الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آلام المخاض لأجمل أطفال العالم

رمضان متولي

2009 / 1 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


قال الشاعر التركي العظيم ناظم حكمت إن أجمل أطفال العالم لم يولد بعد. لم يقل لنا كيف ومتى سيولد. ولكن تجربة الإنسانية مع القهر والاستبداد والاستغلال تكشف أن هؤلاء الأطفال يولدون حتما من جحيم المعارك، ومن صراع قاس ومرير ضد رموز القهر والفساد والاستبداد، من رغبة قوية في الحياة تعيد بناء الروح وتسترد ملامح البطولة في شعب مغدور.

مجزرة غزة كشفت للمرة الألف عن الوجه القبيح للسياسة المصرية، وكشفت للمرة المليون عن تهافت الأبواق الرسمية التي يعتمد عليها النظام في تبرير وتسويق سياساته المعادية للغالبية العظمى للشعب المصري. ولكنها جددت مرة أخرى أمل المصريين في أن يولد أجمل أطفالهم، في أن يستردوا حياتهم وقد سددوا ثمن الحرية والكرامة.

مجزرة غزة 2008، مثل مذبحة جنين 2002، دفعت النظام المصري إلى خلع جميع أقنعته الوطنية والأخلاقية الزائفة، ونزع آخر أوراق التوت التي كان يستتر وراءها لأنه لم يعد يحتمل تكلفة الكرامة. وتعمد في الوقت ذاته إلى المغالاة في إهانة الشعب المصري، فمن ناحية يزعم هذا النظام زورا وبهتانا أنه يمثل هذا الشعب، ومن الناحية الأخرى يحشد قوات هائلة ليس في مواجهة أعدائنا وإنما في مواجهة الشعب نفسه، ومن يتضامنون مع ضحايا المجزرة الإسرائيلية في غزة. هذه القوات نحن الذين ندفع لها رواتبها، وندفع ثمن الرصاص الذي توجهه إلى صدورنا، وندفع ثمن العربات التي تستخدمها سجونا متنقلة تحشد فيها شبابا غض القلب كما لو كانوا حيوانات سجينة في أقفاص الذل والمهانة.

لابد لنا أن نعترف بالواقع. نحن شعب أسير. حكامنا من سلالة المماليك رغم فصاحة اللسان وقبح البيان. لم نكن بحاجة إلى مجزرة في غزة لكي نكتشف ذلك. ضحايا التعذيب والقتل على أيدي شرطة هذا النظام أبلغ شاهد وأجلى دليل. إنتشار الفساد وإهدار الموارد وتخريب المرافق من تعليم وصحة وغيرها علامات صارخة على انتكاستنا في عصر المماليك والسماسرة. فماذا تبقى لهذا النظام لكي يزعم أنه تعبير عنا أو ينتمي إلينا. هم يعرفون ونحن نعرف والجميع يعرف أنهم يحكمونا بالتزوير والطوارئ وقوانين استثنائية احتفظوا بها من عهد المستعمر البريطاني.

مماليك هذا العصر حولوا مصر إلى خرائب. أخضعوا شعبها وأذلوه وأهانوه. أرهقونا في البحث عن لقمة العيش والأمان، وأشاعوا بيننا روح الهزيمة والإنكسار حتى يتاجروا بنا، بعد أن اختصر دور الدولة إلى دور نخاس يعرض كل ما تلمسه يداه من بشر وحجر في المزاد. كان لهذه السياسات جانبها الإيجابي الذي لا يقصده صناعها بالتأكيد، هو أن الشعب في سبيله أن يدرك أن الحياة الكريمة تستحق الموت في سبيلها.

لقد حكمت الأقدار على النخاس أن يبيع دائما، لا يتوقف أبدا حتى عندما يتحول ما تحت يديه إلى خرائب. الأزمة من وجهة نظره ألا يجد ما يبيعه. فعندئذ فقط يصبح عرضة للإفلاس. وقد أفلس حكامنا بعد أن باعوا كل شئ. كانوا يملكون وطنا بأكمله، مصانع وشركات وأرضا وشعبا وتاريخا. قايضوا كل ذلك بالبقاء في السلطة، وصناعة طبقة من الأثرياء عبر شبكات من الفساد لا يبرطهم جميعا بهذا البلد إلا حسابات المصارف. وما أن أفلسوا حتى فضحهم شركاؤهم، وطالبوهم بما لم يقدروا عليه، ولن يقدروا: ألا وهو قتل الروح في هذا الشعب، قتل رغبته في الحياة وقدرته على سداد الثمن، وإن ظنوا أنهم استطاعوا، فقد غرتهم كثرة بيادقهم وغررت بهم بنادقهم.

مجزرة غزة كشفت عن قدرة هذا الشعب على إعادة بناء الروح وإنتاج الحياة. كل ما يحتاجه حتى يعود إليه العنفوان ويسترد عافيته وثقته بنفسه هو أن يكتشف ساحة معاركه كاملة ويخوض نضاله على جميع الجبهات. كل ما يحتاجه هو أن ينتصر لنفسه مرة نصرا مبينا بما يفتح أبواب الأمل لأجمل أطفاله الذين لم يولدوا بعد.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاخ الكاتب
محمد خليل عبد اللطيف ( 2009 / 1 / 1 - 20:15 )
تحية طيبة...باعتقادي المشكلة اعقد...المشكلة اجتماعية بالدرجة الاولى...نحن نعشق الكتاتوريات ونعتبرهم حكاما جيدين اشداء...فمن رحم الشعوب خرج اولئك الحكام...تقبل تحياتي

اخر الافلام

.. جامعة برشلونة تقطع علاقتها مع المؤسسات الإسرائيلية


.. البنتاغون: لا يوجد قرار نهائي بشأن شحنة الأسلحة الأمريكية ال




.. مستوطنون يهتفون فرحا بحريق محيط مبنى الأنروا بالقدس المحتلة


.. بايدن وإسرائيل.. خلاف ينعكس على الداخل الأميركي| #أميركا_الي




.. قصف إسرائيلي عنيف شرقي رفح واستمرار توغل الاحتلال في حي الزي