الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف المخملي .. وأولاد الشوارع

إكرام يوسف

2009 / 1 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


منتظر الزيدي ـ يا سادة ـ في أيدي جلاوزة التعذيب! بدأت حفلة تعذيبه أمام أعين العالم كله، وفي حضرة الطاغية الأكبر الذي جاء، لا ليقدم اعتذاره ويطلب العفو من العراقيين عما ارتكبه في حقهم من جرائم حرب، وإنما ليواصل أكاذيبه باعتباره متعهد توصيل الديمقراطية للشعوب بنظام "هوم دليفري"!. منذ اللحظة الأولى لموقعة الحذاء الذي وضع أفضل نهاية ـ والتعبير ليس من عندي وإنما هو مانشيت صحيفة واشنطن بوست ـ لحكم أسوأ رئيس حكم الولايات المتحدة، ذلك الذي قالت عنه والدته بنفسها إنه أغبى أبنائها!.
وتعذيب "الزيدي" بدأ على مرأى من العالم ـ وأمام راعي الحريات ـ وسمعنا صوت صرخاته قبل أن يصدر الأمر "أغلقوا الكاميرات"!. وانقطعت الصورة، لكننا نعرف ماذا كان يجري في تلك الأثناء لمواطن، عبر في لحظة شجاعة رائعة عن غضبه ـ وغضبنا ـ مما عاناه شعبه على مدى خمس سنوات من احتلال دمر بنيته الأساسية، ودمر قبلها كرامة أبناء الرافدين الذين تعرضوا للمهانة والتعذيب والاغتصاب ـ رجالا ونساء ـ في "أبو غريب"، ونهب ثروات بلاده لتوزيعها على عدد من الشركات الأمريكية، وخرب متحف بغداد لسلب أدلة تاريخية مطلوب طمسها لتزييف التاريخ تمهيدا لسرقة المستقبل.
وبينما كان يفترض من حملة الأقلام مساندة زميل يتعرض للقهر بسبب تعبيره عن رأيه، والمطالبة بالإفراج عنه احتراما لحرية التعبير، أو على الأقل التنديد بتعذيبه والمطالبة بضمان محاكمة عادلة ونزيهة . إذا بالبعض ينبري لتسفيه وتسخيف موقف "منتظر"، الذي اعتبرته صحف أمريكية وغربية موقفا مبررا، بل ووصفته بعض هذه الصحف بالبطل، ونشرت عشرات المقالات ورسوم الكاريكاتير المساندة له. جاء موقف بعض "الزملاء" المستغرب، كما لو كانوا يطالبون بالثأر لكرامة القاتل الذي لم يجد ابن القتلى ما يواجهه به سوى "الحذاء".. ولا أجد ما أصف به موقف الزملاء سوى أنه موقف مخيب للآمال "وما يصحش"!.
وكانت حجج المنددين بموقف منتظر غاية في الغرابة، فهم تارة يركزون على حسن وفادة "ضيف" جاء إلى بلاده في حضرة حكامها، متناسين أن بوش لم يكن ضيفا، وإنما القائد الأعلى للقوات التي تحتل أرض "منتظر" وتولج في دماء أهله وأعراضهم. وهو لم يأت بدعوة استضافة، وإنما وصل فجأة وبدون استئذان كأي محتل يدخل وقتما شاء البلد التي اغتصبها. وتارة أخرى يقولون أن "منتظر" لم يتصرف كصحفي يراعي آداب مهنته، وكان يمكنه أن يوجه ما يشاء من أسئلة يعبر بها عن رأيه أمام الرئيس الأمريكي! وهم يعلمون جيدا أن الفتى لم يكن يتصرف بدافع مهنته، وإنما بدافع كرامته الوطنية المهدرة ـ وهو نفسه كان ضحية عملية طف بسبب معرضته للاحتلال ـ كما يعلمون ما يحدث في المؤتمرات الصحفية من تجاهل لأسئلة لا تأتي على هوى الضيف أو المضيف.
