الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(المنحى الحسي عند المتنبي)

علاء هاشم مناف

2009 / 1 / 5
الادب والفن


ما يتعلق بغطاء ووعاء الجذب الذهني في اخذ صياغة المضمون وفق اسلوب يدركه الشكل وهذا مستوى متطور في حلقة الكتابة والقيم الجمالية ، وهي امور تتعلق بالمسؤولية الفنية في تقديم هكذا نص يعي منهجية الاستخدام الذهني في تشكيلة العمل الفردي . ولكن صياغة المضامين تبقى حجر الزاوية في التشكيل المشترك للاشياء . فالمتنبي قدم منعطفا حسيا في القصيدة التجربيبة بصورتها الشعرية وخواصها الذاتية في الشكل ، والشكل في المعادلة الموضوعية هي القصيدة المتفردة بهذا الاطار، فغياب الشكل يعني غياب القصيدة ، ويشكل الادراك تجريبية حسية صادقة تعبر عن تجسيد لمعنى الخواص في الفعل الحسي وما مرهون بالشكل والمضمون يعتبر عطاء في تجربة تعطي اختلافية في صدى ذهني يتعلق بالموضوع ، وينسجم مع استنباط حسي يحدد المعنى وحركية القصيدة وتفاصيل المزاوجة بين (الحلم والواقع) باعتبارهما متعلقان باقيان في الحس منهما بتاكيد النقيض من التفسير التقليدي للعمل الادبي .
والقصيدة تحقق الاثر المباشر من خلال المحاكاة عبر الحس في الشكلية . في هذه الحالة علينا الانتباه الى المداخلة التي تحصل للادراك حيث يكون العمل فوق مستوى الحس بتوافق الحدس ، وهذا يعطينا برنامجا يتكون من خطوط وقواعد – ومساحات – وفضاءات – وعناصر – ومعاني – وموضوعات ، كلها تشكل مستوى تنظيمي عالي ، يبرهن على قوة الفعل العقلي وما أخرجه من مؤثرات في دعم المرتسم الموضوعي ودعم خواص شبكة القصيدة عند المتنبي وهذه القصيدة قالها عند خروجه من مصر :
عيدٌ بأية حالٍ عدت يا عيدُ
أما الأحّبةُ فالبيداء دونهمُ
لولا العلى لم تجب بي ما أجوبُ
وكان أطيب من سيفي معانقةً
يا ساقييّ أخمرٌ في كُؤوسكما
أصخرة أنا ما لي لا تحرّكني
بما مضى أمْ لأمرٍ فيك تجديدُ
فليتَ دونك بيدًا ُدونها بيدُ
وجناءُ حرفٌ ولا جرداءُ قيدودُ
اشباهُ رونقه الغيد الاماليدُ
أم في كؤوسِكُما همٌّ وتسهيدُ
هذي المدامُ ولا هذي الأغاريدُ( )

في هذا المسار الحسي الحكائي يتصاعد الاستخصار في التعرف على شبكة الخطاب ، وفق سياق الملازمة للنصوص الشعرية ونبدأ عملية الحصر للمخيال الذي ساهم في الكشف عن البناء في نواظم القصيدة وفق مقاييس (الزمن – والرؤية + الحس) وهنا يتمركز ميدان الاسلوبية التي تعمل على ادغام كل اختلاف بين منطق الحكاية والخطاب الذي يستحضره الشاعر .
اذا أردتُ كميتَ اللّون صافيةً
ماذا لقيتُ من الدُنيا وأعجبه
وجدتها وحبيبُ النفس مفقودُ
أنيّ بما أنا شاكٍ منهُ محسودُ( )

فالموجود في الكأس لونه كمتي وصافي كصفاء عين الديك ولكن الوجود بكامله مفقود فالبيت الشعري يتأسس على تعريف يتعلق باشكالية تفهم الحدث ، ثم يقدم تعريفا للخمرة بلونها الاحمر الذي يطغي عليه السواد ثم في هذا التعريف يبرمج هذه الاشكالية في اتمام المقاربة بين وجود الخمرة وغياب الحبيبة . والسؤال سابق الادراك عند المتنبي وهو مثير للادراك نفسه . فالوجود عند المتنبي سابق دائما على التفكير ويأتي السؤال بوصفه اجابة عن سؤال سابق له ، فالمشروعية في هذا تلزم حلقة تعريفية عن رغبة حقيقية في كنه التعريف .
جود الرجال من الايدي وجُودُهمُ
ساقبضُ الموتُ نفساً من نفوسهمُ
من اللسان فلا كانوا ولا الجودُ
إلاَّ وفي يده من نِتْنها عودُ

فليس هناك سياقات متكاملة وجاهزة عن منطق الشيئية او الوجود وعدمه وعن خلاصات جوهرية لهذه الأشياء . فالمتنبي يستنتج من هذه الأشياء جوهر فعلي يتجلى بالحس + الحدس والوجود يمنح هذه الحالة في الامكانية السيكولوجية من حق الانسان ان يقول ما يشاء سيما وان هناك وجود سابق لهذا الادراك ، والسؤال يصبح عمل فعلي للشاعر ، ان يسأل والجواب يتشكل بحقيقة مؤكده مؤداها ان الوجود الانساني (مكان وزمان) متحرك في هذه الاشكالية ، وينطوي على عمق وفير وبقصدية في هذا الوجود بوصفه مجرد الوجود ، بل بوصفه مبدأ مفترض يتحرك في فضاءات حرجة ليس من اجل منحى فردي بل هو خلاصة سيكولوجية لمفهوم متحقق وجوديا . واللغة الشعرية في مقام ما ربما تكون لغة افتراضية تتعلق بالميتافيزيقا سواء على مستوى مفصلها (الموتي او الحياتي) او (بموت الاله كما يقول نيتشه) بوصفه حلقة فيزيقية . فالوجود من رؤية حدسية اخرى ينظر لها المتنبي وفق منظومة التغير الافتراضي سيكولوجيا ، يفعل هذا المتنبي ليكشف هذه اللغة الافتراضية التي وصف بها كافور عن وجوده ومركزه وهي حالة من الكشف تستلزم تحولا جوهريا في لغة الهجاء واتجاها آخر نحو خواص التحول . لكن المتنبي يكشف المفردة الوجودية المقروءة . من هنا تبدأ الدقة في الوصف لكافور الأخشيدي .
صار الخصيُّ إمامَ الآبقين بها
نامت نواطيرُ مصرٍ عن ثعالبها
العبدُ ليس لحُرّ صالحٍ باخٍ
ما كنتُ أحسبني احيا الى زمنٍ
وأنَّ ذا الاسود المثقوب مشفرهُ
فالحرُّ مستعبدٌ والعبد معبودُ
وقد بشمن وما تفني العناقيدُ
إن العبيد لأنجاسٌ مناكيدُ
يسيءُ فيه عبدٌ وهو محمودُ
تطيقهُ العضــاريط الرعاديدُ( )

والمتنبي يتم تحويل خطابه الى مفردة تتعلق بالوجود ، ويبقى النص الشعري يستخدم منحى الدقة بوجود الصيرورة التي انتهى اليها المتنبي بالرجال الجوف فاستخدم المفردة لأن اللغة تحولت الى العمق الوجودي .
ان ادراك وعي تخلل المفردة من مجرد علاقة الى جوهر يعمل على نزع حالة التذكر في مرحلتها الاولى باتجاه ذاكرة تعيد جوهر المعنى تحت سيطرة اكثر متانة في التعبير لان الذاكرة اصبحت ذاكرة وجود عند المتنبي هذه الذاكرة تجنبت الغزو من ناحية وسيطرة الوصاية على الذاكرة من ناحية اخرى ولذلك فقد تعامل المتنبي مع محمولات للغة قديمة ومفردة فاضحة ومباشرة ليخاطر باشكالية التأمل في خواص الجوهر الوجودي ، فهو يخضع لمتطلبات قديمة تتعلق بفحوى الموضوع فهو تحرير المفردة من أسر اللغة لتقديم الخلاص في البيت الشعري .
يقول المتنبي :
ولا توهَّمتُ أن الناس قد فقدوا
من علم الاسود المخصي مكرمةً
أم أذنهُ في يد النخاس داميةً
وأنَّ مثل أبي البيضاء موجودُ
أقومهُ البيضُ أم آباؤهُ الصيد ُمردودُ
أم قدره وهو بالفلسين مردودُ( )

فالمفردة التي انجزها المتنبي هي الأثر الذي يحمل طقوسا تتعلق بالأثر الوجودي لتحرير كل المفاهيم من زيف اصلي وراسخ وفي غاية الثبات ، في عقول تؤكد مرتبتها الادنى ولكن المدلول المتعالي عند دريدا :
Transcenden Tal signified ( )
فالذي يبقيه هو مفهوم يتعلق بالفكرة العليا التي تتعلق بالوجود الحاضر ليقودنا هذا الحاضر الوجودي الى سؤال عن فعل هذا المعنى في اطاره النهائي لأنه اصبح مدلولا نهائيا ومرجعا ترجع اليه الدوال . لكن المتنبي في تهمشه لكل من لا يتضمن خواص في الدلالة لانه في نظر المتنبي ، هو سابق ومتميز في هذه الخاصية لانه يتحكم في تفاصيل المدلول . والمتنبي يكشف عن هذا المستور بمفردة هجومية توضح خواص البيت الشعري وحدوده في استباق المفاهيم الفيزيقية في النصوص الشعرية :
وما تنفعُ الخيل الكرامُ ولا القنا
إلى كم تردُّ الرُّسلَ عمَّا أقوْلهُ
وإنْ كُنتَ لا تعطي الذِّمامَ طواعةً
وإنَّ نفوساً أممّتك منيعةٌ
إذا لم يكنْ فوق الكرام كرامُ
كأنَّهمُ فيما وهبتَ ملامُ
فعوذُ الأعادي بالكريم ذمامُ
وإنَّ دماءً أمَّلتك حرامُ

