الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحداث غزة و فشل استراتيجية الإعجاز و الجهاد المقدس

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2009 / 1 / 4
القضية الفلسطينية


كل من يطلع على التاريخ العربي القديم ؛ يجد أن مفهوم الجهاد قاد حركة توسعية كبيرة ؛ تمكنت خلالها الدولة العربية من أن تمتد من آسيا إلى شمال إفريقيا وصولا إلى أوربا .
و قد كان النص الديني الذي يحرض على مواجهة الخصوم و قتالهم ؛ هو الموجه الأساسي (للمجاهدين ) باعتبارهم يخوضون معركتهم ضد كفار خارجين عن شرع الله يجب إدخالهم تحت لواء الدين الجديد .
و في كل هذه الحركية كان الهدف مرتبطا ببعد استراتيجي ؛ يسعى إلى توسيع حدود الدولة العربية من آسيا إلى إفريقيا و أوربا . و قد نجح الفكر العربي أيما نجاح في توظيف الدين كأداة في الصراع الاستراتيجي الذي كان قائما آنذاك بين الإمبراطوريات الكبرى .
لكن هل يمكن لهذا المفهوم أن يؤدي وظيفته خارج إطاره التاريخي ؟
و بتعبير آخر هل يمكن للعرب أن يواجهوا تحديات الحاضر الكثيرة عبر مفهوم الجهاد ؟
و هل حقق العرب في تاريخهم الحديث و المعاصر إنجازات باعتمادهم لهذا المفهوم ؟
إن عودة خاطفة إلى ما واجهه العرب خلال مرحلة القرن التاسع عشر من تحديات فرضها عليهم الاستعمار الغربي ؛ لتبين بشكل واضح أن نخبة المرحلة فطنت إلى اختلال الموازين بين الأمة العربية و بين الخصم ؛ من خلال المعارك التي خاضوها في مواجهته ؛ حيث كانت المواجهة بين (مجاهدين) سلاحهم المعجزات و سيوف قديمة و إقبال على الموت ؛ في غياب أي بعد استراتيجي أو تخطيط أو تجهيزات عسكرية . و في الجانب المقابل حضر الخصم مجسدا أرقى ما وصلت إليه المعرفة الإنسانية الحديثة من تجهيزات عسكرية و بعد استراتيجي و تخطيط محكم .
و عندما نتساءل عن النتيجة ؛ نجدها استعمارا كاملا لمجموع الوطن العربي مشرقا و مغربا ؛ و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على فشل منظومة فكرية قديمة ؛ تقوم على الخوارق الإلهية في مواجهتها للمنظومة الفكرية الحديثة التي تقوم على المعرفة العلمية بعقلها الحسابي الدقيق .
و في غياب هذه العقلية العلمية الحديثة ؛ لا يمكن النجاح في المواجهة باعتماد الروح الإيمانية ؛ و الإقدام على الموت ؛ لأن هذه المفاهيم تتناقض و العقلية الحسابية الحديثة ؛ التي تقوم على التخطيط الدقيق و الإعداد الجيد و التجهيز العسكري المتطور . و لمحاولة فهم هذا التناقض بين النموذجين ؛ نستمع لأحد الرحالة المغاربة و هو يصف استعراضا عسكريا فرنسيا ؛ مقارنا بين عقلية الجهاد و عقلية العلم الحديث :
" مضوا و تركوا قلوبنا تشتعل نارا لما رأينا من قوتهم و ضبطهم وحزمهم و حسن ترتيبهم ووضعهم كل شيء في محله؛ مع ضعف الإسلام و انحلال قوته و اختلال أمر أهله. فما أحزمهم و ما أشد استعدادهم و ما أتقن أمورهم و أضبط قوانينهم و ما أقدرهم على الحروب و ما أقواهم على عدوهم لا بقلوب و لا بشجاعة و لا بغيرة دين؛ و إنما ذلك بنظامهم العجيب و ضبطهم الغريب " . محمد بن عبد الله الصفار – نقلا عن سعيد بنسعيد العلوي –أوربا في مرآة الرحلة –منشورات كلية الآداب – الرباط – ط:1 – 1995 .
إن السر في قوة الخصم يرتبط بالضبط و الحزم و حسن الترتيب و الانضباط للقوانين ؛ لا بالشجاعة و الغيرة على الدين – يؤكد الرحالة المغربي- أي إن المواجهة ليست بين مؤمن و كافر ؛ ينصر الله الأول و يخذل الثاني ؛ و لكنها بين العقلية العلمية الحسابية ؛ و العقلية الدينية الإعجازية ؛ و النتيجة الواضحة هي انتصار الأولى و خذلان الثانية خلاف المنطق الديني .
إن المرحلة التي نعيشها الآن لا تختلف في شيء عن المراحل السابقة ؛ و كأن التاريخ العربي جامد لا يتحرك ؛ فما زالت العقلية الدينية الإعجازية هي التي تقود معاركنا ضد الخصوم ؛ و ما تزال الشعوب العربية تقوم الليل صلاة و النهار صياما تنتظر النصر الإلهي المؤزر ليخرجها من نكساتها المتتالية ؛ حيث لا تحصد إلا الهزائم في جميع المعارك .
