الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايات عن عواصف الرعب .......... قصص قصيرة

أحمد الجنديل

2009 / 1 / 5
الادب والفن



وصلتْ العاصفة دون إشارة ، اكتسحَ الطوفان أركان إرادتي ، صرتُ في قلب الزلزال ، كان الإعصارُ شرساً ، هربتُ إلى مغارات الخوفِ طمعاً في النجاة ، هربَ الزمانُ من ذاكرتي ، ماتَ المكانُ الذي أنا فيه ، قفزتُ إلى الهاوية ، تدحرجتُ نحو قمّة اللاوعي ، أحسستُ بصفعة تصاعدَتْ سحبُ تأثيرها في رأسي ، بدأتُ بالترنح ، وفي عمق ما أنا فيه ، وصلني صوتُ كلبي هادراً بالغضب :
اِزرعْ نفسكَ وتداً في الأرض فالعواصف لا تكتسح سوى النفايات ، ولتكنْ أخر ضرباتك سبباً في سحقها ، وإذا لم يـبقَ سوى خيار الموت ، فاقـذف ْ موتكَ بشموخ في وجهـها لكي تنـدحرَ عند قدميك . ابصقْ في وجه الخفافيش الوسخة ، فالعواصف عندما تهبّ ترافقها الخفافيش التي تملكُ القدرة أكثر من النسور الصلعاء على اكتشاف أسرار الليل . احذرْ الهرولة في مواجهة العاصفة قبل أن تتعلمَ السير ، وتأكّدْ أنّ العواصفَ أكثرُ ما يخيفها ويرعبها قوّة الثبات .
ونهضتُ من جديد .... وانتحرتِ العاصفة عند الفجر ... وبدأ كلبي يسردُ لي حكاياته من جديد .

المطرقة :

المطرقة تـُلقي أوامرها بالهدوء ، والحاكم غارق حتى أذنيه في تفكير عميق ، وقد بانَ عليه التأثر والأسف لجريمة القتل التي تعرّضَ لها الغزال من قبلِ صيّاد جاءَ من مكان بعيد لينفـّذ جريمته على أرض الغابة الراقدة في أحضان الأمن والاستقرار ، وعلى يمين الحاكم جلسَ مجموعة من القضاة ، بينما ظلـّت مقاعد شاغرة لمجموعة أخرى لم يحضروا إلى المحكمة لشدّة حزنهم على هذه الجريمة . وفي لحظة الرهبة والترقب ، وفي غمرة الهدوء والتنصت ، أطلق الحاكم قراره بمطاردة الصيّاد الهارب وتمزيقه من قبل حرّاس الغابة .
وقد دوّى تصفيـق حاد وهـتاف مرتفع تأيـيـداً لـلقرار ، وخرجَ الجميعُ فرحين بـقرار الحاكم العادل ، باستثناء زوجة الجندب التي همستْ في أذن زوجها :
ما قتلت الغزال رصاصة الصيّاد ، الذي قتله غباء السنجاب الذي قادَ الصياد إلى مكان الغزال .

فن القتال :