وما يتعلق بالحضور الشعري ومفهوم العلامة عند المتنبي يأتي عبر توليدية تلقائية وفق مدلول زمكاني في كل الاحوال يقلب موازين في الوعي الشعري من خلال المعترك السيكولوجي ووحدة التولد الذي يأتي بحركة تلقائية وعلامة حضورية تكتنز المدلول من زاوية دينميكية . وتؤكد المفردة بعيدا عن التواصلية والخواص الجزئية للعلامة وبسبب المنطق الاختلافي في بناء النصوص الشعرية ، وبناء على السعي لهذه الرغبة في تشكيل الوعي الاختلافي داخل المقطع الصوتي او العلامة الصوتية المتعلقة بالمنهج الكتابي باعتباره حضورا أزليا ذاتيا في المنهجية الفكرية للذات الصامتة ولكن الذي يحدث ان هناك ابتعاد بين تماثل الصوت وولادة الفكر أي بين الصوت والمنهجية الفكرية الذاتية ، لان عملية الكشف تكون قد ابتعدت قليلا ، لان الدال الصوتي غير الدال الكتابي ، ونحن نناقش فكرة المدلول المتعالي عند المتنبي .
















العلامة الصوتية والكتابية
التفكيك المتعالي
يجب ان نحدد خواص الصيرورة التي تجمع البنية الاختلافية الذاتية ، ليس في مجال كنه الوجود ، بل وحتى في الحلقة الاختلافية الملغية في كنه الآخر وفق خصائص المعنى في اطار علامتها وهو غريب الانغراس ويقع في منطقة اختلافية منعرجة ، بحيث ان نصفها لا يقع في هذا الاختلاف وكذلك نصفها المتوالي هو ليس النصف المحدد في هذه الاختلافية بمعنى أن البنية الاختلافية في منهجية المتنبي بالنسبة للعلامة تقع بحدود وجود هذا الآخر والذي يقع في الغياب دائما والآخر غائب الاختلافية وغير موجود ، والمعجم يشير : ان في كشف العلامة الاختلافية تتوالد بعلامة سارية اخرى ، هذا التسامي في العلو ، هو تعبير يقع باطار دلالات كثيرة من التفكير المتعالي الذي يغير في عملية التسامي والعزلة والنقاء والتوحد (الغربة – الوحشة) وكان تفكير المتنبي يتجاوز عصره أي انه قد تفوّق على عصره وتجاوزه في خطابه والمتنبي قد تنفس الهواء الاعلى وهو الهواء القاسي والشديد على الانسان وهو يسبر الجليد والوحدة القاتلة والتفرد الاعلى يأتي بالهواء النقي ، ويستتبعه الشعور بالوحدة والبرد الشديد لكن في النهاية تأتي الحرية حتى تتكشف الانوار . من اصعب ما عاناه المتنبي وكل المبدعين في هذه الحياة وهي الهوة الكبيرة بينه وبين معاصريه ، والاختلاف الشديد في هذا الشعور الذي يترجم الى حالتين في هذه الاختلافية (6) حالة التسامي والتفرد (7) وحالة التفرد والوحشة ، وحيث تسامى ابي الطيب المتنبي ونيتشه في تفاصيل عدم النسبة والتناسب ، بين جسامة هذه الاختلافية الدقيقة .
فالتسامي الاعلى في نظر المتنبي ، هو تعبير عن حالة التفرد الابداعي التي يحياها كل المبدعين في كل مرحلة تاريخية وكل عصر . هذه الايقونة التي حددها المتنبي هي الجسر الذي يربط المبدعين في مختلف العصور ، انه الهواء الذي تعيشه النخبة ، هذه النخبة التي تحدث عنها (ابن المقفع) في كتابه (الادب الكبير) هو ذلك التعالي الانساني الذي ترجمه المتنبي في نصوصه الشعرية التي رثا بها كل من لم يستطع ان يصل الى هذا الارتقاء . كذلك نيتشه الذي كان راثيا معاصريه الذين فقدوا القدرة على السمو وبقوا قابعين في ذلك المستنقع الآسن والذين مثلوا الاختلاف في منظور المتنبي . فكان المتنبي يحس الغربة في غربته الذاتية وحتى الموضوعية ، ولذلك نظر الى كل الاشياء نظرة استهزاء واحتقار حيث يقول :
ضاق ذرعاً بأن أضيقَ به ذرْ
واقفاً تحت أخمص قدر نفسي
عاً زماني واستكرمتني الكرامُ
واقفاً تحت أخمصيَّ الأنامُ

فهو الذي استطاع ان يتسامى باكثر قدرة وان رزح الانام تحته ، وهي اشارة الى العلو والسمو وهذه الحلقة من السمو قد تكون لها رابطة موضوعية تربط هذا الشاعر او هذا الفيلسوف باقرباء له من الاجداد الاموات افضل من الاحياء الذين تربطهم به علاقة زيف وانحطاط وفي هذا يقول ابي تمام في هذه العلاقة المتسامية بين الادباء مخاطبا صديقه علي بن الجهم :
ان يختلف ماء الوصال فماؤنا
او يختلف نسبٌ يؤلِّف بيننا
عذبٌ تحدّر من غمام واحد
أدبٌ أقمناه مقام الوالد

