الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحرر من شرنقة الإعلام المركزي

مازن لطيف علي

2009 / 1 / 1
الصحافة والاعلام


تمتلك المؤسسات الإعلامية الرسمية وغير الرسمية في العراق قدرات تمكنها من بناء منظومة إعلامية متطورة وفعالة. ومن ثم مساهمتها بالشكل الذي يجعل منها أداة مؤثرة في ميدان الإعلام ليس فقط على الصعيد الإقليمي والقومي، بل والعالمي أيضا. ومن بين أهم تلك القدرات هو شروط الإعلام الحر وأرضيته الآخذة بالتوسع والثبات النسبي. وهي إحدى المقدمات الكبرى والضرورية لتطوير الإعلام. إضافة الى جملة التغيرات التي طرأت على الواقع العراقي في ميدان العلاقات السياسية والاقتصادية وبنية الدولة والسلطة. وهي تحولات تحتوي على إمكانيات واحتمالات متنوعة يمكنها المساهمة الجدية في رفد الإعلام ووسائله المتنوعة بقوة كبيرة في حال إدراكه لأولويات المصلحة الوطنية والاجتماعية العامة. فالتحول الدرامي الكبير الذي حدث بأثر سقوط التوتاليتارية أثار وما زال يثير موجة كبرى من الاهتمام والعمل في ميدان الإعلام. بمعنى إننا نقف أمام حالة تستدعي وجود حركة إعلامية نشيطة قادرة على استيعاب تلك المتغيرات وفق أسس واليات مهنية عالية، من اجل أن تؤدي دورها الحيوي في بناء عراق ديمقراطي حر وتعزز مؤهلاته في الصمود بوجه التحديات الجديدة.
من هنا ضرورة توظيف الحالة الجديدة التي يتمتع بها الإعلام والإعلاميون بعد أن تحرروا من شرنقة الإعلام المركزي بالشكل الذي يؤدي الى صنع أرضية صلبة تقف عليها المؤسسات الإعلامية لتحقيق رسالتها الإنسانية في نقل المعلومات بصورة مهنية عالية. خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار انحلال واضمحلال "الرقابة" التقليدية والحواجز "الجغرافية" وما شابه ذلك، أو ما يطلق عليه أحيانا عبارة، إن العالم أصبح قرية كونية! وهو الأمر الذي يجعل مهمة مشاركة المجتمع من خلال تنويره وتحصينه بالوقائع والحقائق إحدى مهمات وسائل الإعلام من اجل أن تحتل مكانتها في الدولة والمجتمع والثقافة بوصفها "سلطة رابعة “.
غير إننا حالما ننظر الى واقع الإعلام العراقي، فإننا نقف أمام حالة متردية. بمعنى عدم قدرتها على الارتقاء الى مستوى التحديات التاريخية الفعلية التي يواجهها العراق. وذلك لأنها لم تستطع حتى الآن الارتقاء الى الحالة التي تجعلنا نقول، بأننا نمتلك إعلاماً حراً قادراً على الفوز في صراع المنافسة الحالية في المنطقة وعلى الصعيد العالمي. فالإعلام العراقي منفعل وليس فاعل. ومن بين أهم أسباب هذه الظاهرة تجدر الإشارة الى ما يلي:
1- ازدواجية الإعلام العراقي. والمقصود به هو انه يعاني برمته بين التمسك بالمورث الإعلامي الشمولي الذي خلفه النظام البائد وإعلانه الظاهري عن البدائل. فهو لم يرتق بعد الى مصاف الحد الأدنى من إنشاء منظومة إعلامية وطنية حرة تعتمد على الموضوعية والحيادية في نقل المعلومة وتسعى الى تنوير المواطن بما يجري حوله من أحداث ومستجدات. وهي حالة تنطبق بقدر واحد على وسائل الإعلام الحكومية والحزبية والخاصة.
