الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علم على رأس النار!

علي ديوب

2009 / 1 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


قد تمثل تلك الصورة المنشورة على موقع جريدة السفير لليوم الأول من السنة الجديدة تعبيرا أصدق عن الدلالة التي يمكن، على ضوئها، تفسير العقليات الجهادية و جبهات الرفض.. التي تحمل راية الممانعة و المواجهة و ما إليها من الشعارات الكفيلة باقتناص البوصلة العاطفية للجماهير المجهلة مسلوبة الإرادة، أو المخضعة بالتهديد و التخويف.
تبين الصورة علما حمساويا يرفعه شخص فوق أنقاض لبناء دكته الغارات الإسرائلية و حولته إلى ركام. في الصورة كل شيء ميت عدا العلم( الراية الجهادية). حتى أن الرجل الذي يرفعه لم يبد لي أكثرمن شبح، رغم أن جسمه يعكس حركة نشيطة.
فهل يبشرنا الجهاديون الممانعون، و الناشرون لراية الثورة الإسلامية في ربوع العالم، بأن البلاد ستذهب و الراية وحدها ما سيبقى! هل كان اسماعيل هنية جادا بقوله أننا صامدون و لو دمرت غزة بكاملها؟ و هل كان يعي حجم الموت الذي يحمله حبه لغزة- الحب الذي يفترض ألا يقدم المحبوب ضحية لمشاعر مرضية متحكمة!
ما كان يلزم العاقل في الحكومة الحمساوية أن يصل الأمر بغزة و أهلها إلى هذا المستوى من التدمير العدواني الوحشي، و الترويع الأمني المزلزل لروح الإنسان الجميل، و الفاتك بالرجاء و الدعاء الذي يغشى قلوب الأمهات يتكومن على أطفالهن في زاوية بيت واحدة، حيث لا عاصم من جحيم يحولهم إلى أوراق محترقة سوى شعارات التجاهل و رايات الممانعة.
كم غزة تحتاج راياتكم كي تظل ترفرف وحدها، مثل فزاعات الحقول؟ كم نهر من الدم تحتاج عروقكم الجافة؟ كم موت يكفيكم لكي تستيقظوا من موتكم؟ و كم ضحية بريئة تستلزمها خطاياكم؟
سيظل جهل البسطاء مصل عضلاتكم، ما داموا لا يلتفتون إليكم. و ستظل همجية الإسرائلي المتشدد مصلا يتغذى عليه جهل البسطاء، و ذريعة لهمجية المتشددين منا.
الراية المرفرفة في السماء هي علامة على عرش ثابت على الأرض. و لا يهم المتربع إن كان عرشه من عظام و لحم و عويل؛ فلا صوت يعلو على صوت المعركة. حتى أن بعضهم تفتقت شراهة التسيد في عقليته المتسلطة عن اتخاذ الناس مصدات لبقائه. فاخترع فكرة الدروع البشرية، بإسكان قادة المقاومة في مناطق السكن الكثيفة، لردع العدو الإسرائيلي عن قصفه- كما لو انه يعترف أن العدو أكثر شفقة منه على أهله! و ربما كانت كذلك حتى معه هو؛ إذا صدقت الأخبار أن إسرائيل اعتمدت في عام 2005 سياسة تتمثل بان تتصل بالكثير من المقاومين و تبلغهم أن عليهم إخلاء المنازل في غضون وقت محدد لأنه سيتم قصفها، و أن إسرائيل نجحت في ذلك الوقت بتدمير 25 منزلا، لكن القائد الجهادي، مبتدع فكرة الدروع البشرية جمع الرجال و الأطفال و النساء و وقف معهم فوق كل سطح يتم تهديد صاحبه، الأمر الذي اجبر في النهاية الجيش الإسرائيلي على وقف هذا السلوك لمدة عامين. لكن القائد الجهادي، ذاته، و المتزوج من أربع نساء، قتل في بيته، بين و مع أهله، في البناية المؤلقة من أربع طوابق، مع عدد لم يتم إحصاؤه بعد من أسرته و سواهم.
هل كان الأمر يحتاج لكل هذه السنين من الزمن، و كل هذه الضحايا و الويلات التي تعرض لها شعب غزة، و التي آلت إلى تدمير شامل، يهدد بضياع نصف قرن من التضحيات الفلسطينية و إلغاء القضية الفلسطينية نفسها؛ أكان الأمر يحتاج هذا الهول كي يصحو قادة الممانعة الحمساويين على أن الحب يعني العطاء و البذل و التخلي، و ليس القبض و الرفض و التمسك و التشبث حتى حدود تقطيع الأوصال( كما تقول حكاية دائرة الطباشير القوقازية عن الطفل الذي طلب إلى الامرأتين اللتين تدعي كل منهما أنها أمه الحقيقية أن تشد كل منهما به من طرف- و طبعا تخلت عنه أمه الحقيقية خوفا عليه من الفسخ)؟
