أهمها قيام سلطة وطنية مستقلة إنتقالية من خلال إجماع وطني ، وإنهاء الإحتلال من الناحية السياسية ، وهذه عملية ليست شكلية ، إنما عمل جوهري يتطلب إثبات كفاءة وقدرة ميدانية قبل أن تكون تصريحات صحفية .
فإذا كانت سلطة الإحتلال قد إرتكبت جملة أخطاء جسيمة ، فإن المرحلة المقبلة ، مرحلة السلطة الوطنية الإنتقالية المستقلة ، لا تحتمل أخطاء بتلك الدرجة أو اقل منها ، وهذا هو السبيل لعدم تكرار الفواجع ، وبذلك يتجلى المعنى الحقيقي لحزننا ومؤاساتنا لضحايا الإعمال الإرهابية في مدينة كربلاء والكاظمية وعوائلهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة : هل طويت صفحة الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. هل يستنسخ حزب الله تجربة الحوثي في البحر المتوسط؟ | #التاسعة




.. العد العكسي لسقوط خاركيف... هجوم روسي شرس يعلن بداية النهاية


.. أمير دولة الكويت يعلن حل مجلس الأمة وتعليق بعض بنود الدستور




.. الحرب في غزة تحول مهرجان موسيقي إلى ساحة سياسية | #منصات