أثناء المبارزة ، كان قلب الفهد يهتزّ بين أضلاعه ، وكلّما سدّد الخصمُ لولده ضربة قوّية شعرَ بألمها في داخله ، ولم يمض الوقت المحدد للمبارزة ، حتى سقطَ ابن الفهد على الأرض مضرجّا بدمائه ، وجسده مثخن بالجراح ، ممّا جعلَ الأب يقفزُ حاجز المتفرجين ، ويسرعُ نحو ولده ، وعيناه تمطران أسىً ولوعة ، وقلبه يهدرُ بغضب شديد ، وعندما لامسَ رأسَ ولده ، وشاهدَ الدماء الغزيرة تسيلُ من جسده لمْ يتماكْ نفسه ، فصرخ به :
ــ لماذا لم تـُحسنْ فن القتال ؟ لقد بذلتُ كلّ ما بوسعي ، ومنحتكَ كلّ ما أعرفه لكي تكون مقاتلا باسلا ، فما الذي دهاك ؟ وما الذي أوصلكَ إلى هذه النهاية ؟ . لقد ألحقتَ بي العار الذي ما بعده عار ، وجعلتني سخرية أمام حيوانات الغابة ، فما الذي جعلكَ تنهزمُ بهذه الطريقة المشينة بعد ما علمتكَ أسرار اللعبة داخل البيت ، وبعيداً عن أنظار الجميع ، وقضيتُ معك وقتا طويلا تدربتَ على ما يلزمكَ من الفوز على أعدائك .
كان الأب في ثورته عندما فتح ابنه عينيه والألم يهزّ كيانه ، والدماء تتدفقُ من جروحه ، وبصعوبة بالغة ، ردّ على أبيه :
ــ إنّ ما قلته عين الصواب ، ولكنـّي أضعُ مصير أخوتي أمانة في عنقك ، فمنْ يتعلم مثلما تريد لا يحصد إلا مثلما هو أمامك ، ومن ينشد الفوز عليه التعلم في ساحات القتال المكشوفة ، وليس في الأوكار المظلمة . !! . ثمّ أغمضَ عينيه ، وتوقفَ النزفُ ، ولم يعدْ هناك ألم ولا حركة .

الخطاب :

بارتياح كبير ، وبعد أسبوع من التفكير المضني ، أنهى الذئبُ كتابة خطابه الذي يُـلقيه في المؤتمر العام لانتخاب ملك الغابة . طوى الخطابَ بعناية فائقة ووضعه قريبا منه ، وراحَ في نوم عميق .
في الصباح ، وبعد قراءة سريعة له ، وضعه في جيبه وخرج من بيته ممتلئا عزة وشموخاً وكبرياءً ، وعند دخوله القاعة ، وجدَ مجموعة من الخطابات التي سبقه زملائه في إلقائها على جموع سكّان الغابة ، وقد داستها الأرجل وشوهّها براز صغار حيوانات الغابة .
جلسَ في مكانه مذهولاً وسط دوّي الحناجر التي كانت تهدر بسيل الخطابات البليغة ، وعندما حانَ دوره وأرادَ أن يتكلم ، باغتته رغبة قوّية من الضحك ، لم يستطعْ مقاومتها ، وبدلاً من أن يتكلم ، أصدرَ ضحكة قوّية من حنجرته قابلها جمهور الغابة بعاصفة من الضحك ، أعقبها موجة من التصفيق الشديد ممّا أوجدَ فرصة لخروجه من القاعة ، وقد انسلخت منه هيبة العز ، وذبل في عينيه بريق الكبرياء ، وتهاوى من مخيلته صرح الشموخ .
وعندما وصلَ إلى البيت ، طوى الخطاب بعناية فائقة ، ووضعه قريبا منه وراحَ في نوم عميق .
وظـّلت الغابة تعيش في اضطراب واقتتال ، ممّا اضطـّر وجوه الغابة المتسمة برجحان العقل ، وأصحاب الحكمة إلى اتخاذ قرار تمّ بموجبه عقد مؤتمر آخر لانتخاب ملك الغابة .
في صباح انعقاد المؤتمر ، طوى الذئب خطابه بعناية فائقة ، كانت القاعة تغصّ بالحضور ، ولم تكن خطابات متناثرة ولا أثر لبراز صغار الغابة .
اجتاز جموع المحتشدين ، وشعر برغبة جامحة بالحديث إلا أنّ جموع الحاضرين قابلته بضحك متواصل ، أعقبه تصفيق شديد ، وتمّ انتخابه بالإجماع ملكاً للغابة ، وخرجَ من القاعة والجميع يهتفُ بحياته وحياة الغابة .
وعندما وصلَ إلى البيت ، طوى الخطاب بعناية فائقة ووضعه قريباً منه ، وراحَ في نوم عميق .

