الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتفاخ

عدنان الدراجي

2009 / 1 / 4
الادب والفن


لم يفلح الماء المنهمر على كفيَّ من فوهة الصنبور الذهبي في إخماد رائحة الطعام العالقة بهما, فاكتفى الماء بمرافقة رغوة الصابون المعطر إلى الحوض الرخامي الموشى بخطوط ذهبية متوازية, نفضت قطرات الماء العالقة بإطراف أصابعي وهممت بالتقاط الفوطة القطنية المعلقة بجوار المرآة الفخمة فلاحت لي أبخرة الطعام تتصاعد من مسامات وجهي لتتجمع فوق هامتي كسحابة بهيئة قبعة عريضة الحاشية.
لم اكترث كثيرا بمخالب السحابة الناشبة في ثآليل مخي الذي خُرّم وتشبع بالعطن منذ أن مُسخت كلماتي, وفي كل الأحوال فان وجعها أيسر من نزف روحي التي ستراق بعد قليل على أحذية الفُتاك.
لا بد لي من حقن جميع تجاويفي بأكبر قدر من الخمور لعلي أنجو من كابوسي المعتاد الذي ما انفك يداهمني بعد كل حفلة من هذا النوع, كنت أرى رأسي سلة نفايات ممتلئة تماما بحروف متفسخة نتنة فأفيق مرعوبا لأهرع إلى حيث افرغ محتويات معدتي.
أخذت موقعي بين زملائي، متحلقين حول انتفاخ التصق بنهايته العليا رأس كأنه نتوء عشوائي تافه, كان الرجل يرحب بنا بصوت أجش وبابتسامة أطفأ توهجها شرر عينيه الماكرتين, تمنى لنا من صميم كرشه سهرة ممتعة في داره العامرة ثم عرج إلى برنامج الحزب في مواجهة أعدائه، والحركة الثورية والعملاء المرتدين من أصحاب الأقلام المارقة وعن واجباتنا الوطنية في مواجهتهم وتشخيصهم.
تحسست بطني الناتئة وأنا انثر على مضيفي سبائك المديح الصدئة فتعالى صراخ زملائي المخمورين مع تصفيق يصم الأذان , أعدت المقطع الأخير تلبية لطلبهم ثم ختمت نفاقي بعهد رق طوقت به عنقي وفاءا للقائد الفذ, كانت النشوة قد أخذت مأخذها من الحضور واهتز كرش مضيفنا إعجابا وسعادة ومضى يجتر بيت شعر من تلك القصائد التي طالما أحرقت في مباخر العهر.
أدلى زملائي بدلائهم في بئر التملق الذي اغترفت منه قبل قليل لكن استجابة مضيفنا المناضل بدأت تخبو تدريجيا فنهض احد شعراء البلاط وتقيأ قصيدة عهر مثقلة بشبق غير معهود أعادت الحماس لمضيفنا المناضل وفجرت عاصفة تصفيق.
تبدد تلعثم مضيفنا فجأة وانطلق من غير انقطاع يروي قصص فتوحاته الجسدية وأحكامه الصائبة عن لذائد الأرداف الثقيلة والشفاه والصدور المكتنزة ثم تحدث عن أصناف اللحوم حسب الفئات العمرية والأجناس المختلفة إلا انه اقتطع وقتا أطول لخصائص الأجساد الغجرية ثم توقف ليشير إلى احد الخدم, غاب الخادم قليلا ليعود برفقة فرقة مؤلفة من خمس فتيات سمان ورجلين.
اشرأبت عيوننا النهمة لنهش اللحوم البيضاء الرخيصة التي كانت تتلوى من غير انسجام مع طرقات (الرق) وزعيق (الربابة) وحمحمة مطربة الفرقة التي أجهدت ردفيها بحركات محورية فاضحة.
-ليتني اعرف الذين فضوا بكارات هؤلاء الفتيات؟
التفت إلى مصدر الصوت فتصادمت عيوننا ببعضها, كان يعرب صديقي الاريب الأديب المرهف الذي هوى به جبنه إلى منزلقنا المشترك هذا.
-يعرب أنت سكران!!
-أرجوك اجبني!
-يعرب ألا تعرفهم حقا؟
-قل أرجوك, سيقتلني الفضول!!
-هم الذين اغتصبوا حروفنا يا يعرب, أعرفتهم الآن؟


د.عدنان الدراجي
[email protected]









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال