الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزة والعرب

خالد صبيح

2009 / 1 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


بدأ الهجوم العسكري الإسرائيلي البربري على غزة وكالعادة، وكما بات معروفا، لم ‏تحرك الأنظمة العربية ساكنا، ولم يثر احد منهم ردود فعل تقليدية، بالصراخ والوعيد، ‏سوى الهامشيين ومن هم بعيدون عن خط المواجهة، كاليمن وليبيا.‏

‏ ولكن ما لغريب في صمت العرب هذا وقد تحرك الاتحاد الأوربي قبلهم وخرج بمبادرة ‏عملية ذات طابع إنساني تطالب بوقف مؤقت لإطلاق النار (48 ساعة). ـ مضحكة ‏عبارة وقف إطلاق النار هذه وكان هناك طرفين متعادلين يطلقان النار على بعضهما ‏وليس دولة غاصبة تهاجم بترسانة أسلحة حديثة شعب اعزل. ـ أقول ما لغريب في ‏الصمت العربي وقد سبقته سلسلة متصلة من الصمت وانعدام الاستجابة حتى ‏لأبسط أشكال الاحتجاج المعتادة، كالشجب والتنديد او بكليهما معا، على اعتداءات ‏لاتقل وحشية وانحطاطا من اعتداء غزة؟

‏ فقبل أكثر من عام هاجمت إسرائيل دولة مستقلة هي لبنان وهدمت عاصمتها ‏وسط صمت وتواطؤ عالمي وعربي والحجج هي ذاتها: ان إسرائيل تدافع عن نفسها ‏ضد الإرهاب، وهذا الإرهاب، ان صح توصيفها له، قد خلقته هي او ساعدت على ‏خلقه بوجودها وبفرض كيانها الغاصب في المنطقة.‏

‏ لكن صمت العرب لم يعد تعبيرا عن العجز والتخاذل، وفق نفس منطق الخطاب الذي ‏اعتاشت عليه بعض من هذه الأنظمة طويلا، وإنما هو مؤشر إضافي لمرحلة دخل ‏فيها العرب، أنظمة ونخب، مرحلة التواطؤ العلني والاشتراك المباشر مع إسرائيل ‏في اعتداءاتها وتنفيذ أجندتها. فإسرائيل كما بات معروفا، وبعدما نجحت، بتفوق، في ‏ان تجزئ وتفكك قوة خصومها في المنطقة، لتنفرد بأي طرف متى تشاء، لم تواجه، ‏في سنوات ما بعد كامب ديفيد، أي طرف من خصومها إلا بعد ان تحصل على نوع من ‏الترخيص والقبول، في الخفاء او العلن، من أطراف فاعلة ولها تأثيرها في المنطقة، ‏كمصر والسعودية، بالإضافة طبعا إلى الطرف المحلي المنتمي لهوية الطرف ‏المهاجم. هذا ما حدث في لبنان في حرب تموز 2006 فقد كان المستهدف سلاح ‏حزب الله و ما سمي بالمشروع الإيراني في المنطقة، حيث جاء الهجوم الإسرائيلي ‏وكأنه ينفذ أجندة محلية تبغي تحقيق إعادة توازن داخلية في لبنان، تقلص او تنهي ‏دور حزب الله السياسي. بمعنى ان تناغما واضحا قد حصل بين رغبات وأهداف ‏إسرائيل وبين رغبات خاصة لمعارضي حزب الله في لبنان. والحجة او السبب هو ما ‏يطرح بالعلن عن طموح إيران في دور إقليمي ورغبة في التمدد في المنطقة. ‏