الانقلاب :

اعتادت الذئبة العجوز ، المتهدلة الأذنين ، أن تحتضنَ حفيدها الصغير ليلاً ، لينامَ في حضن جدته وهو يشعرُ بالأمان ، وكما اعتادَتِ الجدّة احتضانه ، فأنه اعتادَ النوم على سماع قصة من قصصها الجميلة .
ذات ليلة كانت فيها الرياح تهبّ بجنون حاملة معها المطر والخوف ، بدأت العجوز تسردُ قصتها على حفيدها الصغير :
كان جدّك ذئبا شجاعاً ، ولم نشعرُ بوجوده بما يعكـّرُ صفو حياتنا ، فقد كان يجلبُ لنا الأمان والطعام في آن واحد . وفي أحد الأيام حصلت معركة ضارية بين فصيل الذئاب الذي يقوده جدّك الشجاع ، وبين فصيل النمور ، وأثناء المعركة أخذ منـّا الجوع مأخذه ممّا اضطّر جدّك إلى الالتجاء إلى فصيلة الثعالب في الغابة المجاورة التي تعودت على منحه القليل من الطعام ، كان يجلبه لنا ليلاً ، بعدها غابَ عنـّا ولم نجدْ له أثراً رغم بحثنا الطويل عنه ، ولكنه بعد عام عادَ إلينا يحملُ طعاما وفيرا وخيرا عميماً .
قفزَ الحفيدُ الصغير من حضن الجدّة ، وصاحَ فرحاً :
وأخيراً عاد جدّي الشجاع ، وعادَ معه الخير والأمان .
هنا أطرقت الجدّة العجوز ، وانحدرت دمعتان على وجنتيها الذابلتين ، وأجابت بصوت حزين :
لا يا حفيدي الصغير ، لقد عادَ بكلّ شيء إلا الأمان ، لأنه لم يعدْ ذئباً شجاعاً ، بل عادّ ثعلباً جباناً .

الانفجار :

ذات ليلة اتفقَ الدب مع زميله القرد على سرقة مخازن الغابة ، وأثناء عملية السطو تمّ القبض على الدب وأُودعَ السجن ، أمّا القرد فقد هربَ إلى خارج الغابة ، مكثَ عدة أعوام ، عادَ بعدها بهيئة أخرى ، فقد ارتدى ثوبَ الحشمة والوقار ، وتسلحَ بسلاح أهل العلم والمعرفة ، ولكونه من ذوي الأخلاق الرفيعة ، ولأنه يعشق العدل والحق حد العبادة ، فقد اتفق الجميع على تنصيبه حاكما للغابة .
وذات يوم ، وبينما القرد يمارس عمله ، أدخلوا عليه الدب وهو ينوء بجريمته البشعة ، وما أن رآه زميله القرد حتى تلبد وجهه بغيوم الغضب ، وتلبست ملامحه بسحب الحزن ، وراحت عيناه تقدحان شرراً ، وخرج عن هدوئه الرصين ، وأخذ يصرخُ :
لا يمكن تصديق ما أراه وأسمعه !! كيف يمكن لأحد أن يفعل هذه الجريمة النكراء ؟ كيف يمكن لأحد من سرقة غذاء إخوانه ؟ إنها جريمة كُـبرى ولطخة عار لا تزول إلا بإحراق هذا المخلوق المنحرف أمام الجميع ، لكي تكون غابتنا نظيفة من هذه الأمراض الخطيرة . قيدّوه جيدا ، واضربوه بشدّة ، ثمّ نادوا على سكان الغابة ، واحرقوه أمامهم ليكون عبرة لكلّ منحرف أثيم .
كان الدب يستشيطُ غضباً وهو يسمعُ كلامَ زميله القرد ، وعند إصدار قرار الحكم ، أرادَ أن يصرخ فيه ، يبصقُ في وجهه ، لكنّ الحرس منعوه من ذلك ، انهالوا عليه بالضرب وأخرجوه من قاعة المحكمة بالقوّة . وبعد لحظات ، سُمِعَ انفجار قوّي أرعبَ الجميع وفي مقدمتهم جناب الحاكم العادل .
لقد انجر الدب ..... انفجرَ ... ومات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