الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نموذج التدين المغربي سلاح لمواجهة التطرف الديني الوهابي

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2009 / 1 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


عرف المغرب خلال مرحلة القرن التاسع عشر؛ حركة فكرية نشيطة ؛ قادتها نخبة مثقفة ؛ في علاقتها بالثقافة العربية في المشرق من جهة ؛ ومن جهة أخرى في علاقتها بالثقافة الأوربية ؛ التي تسربت خلال الانفتاح الذي حققه المغرب على الضفة الشمالية ؛ خلال هذه المرحلة التاريخية .
و لذلك نجد تداخلا بينا بين المنظومتين الثقافيتين ؛ في الفكر المغربي الحديث و المعاصر ؛ بحيث انتهى ذلك الصراع الذي كان قائما من قبل بين دار الكفر (أوربا) ؛ و دار الإسلام (العالم الإسلامي) ؛ ضمن الثقافة المغربية .
و حضرت بوادر التحديث ؛ من منظور ليبرالي حديث ؛ إلى جانب بوادر الاجتهاد ؛ من منظور ديني فقهي ؛ من دون أي تعارض بين المرجعيتين ؛ بل على العكس من ذلك ؛ جمع الكثير من نخبة المرحلة في تكوينهم بين المرجعيتين ؛ و نذكر على سبيل التمثيل ؛ محمد الحجوي ؛ علال الفاسي ...
و قد ساهم هذا الانفتاح المبكر على الضفة الشمالية ؛ و الذي دشنته الدولة المغربية ؛ بإرسال البعثات الطلابية إلى أوربا ؛ بداية القرن التاسع عشر؛ في تحصين المغرب مما كان يروج في المشرق العربي من دعوات دينية ؛ لا تتلاءم و خصوصية المغاربة .
لذلك نجد النخبة الدينية المغربية ؛ تتفاعل مع سلفية عبده و الأفغاني ؛ بينما تنظر بالكثير من الريبة إلى سلفية محمد بن عبد الوهاب ؛ و لا تعتبرها قادرة على التفاعل مع الثقافة المغربية ؛ نظرا للإرث الأندلسي ؛ الذي رسخ في الثقافة المغربية روح الاختلاف و التعددية ؛ كما رسخ قوة خارقة على الاجتهاد في الدين ؛ بحثا عن أجوبة للأسئلة التي تثار و هي غالبا أسئلة ؛ تختلف جوهريا عن تلك التي يمكن أن يثيرها المذهب الوهابي .
لقد تحدث الأستاذ علال الفاسي ؛ كأحد رواد التيار السلفي في المغرب ؛ بداية القرن العشرين عن مفهوم "السلفية الجديدة" ؛ وهي –في اعتباره- مزيج من الليبرالية و السلفية معا (1) ؛ و نفس هذا النزوع إلى الدمج بين السلفية و الليبرالية ؛ هو ما كان حاضرا بقوة في فكر محمد الحجوي ؛ الذي حمل مشروعا تحديثيا ؛ يرتبط بأبعاد سياسية و اجتماعية و اقتصادية ؛ و قد كان في نفس الآن من رواد التيار السلفي في المغرب .
و نفس هذا التوجه هو الذي قاد فقهاء المغرب ؛ في مناهضتهم للتيارالسلفي الوهابي المنغلق ؛ و قد سار المجتمع المغربي بكل فئاته على هذا المسار ؛ حيث يؤكد الأستاذ سعيد بنسعيد العلوي –اعتمادا على مجموعة من المصادر التاريخية - أن المغرب لم يتلق الدعوة الوهابية بقبول حسن ؛ سواء تعلق الأمر بالموقف الرسمي ؛ أو تعلق الأمر ببعض العلماء ؛ أو تعلق الأمر بالأوساط الشعبية " . (2)
و لم يكن هذا الرفض من فراغ ؛ بل كان نتيجة لنموذج التدين ؛ الذي صاغه المغرب ؛ منذ ارتباطه بالعالم الإسلامي ؛ حيث مثل دوما استثناء ؛ و عانى المغاربة قرون طويلة من الانغلاق ؛ حتى يحافظوا على استقلاليتهم الدينية ؛ فقد وصلت الخلافة العثمانية حتى حدود المغرب الشرقية ؛ و انضمت الجارة الجزائر إلى نظام الخلافة ؛ بينما ظل المغرب مستقلا في قراره الديني و السياسي عن الخلافة العثمانية .
إن هذا الموروث التاريخي ؛ على مستوى الممارسة الدينية في المغرب ؛ هو ما يجب أن يستحضره المغاربة خلال هذه المرحلة الحرجة ؛ التي غزا خلالها التيار الوهابي المنغلق كل أقطار العالم الإسلامي ؛ مدعما باقتصاد الريع البترولي ؛ و أحدث جراحا غائرة في المجتمعات الإسلامية ؛ لن تندمل في المستقبل القريب .
و نحن -كمثقفين مغاربة- لا يمكننا إلا أن نؤيد كل المجهودات التي تقوم بها الدولة ؛ في سبيل ربط المغاربة بمروثهم الحضاري؛ الذي يشجع روح التعددية و الاختلاف ؛ و يؤمن بحرية المعتقد ؛ و يرفض كل انغلاق ؛ كما يرفض كل تطرف ؛ لا يتناغم و روح الثقافة المغربية .

الهوامش :
1- سعيد بنسعيد العلوي - الااجتهاد و التحديث : دراسة في أصول الفكر السلفي في
المغرب - مركز دراسات العالم الإسلامي – ص: 21
2- نفسه - ص: 23











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر بين روسيا وإسرائيل يتصاعد.. هل يخرق نتنياهو خطوط بوتي


.. إيران تؤكد أنها ستدعم حزب الله في حال تعرضه لهجوم إسرائيلي




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي لسوق بحي الزيتون


.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف خلية في مخيم نور شمس بطولكرم أ




.. الدفاع الروسية تعلن استهداف 5 مقاتلات أوكرانية بصواريخ إسكند