وهنا اسأل كل من هؤلاء ماذا كنت لتفعل لو وجدت نفسك وجها لوجه، في فرصة نادرة، أمام الشخص الذي اغتصب أختك وانتهك عرض أمك وسحل أبيك وقتل إخوتك ونهب بيتك، وهو يقف وسط وحراسه؟ هل كنت لتناقشه بأدب فيما ارتكبه من جرائم؟ أنا شخصيا لو كنت في هذا الموقف، ربما لم أكن لأمتلك المرونة العضلية الكافية لإلقاء حذائي بسرعة، لكنني على الأقل كنت سأبصق على وجهه وليكن ما يكون، حتى لو كان هذا آخر عمل أقوم به في حياتي. رغم يقيني أن "البصق" في وجوه الناس ليس فعلا حضاريا، ورغم أنه ليس من طبعي في العادة أن أبصق في وجوه البشر.
هؤلاء "المتحضرون" تهربوا من إجابة سؤال رددناه كثيرا: لماذا لم تدينوا ضرب صورة وتمثال صدام بالأحذية، ورأيتموه تعبيرا عن رأي الشعب العراقي؟ ولماذا لم تروا ما فعله منتظر، واحتفال الملايين في العالم به، تعبيرا عن رأي العراقيين ـ وشعوب أخرى ـ في الاحتلال وفي رئيس كذاب، جر جيش بلاده للتورط في حرب "قتل فيها الآلاف من أبناء الأمريكيين كما قتل أكثر من مليون عراقي لمجرد أن تمتلئ جيوبه وجيوب شركائه بأموال البترول" على حد تعبير أحد النشطاء الأمريكيين المعارضين لاحتلال العراق؟
ولعل أسخف ما قيل في هذا الشأن، هو أن منتظر لم يكن ليجرؤ على مافعله في ظل صدام، أو أمام أي رئيس عربي؛ ولا شك أننا جميعا نعرف أن فعلا كهذا في أي دولة من دولنا المنكوبة بالاستبداد لا بد أن يقع في خانة العمليات الانتحارية ـ أو الاستشهادية حسب موقفك منها ـ لكن أيا من حكامنا لم يسبق له أن ادعى أنه حامل لواء الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، أو أن بلاده راعي الحريات في الكون. وإذا كان الأمر كذلك و"أحمد زي الحاج أحمد| كما يقول أولاد البلد عندنا في مصر، فلو كانت واقعة الحذاء حدثت أمام صدام لكان مصيره التعذيب قبل القتل لمعرفة من يقف وراءه، أما أمام بوش فقد بدأ التعذيب فورا ولم يحدث سوى أن أمر الأمن بإغلاق الكاميرات؟ فما الذي تغير في عصر الديمقراطية "هوم دليفري"؟ الفتى بدأ تعذيبه من أول لحظة بلا حقوق إنسان ولا يحزنون.
والمضحك، أن آلة الدعاية الأمريكية تحركت فور الحدث لتمرير نظرية تقول إن حادثة الحذاء لم تؤثر على الرئيس بوش لأن الرمي بالحذاء ليس له نفس المغزى ـ الذي نعرفه عندنا ـ في الثقافة الأمريكية! وانبرت أقلام تردد هذه النكتة السمجة، رغم أن تداعيات ما حدث في الصحف الأمريكية والغربية الكبرى، وما شاهدناه في برامج تليفزيونية أمريكية يؤكد أن رسالة "منتظر" وصلت بحذافيرها لمن يهمه الأمر، وطبعت علامة على حكم بوش لن ينساها الرئيس المنصرف نفسه، ولن ينساها المارينز أبواق بوش في الصحافة العربية، كما لن تنساها الجماهير التي ذاقت الفرحة في لحظة مسروقة من زمن الأحزان.
وعلى ذكر الجماهير، كيف لمثقف يزعم انشغاله بالهم العام أن يتعالى على "ناسه" بهذا القدر الذي يجعله لا يحسب لمشاعرهم حسابا؟ وكيف ينتظر منهم أن يتقبلوه طليعة لهم وهو يتعامل معهم بهذه العنجهية التي ترى في فرحهم التلقائي تعاطيا لمخدرات؟ إن مثقفا يتعامل مع شعبه بهذا القدر من العنجهية، كما لو أنه شعب من رعاع وأولاد شوارع، ومن يتجاوب مع أحاسيسهم ليس سوى مروجا للمخدرات، لا يحق له أن يتحدث باسم هذا الشعب؛ وعليه أن يظل قابعا في برجه العاجي يناجي خيالاته، حتى يقيض الله شعبا مخمليا ـ على شاكلته ـ يتسم بالتهذيب ويراعي آداب السلوك في مواجهة مغتصبيه.