وقول دريدا ويستشهد بـ(لامبرت وبيرس) ويقابلهما بهوسرل وهيدجر ينبغي على الفلسفة ان تختزل نظرية الاشياء الى خواص العلامات . ففكرة التجلي والتسامي الاعلى هي : فكرة العلامة هذا المسمى برداءة
The sign is that ill named thng what is .. ?( )
واصل المتعالي يجعل صيرورته محورا مهما في اثره الاصلي هي الصيرورة ، ان الأثر يتحرك على ضوء محور الأصل من الناحية التبادلية بين الداخل والخارج . فالسلطة التي يطلقها المتنبي في مرجعيته في الاصل هو الاثر الذي يتعلق بالخطاب الفلسفي داخل المنظومة الشعرية بتعبير يحمل نقيضه . فالخطاب الشعري عند المتنبي هو خطاب فلسفي يحمل نقيضه الجدلي التاريخي بضرورة من الميراث الحضاري الذي يحمل اختلافية ، وهذا يأتي في انتقالية متعددة الجوانب في اللحظة الفعلية التي يستخدم فيها المتنبي لغته الجدلية التأريخية بهذا المفهوم فهو يتفق مع (ليفي شتراوس) في المقصد المزدوج في حفظ الاداة الفعلية في تمثيلها الانتقادي اضافة الى حدودها المحورية . فيتعامل معها وكانها مادة يمكن استخدامها ولكن في نظره وقدرته العلمية انها مفاهيم وقيم قديمة لانه حدد حدودها دون أية قيمة علمية . والمتنبي استعمل نفس الفعاليات النسبية الموجودة داخل هذه الأقبية الدنيا ليستخدمها في الوقت نفسه لتدمير المنظومات القديمة وهكذا تتحدد الامور الاختلافية في الخطاب الفلسفي وفي المنظومة الشعرية عند المتنبي ، وهي سلسلة طويلة من التجريبية والقدرة على الدخول الى عوالم يسوقها الوعي الاختلافي وتنكر طبيعتها على الاصعدة السسيولوجية . لكن الاثر الازلي في الرؤية الجدلية يمتن النظرة الى الإمكان الداخلي المؤثر من الناحية العلمية حتى يبدو وكان المتنبي معاديا لكل القيم والاعتبارات القومية والسياسية ولكنه العربي الشاعر الذي صاحب اعتراضه على النزوح عن حالة التدني الى هكذا مستوى والارتفاع بالوعي الفكري والسيكولوجي وحتى الشعري الى مستويات متسامية . فالمتنبي بهذه العزلة والنقاوة كانت له عينان ثاقبتان تميزان الالوان الجميلة ، فكان الخلاص من الحضيض ، هو جوهر هذه الاشكالية . لقد تدفق السيل الواعي الى الأعلى الى النبع الاول الى صفات التموضع الى التحرر من التدني ، انه النبع الطري في السعادة الابدية . كان المتنبي يدعو الى خطاب المنطق المتعلق بتكنيكية نوعية تشدها اشياء كبيرة هدفها الغايات الكبرى في الانثروبولوجية في تشكيل العلامة واطار المعنى . فالعلاقة جدلية (مثل الدال – والمدلول) في حالته الجدلية لنصل الى حقيقة : هو ان المعرفة ليست حقيقة مختفية تحت ركامات من التفاصيل المبهمة . فالحقيقة هي شمول الكمال والوعي والسيادة أي ان الحقيقة : تعني المدلول المتعالي في صومعة من الحنين الى الحضور الاختلافي والنقاء بالسعادة وهي نتيجة معرفية وحضورا فرديا في المناهج (الصوتية والكتابية) باعتبارها نماذج تؤكد على الحل الابستمولوجي . فالتأسيس الانساني يقوم على الضرورات التفصيلية ذات العمق بحدود البنية القانونية العامة . فالوقائع يجب دراستها لا تكديسها ، ويتم اختيارها بطريقة علمية ، لان هذا الموضوع يوصلنا الى المعرفة العلمية والاحكام الشرطية في التمثيل القانوني ، والبحث عن المنطق البنائي وفق ابستمة انثروبولوجية . يجب التحقق من هذه المناهج ، ذلك لأن المعرفة العلمية هي ليست الدراسة السطحية المبسطة والنتائج التي تفرزها القيمة العلمية وهي تفضي الى دراسة المنظومات المتعلقة بالكشف عن الميكانزمية للواقع وتركيب نموذج اصيل يتعلق بهذه الجدلية الانثروبولوجية والنتيجة التي نتوصل اليها هي : المنهجية البنائية التي تتوافق بشكل علمي بقيمة الاستنتاج والاستنباط للمنظومات البنائية الانسانية افضل من الاعتماد على المنهجية الاستقرائية ، لأن الاستنتاج والاستنباط طريقتان معرفيتان للحضور الذاتي لانهما يقعان في التشكيل الطردي لحركية (المناهج الصوتية والكتابية) باعتبارهما منهجان علميان في الانساق الانثروبولوجية . وهكذا شاع مفهوم هندسة الصورة الشعرية عند ابي الطيب بالاستناد الى اشاعة الرغبة في النمذجة المعرفية وتطلعاتها الاسطورية في المنظومة الشعرية للمتنبي . وهنا يعنينا تركيبة هندسة النص الشعري واسطرته كانت دائما عن المتنبي وتقع في المعيار الأعلى وحضوره يكوّن الحقيقة ، لان النص المحدد نص مطوق ، ولذلك جاءت هندسة النص الشعري عند المتنبي هندسة حوار + هندسة خطاب تحدد فكرة العلة العليا وحدودها الاختلافية وحركتها الامكانية وهي اشارة الى مكامن الوعي في البنية الشعرية وقبلها البنية الانسانية وهي تطوي العبارة والجملة الشعرية والاثر الملحمي الذي تجاوزه النص الشعري المتعالي في الايضاح والبساطة والتمييز بالحلول والمناظرة في المواقف والاحتفاظ بالحالة الاختلافية (بالمعنى – والمنهج) والمتنبي ينمي المناهج الشعرية القديمة وهو لا يخرج عنها وهي مرحلة ستراتيجية جادة بالنسبة له لانها تختص باعادة تشكيل اللغة الشعرية القديمة الى حد ما تتلبس الميتافيزيقا الشعرية القديمة وهي لحظة حرجة تعيد المتنبي الى بداية تفكيك منطقه الشعري التاريخي بوصفه نقطة ارتكاز في زمنية موغلة بالتركيب اللغوي وهو عمل يخلقه ابي الطيب ليناقش به زمنية تعريفية ومعرفية داخل منطقية من التماثل من اجل احداث تسوية وموازنة وابراز الدائرة الجديدة من الوحدات وغلق وتسوية النمطية الشائعة التي يتجاوزها النص البنائي داخل هذه الرغبة الملحة في تشكيل داخلي يحاول فك وفتح هذا المغلق النصي بوصفه حضورا تعريفيا لفك اشكال المفردة الشعرية القديمة والاخذ الامكاني بها باعتبارها مجالا بنائيا يتعلق بتفاصيل الدقة في التشبيه – والاستعارة – والمجاز – والكنايات – وتركيبة هذه الموازنات وتعيين وجودها لأنه حضور في المفردة الشعرية ومعنىً يتوضح بالاسس والقيم المتمركزة بالحضور الدائم لانه التجلي بخواص المنطق الشعري .
يقول ابي الطيب :
وما مطرتينهِ من البيضِ والقنا
فتىً يهبُ الإقليم بالمالِ والقُرى
ويجْعلُ ما خوّلتُهُ مِنْ نوالهِ
فلا زالت الشمْسُ التي في سمائهِ
ولا زالَ تجْتازُ البُدورُ بوجههِ
وروم العبَّدي هاطلاتُ غمائمهِ
ومَنْ فيه فُرْسانه وكرامه
جزاءً لِما خُوِّلتُهُ مِنْ كلامهِ
مطالعة الشمْس التي في لثامهِ
تعجَّبُ من نقصانِها وتمامهِ( )

ويقدم لنا المتنبي المقاربة في الخطاب السيكولوجي ومفهوم الوعي البلاغي فتأريخ فلسفة الخطاب الشعري باعتباره (الوجود والمعنى) وكذلك الظهور والإختلاف مفهوم المنظور القائم والمتصل بالمدلول الخرافي في النص الشعري المتعالي . والمتنبي يقاسم المناهج الفلسفية الحدثية في القيمة الوجودية والشك في قيمة الحقيقة كما هو الحال عند نيتشه . والمعنى الوجودي في اطار المدلول الاولي والخطاب الفلسفي الشعري بوصفه خطابا بلاغيا يتعلق بالشفرة الشعرية والمجاز الشعري باعتباره حلقة اصلية في بلورة الفكرة لانها الوسيلة للحفاظ على البنائية الشعرية فهو تفصيل اولي يأتي من فوق انسجة المخيال ، ثم يأتي الصوت داخل النص وهو المجاز الخفي في النص لانه يحتوي على مجس اللغة فهو تاسيس للتماثل كما وصفه (نيتشه) بين المتباينات في المعادل الموضوعي من النص الشعري وهي اشارة لحركة التقنية من رمزية المعنى وحقيقة هذه الحشود المتحركة بالمجازات والكنايات ، فهي صور تتموضع بمنحى النص . والمتنبي وضع الحافز الرمزي باعتباره التشكيل الرئيسي في المنظومة البنائية للنص داخل انشطة انثروبولوجية انسانية فهو المعادل الموضوعي في تشكيلات التفكير والخروج عن هذا النمط الانثروبولوجي يعني خروجا عن ارادة القوة الانسانية وهي الإرادة الحقيقية الدافعة الى الابستمة والسيطرة الكاملة للقوة الفكرية لانها الحتمية وشروطها السيكولوجية وهي بلورة لهذا الاشكال الجوهري لاحداث خرق في البنية القديمة ومخططها الشعري الذي تضمن في مرتمسه (المداخل والمخارج) للنصوص الشعرية ، والعمل على السيطرة عليه ليتوضح هذا الوصف من خلال الاختلاف في التشكيلات اللغوية والتوصيف لتفاصيلها وما يعكس في نهاية الامر من قدرة للشاعر على التعامل مع هذا الهيولي الشعري القديم . فهو ليس انعدام القدرة فيه حتى في النهوض بمعنى التشكيل الجمالي المتعلق بالنزعات التجريبية الجمالية ، ويفترض بالمتنبي العمل على السيطرة من خلال هذا الاشكال في خواص الشفرة . فالمتعالي عند ابي الطيب هو ، المدخل الى المعنى داخل النص لأنه صيغة فكرية في اطار التواصل الابستمي لتأسيس فعل الاختلاف في التشكيل . وعليه تكون المعادلة : أنه لا شيء يدرك إلاّ بالتماثل الفعلي لاظهار الزمنية المستقلة داخل حلقة الرؤية وباختلاف جوهري متميز وإرادة فاعلة في تسوية الخلق الشعري باطار الشفرة وتفسيره لهذه المماثلة بين الوعي الاعتقادي والتماثل الموضعي في النظرة الى الاشياء من زاوية التفسير ، للمعنى والعلاقة المبنية وفق ارادة من الوعي والقوة لتشكيل الصورة المهمة – والمهيمنة وهي التي تتشكل في النهاية باعتبارها صورة دائمة التموضع في المعاني والسياقات واتصالها بالصياغات التاويلية الجديدة ولتاريخية الارتباط التصادفي والمفاهيم العملية الجديدة والمتداخلة ابستميا مما يجعلها سلسلة متصلة في تفكير المتنبي بغاية ومسعى حقيقي على نحو صلته بالمنظومة الشعرية المتناهية بالابستمولوجية ، ونرى حقيقة هذه العملية التراتبية وهي تأخذ مجالها في التوسع الابستمي داخل المنظومة الشعرية عند المتنبي . عندها نرى النقطة المجازية في استخدام هذا التحول بالاصوات في زمن كلامي قياسي مختلف في ذاته لتصل تحولاته بغرابة فنية تحدد معالمه باعتباره ايجازا ومجازا تواصليا للدال والمدلول في حين تتم الاشارة الى هذا الموضوع من خلال عملية الاستبدال لمدلول آخر لينتج في حقيقته مدلول هذه المركبات الطردية في المدلولات ولتضعنا في اطار موقف يتوسع منه عنصر التدليل في الشفرة دون الخوض في سلّم الخطاب الشعري ، وهذا جزء كبير من خواص البحث في الشأن الخطابي بالشعر القديم ومركباته المجازية ، لأن المتنبي باشر التصريح التحديثي داخل المنظومة الشعرية . فحدود الذات عند المتنبي : محررة من تشكيلاتها على مستوى الرمز والمجاز والذي يرجع بهما المتنبي الى (حقيقة القوى المقاومة) باعتبارهما وسيلتان منهجيتان داخل التحليل البنائي لشموله بالصيرورة والضرورة في تشكيل المعنى . والمتنبي شكل الكثير من المحاور داخل المنظومة الشعرية ، فهو لا يطيل في السرد الشعري (وقد حسب له الواحدي ان ما اشتمل عليه ديوانه فبلغت عدد ابياته خمسة آلاف واربعمائة وتسعين وهذا كل ما قاله في اكثر من خمس وثلاثين سنة . وقال ابن الرومي اكثر من هذا العدد)( ) ورغم ما تؤكده الاحداث من موقف للذات ومن فعل في المديح طيلة اتصاله بسيف الدولة وكافور الاخشيدي وابن العميد . فان المتنبي صاغ شعرا يتسم بالارادة والقوة باعتباره فعلا ذاتيا يجاري التفاصيل الدقيقة في المعنى ، ولذلك فان المتنبي كان مقلا في نظم الشعر ، لا يكثر فيه وانه كان يتعامل وكانه وليّ حميم او صديق لمدوحه منه بشاعر وظيفته المدح ، وكان منهجه في النظم هو منهج تأملي بخواص الحدث الشعري ، ولذلك كان قوي الارادة ويحمل قوة في الشخصية ومقاربة بالاحساس فيما يتعلق بتشكيل الملاحظة . فكانت رؤياه هي رؤيا ارادة باعتباره اكثر من وجود بل بوصفه نشأة في عملية الصيرورة وقوة مجردة لمواصلة الكفاح والنضال تحت سيطرة الرؤية الهاربة باتجاه الاعلى وباتجاه الفعل اللاواعي لأنه الميدان الاختلافي مع الذات وهو المضي بالقفزة الفعلية اللاواعية حتى الوصول الى الابستمولوجية الحقيقية والتي تركبت بها شخصية المتنبي وظاهرة شعره بالاستناد الى الفعل اللاواعي في المنظومة الشعرية المتغيرة جدليا . يقول ابي الطيب المتنبي بعد التغير الذي حصل لسيف الدولة . دخل عليه وانشده معاتبا :
ومالي إذا ما اشتقت ابصرت دونه

