الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل حان الوقت لمحاكمة نزار قباني؟

بسام البغدادي

2009 / 1 / 5
العلاقات الجنسية والاسرية


أن تسافر بعيداً و تختفي من عالم ما او محيط ما او بيئة ما هو ان تموت في هذا العالم بشكل بطيئ و تدريجي, هو ان يستمر العالم الذي هجرته بعيداً عنك في زجاجة بلورية صلبة لا تستطيع اختراقها أو المساس فيها لتغيير مجرياتها. فبالرغم من انك موجود وترى كل شئ فيه الا ان وجودك عقيم لا قيمة فعليه له ولا تأثير الا بقدر البذور التي زرعتها في هذا العالم قبل رحيلك و تركتها في نفوس كل من حولك.

قيمة الاشياء الحقيقية تنبع من علاقتنا بهذه الاشياء سلباً او أيجاباً, وبهذا فأنه لا قيمة حقيقية للأشياء خارج محيط أفكارنا وقدرتنا على التواصل معها. وفي اليوم الاول من أنقطاع تواصلك مع محيطك الافتراضي هذا يعطي قانون الانتخاب الطبيعي الفرصة الكاملة لشخص آخر او مجموعة أخرى التفاعل في محيطك بغيابك و ملأ الفجوة التي تركتها ورائك خالية. حسب قاعدة كيميائية ثابته فأن اي زيادة او نقصان في أي نظام تدفع هذا النظام ككل الى محاولة مقاومة هذا التغيير او اعادة موازنته بالصيغة التي تقلل مدى تأثيره على النظام الاساسي ككل. وهذا ما يؤكده لنا التأريخ وهذا ما تأكد لي بعد هجرتي.

الحب في زمن الكوليراً لغارسيا ماركيز و قصائد نزار قباني أكذوبة كبرى لأناس مخادعة عاشت وفقاً لقوانين الطبيعة و أفتت بما يخالفها. ماركيز بكل شاعريته و نزار قباني بكل بلاغته نجحوا في أملاء قوانين مخالفة لطبيعتنا البشرية التي هدفها الوحيد و الواضح هو التناسل و التكاثر بأي ثمن كان. لا قيمة مطلقة للحب, لا قيمة مطلقة للولاء او الوفاء, لا حقيقة واقعة وراء الحب الملتهب و السعادة في ولعة الحب و الانتظار الى الابد لحبيب مسافر. كلها اوهام قام بتصديقها و دفع ثمنها غالياً ملايين من الشباب الذي آمن بحقيقة ما جاء في هذه الكتب, أنها خديعة كبرى ندفع ثمنها كل يوم.

الهدف الاساسي من المشاعر و الاحاسيس التي قد تنتاب احدنا تجاه شخص آخر هو تماماً ما تنص عليه الطبيعة الام وهو ان نقوم بمحاولة أستدراج لهذا الشخص بهدف نشر للجينات من اجل أستمرار النوع لا أكثر. أنه قانون الغاب ولكن بصيغته البشرية المرة التي نرفض الايمان أو التصديق بها. لهذا قمنا بأختراع نواميس وقوانين و أديان حول هذه العملية الطبيعية و التففنا حول هذه النواميس و القوانين و الاديان في كل عصر من اجل الارتقاء بعاطفية اللحظة ورفض الخضوع للأملآت الفوقية التي لا علاقة لها بما نشعر به اساساً و الذي يتناغم مع الطبيعة الام. عدم القدرة على التواصل مع الشخص الذي في ظرف ما رغبت به يدفع شخص آخر الى محاولة التواصل معك وشخص رابع الى محاول التواصل مع الشخص الذي كنت في يوم ما على علاقة معه. ان تختار ان تعيش في وهم كبير يملأ بطون الكتب المقدسة و الروايات و مجموعات نزار قباني هو قرار شخصي يدفعك خارج ساحة الانتخاب الطبيعي و لا يتحمل تبعاته الا شخصك و جيناتك الوراثية.

من هنا أتسآئل شخصياً ان كانت هناك قيمة حقيقية للمشاعر و الاحاسيس التي نملكها تجاه شخص او شي ما؟ هل هناك غاية حقيقية وراء الحب و التعلق بحبيبة او حبيب ما؟ هل هناك هدف وراء حب الاباء و الابناء؟ هل هناك غاية من وراء حب الوطن او الارض او الدين؟ ما هو الهدف من حب الرسول او يسوع او حتى الله؟ هل هناك غاية تناسلية للحفاظ على النوع من خلال هذه الانواع من الحب و الصفات الاخرى للحب؟ نعم بالتأكيد, الحفاظ على النوع هو الغاية الوحيدة التي من اجلها زودتنا الطبيعة بكل هذه المنظومة المعقدة من المشاعر و الاحاسيس و الولائات بكل درجاتها الغير حقيقة او الغير منطقية. بكل بشاعة هذه الحقيقة أجد نفسي مضطراً للقبول بها و تصديقها كحقيقة ثابتة لا اجد لها منازع فلسفي بعد. ولو أختبرنا كل انماط المشاعر و الاحاسيس بل وحتى الافكار التي تنتابنا نجد انها تصب في خانة واحدة وهي استمرار النوع لا أكثر ومن اجل هذا الهدف تستطيع الطبيعة ان تتركنا ندفع الثمن غالياً من أيام حياتنا و أهم مشاعرنا و رغباتنا في حال محاولتنا التصديق بأوهام شاعرية و عاطفية تبتعد عن هذا الهدف الاساسي.

الشخصية الرئيسية فلورنتينو أريثا في رواية الحب في زمن الكوليرا مثال واضح على حجم الثمن الكبير الذي قد يدفعه الانسان في محاولته الغير مجدية للسير بعكس التيار الطبيعي و الذي قام شاعرنا الكبير نزار قباني بوصفه بشاعرية اكبر حين قال. (الحب مواجهة كبرى, أبحار ضد التيار). فهل حان الوقت لمحاكمة نزار قباني و غارسيا ماركيز على حجم الاذى الكبير الذي الحقوه بطبيعتنا الحيوانية بصبغها بصبغة عاطفية أسميناها رغماً عنا شاعرية ؟ نعم شخصياً أعتقد هذا.

الثمن الذي ندفعه من أعمارنا في كل يوم يمر كبير جداً فداء لخديعة كبرى اسمها الحب الخالد, خديعة كبرى اسمها الولاء للحبيب, خديعة كبرى اسمها الموت في الحب. هل هناك مهرب من هذا الحب؟ لا اعرف ولا زلت ابحث.

بسام البغدادي













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملكة جمال لبنان وعملت فرحها في مطعم!! فرح أسطورى رغم تفاصيله


.. وفاة مهندس -تقديس الأسرة الحاكمة- في كوريا الشمالية




.. صباح العربية | لم يقتصر على النساء فقط.. ما لا تعرفه عن تاري


.. حديث السوشال | بأعجوبة.. امرأة تمنع لصا من سرقة سيارتها




.. الأكاديمية والإعلامية الفلسطينية مي أبو عصب