ولمنتظر، وأيضا لكل مثقف مخملي، أهدي كلمات "المتحضر" محمود درويش:
"الله أكـبــر.. هـذه آياتنا ، فأقرأ.
.باســم الفـــــدائي الذي خلق.. من جزمة أُفـُقا
....
ســــقط القناع عن القناع عن القناع"












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ليس بالقنادر فقط يحيا الانسان
طالب العراقي ( 2009 / 1 / 2 - 20:45 )
نسمع في العالم المتمدن عن وجود سلطة اسمها السلطة الرابعة وتضم العاملين في شتى مجالات الصحافة والاعلام وهي لها سلاح ماض وقوي ومؤثر الا وهو (ا لقلــــم) اذا فالصحفي اساس مهنتة قلمه . وكل صحفي يلبس بطبيعة الحال _تكرمون الحذاء بالعراقي يسمى القندره _ فالحذاء للمسير وحفظ القدم من الاذى وليست له منافع اخرى...لكن ان تستبدل سلاح القلم بالحذاءهذى لعمري من الغرائب!!هنا استعنا بثقافة نظن انها اندثرت بحكم الوعي والتحضر الاوهي ثقافة القنادر ...وهذه لا تقدر ان تطيح بحكومات ولا وزارات ..ولا تغير من الواقع شئ..والا ستتطايرالاحذية من كل صوب في اي اجتماع او ملتقى يحضره اناس نحن لا نرضى عليهم..لذا فالقلم اسمى وارفع مكانه من كل القنادر .....سلامي


2 - هنا في مخ مش فردة جزمة
المنسي القانع ( 2009 / 1 / 3 - 00:52 )
من زمان وانا اسمع هذه العبارة تردد في الافلام المصرية ---- إقتنعت بها وتأكدت أن الانسان امّا ان يحمل في دماغه مخاً يفكر ويجعله مختلفاً عن الحيوان أو يحمل في ذلك الدماغ فردة جزمة وهو بذلك إنسان سعيد ومؤمن وأمي ، لا يفكر فيتعب ويتعب الناس الآخرين . وقد صدق من قال أمي مخلص خيرٌ من مثقف هدام . لذا أقول لك سيدتي مبروك عليكم هذه الأدمغة ذات الجزم.


مفارقة (يمكن كتابة مخلص بالانكليزي هكذا Mukhless )


3 - السؤال الذي لم تجيبي عليه حتى الان
محمد خليل عبد اللطيف ( 2009 / 1 / 3 - 04:13 )
تحية طيبة
كنت قد علقت على مقالك السابق ولم تتطرقي في ردك الان على تعليقي وتستطيعين اعادة قراءة التعليق ان اردت وان كنت اشك في انك لم تقرايه لانني كتبته مرتين
سالخص
المشكلة ليست في حذاء منتظر...المشكلة في القوى التي ستستغل واستغلت الحدث

سالخص اكثر
؟لماذا لم تضرب ليفني بالحذاء في مصر
هناك احتمالين
اما ان وجهة نظري هي الصحيحة او ان ليس هناك رجال في مصر
ولك الاختيار...وشكرا لسعة صدرك ولن اقول مايصحش


4 - بعد شهر من الان
حيدر الخزاعي ( 2009 / 1 / 3 - 04:59 )
بعد شهر من الان مالذي سيضيفه الحذاء هذا لمى يعانيه العراقي او العربي انتم غير قادرين على البصاق على شرطي او مسؤول حكومي في بلدكم وها انتم تشجعون الاخرين على مثل هذا الفعل النصر الكاذب كحرق نصف اسرائيل او تدمير تل ابيب بالقاهر و الضافر كونوا شجعان وتحدثو بمنطق


5 - بعد شهر من الان
حيدر الخزاعي ( 2009 / 1 / 3 - 05:12 )
ما الذي سيضيفه لنا فعل الحذاء بعد شهر من الان ام ان انتصاراتنا دوما معنويه ولم يكن لها وجودة على ارض الواقع مثل حرق نصف اسرائيل و تدمير تل ابيب بالقاهر و الضافر


6 - كلام المهازل
امجد العراقي ( 2009 / 1 / 3 - 11:55 )
كفى يا..اكرام...بالكلام في امر لاجدوى منه وان هذه الحاله الشاذه اقصد تصرف الزيدي اصبحت مفهومه ولاتحتاج للبحث والدعايه الرخيصه