هل تكمن شجاعة المجاهدين الصامدين الصابرين في تشددهم و ممانعتهم، تمسكا بمصالحهم الذاتية و تلبية للتوجيهات التي توحى إليهم من أولي أمرهم؛ أم تكمن في تضحيتهم بكراسيهم، و إعلانهم أن مصلحة الشعب و الأرض تقتضي منا أن نتنازل عن القيادة لسوانا- سواء أكان هذا السوى هو السلطة الفلسطينية المتنازع معها أو أي فريق آخر، يمكن أن يمثل شرطا كافيا لسد ذريعة العدو الغاشم.. الخ؟
الجواب بسيط، و يمكن أن يناسب حتى البسطاء.. مع أنني أعوذ من أن أفهم على أني أبارك فريقا و أسفل آخر.. لكني لا أعرف ماذا يجري بالمعنى الحقيقي للجنون.
ثمة درس لم يستوعبه الإسرائيليون، يتمثل في العنف الذي أوقعته النازية باليهود. و الذين بدلا من أن يسلكوا الطريق الألماني السلمي، ما بعد النازي، مارسوا على خصمهم الأضعف( الفلسطيني) ما كان قد مورس بحقهم. و الأحرى بنا نحن أن نكسر دورة العنف التي لا تنتهي. فالعنف لا يؤمل أن يتم التغلب عليه بالعنف نفسه؛ و هو ما لم نجد سواه للأسف. فرحنا نمارسه و ندرسه و نرضعه لأطفالنا.. حتى صار علة وجودنا، نتفنن به ضد الذات و الأخ و الجار و القريب و البعيد. لكن العنف الذي يبرد نفس و يشفي غليل الفاعل، يؤجج نفس الضحية و يفتح شهيتها للانتقام. هذه بديهية تنتسب للغريزة، و لا يمكن لها أن تنتهي بتركها للغريزة نفسها، بل بإخصاعها إلى العقل يسوسها على ضوء الحكمة التي استطاع الإنسان اكتسابها عبر تاريخه الممتد.
ليست القوة بالسلاح و البطش و توسل العنف، و لعل الحكومات الإسرائيلية تزداد قناعة بهذه الحقيقة المرة في إثر كل هجوم ضد الفلسطينيين، و لكنها لم تنعم بعد بالاهتداء إلى السبيل الأنجع للشفاء من هذا المرض العضال. و هذه على كل حقيقة يدركها العقلاء في كل مجتمع، و الإسرائلي واحد منها. الأمر الذي يجدر بنا أن نسعى إليه بكل طاقاتنا و مخططاتنا المباشرة و الاستراتيجية هو بناء الذات بناء حضاريا، يكفل لنا احتلال موقع في خارطة التقدم الحضاري. أمامنا التعليم و الثقافة و تأمين فرص العمل و تحقيق حقوق الإنسان على أرضنا، و تعديل الميزان المشوه فيما يخص التوازن في علاقة المرأة بالمجتمع. و من غير هذه اللبنات الأساسية لن نفعل أكثر من التضحية بالمجتمع و البلد و المستقبل، على مذبح حقدنا و جهلنا و ممانعاتنا التي تنعكس موتا للأبرياء منا- أطفالا و شيوخا و محبي سلام و استقلال- و دمارا على الأرض التي ندعي حمايتها و تحرير المحتل منها. و تصفية و خسارة للقضية التي نزعم غيرتنا عليها، و حمايتها من التصفية، وصولا إلى نصرتها.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من الذي يحتاج انهر الدم؟
صائب خليل ( 2009 / 1 / 4 - 21:31 )
بل -كم نهر من الدم تحتاج -انحيازاتكم لتتوقفوا عن القاء اللوم على الضحية ليتم ذبحها حتى النهاية؟

اخر الافلام

.. القصف الإسرائيلي يجبر سكان أحياء شرق رفح على النزوح نحو وسط


.. عرض عسكري في العاصمة الروسية موسكو بمناسبة يوم النصر على ألم




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بعد عودة وفد التفاوض الإسرائ


.. مستوطنون يغلقون طريقا بالحجارة لمنع مرور شاحنات المساعدات إل




.. مراسل الجزيرة: جيش الاحتلال يواصل السيطرة على معبر رفح لليوم