الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب لم تخنق رافضي الجندية

داني بن سمحون

2002 / 6 / 5
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

رغم الاستجابة العامة لاوامر التجنيد الطارئة، طرأ ارتفاع ملموس في عدد الجنود الرافضين للجندية. خلال عدوان "السور الواقي" على الضفة الغربية، ارتفع عدد القابعين منهم في السجن العسكري الى رقم قياسي – 41 شخصا. كما اعلن اكثر من الف شخص رفضهم المشاركة في عمليات القمع العسكري للفلسطينيين.

 

داني بن سمحون

في اواخر آذار (مارس) تلقى نحو 20 الف من جنود الاحتياط الاسرائيليين اوامر طارئة تدعوهم للخدمة العسكرية، وهي المعروفة باوامر رقم 8. ويوازي هذا العدد الضخم من الجنود عدد الذين استدعوا للتجنيد عشية حرب اكتوبر عام 1973 في خط الدفاع الاولي على قناة السويس. ولكن الفرق الكبير انه في تلك الفترة كان على الجيش الاسرائيلي ان يواجه الجيش النظامي المصري الضخم، اما اليوم فانه يواجه بتكنولوجيته المتطورة وتفوقه العسكري مجموعات فلسطينية مسلحة سلاحا بدائيا ومنتشرة بين الاحياء المأهولة بالمدنيين العزل.

اوامر التجنيد الطارئة جاءت في جو كان فيه الرأي العام الاسرائيلي مستعدا للحرب ردا على العمليات العسكرية الفلسطينية. ورغم استجابة معظم الجنود للاوامر، الا انه وخلافا للمتوقع، طرأ ارتفاع ملموس في عدد الجنود الرافضين للجندية.

خلال عدوان "السور الواقي" الذي نفذه الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية، ارتفع عدد رافضي الخدمة القابعين في السجن العسكري الى رقم قياسي – 41 شخصا. ويعادل هذا الرقم نصف عدد الجنود الذين رفضوا الخدمة منذ بداية الانتفاضة في اكتوبر 2000. بالاضافة، اعلن اكثر من الف شخص رفضهم المشاركة في عمليات القمع العسكري للفلسطينيين.

ظاهرة رفض الخدمة العسكرية تلعب دورا هاما في الساحة السياسية الاسرائيلية، وهي لا تخرج عن جدول العمل والحوار اليومي منذ اعلان رسالة ضباط الاحتياط الرافضين للخدمة في المناطق المحتلة في كانون ثان (يناير) الماضي. في "استطلاع السلام" الذي اجري في اسرائيل في اواخر كانون ثان 2002 (هآرتس، 5/2)، اتضح ان موضوع رفض الخدمة يحتل قلب النقاش العام في اسرائيل.

استطلاع السلام الذي يجريه "معهد دراسات السلام" برئاسة بروفيسور افراييم يعار ود. تمار هرمان في جامعة تل ابيب، اثبت انه رغم رد الفعل السلبي الذي ابدته قيادات الجيش، فان 25% من الجمهور الاسرائيلي يؤيدون موقف رافضي الجندية. ويتجلى هذا الموقف في عدة مظاهر منها تشكل مجموعات من محاضرين وطلاب في الجامعات يدعمون الرفض. كما وقّع 244 محاضرا على عريضة دعم لرفض الخدمة العسكرية في المناطق المحتلة، وضموا بذلك صوتهم الى 12.300 آخرين يؤيدون هذا الموقف.

المستشار القضائي للحكومة في عهد حكومة رابين، ميخائيل بن يائير، اعلن هو الآخر تأييده لموقف الرافضين، الامر الذي يضفي مزيدا من الشرعية للظاهرة. ويرى بن يائير: "ان رافضي الخدمة يقومون بعمل مبرر ويجب الاعتراف به، كما هو الحال في بلدان اخرى. التاريخ سيشهد ان عملية الرفض كانت الخطوة التي اعادت للمجتمع الاسرائيلي عموده الفقري الاخلاقي". (هآرتس، 3/3)

 

جبهة الرفض

علامة هامة على انتشار ظاهرة رفض الخدمة وتنوعها، هي بروز عدة تنظيمات تؤطر الرافضين من منطلقات مختلفة، من السلامية المطلقة (Pacifism) وحتى السياسية الرافضة للاحتلال. الى جانب حركة "يوجد حد"، الاطار الاول الذي بادر لتأطير الظاهرة قبل 20 عاما، والمجموعة الجديدة "منتدى دعم رافضي الجندية لدوافع ضميرية"، تنشط ايضا مجموعة في جامعة تل ابيب ومجموعة "بروفيل جديد" النسوية و"خط اخضر"، ومجموعة ضباط الاحتياط. ويعكس كل من هذه التنظيمات وجهة نظر مختلفة، وينطلق من موقع فكري وسياسي مختلف.

التنظيم الذي يصر على قربه من المؤسسة الحاكمة الاسرائيلية، هو اطار ضباط الاحتياط الجديد. معظم الرافضين في هذا الاطار خدموا في الوحدات القتالية وشاركوا في عمليات عسكرية عديدة في لبنان والمناطق الفلسطينية. الى هذا فلا يجب التقليل من اهمية اصرارهم على رفض الخدمة حتى بعد بدء العدوان الاسرائيلي على الضفة.