7 - الحذاء اجمل هدية لبوش
وفـــاء ( 2009 / 1 / 3 - 15:18 )
الذي سمح لنفسه بتقتيل وابادة شعب لا يستحق الحذاء فقط فالحذاء اجمل تعبير يمكن توجيهه لشخص حقير مثل بوش كيف نطلب من الشخص التحكم في عواطفه وقد مس في كرامته ان هذا لهراء وعين الهراء واشكرك استاذة اكرام مع التحية والتقدير


8 - لماذا لا تقلدين البطل الزيدي؟
عبدالله مسعود ( 2009 / 1 / 3 - 18:35 )
عزيزتي الكاتبة، نعم آخر الأنباء وصلتني أن البطل يقدمون له طعامه بالحذاء ويرغمونه على تناوله بالحذاء أيضاً، ويشرب الماء بالحذا، ويتوسد الحذاء، وكلما غفى يسقطون على رأسه حذاء، وكل صباح يضربونه على رأسه ويصفعون وجهه بالحذاء
أيتها الكاتبة البطلة، لماذا لا تدخلين التاريخ كزميلك العراقي الزيدي وتضربين ليفني أو أي مسؤول إسرائيلي بالحذاء، وسنقيم لك تمثالاً وفي يدك حذاؤك البتار، ولا نقول سيفك العربي ، فالحذاء أصدق أنباءً من الكتب، خاصة إذا كانت من يد بطلة العروبة


9 - تكرار ممل
ناصح ( 2009 / 1 / 3 - 18:39 )
هذا الموضوع سحق بحثآ و اصبح مملآ لكن الكاتبة تدعي علمها بتأييد العراقيين للحذاء,بتشديد الذاء,مع أنها مصرية على ما أظن لا تستطيع التحقق من مدى التأييد,على كل حال لم أعرف ما عنت بأولاد الشوارع فأذا قصدت بذلك المواطن العادي فأولاد الشوارع لها معنى أخر يبدو أن الكاتبة تخلط بينه و بين نبض الشارع,أما نحن في العراق فلا نتصف بأخلاق أولاد الشوارع و وسائلنا في الرفض و الاحتجاج تختلف عن غيرنا و هي فعالة و مجربة و لا نحتاج فيها لحذاء


10 - دنگ راسك اجاك انعال
عواد العابدي ( 2009 / 1 / 3 - 18:40 )
يسقط الصاروخ تحيا القندرة * للعروبة اليوم صارت مفخرة
***
انهزمت اجيوش العرب يوم النزال * والسلاح انهار في سوح القتال
گمنه نتحدى القنابل بالنعال * واليعادينه بحذاء اندمره
يسقط الصاروخ تحيا القندرة
***
بالقنادر ننتصر مو بالسلاح * والنعل بالمعركة سر النجاح
الزيدي عنده كروز حي اعلى الفلاح * ومن رماه بالكون صارت ضغبره
يسقط الصاروخ تحيا القندرة
***
استأذن القعقاع من گبره وطلع * شالته الغيره وعلى حصانه رجع
شگگ اهدومه وگطفهن من سمع * ركضه اجوا حفاي هو وعنتره
يسقط الصاروخ تحيا القندرة
***
شافوا الزيدي البطل رمز وفه * ولابس ابرجليه عبوة ناسفة
من شمرها شلون صارت عاصفة * وسوه لجيوش الاعادي مقبرة
يسقط الصاروخ تحيا القندرة
***
هلهل القعقاع ودموعه جرت * وعنتره اخدوده السويده حومرت
صاحوا الارض السليبة تحررت * وتل ابيب بنص حذاء انفجره
يسقط الصاروخ تحيا القندرة
***
ومصطفى البكري سعيد ابهل خبر * ايبارك الأمة العريقة ابهالنصر
صارت بلميار چزمة منتظر * اغلى من سعر الشبح يمعتبره
يسقط الصاروخ تحيا القندرة
***
التمت العربان من بان وبني * وامة الامجاد ابد ما تنثني
أمة تنجب منتظر ما تنحني * وبوش اجه لبغداد ياهو القشمره
يسق

اخر الافلام

.. هل يستطيع بايدن ان يجذب الناخبين مرة اخرى؟


.. القصف الإسرائيلي يدمر بلدة كفر حمام جنوبي لبنان




.. إيران.. المرشح المحافظ سعيد جليلي يتقدم على منافسيه بعد فرز


.. بعد أدائه -الضغيف-.. مطالبات داخل الحزب الديمقراطي بانسحاب ب




.. إسرائيل تعاقب السلطة الفلسطينية وتوسع استيطانها في الضفة الغ