2- عدم تمسك اغلب المؤسسات الإعلامية بالمبادئ الأساسية التي وضعت بموجبها قوانين الإعلام في العالم ومنها عدم التحريض على الكراهية والعنف أو تأجيج المشاعر الطائفية أو التحريض على الحرب، وجميع أنواع التمييز. وهو الأمر الذي جعل ويجعل من وسائل الإعلام أدوات دعائية سياسية أو حزبية صرفاً.
3- عدم وجود رؤية مشتركة بين المؤسسات الإعلامية في العراق قادرة على تنسيق فعلها المهني. ومن ثم تحسين شروط المنافسة والعمل المشترك بما يخدم تطويرها جميعا، بما في ذلك الدفاع عن الحقوق المهنية للعاملين فيها.
4- المشكلات الأمنية التي تواجه الإعلام والإعلاميين في العراق وتعرضهم لإرهاب القوى المتصارعة والمختلفة. وهي حالة تجعل من وسائل الإعلام أداة للجريمة وضحية في الوقت نفسه. ومن ثم يشل إمكانية عملها الحر، وبالتالي طاقتها الذاتية على الفعل الايجابي والتطور الطبيعي.
5- عدم وجود قانون ينظم عمل المؤسسات الإعلامية والعاملين فيها. ما يؤدي بالضرورة لمختلف الممارسات غير الشرعية، إضافة الى إمكانية تبديد الطاقة والخبرة المتراكمة في هذا الميدان.
إن ذلك لا ينفي وجود أسباب أخرى مادية ومعنوية، لكن المشكلة الرئيسة التي تواجه مستقبل الإعلام في العراق وتهدده بشكل كبير تكمن في كيفية إعداد جيل إعلامي كفء وقادر على مواكبة المستجدات والمتغيرات الحاصلة في العالم. وهو الأمر الذي يضع مهمة تحديد ماهية هذه الكيفية بشكل دقيق، باعتبارها المهمة الكبرى من اجل تذليل الخلل المنظومي في واقع الإعلام العراقي الحالي. ما يفترض بدوره فهم واقع المؤسسة الإعلامية أو الجهة المسؤولة عن إعداد الجيل الإعلامي. فمعظم الإعلاميين العاملين في الساحة الآن ينقسمون بين "قسمين" احدهما نشأ وتربى وعمل في المؤسسات الإعلامية السابقة. ومن ثم فهو يتمتع بخبرة متراكمة في هذا المجال. أما القسم الثاني، فهو يحتوي على الإعلاميين الذين غيبوا في الفترة الماضية بسبب ميولهم واتجاهاتهم الفكرية والسياسية. وهم أيضا يتمتعون بخبرة متراكمة بهذا المجال.
وهي أقسام مختلفة من حيث المقدمات، لا يمكن إزالة الفوارق بينهما بين ليلة وضحاها.
غير أن من الضروري عدم تسييس هذه الاختلاف، انطلاقا من إدراك آفاق المستقبل العراقي، باعتبارها غاية الجميع. ومن ثم، فان المهمة تقوم في النظر الى المستقبل والأجيال الجديدة. وهي المهمة الأعقد حاليا، وذلك بسبب الخلل الكبير في المدرسة والجامعة العراقية، وفي الحال المعنية كلية الإعلام. فقد تعرضت أكثر من غيرها لتدمير في المرحلة السابقة والحالية. وهو تدمير نابع من رؤية سياسية وحزبية ضيقة لا تدرك طبيعة ومهمة الإعلام ورسالته الاجتماعية والوطنية. وهي مهمة يمكن تحقيقها من خلال تأسيس جيل إعلامي يدرك مهمته باعتبارها مهمة تنويرية عقلانية إنسانية وليست دعائية تحريضية. وهي مهمة ليست سهلة بسبب الصعوبات التي تعاني منها الجامعة وكلية الإعلام بشكل خاص، وبالأخص ما يتعلق منه بالناحية التطبيقية والعملية ضمن إطار الجامعة. وذلك بسبب افتقادها للوسائل والأدوات الخاصة لهذا الغرض.