‏ وما يقال عن الدور الإقليمي لإيران هو ليس أمرا جديدا في المنطقة. ففي الماضي ‏كان هناك حديث هستيري عن مساعي لمد نفوذ سوفيتي، وكانت منظمة التحرير ‏الفلسطينية قد راهنت عليه كثيرا. وهي قد بنت فعلا جزء كبيرا من قوتها المادية ‏بفضل الدعم والمساعدات السوفيتية السخية. وكان ذاك التقاء مصالح وليس تلاقي ‏أيدلوجي سياسي كما في بعض جوانبه فقط. فقد كان معروفا آنذاك ان المنطقة ‏تخوض حربا بالنيابة عن القطبين العالميين المتصارعين. وما حرب لبنان الطويلة إلا ‏فصل من فصولها. لكن في وضع حماس الآن، وليس الأمر نفسه تماما مع حزب الله، ‏وعلاقتها بالنفوذ الإيراني هو من وزن اقل. فإيران ليست قطبا عالميا وهي دولة ‏بقدرات محدودة، وكذلك ليست حماس منظمة التحرير الفلسطينية المدعومة بقوة ‏عالميا وعربيا. لذلك تسهل عملية فك تشابكات هذا التداخل في الأجندة وفك ‏طلاسم التمدد والإشارة إليه.‏

‏ ومن الواضح ان مشروع التمدد الإيراني يبدو أكثر إخافة لأنظمة المنطقة من أي ‏شيء آخر، أولا لخلفيته، باعتباره ذي طابع إسلامي يلقى قبولا لدى الشارع العربي، ‏ولخلفية الأنظمة نفسها المشحونة بقدر كبير من التوجس ألامني والقلق الطائفي. ‏فحتى العروبيون والبعثيون في العراق، مثلا، قد غيروا من موقفهم إزاء الاحتلال ‏الأمريكي بحجة مقاومة النفوذ الإيراني الأكثر خطورة، (ولكن هذا موضوع آخر له ‏تفصيلات مختلفة). ولهذا نشهد الآن نوع من التحشد المعلن وشكل من الاصطفاف ‏العلني هذه المرة مع إسرائيل ومن قبل مصر بالتحديد. فقد أعلنت ليفني( وزيرة ‏الخارجية) قرار مهاجمة غزة من القاهرة وليس من مكان آخر، ولم يكن غلق معبر رفح ‏طيلة فترة حصار غزة إلا جزء من عملية الهجوم على حماس وتفكيك قدراتها. وهذا ‏بالنسبة لإسرائيل، والى حد ما لمصر أيضا، لا يعني مقاومة النفوذ الإيراني ووقف ‏عمليات حماس العسكرية فقط، وإنما وبشكل أساس لإسكات أي صوت معارض ‏للمشروع الإسرائيلي او الرؤية الإسرائيلية لحل القضية الفلسطينية. فإسرائيل، ‏وهذا لم يعد سرا، أرادت، ولا تزال، من السلطة الفلسطينية ان تكون حزاما حاجزا ‏لها يجنبها مشاكل إدارة الضفة والقطاع المتعٍبة ويحميها بنفس الوقت منهما لكونهما ‏السكينة التي توخز خاصرتها على امتداد تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. ‏فإسرائيل أرادت ولا تزال من اتفاقات اوسلو ان تجعل من السلطة الفلسطينية جدار ‏حماية يقيها المواجهات. أرادت من السلطة الفلسطينية ان تكون جيش جنوب لبنان ‏بمواصفات جديدة، لهذا كانوا يلهجون وينحبون طيلة فترة إدارة الرئيس الفلسطيني ‏الراحل ياسر عرفات لشؤون السلطة الفلسطينية على عدم وجود شريك مؤهل ‏لعملية السلام. مع ان الرجل كان في منتهى المرونة بتعامله في حل المشكلة؛ وهو ‏بطبيعة الحال كان يبغي ان يستثمر اتفاقات اوسلو لأقصى مدى يحقق فيه مصالح ‏لشعبه، لكنه لم يستطع، رغم مرونته وحرصه على إنجاح عملية السلام والوصول ‏إلى حلول، ان يصل إلى أي اتفاق معقول مع الجانب الإسرائيلي، لان ما كانت تريده ‏إسرائيل، ولا تزال، هو شكل علني ومفصل من التفريط بكل الحقوق الوطنية ‏والقانونية للشعب الفلسطيني، وهي لا تريد الالتزام حتى باتفاق اوسلو وبنتائجه. ‏لهذا السبب وبسبب من وقوف الراحل ياسر عرفات عند حد لم يعد ممكنا تجاوزه، ‏ولدت حاجة ملحة للتخلص منه، فحاصرته إسرائيل طويلا وأخيرا استطاعت ان ‏تتخلص منه بتسميمه (وهذا حديث مؤلم وذو شجون).‏

نحن الآن أمام مرحلة جديدة باتت فيها الاصطفافات في المنطقة تأخذ شكلا مباشرا ‏وعلنيا تمتزج فيها مصالح إسرائيل الاستراتيجية مع مصالح الأنظمة العربية، ولن يكون ‏غريبا بعد الآن وقوف هذه الأنظمة والنخب التابعة لها مع إسرائيل ضد أي طرف في ‏المنطقة تريد إسرائيل تصفيته. بالأمس كان حزب الله واليوم حماس وغدا سيكون ‏طرفا آخر جديدا ستفرزه تطورات الصراع. ولكن هذا الصراع سوف لن ينتهي بالضرورة ‏كما تشتهي له أنظمة فاسدة متواطئة مع عدو غاصب ومستهتر، فللتاريخ منطقه ‏ولمسار الأحداث جدوله الخاص لهذا ستبقى، ولمدى طويل، الجبهة مفتوحة ‏وسيبقى الجرح نازفا.‏

‏31/12/2008‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية من القلب
محمد خليل عبد اللطيف ( 2008 / 12 / 31 - 23:31 )
اهنئك...مقال رائع بافكار مرتبة


2 - لما التجني
عبدالعزيز الخنيني ( 2009 / 1 / 1 - 17:13 )
عزيزي صاحب المقال الجميل لما كل هذا الجحود والنكران للدور العربي في الهجوم الاخير على غزة الم يكونوا هم على راس المشتركيين في هذه الجريمة البشعة فمنهم من كان على بموعد الهجوم ومنهم من طلب من الصهاينة اسكات الجميع اطراف المقاومه من اجل تصفيت القضية الفلسطينية ونسيانها الى الابد كما حصل مع العراق الم يكن العرب على رأس المشتركين سوى من دعم امريكا ماديا او دعما لوجستيا او اعلاميا تأكد ياعزيزي ان وجود هذا الكيا من وجود امريا وهو الاعم والحليف الاول له في العالم اما بالنسبة للسوفيت فكانوا هم الداعم الحقيقي للفلسطينين كما اشرت وهذا صحيح وهي التقاء مصالح بالفعل وكان هدفهم القضاء على اسرائيل كونها كانت المحرض الرئيس عليهم ايام الحرب البارده ونحن العرب مع الاسف كنا ولم نزل ندعم القوى الامبريالية واليوم اصبح بعض اجنحة الاحزاب الشيوعية سائرة في هذا الركب ولاندري الى اين سنصل


3 - مقالتك تقف بوجه عاصفة الإعلام الإسرائيلي
صائب خليل ( 2009 / 1 / 1 - 18:04 )
أخي خالد صبيح، شكرا لمقالتك الجميلة...إنها تقف بوجه عاصفة مرعبة من الإعلام الإسرائيلي الهادف إلى خلط الجاني بالضحية وشل القدرة على أتخاذ أي موقف، وهو كل ما يريده الذئب ليحصل على وقته اللازم لذبح الضحية. تحيتي لك

اخر الافلام

.. حسام زملط لشبكتنا عن هجوم رفح: نتنياهو تعلّم أن بإمكانه تجاو


.. من غزة إلى رفح إلى دير البلح.. نازحون ينصبون خيامهم الممزقة




.. -الحمدلله عالسلامة-.. مواساة لمراسل الجزيرة أنس الشريف بعد ق


.. حرب غزة.. استقالة المسؤول عن رسم الشؤون الاستراتيجية في مجلس




.. دكتور كويتي يحكي عن منشورات للاحتلال يهدد عبرها بتوسيع العدو