تنائف لا اشتاقها وسباسبا

وقد كان يدني مجلسي من سمائه

احادث فيها بدرها والكواكبا

اهذا جزاء الصدق ان كنت صادقا

اهذا جزاء الكذب ان كنت كاذبا

وهذه هي حقيقة اللاوعي الشعري عند المتنبي ، فانه يمضي في تشكيل الاشياء حتى في الحلقة المعرفية للآخر فهي قدرة على صنع اللحظة ليطل من خلالها على باحة صدع الآخر وهو في حجره لا يبالي ولا يهتم فيكشف حقيقة الحالة التعبيرية لهذه الذات الواسعة في اشارتها . ان الاجتياح اللاواعي هو اجتياحا فسيولوجيا بالنسبة الى المتنبي وذلك في اطار روح سيكولوجية تتخذ من الفلسفة الابستمية تصريحا قدسيا للقيم العليا وعناصرها المجردة ، وهي عودة الى التأمل في خواص الحياة التي يحكمها التقارب والفكر والادراك الحسي بالمقارنة مع التسوية العملية بالدمج والتي تقوم بها آلية اللاوعي الخارجية التي تكون مساراتها السيكولوجية وفق تأسيسات تميزها الترسيمة الكونية باعتبارها الخلية الاقوى في الحس الانساني ، وهي الرغبة الاضعف وفق العلاقة الجدلية بين الترميز والاستحواذ ولعبة القوى الارادية ، وهي عودة بالمنظومة الفكرية وتمايزاتها الى حالة (الطبيعة + القوة) والتي يتعدد تصنيفها في الحالة الاشكالية التي يظهرها المتنبي بالبحث عن سلسلة من المتناقضات وبترسيمات ارادة القوة داخل هذا المعترك الانساني فهو بجدارة إحساس بحقيقة المشكلات المطلقة بالنسبة الى التفكير عند المتنبي ومتناهياته الى اصغر قيمة استشراقية تحدد المراكز التعددية من وحدات الصيرورة .
يقول المتنبي :
ان كان سركم ما قال حاسدنا

فما لجرح إذا ارضاكم الم

وبيننا لو رعيتم ذاك مفرقة

ان المعارف في اهل النهى ذمم

كم تطالبون لنا عيبا فيعجزكم

ويكره الله ما تأتون والكرم

ما أبعده العيب والنقصان عن شرفي
أنا الثريا ، وذان الشيب والهرم

اذا ترحلت عن قوم وقد قدروا

أن لا نفارقهم فالراحلون هم

شر البلاد بلاد لا صديق بها

وشر ما يكسب الإنسان ما يصم

وشر ما قنصته راحتي قنص

شهب البزاة سواء فيه والرخم

هذا عتابك إلا أنه مقة

قد ضمن الدر إلاّ انه كلم

هناك صورة للشخصية الشعرية مأخوذة بالتماسك والاستمرارية باعتبارها طاقة تكون استمرار تاريخي في حلقة التشابه البنائي بين الخاص والعام بآلة سيكولوجية لافتة للنظر . ومنذ البيت الاول في هذه القصيدة اعلاه ، وتتعلق مناقشة المتنبي لارادة الصورة الانسانية وفق مجازية تتفجر في كل بيت شعري لتعيد لعبة سياق الحلقات المختلفة واختلاف هذه القوى ونزاعاتها داخل حركة فعل الأشياء ، والمتنبي عارض نظاما كانت صيرورته الحدود الاشكالية مع الآخر .
فالمتنبي صاغ انتقالات معرفية وقدمها على اساس كشف لمعنى النص الشعري وحدوده المعرفية مستندا الى وقائع اخلاقية واطارا فلسفيا لصورة الذات امام اشكالية صورة العالم الجمعي ، هذه الاصرة الفلسفية تشعرنا بان المتنبي كان اكثر وعيا من الكل الصامت والذي تديره مؤسسة الرغبة التي تمتد الى الآخر وفق مصلحة مطلقة ولكن السير الابستمي عند المتنبي كشف المنظور الوجودي للمعنى من ناحية التأسيس الكياني وحدوده ، التحليلية ودقة رؤيته في الاشكال الستراتيجي الذي يحل بصيغة المبادلة وفق المنظورات المبنية على اساس التحليلات واثبات تأسيساتها على مستوى الارادة الانسانية . وهنا اشارة الى الغرض المعلوم من هذه التعارضات التي اشار اليها المتنبي والتي جسد فيها المفهوم الانساني قبل صياغة الطروحات العقلية له . والمتنبي حدد هذه الاشتغالات الضمنية ، وفق منطق متحول انسانيا الى الاعلى .
يقول المتنبي :
ومن عرف الايام معرفتي بها

وبالناس ، روى رمحه غير راحم

فليس بمرحوم إذا ظفروا به

ولا في الردى الجاري عليهم بآثم

والحقيقة التي بقيت تجمعها هذه التفسيرات والتأويلات وهي تحفظ الجدل القائم حول المتنبي في تناوله للقضايا الحياتية والنظرية واشكاليات المعرفة والممارسة المحكومة بالوعي الفكري والتصميم على المواصلة بعيدا عن النمطية والاستكانه باكتساب المعنى وفق نمط يشترك فيه التأمل الذاتي العلوي والذي تأصل وتأسس وفق تعارضات المفهوم الاختلافي وثنائياته ، الفلسفية وهو تعارض يزول في رأي المتنبي بزوال الاثر التصنيفي وانبثاق الضرورة لا المصادفة لان الضرورة هي الادراك . والمتنبي هو المدرك بالحس + الفعل + السيكولوجية الابستمية = تعطينا حدسا ثقافيا بالاساليب التعددية في المنظومة الشعرية وهذا هو التعدد المتعارض لحركة المنظور في الخطاب الشعري . وما جرى في هذه المواجهة من الافهام في اطلاق للرؤية لعالم من المتناقضات المشتملة للاحكام الاختلافية والمتعدد الارادات بلهجة خالية من فعل الارادة وهذا هو مؤشر لما حصل من دسائس والذي شهده القرن الرابع بين (المتنبي والصاحب بن عباد) وما حدث من خصومة ومن المعروف ان الصاحب بن عباد كان يمثل حالة المخاطرة في استبعاد الكتاب والشعراء بطريقة شنيعة من المعاملة ، وهي تبدو وسيلة للانقضاض على الابداع . ومن المعروف كذلك بأن نفس شخصية بن عباد احيت بلا حكمة وبلا معرفة للوصول الى طريقة في اذلال شخصية المتنبي لكنه خاب وكانت هذه الخيبة هي لعبة في المخاطرة وجرح كبير وعميق الأثر في قلب بن عباد . فانفصم عري هذا التوازن ، وحقد على المتنبي بل وحرّض عليه كبار النقاد . وبالمقابل فقد ترّفع المتنبي عن مدح اشخاص آخرين لا يلزمهم التوازن امثال الصاحب بن عباد والوزير المهلبي . وهنا ينطوي فعل الضرورة في لعبة المصادفة : هو ان نعرف من خطاب المتنبي الذي بعثه الى الصابي – والصابي كان قد راسل المتنبي بان يقوم بمدحه (بقصيدتين) وكان الوسيط في ذلك رجلا من التجار المعروفين فكان رد ابي الطيب للوسيط :
(قل لأبي اسحاق) : والله ما رأيت بالعراق من يستحق المدح غيرك ولا اوجب في هذه البلاد من الحق ما اوجبته . وانا ان مدحتك تنكر لك الوزير يقصد الوزير المهلبي وتغير اتجاهك لأنني لم امدحه الى آخر الحكاية هو ان ابن عباد وجد نفسه وقد امتلأ حقدا على المتنبي لانه لم يمدحه فجيش عليه الوجود النقدي برمته في تلك المرحلة والتي حفظت آثارها الى الآن في كتب تضمنت هذا الدس امثال (كتاب الصناعتين لابي هلال العسكري) والذي تطرق فيه الى الخصائص الشعرية والنثرية ولكن عند التدقيق والتأمل نلاحظ ان في هذا الكتاب شيء من الدسائس الأدبية والاشكالات السيكولوجية التي وقعت بين المتنبي والصاحب بن عباد فابي هلال العسكري يغتنم الفرص ليشيد بالصاحب بن عباد وما كتبه بالادب ويحاول بطريقة اخرى للحديث ان يظهر المتنبي وكانه في حركة دورانية لا نهائية او يستخدم لغة تهكمية في الكشف عن النص الشعري عند المتنبي( ) ويقول في باب (تمييز المعاني) فهو يقول بيت للسيد الحميري :
يا رب اني لم ارد بالذي به
مدحت علياً غير وجهك فارحم