ويفسر الضباط موقفهم في تصريحهم الاول: "سنواصل الخدمة في الجيش الاسرائيلي في المهمات التي نراها تخدم مهمة الدفاع عن اسرائيل. مهمة الاحتلال والقمع لا تخدم هذا الهدف، ولذلك قررنا الا نشارك فيها". الضابط الرافض ايتاي سفيرسكي شرح لصحيفة "يديعوت احرونوت" (25/1) موقفه حين قال: "ان الحرب الدائرة ليست حربا شاملة في الدفاع عن دولة اسرائيل، بل هي حرب الدفاع عن المستوطنات".

 

الرفض الانتقائي

ويتمسك الضباط برؤية الرفض الانتقائي، بمعنى انهم ليسوا ضد الخدمة عموما بل ضد الخدمة في الضفة الغربية. ويرى هؤلاء ان الاحتلال هو سبب قيام الفلسطينيين بالعمليات الانتحارية، وانه يشوه صورة المجتمع الاسرائيلي، ولذلك فعلى اسرائيل ان تسحب قواتها من المناطق الفلسطينية.

ويتميز هذا الموقف بانه ينطلق مما هو خير لاسرائيل وليس مما هو عدل وخير للفلسطينيين. بالنسبة لهم انشغال الجيش في المهمات اليومية، مثل حراسة المستوطنات، بدل تكريس جهوده لمواجهة محتملة مع الدول العربية، امر غير معقول. والتسوية السياسية مع الفلسطينيين مطلوبة لانها ستمكّن اسرائيل من التخلص من السيطرة المباشرة على ثلاثة ملايين فلسطيني، دون اكتراث بطبيعة هذه التسوية او ملاءمتها للشعب الفلسطيني.

وتقف مجموعة الضباط اليوم امام مفترق طرق حاسم. في نيسان (ابريل) الماضي عقد اجتماع لاعضائها طرحت فيه فكرة اقامة حركة اجتماعية جديدة. ويصر المتحدثون باسم المجموعة حتى اليوم على تصوير انفسهم كمجموعة غير سياسية وغير يسارية، وذلك كيلا يفقدوا القدرة على التأثير على المجتمع الاسرائيلي. عميت ماشياح، المتحدث باسم المجموعة يقول: "اننا تابعين لمركز الساحة السياسية، احتجاجنا لم يأت من الاطراف بل من المركز".

العدوان الاخير في الضفة وضع الضباط في موقف دقيق. رفضهم الجندية في غمرة الحرب عرّضهم لانتقاد لاذع من جهات عديدة، وبدا انهم فاقدون لاي ظهر سياسي. الضغط المتزايد سيجبرهم دون شك على تحديد موقفهم وطرحهم السياسي.

 

الرفض المبدئي

الظاهرة البارزة الاخرى التي نشأت في الاشهر الاخيرة هي ظاهرة رفض الخدمة في الجيش من اساسها بشكل مبدئي. ويلاقي هذا الموقف استجابة في صفوف الشبيبة من طلاب الثانوية (سن 18) المطالبين بالتجند الاجباري للجيش. وهناك ايضا عدد لا يستهان به من الجنود في الاحتياط الذين تبنوا هذا الموقف، واعلنوا رفضهم المبدئي للخدمة في الجيش طالما بقي الاحتلال. ويرى هؤلاء في كل جندي قوة مساهمة في تكريس الاحتلال. بعض هؤلاء الرافضين اتخذ موقفا اكثر جذرية عندما حدد ان رفضه الخدمة في الجيش هو تجسيد لموقفه المعارض للصهيونية ولدولة اسرائيل.

لرفض الخدمة بشكل مبدئي ابعاد سياسية هامة. اذ يرى هؤلاء الشباب انهم لا يرون في التفوق العسكري الاسرائيلي على العالم العربي ضمانة لحياتهم ولامنهم. شعارهم هو: "لن نقتل ولن نموت في خدمة الصهيونية".

في مقابل ضباط الاحتياط الذين لا يزالون يرون في الجيش وسيلة اساسية لابقاء التفوق الاسرائيلي في المنطقة، يفتح رافضو الخدمة المبدئيين نافذة حقيقية للسلام مع العرب. وخلافا لمعسكر السلام الزائف الذي تقوده حركة "سلام الآن"، يقف الرافضون المبدئيون على ارضية مختلفة تماما. تنازلهم عن التفوق الاسرائيلي واستعدادهم لبناء علاقات مع الشعوب العربية على اساس المساواة، يضعان اساسا جديدا لامكانية انخراط الاسرائيليين في الشرق الاوسط ليس كمحتلين واستعماريين بل كبشر متساوين مع اخوانهم العرب.  

june 2002 -الصبار 153  








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا يحدث عند معبر رفح الآن؟


.. غزة اليوم (7 مايو 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غزة




.. غزة: تركيا في بحث عن دور أكبر خلال وما بعد الحرب؟


.. الانتخابات الرئاسية في تشاد: عهد جديد أم تمديد لحكم عائلة دي




.. كيف ستبدو معركة رفح.. وهل تختلف عن المعارك السابقة؟