إن الجهة الرئيسة الحالية والمسؤولة عن إعداد الإعلاميين هي كلية الإعلام. وهي تعاني من ضعف وخلل شبه منظومي بهذا الصدد، هو نتاج مرحلة زمنية طويلة وصراع حالي لا يتسم على الدوام بالعقلانية والواقعية. ومع كامل احترامي للأساتذة الحاضرين والغائبين، فان الكلية لا تمتلك المؤهلات الكافية التي تمنحها القدرة على إعداد كوادر إعلامية جيدة. فبالرغم من كونها كلية تطبيقية من حيث مهمتها وهيكلها الخاص، إلا أنها مازالت تعتمد الأسلوب النظري الصرف في تأهيلها للطلبة. إذ لا يوجد فيها أماكن لتدريب الطلاب، كما لا يوجد فيها أسلوب التطبيق العملي، كما أنها تمتلئ بمواد تدريسية لا تفيد المتخصص بهذا المجال. وهو الأمر الذي يستلزم استبدالها بالمواد والاختصاصات التي تخدم إنتاج كادر رفيع المستوى بهذا الصدد. وليس مصادفة أن يتسابق خريجو الكلية للحصول على فرصة المشاركة في دورات إعلامية تنظمها مؤسسات المجتمع المدني داخل العراق وخارجه "لإعادة تأهيلهم" من اجل زجهم في "سوق العمل “!
لذلك اقترح ما يلي:
1. أن تعتمد كلية الإعلام في تدريسها على الجانب التطبيقي البحت، أو أن تعطي له الأولوية. وإذا كانت الكلية تعاني الآن من انعدام أو ضعف قاعات التدريب المتخصصة والاستوديوهات، فلا بأس من اعتمادها بصورة مؤقتة على أصحاب القدرة والكفاءة والتجربة من الإعلاميين العاملين في مختلف المؤسسات الإعلامية والاستفادة من تجاربهم بهذا الصدد.
2. إننا بحاجة الى رؤية واقعية ومتوازنة تقرن الجوانب النظرية بالعملية التطبيقية، والأكاديمية بالتقنية. ما يستلزم بدوره إعداد برامج محددة ودقيقة تتعلق بالإعداد والارتباط الدائم بين المؤسسة التعليمية ومحطات التلفزيون والإذاعة والصحف من خلال الزيارات الميدانية. وذلك لما فيها من إشراك ضروري للطلبة في تحسس وإدراك عملهم اللاحق والمباشر.
3. إبرام اتفاقيات مع المؤسسات الإعلامية داخل وخارج العراق لتدريب الطلاب في فترة العطلة الصيفية أو بعد انتهاء الدوام الرسمي من اجل إعطائهم فرصة لمواكبة التطورات والمتغيرات التي تطرأ على العملية الإعلامية بشكل متواصل
4. اختيار الطلبة الموهوبين وتوظيف الجهود من اجل ترقيتهم المهنية والمعنوية.
5. وضع آلية قبول خاصة لطلبة كلية الإعلام تتم من خلال الاختبار المسبق من قبل لجنة تضم عدد من الأساتذة والإعلاميين تجري عبر لقاءات مباشرة مع المتقدمين لدراسة الإعلام من اجل تحديد كفاءتهم الثقافية واستعدادهم المهني.
إن ما اقترحه ليس بديلا شاملا ولكنه يساهم في حال اخذ ما هو مناسب بالنسبة لكلية الإعلام في إعداد جيل إعلامي قادر على تأدية مهمته الخاصة ورسالته الإعلامية بشكل مهني رفيع. وبهذا نكون قد وضعنا أسس الحل والواقعي والعقلاني لأهم مشاكل الإعلام العراقي.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة سقوط صاروخ أطلق من جنوب لبنان في محيط مستوطنة بنيامين ق


.. إعلام سوري: هجوم عنيف بطائرات مسيرة انتحارية على قاعدة للقوا




.. أبرز قادة حزب الله اللبناني الذين اغتالتهم إسرائيل


.. ما موقف محور المقاومة الذي تقوده إيران من المشهد التصعيدي في




.. فيما لم ترد طهران على اغتيال هنية.. هل سترد إيران على مقتل ن