ثم يثني على هذا البيت باعتباره شكل تفردا في موقعه من المعنى ويقول عنه (فهذا كلام عاقل يضع الشيء موضعه ثم يستدرك ، ليس كمن قال وهو في زماننا :
جفخت وهم لا يجفحون بها بهم
شيم على الحسب الأغر دلائل

كل هذه الادلة توضّح تطرق العسكري في هذا المجال وذلك محاباة للصاحب بن عباد : وفي باب الكناية والتعريض يقول ابي الهلال العسكري (ومن شفيع الكنايات) قول بعض المتأخرين :
اني على شغفي بما في خمرها
لأعف عما في سراويلاتها

ثم يعلّق قائلا : سمعت بعض الشيوخ يقول : الفجور احسن من عفاف يعبر عنه بهذا اللفظ .
ويقول في التوشيح : ومما عيب من هذا الضرب قول بعض المتأخرين :
فقلقلت بالهم الذي قلقل الحشا
فلافل عيش كلهن فلافل( )

ومن هذا المعترك استطاع ابي هلال العسكري في الصناعتين ان يشكل عائقا حول فهم وتشكيل المعنى النقدي في النصوص الشعرية عند المتنبي حيث تبنى الاسلوب التحريضي ضد ابي الطيب من اجل ارضاء الصاحب بن عباد له وهذه متعه وحشية يطبعان اسلوب ابي هلال العسكري فهو مثل الحد الكاشف والمحرض ادبيا وسيكولوجيا ضد نصوص المتنبي الشعرية فهو يأخذ التحديد التأريخي ليحمي به الصاحب بن عباد على ضوء الذاكرة التهكمية التاريخية ضد المتنبي فهو يقلب الحقائق رغم معرفته ببواطن الامور والمعرفة التاريخية والادبية لاشكالية الخلاف بين المتنبي والصاحب بن عباد ، لكنه وقع في الفخ رغم ادراكه لهذا الموضوع مسبّقا لكن اختياره انطوى على لعبة وضعته في مراهقة فيزيقية .


المتنبي
(بين رسالة الصاحب بن عباد ورسالة الحاتمي)
لقد باشر الصاحب بن عباد وبدافع الحقد كي يعيد الى وجهه الحياء ولم يكفه تحشيد الحاقدين على ابي الطيب المتنبي من النقاد .. فانه قام بكتابة رسالة فيها ما فيها من التفسيرات التاريخية والسخرية ، التامة التي انطوت على مفردات غاية في الحقد والكراهية ، والدوافع المريضة التي سمحت لنفسه ان يحتفظ بالخداع والزام الخدعة وفقا لتقاليد كانت مشاعة في تلك الفترة وهي تتبطن بالقطيعة والحسد للرجال المبدعين الذين شكلوا معنىً للحقيقة .
يقول الصاحب بن عباد في رسالته هذه :
(كنت ذاكرت بعض من يتوسم بالادب الاشعار وقائليها والمجودين فيها فسألني عن المتنبي فقلت : انه بعيد المرمى في شعره ، كثير الاصابة في نظمه إلا أنه ربما يأتي بالفقرة الغراء ، مشفوعة الكلمة العوراء فرأيته قد هاج وانزعج وحمى وتأجج ، وادعى ان شعره مستمر النظام ، متناسب الاقسام ولم يرض حتى تحداني فقال : ان كان الامر كما زعمت فأثبت في ورقة ما تنكره ، وقيد بالخطبة ما تذكره ، لتتصفحه العيون . وتسكبه العقول . ففعلت ، وان لم يكن تطلب العثرات من شمتي ولا تتبع الزلات من طريقتي . وقد قيل : أي عالم لا يهفو وأي صارم لا ينبو ، وأي جواد ؟ وإنما فعلت لئلا يقدر هذا المعترض اني ممن يروي قبل ان يروى ويخبر قبل ان يخبر ، فاستمع وأنصت واعدل وانصف ، فما اوردت فيه إلا قليلا ، ولا ذكرت من عظيم عيوبه الا يسيرا ، وقد بلينا بزمن يكان المنسم فيه يعلو الغارب ، ومنينا بأعياد أغمار اغتروا بممادح الجهال ، لا يضرعون لمن حلب الادب افاويقه ، والعلم اشطره ، لا سيما الشعر ، فهو فوق الثريا وهم دون الثرى ، وقد يوهمون انهم يعرفون ، فاذا احكموا رأيت بهائم مرسّنة وانعاما مجفّلة)( ) .
واذا تم ادراك ما انطوت عليه رسالة الصاحب من استحالة في الحقد في مواجهة الابداع الفكري والفني وبالمعنى التاريخي عند ابي الطيب المتنبي بانها رسالة تفيد بان المتنبي رجلا انصفه جهل الزمان وحافظ عليه نمط الاختلافية في المناهج التاريخية واستعادته شعريا لحظات النسيان وهذا يؤكد مرة اخرى التخريج الحاقد ضد جدل المعنى الشعري وانشطته الاجتماعية والفكرية ومفارقاته بتفاصيل هذا التقاطع الساذج والمريض الذي انتج هذه الحمى الدائمة في الرؤية لنصل من خلال هذه الشبكة التخريبية للوعي والتبدل الذي يحصل لهذه القيمة جراء الاختيارات والفروض والدسائس بوصفها تقع في حلقة التاريخ المفرطة بالنزعة العدوانية والقوة ، في رسم الحدود حول الابداع فهو يرجع بالنتيجة الى ازدواجية في الوضوح الاثباتي باعتباره تشخيص دقيق للكبت المزدوج لهذه الشخصية التي عبرت عن قصور معرفي . وحياة الصاحب بن عباد يشوبها الكبت التجريبي لما تنطوي عليه اللحظة العملية ، وقدرة التضمين المشوشة والنفعية التي تنغلق على ذاتها لتؤجج الصراع وتلقيه وفق نمطية من الانطباعات الخارجية التي لا ترتبط بحلقة الوعي حتى تبدأ لتخصص شيء جديد من انظمة العفونة السيكولوجية التي تمارس ضد الوعي الشعري الذي يقوده المتنبي .
النقد الذي قدمه الصاحب للمتنبي
حيث قال :
(ولقد مررت على مرثية له في ام سيف الدولة تدل على فساد الحس على سوء أدب النفس . وما ظنك بمن يخاطب ملكا في أمه بقوله : رواق العز فوقك مسبطر . ولعل لفظة (الاسبطرار) في مراثي النساء من الخذلان الصفيق الدقيق ، نعم هذه القصيدة يظن المتعصبون له أنها من شعره بمثابة (وقيل يا أرض ابلعي ماءك) من القرآن ، وفيها يقول :
وهذا اول الناعين طراً
لاول ميتة في ذا الجلال

ومن سمع باسم الشعر ، عرف تردده في انتهاك الستر . ولما أبدع في هذه القصيدة واخترع قال :
صلاة الله خالقنا حنوط
على وجه المكفن بالجمال

وقد قال بعض من يغلو فيه : هذه استعارة ، فقلت : صدقت ، ولكنها استعارة حداد في عرس . ولما احب تقريظ المتوفاة والافصاح عن انها من الكريمات أعمل دقائق فكره واستخرج زبد شعره ، فقال :
ولا من في جنازتها تجار
يكون وداعهم خفق النعال

سلت وسلت ثم سل سليلها . حتى جاء هذا المبدع بقوله :
وافجع من فقدنا وجدنا
قبيل الفقد مفقود المثال

(فالمصيبة في الراثي اعظم منها في المرثي . ومن أوابده التي لا يسمع طوال الدهر مثالها قوله :
اذا كان بعض الناس سيفاً لدولة
ففي الناس بوقات لها وطبول

وهذا التحاذق كغزل العجائز قبحا ، ودلال الشيوخ سماحة ، ولكن بقي أن يوحد من يسمع ومن افتتاحه الذي يفتح طرق الكرب ، ويغلق ابواب القلب قوله :
اراع كذا كل الانام همام
وسع له رسل الملوك غمام

(ولم لم يتكلم في الشعر إلا من هو أهله لما سمع مثل هذا)( ) .