و يحضر المتخيل الديني مدعما هذيانها ؛ فمن غزوة بدر التي غلبت خلالها ثلاثمئة ألفا ؛ و التي نزلت خلالها الملائكة لمؤازرة المؤمنين ؛ فتم النصر بإذن الله ؛ إلى علقمة ذلك الشيخ الهرم الذي حمل سيفه و ركب فرسه ؛ و اتجه ليفتح بلاد فارس بأكملها ؛ فتم له ذلك بإذن الله ؛ و انهزم الكفار شر هزيمة ؛ ...
و تتسمر الشعوب العربية أمام شاشات التلفزيون تنتظر بشغف نزول الملائكة في غزة لمؤازرة حماس المؤمنة ؛ أو أن يحطم صاروخ القسام كل دولة إسرائيل بإذن الله ؛ و يخرج خالد مشعل طالبا من هذه الشعوب المخدرة الإكثار من الدعاء في صلواتهم كي ينصر الله حماس في معركتها ضد اليهود الخنازير ؛ و يؤكد لهذه الشعوب بأن له يقين تام بأن الله سينصر المؤمنين في غزة و سيخذل الكفار ؛ و يخرج الفقهاء من جحورهم داعين إلى الجهاد ضد اليهود ؛ موزعين الفتاوى بالمجان في المواقع الإلكترونية و القنوات التلفزية و الإذاعات و الصحف . و تخرج كل الشعوب العربية إلى الشوارع داعية بالويل و الثبور على اليهود الخنازير ؛ مرددة شعاراتها : " خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سيعود ". و تعيش الأمة العربية من المحيط إلى الخليج هذيانا ليس له مثيل ؛ بينما لا يرتبط الأمر بكل هذا الاستنفار تماما ؛ بل يرتبط باستراتيجيات و خطط عسكرية و تجهيزات متطورة ؛ و المواجهة بين من يمتلك هذه الوسائل و من لا يمتلكها .
سيقول قائل بأنني مع اليهود و ضد المسلمين ؛ بينما كان علي كذلك أن أخرج إلى شوارع الرباط لأردد الشعارات و أدعو لليهود بالويل و الثبور ؛ و أهددهم بأن جيش محمد سيعود.
إنني أجيب ببساطة بأننا الآن و أكثر من أي وقت مضى في حاجة إلى التساؤل حول عقليتنا ووسائلنا القديمة في مواجهة دولة عرفت كيف تستفيد من العقلية العلمية الحديثة في مواجهتها لنا . و بدل أن نملأ الدنيا صياحا و نحيبا و نشغل أنفسنا بقيام الليل دعاء ؛ و الخروج إلى الشوارع لترديد الشعارات الحماسية ؛ بدل كل هذا يجب أن نفكر في بناء الدولة الحديثة القائمة على المؤسسات ؛ يجب أن نفكر في ترسيخ الديمقراطية ؛ يجب أن نفكر في طرد الدين من حياتنا العامة و العودة به إلى المساجد مكانه الحقيقي؛ يجب أن نفكر في تعليم حديث يمكننا من ترسيخ المعرفة العلمية الحديثة لناشئتنا ؛ بدل تعليمهم الخرافات و الشعوذة و تربيتهم على الفكر الغيبي الإعجازي ...
إن هذا بالضبط هو ما قامت به اليابان بعد أن أحرق شعبها بقنبلتين ذريتين ؛ لقد اعترفت بالهزيمة و أقرت أنها ليست في مستوى المواجهة ؛ و هذا لا يعني أنها تخاذلت كما قد يبدو لبعض العنتريين منا ؛ بل على العكس من ذلك كان التوجه لمعالجة الضعف الذي تعاني منه على جميع المستويات ؛ و قامت بإصلاحات جذرية على مستوى الاقتصاد و السياسة و المجتمع و الثقافة ... و الآن تلعب اليابان في نادي الكبار؛ و تسدد الأهداف تلو الأهداف ؛ عبر اكتساحها للأسواق العالمية ؛ و تأثيرها على السياسات الدولية و تطمح بشكل مشروع أن تحصل على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي ؛ حتى تكون لها كلمتها جنبا لجنب مع دولة قصفتها لما لا يتجاوز نصف قرن بقنبلتين ذريتين .
إنها رسالة واضحة لكل من يفكر بشكل عقلاني ؛ فإما نتوجه لإصلاح شؤوننا الداخلية على جميع المستويات ؛ و إما سنواجه مستقبلا نفس التحديات التي واجهناها منذ القرن التاسع عشر و حتى الآن ؛ و في كل تحد كنا نخرج أضعف من سابقه ؛ و نفس المصير هو الذي ينتظر الأجيال القادمة إن ظلت دار لقمان على حالها .












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر بين روسيا وإسرائيل يتصاعد.. هل يخرق نتنياهو خطوط بوتي


.. إيران تؤكد أنها ستدعم حزب الله في حال تعرضه لهجوم إسرائيلي




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي لسوق بحي الزيتون


.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف خلية في مخيم نور شمس بطولكرم أ




.. الدفاع الروسية تعلن استهداف 5 مقاتلات أوكرانية بصواريخ إسكند