رسالة الحاتمي
المعرفة بالرسالة الحاتمية
تقدم بها الحاتمي في ايجاد وحدة تقبل صيغة العزل ضد المتنبي . لقد بلغت هذه الرسالة مبلغ الطعنة القاتلة للمتنبي والذي شكك فيها بقدرات المتنبي وامكانياته الحقيقية في الشعر من خلال تاجيج الالسن عليه من النقاد الخصوم واتهمه بأن احكام المتنبي الشعرية راجعة الى كلام أرسططاليس فاراد بهذه التهمة ان ينال من المتنبي ويتحدث بعنف عن الافكار المعرفية عند المتنبي الا ان المتنبي مثل تقدما في المعرفة والنسق المؤسس للشعرية بوصفه صوت النبوءة البارز والواسع الانتشار الى درجة الحلم الانطولوجي وخطه العام . فهو استرجاعا لحقيقة المحتوى الخطابي الذي يستعيد فيه المتنبي غرابته المطلقة في نمط القراءة والكتابة الشعرية .
(جوهر الكينونة)
ما عبر عنه المتنبي بالقراءة الانطولوجية للوجود من خلال ارادة القوة . والقدرة على الاعتداد (بالزمكان) الذي يناسب جوهر الكينونة في الشخصية السيكولوجية التي عبر عنها المتنبي بالاطار المنطقي في حلقة الترابط ودراسة الموجودات بتماسك يهيمن عليه الواعي الرافض للتصميم الجاهز الذي يضعه الآخرين له ليعترف من جانب آخر بالتماسك الذي يؤدي الى تأسيس شروط للفعل السيكولوجي في تكوين الشخصية السوية . وما يعنينا من هذه المقاربة : هو ان المتنبي وجد صيغة تكوينية مستقلة في تحديد اتجاهاته السيكولوجية والشعرية وتأمله في هذا الوجود . فبدأ بتأسيس هذه الكينونة الفكرية للقوة باعتبارها ارادة واعية تقوم بتقديم فكرة كاملة عن الشيء باستقلالية ، فارادة القوة هي حجر الزاوية في هذه القضية الاختلافية وتعني بالبحث عن (الدال – والمدلول) وفق تأسيس ارادة القوة لانها الكلية ، وهي العودة الابدية الى الشيء نفسه أي العودة الى (الموت) فالتأسيس عند المتنبي في هذه الارادة هو الموت بالولادة لأن الحياة تبدأ بالموت وهي العودة الابدية بارجاع الحياة الى حالة وجودها الاصلي وهما أي : (الحياة + الموت) هما حدود الكينونة وبارادة القوة .
قال المتنبي بحق هذه الشخصية :
أنا الذي نظر الأعمى الى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صمم

وقال :
أنا ترب الندى ورب القوافي
وسهام العدى وغيظ الحسود

وهنا تعنينا القراءة المنطقية لهذه المفاهيم الاشكالية عند المتنبي ، هناك تقييم لحالة الوجود الانساني وتقييم لحالته الانسانية . فالوصول الى هذا الشيء يأتي بالارادة ، والامكان الباطني لهذه الابدية ، لأن المتنبي يعترف ويقر بتعددية الاساليب للوصول الى الامتياز الوجودي بالفعل على ضوء العقلية الفلسفية الطاليسية ، لان المتنبي كان قد اطلع على الفلسفة اليونانية – والباطنية الاسماعيلية ذات المنحى القرمطي الفكري والسياسي وهنا يطرح المتنبي مجال الصيرورة الفكرية التي كونته ورفعت اشكاليته بالارادة القوية وفق سلسلة متداخلة داخل خبرة موغلة بالصيرورة فكان المتنبي يستحضر العقلية الشعرية ليجسد بها ايماءاته ورؤياه بتذمر من تلك الاوضاع السياسية والفكرية الحرجة وهي ترسم الاطر الذاتية الى الاغبياء من الساسة والسلاطين ، ولذلك شكلت ارادة القوة موضوعه الرئيسي والمتقدم في هذا الوجود الانساني باعتباره هيمنة غير مدروسة دراسة معمقة من الناحية الوجودية ويعتقد المتنبي ان هناك دقة في التصميم للقراءة لهذا الواقع .
يقول المتنبي :
تحقر عندي همتي كل مطلب
ويقصر في عيني المدى المتطاول


واني اذا باشرت امراً أريده
تدانت أقاصيه وهان اشده


وهكذا كنت في اهلي وفي وطني
إن النفيس غريب حيثما كانا

فيقول في الحسين بن عبيد الله :
لا يجد بن ركابي نحوه أحد
قواصد كافور توارك غيره
مادمت حيا وما قلقلن كيرانا
ومن قصد البحر استقل السواقيا
ثم ذم كافور ويقول في سواده :
وانك لا تدري ألونك اسود
من الجهل أم قد صار ابيض صافيا

وكان استخفافه بالامراء دليلا على نقمته على الوضع السياسي المتهدم ويقول :
الا فتى يورد الهندي هامته
كيما تزول شكوك الناس والتهم

والمتنبي الآن يتحدث بشخصيتين داخل هذا النسيج السياسي الذي تكون دبلوماسيا فيه وكانت دبلوماسية منافقة متطرفة كحالة السياسة في تلك الفترة فنرى المتنبي يطّلع على سلوك هؤلاء الامراء والسلاطين وما حملوه من انهزامية وخذلان لا بسبب موقف المتنبي منهم بل بسبب سلوكهم الشاذ والمتركب اصلا على المنفعة الشخصية في الامتلاك والاستحواذ ، ولذلك كان رد فعل المتنبي وهو يتحدث بصوت آخر غير صوته عندما ينشد شعرا . والمتنبي خبر هذه الشخصيات وعايشهم فوجدهم دولة فارغة من الوعي والعقل ، والامر امثال كافور الأخشيدي هو عبارة عن إمّعة علفاء والمتنبي وجد المنفعة الشخصية في هذه الاشكال والسلوكيات لانهم ، يحملون لواء التطرف السياسي وعليه من الناحية الاستنتاجية للحدث السياسي المتطرف فقد ذم المتنبي سيف الدولة في حضرة كافور الاخشيدي :
رأيتكم لا يصون العرض جاركم
جزاء كل قريب منكم ملل
وإن بليت بود مثل ودكم
عند الهمام ابي المسك الذي غرفت
ولا يدر على مرعاكم اللّبن
وحظ كل محب منكم ضغن
فانني بفراق مثله قمن
في جوده مضر الحمراء واليمن

فنخلص الى نتيجة مفادها ان الترنيمة المتناغمة والمتطرفة لاصحاب المعالي من السلاطين والولاة هم الذين يدعون الشعراء والادباء الى اواوينهم ومخادعهم ليستمعوا لهم وهم يكيلون المديح لهم ايام الغزوات والحروب . وما قام به المتنبي من مديح لسيف الدولة لهو دليل قاطع على هذه الاشكالية في المناقشة . وما قام به ابي الطيب من فعل دبلوماسي اسس عليه نظرية (الولادة والقوة) واستخرج من هذه النظرية حلقة الاستفادة الوقتية من كرم السلاطين والولاة له ولغيره من الشعراء . وهكذا كانت العلاقات المصلحية متبادلة في المديح والذم ، وحيث تقع هذه المعادلة السيكولوجية ولكن بقي ان نقول شيء ، هو أن المتنبي كان متفوقا في العملية الشعرية وعلى جميع المستويات من بنائية ومن منظومة تتعلق بالمعنى والدلالة اللسانية بتفسيرها الحديث . وكذلك منظومة الوعي الفكري والقدرة الخارقة لمعرفة الآخر ومطارحته الافكار من الناحية التبادلية ولذلك كان المتنبي ، ينال اعجاب الولاة ... فاصبح المقرّب منهم لانه يمتلك فلسفة حياتية كاملة يقوم ببثها في اروقة وفضاءات السلاطين والولاة فسحرهم بها ، فقربوه ، فمدحهم – وذمهم في حالة وقوع الذي وباستحقاق وهذا ياتي من فعل القدرة والسيطرة السيكولوجية على الآخر مهما يكن مقامه الاجتماعي والسياسي . من هنا كانت قدرة المتنبي وقوته وجبروته في قول ما يشاء ومتى شاء داخل هذه المؤسسات السياسية الفاسدة .
فيقول عن كافور انه لم يكن جادا في مديحه :
ومثلك يؤتى من بلاد بعيدة
ليضحك ربات الحداد البواكيا

ثم في علي ابن ابراهيم التنوخي :
اسرت ابا الحسين بمدح قوم
وظنوني مدحتهم قديما
نزلت بهم فسرت بغير زاد
وانت بما مدحتهم مرادي

ثم في كافور :
وشعر مدحت به الكركـ
فما كان ذلك مدحا له
ـدن بين القريض وبين الرقى
ولكنه كان هجو الورى



(بين المتنبي وصاحب كتاب الاغاني)
ربما نذهب مذهب المرامي نفسها فيما يتعلق بابي الطيب وعلاقته بصاحب كتاب الاغاني لابي فرج الاصفهاني والذي لم يذكر على الاطلاق في موسوعته الادبية هذه ابي الطيب المتنبي في حين ان ابي فرج الاصفهاني عاصر المتنبي وتوفى المتنبي قبله . فقد ولد ابي الفرج الاصفهاني في العام (284-356هـ / 897-967م) وولد المتنبي( ) في العام (303-354هـ / 915-965م) وتوفي المتنبي وكان يناهز الخمسين عام قبل وفاة ابي الفرج الاصفهاني بسنتين ، هذا يعني ان صاحب كتاب الاغاني كان على اطلاع كامل ودقيق على شعر المتنبي وما لعبه من دور كبير في السياسة والحرب والفكر الاّ ان تجاهل ابي الفرج الاصفهاني للمتنبي كان عن عمد ، لاسباب تتعلق في تقديري بمؤامرة سياسية قادها (الصاحب بن عباد) وسيف الدولة + الحاتمي وقد مر بنا قبل قليل ما قام به الصاحب بن عباد من تشويه ، لشخصية المتنبي وابراز المثالب في شعره . وعقبه الحاتمي الذي اتهمه بالسطو على افكار ارسططاليس الفلسفية واقحامها في شعره وما تجيش على السن الحاقدين من النقاد ، وقد فتح الصاحب بن عباد والحاتمي الباب على مصراعيه للنيل من شعر المتنبي وافكاره السياسية وهذا هو عين الحقد على الابداع ، والمبدعين . وكان للمتنبي علاقة طيبة مع الامراء والولاة ومنهم سيف الدولة الذي مدحه في اكثر قصائده ولكن هذه العلاقة كانت بين مد وجزر ، لسبب بسيط هو ان المتنبي كان مخالف لافكار سيف الدولة وغيره ، لان المتنبي كان يحمل الفكر الاسماعيلي ومنهجه السياسي كان منهجا قرمطيا . فهو الذي نصب نفسه داعية من دعاة الاسماعيلية ونبيا من انبيائها ، وقاد ثورة على الحكام والولاة حتى قبض عليه (لؤلؤ أمير حمص وسجنه) مدة سنتين . في شعر المتنبي انحياز الى الفكر الاسماعيلي ، بعد فترة اتصل بسيف الدولة ولبث عنده تسع سنوات كان فيها مخالفا له ، ولكن الآخر احتاجه شعريا في المديح له ولجيشه ثم اتصل بكافور ومدحه واختلف معه وهجاه لانه اساسا مختلف معه فكريا ثم عاد الى بغداد وترفع عن مدح الوزير المهلبي وهذا بدوره قاد حملة شعواء ضد ابي الطيب بعد ان قام بالتحريض عليه بجماعة من شعراء بغداد نالوا منه وهجوه ، فكان سبب الخلاف مع سيف الدولة هو انه لم يلبِّ طلبه لانه مختلف معه فكريا . ثم طواه الطريق الى ارجان لزيارة ابن العميد ثم الى شيراز نزولا عند رغبة عضد الدولة . ثم قصد بغداد فالكوفة . لم تتمخض حادثة موت المتنبي نهاية للخلاف والحقد والخصومة الذي ضمره النقاد والكتاب والشعراء لابي الطيب واعماله الشعرية ، وقد توضح هذا الحقد وبرهنوا عليه بالصمت كما عند ابي الفرج الاصفهاني الذي لم يذكر ابي الطيب في كتابه الاغاني وكذلك ضيع المرزباني المتوفي في العام (383هـ / 993م) والذي لم يشر في كتابه (الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء) ابي ابي الطيب بل باشروا بالهجوم عليه وبوقاحة . وكان الصاحب بن عباد الذي مازال يتذكر ان ابي الطيب فضل عليه الوزير ابن العميد وهي اشارة الى بدء الهجوم على المتنبي . ففي سنة (364هـ / 974م) قام بتأليف رسالة عنوانها (الكشف عن مساوئ شعر المتنبي) اما موقف ابي هلال العسكري صاحب كتاب (الصناعتين) فهو اختلف مع الحاتمي ، وعلى ما يبدو ان ابي هلال العسكري ، انه لم يلتق بالمتنبي وكان سبب عداوته له تنبثق من احكام ذاتية وهو القائل : (ولا اعرف احدا كان يتتبع عيوب فيأتيها غير مكترث الاّ المتنبي فان ضمن شعره جميع عيوب الكلام ما اعدمه شيئا منها) فكان نقد ابي هلال العسكري نقدا يقوم على امور ثانوية ، كتنافر الالفاظ وعدم الاصابة في الابتداء فظهر حقد العسكري وتحامله على المتنبي واتهامه باشنع الضلالات . ويروى ان الاصفهاني جمع كتابه (الاغاني)( ) في خمسين عام ثم حمله وقدمه الى سيف الدولة . فاعطاه (الف دينار) واعتذر اليه ، وهذا يعني ان سيف الدولة كان على علم بما تضمنه كتاب الاغاني من الاغفال للمتنبي وان كان مساهما في وضع الستار على هذه الشخصية الشعرية المتمردة . وهناك اسباب سياسية تتعلق بهذا الموضوع كما اشرنا اليها قبل قليل ، وتتعلق بالمنهج الفكري لشخصية المتنبي الشعرية المخالفة بالاساس للمنطق السياسي الذي يؤمن به سيف الدولة وصاحبه ابي الفرج الاصفهاني . من هنا كان الخلاف ، وقد شمل المستويات كافة ومنها المستوى الادبي .
وحكي عن الصاحب بن عباد وهو الشخص الذي يضد المتنبي ، وقد قام بتحريض النقاد ضد المتنبي وقد حرر رسالة يشرح فيها المثالب في شعر المتنبي بعد ان شن حملة شعواء ضده وهو الذي استقبل الخبر عندما عرف بالمكافأة التي قابل بها سيف الدولة كتاب الاغاني حيث قال : (لقد قصّر سيف الدولة وانه ليستحق اضعافها اذ كان مشحونا بالمحاسن المنتخبة والفقر الغريبة ، فهو للزاهد فكاهة وللعالم مادّة وزيادة ، وللكاتب والمتأدب بضاعة وتجارة ، وللبطل رحلة وشجاعة ، وللمتظرّف رياضة وصناعة وللملك طيبة ولذاذة) وهذا جزء من الاشكال عند الصاحب بن عباد لكنه كان فرحا لما طواه ابي الفرج والى الابد من القراءة الحقيقية لدرة الشعر في تلك الفترة وهو شعر المتنبي . فاذا حاولنا ان نبين خاصية المطابقة التي تفرد بها المتنبي في خواصه الفكرية والاستنتاج الذي حصل بالحسم للحد من ظاهرة المتنبي وحدوده الشعرية وارادته العقلية بوصفه ارادة في القوة والمباينة وهو يدشن العصر الاسطوري الذي يقوده الشاعر المتفلسف الذي اشّر فيه الايماءة الشعائرية في القصيدة فهي الصائبة دوما .
فالمقدرة عند المتنبي كانت قد تجاوزت مفاهيم الصاحب بن عباد وسيف الدولة الحمداني والحاتمي بخطاب شعري (اجتماعي وفكري) وابقاهم خلفه يرزحون تحت وطأة التخلف . من هذا الدليل جاء حقدهم وحسدهم في نبذ (ارادة القوة السيكولوجية عند ابي الطيب المتنبي) وتأملاته الفلسفية في اطار الوعي المتعالي والخالص من الناحية السيكولوجية . هذا الوعي الذي تضمن المكونات الرئيسية في الارادة والقوة والمعطيات التي تتعلق بالعالم ، وتنتمي اليه . هذا الوعي غير مقبول بالنسبة الى المؤسسة السياسية الفاسدة . والمتنبي ظاهرة فلسفية جديدة تظهر خواص هذا الوعي ونزوعه نحو رؤية سيكولوجية جديدة للوجود الانساني . من جهته ، فهو ينظر الى هذه المؤسسة السياسية الفاسدة نظرة استخفاف ، لانها مؤسسات متحللة ، فهو يقدم صورة علمية للنموذج السيكولوجي المتمرد ، ويطرح منهج فكري مسكون بالمعطيات العقلية داخل نسيج واقعي متعفن ، طبيعته تقدم معطيات ناقصة داخل شبكة فاسدة يقودها الولاة والامراء والخلفاء وهذه صورة يقدمها لنا كتاب الاغاني عن ميل بعض خلفاء بني أمية وبني العباس الى الترف والغناء . فكان الوليد بن يزيد (يلبس منه
- أي من الجوهر – العقود ويغيرها في اليوم مرارا كما تغيّر الثياب شغفا ، فكان يجمعه من كل وجه ويغالي به) وكذلك يزيد بن عبد الملك شديد التأثر بالغناء ، ومما جاء في كتاب الاغاني انه سمع معْبدا يغنّي فصاح : (احسنت والله يا مولاي! أعد فداك أبي وأمي ، فرّد مثل قوله الاول ، فأعاد ثم قال : أعْد فداك ابي وامي ، فاستخفه الطّرب حتى وثب وقال لجواريه : افعلْنَ كما أفعل ، وجعل يدور في الدار ويدرن معه وهو يقول :
يا دارُ دَوِّريني
آلْيتُ منذُ حينِ
ولا تواصِليني
يا قرْقرُ امْسكيني
حقّاً لتصْرميني
باللهِ فارحميني

لَمْ تدكُري يميني!
قال : فلم يزل يدور كما يدور الصبيان ويدرن معه حتى خرَّ مغشيا عليه ووقعن فوقه ما يفعل ولا يفعلن ، فابتدره الخدم فأقاموه وأقاموا من كان على ظهره من جواريه وحملوه وقد جاءت نفسه أو كادت(60).
وكان ابي الفرج الاصفهاني وعلى هذا المستوى الرفيع من المرتبة العلمية وهو صديق لاصحاب هذه المؤسسة السياسية فكان معاقرا جيدا للخمر والعبث ووصف النساء .
المتنبي قدرة عقلية
وفضاء للكتابة
لان فضاءه الشعري ، كلمة منطوقة يتخللها محتوى الحلم في انموذج لفعل العمل الكامل في الذاكرة السيكولوجية . والشعرية عند المتنبي نص شعري مكتوب بالصورة والصوت باعتباره استدعاء مدروس لفعل الكتابة ومنزلة كبيرة في الكلام والصوت والمتنبي عقل واع كامن خلف ادراك الوعي الحسي . والكتابة عند المتنبي صيرورة مرئية ، واختفاء المعنى خلف النص : هي عملية حلم تفصيلية يجازف بها المتنبي في تسفيه أي قدرة توحي بانها تستطيع الوقوف على اشتغالات النص وسيكولوجيته المعرفية ، فهي ميراث وادراك حسي ينتهي الى ذاكرة فكرية دائمة الاشارات في عملية الاتقاد . والتشكيل السيكولوجي عند المتنبي يتأكد بالفعل الحسي وبالازمنة المجردة والتجريبية ، فهو جزء خاص من منهجية الاشتغال بالمنظومة الفكرية ، والمهيمن على جوهرية النص وما ينطوي عليه التأمل من اكتشاف تدريجي لخواص الكتابة والمجاز أو المجاز الكتابي في معناه العام : هي الكتابة بمعناها المجازي ، الكتابة الحية المتصلة بالطبيعة القدسية والموقنة الى المنزلة الاصلية للقيمة الانسانية ، فهي صوت الضمير الانساني لأنه القانون المقدس الذي يساوي الكائنات الانسانية في الحضور والتعامل المدرك داخل الاشكال التي تعتبر جزء كبير من متساوياتها واضدادها المتباينة لهذه الاضداد .
حيث يقول المتنبي :
وشبيه الشيء منجذب اليه
وأشبهنا بدنيانا الطغام

هذا الحلم الكبير عند المتنبي ، يكون مقدرة وليس ضعف ولذلك بقي صاحب (مقدرة وقوة) . وهو يقول :
كل حلم اتى بغير اقتدار
حجة لاجيء اليها اللّئام

لتاتي القدرة فوق الصيرورة العقل وبصيرته ، حيث ينظر المتنبي الى الاشياء نظرة فكر لكبرها الفعلي داخل منظومة العقل على اكمل وجه ليعطيها قدرة تؤشر حقيقتها وليحيط من خلال هذا الموقف النفوس والسلوكيات اللئيمة التي تحاول سد المنافذ وتبقي الاشياء على حالها .
يقول المتنبي :
ومن يك ذا فم مرٍ مريضٍ
يجد مراً به الماء الزلالا

فهو يدرس الحضور المتحرك باتجاه الحاجة الستراتيجية حيث يكوّن المتنبي المعرفة وفق ايماءة تحتفظ بالقراءة والمجاز الكتابي والايماءة المتحررة للأسيجة السيكولوجية المكونة بالاسى ويعلن الادراك عند المتنبي حسه الزمني تحت حدثية الكتابة وخرافة المجاز وقدسية العقل الصارمة ووجهة النظر التي يحملها النظام السيكولوجي داخل استخدام الصورة الدينامية في حقيقة القدرة والقوة ويقابلها من الطرف الآخر (الوقت والثورة) التي يستخدمها في ستراتيجية المنظومة الشعرية حتى يبقى الوعي محررا من الاستمرار داخل الصورة المجازية وهو التخلص من الهم الذي يبعث الهموم .
وفي هذا يقول المتنبي :
افاضل الناس اغراض لذا الزمن
يخلو من الهم أخلاهم من الفطن

هذا المنهج الذي افاض به ابي الطيب ، هو طريقة للصعود المتسارع نحو كنه الوعي وابعاد التشويش والمباشرة بصياغة التعبير الانساني للوجود وكان المعنى في منهجية المتنبي عملية التوحيد للمعرفة وحشد اتجاهاتها باتجاه تقنيات زمكانية انسانية عالمة ترفع شأن الانسان من خلال موضوعه العقلي الذي يشكل بعدا معقدا في المنظومة الفكرية الانسانية لتخليصه من الهوان لانه أثرت فيه قوة الكلام ولكن سرى به غطاء التأمل في التمثيل العيني لطريقة الحوار .
يقول المتنبي :
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرحٍ بميتٍ ايلام

ما يتعلق بجدل المتنبي تأسيس منظومة سيكولوجية يترسب من خلالها الاثر الموضوعي للتشكيلات المفاهيمية والتي ترجع بالشعرية الى الاختلافية ومفهوم الحضور الفكري داخل متماثلات جوهرية يدركها سياق النسق المبني وفق اختلافية للحضور تنتج ذاتا موضوعية تشكل التاجيج في الحضور للموقف الشعري المشكل بفعل الخطاب البنائي داخل بنية كتابية متجهة الى الغياب للحضور بالادارك الحسي والاثر الدائم واستبصارات الأثر العقلي والحدث الشعري الذي يتعزز بالحاضر من الصياغات الفلسفية كما هو الحال عند (هوسرل) في وعي التأجيل الخالص وما يعنينا من الوقائع هو مبدأ الواقع المطلق وهدف التغيير بغريزة الخطاب والفوز بالمتناهي من اللذة القانونية . والمتنبي انموذج لشاعر مثل خصائص الشعر العربي وقد بلغ مبلغا قدريا ان صح التعبير بالخاصية والافتتان وخصائص من التمثيل لعبقرية اختلافية في توازناتها المختلفة ، فقد انقطع الى الشعر والى التمثيل الحقيقي للحس والفكر في تمثيل الشعر العربي ولذلك جاء الاجماع كاملا ، بان المتنبي كان قد قدم مادة ثمينة للتفكير والتأمل فهو الذي حلّق بهذه الامة في فضاءات عديدة من الوعي الفكري والشعري والفلسفي والصوفي ، فهو واضح الامكان الاسلوبي الذي تغلب عليه قوة الفخامة والتعبير عن المشاعر والروح والجمال الخفي في النص واختلافاته المنطقية ونغماته الاخّاذة التي تطيل فيها عملية التفكير المنطقي في دواخل هذه الحياة ليغوص ويستخلص التجريبية والحكمة ويعطيك من عصارة هذه الشعرية فكرا صالحا وطراوة ندية وموسيقى تعرج على النغم الصافي فتطربه بقوة وبكبرياء موسومة بالحب وسمة يعادلها العنف . فالمتنبي كان حضورا ذاتيا وموضوعيا مطبوع بالآثار الحسنة والادراك الحسي الذي يكتنز فيه لغة الحضور والغياب فهو عبارة عن صيغ من التحولات المعرفية . لقد اكتشف المتنبي حب المصير الذي يستند الى خفايا القوة وطبيعتها التفكيرية ووجودها الذي يعتمد الاختلاف والحركة الفلسفية التي تستقطب امكانيات الصيرورة عبر سلّم من الاختلاف وتشاكلاته وانسيابه في لعبة المصادفة الفلسفية في تحقيق ارادة المعرفة وهي تلعب بوضوح دور الفعل الوجودي وحماسته الشديدة واختلافاته داخل هذه النهايات طالما من المؤكد ، ان المعرفة تعني : القوة الكبيرة في الوجود ، وبقي المتنبي يتحدث عن لغة الاثبات المنفتحة على ايماءة القوة وبشكل يدعو الى الحضور الفعلي لكنه الخطاب الشعري والامساك بالخطة المناسبة التي تتأكد بالقدر (وبالنظرية – والتطبيق) بوصفهما بنيتان تحذران من فعل اللّعبة لحل لغز الشفرة بالتفسير الضيق للمعنى ، وتمثيل القصد من منطلق ثانوي للنص دون الاستناد الى سياق يتعامل مع القضية المطروحة من حيث (الوحدات التركيبية) لا من حيث ملخص للحكم وهذا بدوره يستدعي ان نجرب تقنيات جديدة لاستعادة عملية المناقلة والمراجعة المستمرة للوحدات التي تنجز البحث عن القضية العالقة . والانجاز الذي قام به المتنبي في نظرته الى الحياة وما حدث بها من متغيرات وديوانه هو وصفا كهذه المتغيرات وحركاتها واطوارها المتقلبة بالتكوين المطلّسم . وما واجهه ابي الطيب المتنبي من انكسارات في هذه الحياة وفشل احاط به ثم اتصاله بسيف الدولة الحمداني ودخوله مصر واتصاله بكافور الاخشيدي وخروجه من مصر هاجيا كافور الى مصرعه على يد (فاتك الاسدي) . والمتنبي كان متمردا سيكولوجيا على كل الاشياء يتعامل – ويعامل الاشياء بحساسية دقيقة . فقد شكل انكساره وفشله في فرضية التتابع النظري وحسب شفرة النص . ويرى المتنبي ان لعبة النص المزدوج داخل نصّيه تهيمن على لغة مفتوحة فهي نصية تنغلق احيانا داخل تخومها وتفهم كثيرا من ان هذه الفكرة لا تجاري الطرف الآخر ، فتبقى غامضة مشوشة وتشويشها لا ينحل ولا يضيف شيء جديد الى محتواه داخل حدود النص . فقد تلقى المتنبي ضربات عديدة ادت به الى احتقار كل الاشياء وما سمى لنفسه من مسميات على ضوء مفهوم النص الذي واصله بالعمق داخل نهايات محددة ومفتوحة . فكان موقفه من الايمان بالدين موقف محايد هذا على سبيل المثال ، ونلاحظ بعض الاشارات تختلف في الوضوح والخفاء ، فهي تبرهن على وهن هذا الايمان وضعفه وغلبة الادب والفكر الجاهلي على سيكولوجية الآداب الاسلامية كما المحنا في بداية هذا الكتاب من ان المتنبي انتهج نفس تكنيك القصيدة الجاهلية من ناحية البناء ، وقد اكتشف القدماء من النقاد ذلك ما اشار اليه الجرجاني في (الوساطة – والثعالبي في يتيمة الدهر واخبار اهل العصر) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل