الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدراس النيكاراجوي حول كيفية ترويض الغول الامريكي

عبد العزيز حسين الصاوي

2009 / 1 / 7
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


احد ضحايا عملية التدمير الاسرائيلي المنهجي لغزه هو الترتيب المنطقي لهذا المقال المعد قبل فتره مكونا من جزئين، بتقديم الثاني علي الاول . وفق الترتيب الاصلي يشرح الجزء الاول تفصيلا الكيفية التي عبر بها مزيج الالتزام الوطني والعقلانيه لدي قيادة "جبهة الساندينستا " ذات الخلفية الماركسيه في نيكاراجوا عن نفسه في المواجهة الناجعة للضغوط الامريكية الهائله مستثمرا الامكانيات التي تنطوي عليها الديموقراطيه. حتي خلال مرحلة الثورة المسلحه ( 1972- 1979 ) في هذا البلد الصغير الفقير الموارد علي مرمي حجر من امريكا، تجلي هذا التوجه في حرص قيادة دانيل اورتيقا للجبهة علي توسيع قاعدتها الاجتماعيه والسياسيه بالتحالف مع جهات كانت مرفوضة بالمنطق الماركسي واليساري السائد وقتها. وبعد نجاح الثورة المسلحه ، بدعم من كوبا والاتحاد السوفيتي ايضا، واجه اورتيقا المحاولات الامريكية المحمومه لاسقاطه عن طريق التخريب والحصار الاقتصادي والعسكري بأدخال اصلاحات سياسيه ذات افاق ديموقراطيه. هنا ايضا اثبت مزيج الوطنية المحكومة بمقتضيات العقل المتيقظ نجاعته فقد ابطل هذا التوجه السلاح الدعائي ضد نظام الثوره في الغرب والولايات المتحدة نفسها محدثا اختراقات لمصلحة نيكاراجوا حتي في الكونقرس، بينما اغلق جبهتها الداخلية في وجه الاختراق الامريكي بفتحها امام الجميع. اقصي ماأمكن للمحاولات الامريكيه تحقيقه هو اسقاط اورتيقا في الانتخابات الرئاسية الثانيه عام 1990 ولكن بقاءه متمسكا بالخيار الديموقراطي، بينما ظل حزبه تحت قيادته يشكل معارضة ديموقراطية بناءه موسعا قواعده، مكنه من العودة للرئاسة عام 2007 بعد دورتين.
واضح ان قيادة الساندينستا ادركت منذ وقت مبكر ان العنف ليس هو الوسيلة الوحيدة لتعديل وضع توازن القوي لمصلحتها مهما كانت بشاعة ارتكابات العدو وان من الممكن ممارسة صراع ناجح ضده بوسائل سلميه، فللعنف وقته وللسلم وقته وأيضا لمزيج مدروس بينهما. لذلك فأنها لم تتعامل مع الخيار الديمقراطي كمنتوج استعماري بورجوازي منطلقة من فهم جامد للماركسيه، بالعكس ادركت ان طبيعته المفتوحة والشفافه تجعله منفذا لاستخدامه ضد الحكومة المعينه فيصبح وسيلة لغزو العدو في عقر داره. وقد بلغ من ايجابية التمسك بهذا الخيار ان الادارة الامريكية وقتها ( رونالد ريجان 81-89 ) وجدت نفسها محاصرة من قبل المعارضة في الكونقرس بحيث اضطرت الي اللجوء لوسائل غير قانونيه لتمويل المعارضة المسلحة للساندينستا فيما عرف بفضيحة ايران – كونترا قيت. والاشارة هنا هي الي حادث التسليح الاسرائيلي- الامريكي لايران -الخميني عام 86-87 ببيع اسلحة امريكية الي ايران عن طريق اسرائيل وتحويل العائد الي المعارضة المسلحة المدعومة امريكيا.
مقارنة هذا النموذج النيكاراجوي بالادارة العربية للصراع ضد امريكا والغرب عموما فيما يتعلق بالقضايا المحلية الخاصة ببعض الاقطار وتلك التي تحظي بقدر من الاجماع فوق- القطري او القومي مثل القضيتين الفلسطينية والعراقيه، توضح الفرق الكبير بينهما. علي الاختلاف الكبير بين الانظمة والمعارضات العربيه فأن الجامع المشترك بينهما فيما يتعلق بهذا الموضوع هو عدم استثمار تركيبة النظام السياسي الامريكي والاوروبي لمصلحتها ومرد ذلك الجامع الاخر المشترك بينها وهو طبيعتها غير الديموقراطيه التي تفقدها المرونة اللازمة لذلك وتجعلها عاجزة عن فهم كيفية اشتغال الالية الديموقراطيه. اذا تركنا امر الانظمة جانبا لانها الاقل تأثيرا في تشكيل الوعي العام ومعظمها اصلا لاصراعات له مع امريكا، فأن حركات التحرير العربيه او المقاومه واهمها في فلسطين والعراق وكذلك حزب الله اللبناني، تقودها عقائديات اسلاميه وهذه، في احسن الاحوال، تعطي تطبيق ماتعتبره احكاما وتعليمات اسلاميه اولوية علي الديموقراطيه مما يشكك عميقا في حقيقة التزامها بها وفي اسوأ الاحوال تعتبرها منتوجا غربيا كافرا كما هو الحال عند البنلادنيين بخلفيتهم في الجماعات السلفيه المتصاعدة الوزن.
هذه العقائديات هي التي تحدد عمليا وفي الواقع السائد منذ فتره اسلوب المقاومه وتوقيتاتها وليس بعض القوي غير الاسلامية القومويه واليسارويه المتحالفة معها. لاسباب متعدده من اهمها الهزائم المنكرة التي تعرضت لها الانظمة والحركات السياسية الموصوفة بالعلمانية والتقدميه، انتفت الامكانية التي تنطوي عليها لتغذية العقلية العربيه بالمزيج السليم بين الانفعال الساخن والبرود الموضوعي. بذلك انفتح الطريق واسعا لسيادة الغوغائية والعنف اللفظي والفكري- السياسي وعندما زج فيه العنصر الديني نتيجة تصاعد جاذبية الحركات الاسلاميه، اصبح مجرد الحديث عن اختلال توازن القوي لمصلحة اسرائيل والولايات المتحدة الامريكيه مما يقتضي استخدام اساليب صراعية غير عنفية اذا توفرت امكانيتها مقولة انهزاميه، اما العقلانية فهي الاستسلام بعينه والواقعية وقوعيه،امعانا في تحقيرها، وكلها مجللة بشبهة العماله لامريكا وموصومة بالخيانة الوطنيه. وهي مصيدة تقع فيها الان بعض الاطراف التي نصبتها للاخرين. فقيادتا بشار الاسد وحسن نصر الله، علي سبيل المثال، لن تبقيا بمنجاة من تساؤلات الفلسطينيين حول سر هدوء جبهة الجولان وصمت صواريخ حزب الله اذا استمر الهجوم الاسرائيلي البشع، وهي تساؤلات مكتومه الان استجابة لظروف قيادات حماس،.
لامكان، إذن، عربيا حتي الان للدرس النيكاراجوي حول المعني السليم والمنتج وطنيا للصراع ضد امريكا والغرب، شريان حياة الكيان الصهبوني، وهو كونه صراع مصالح وليس اديان او حضارات وكونه يخاض ضد نظام ديموقراطي مما يفسح للاسلوب السلمي مكانا الي جانب العنف في استراتيجية ادارته. اتجاهات السياسات الامريكية تجاه القضية الفلسطينيه وغيرها بوصلتها الوحيدة هي ماتعتبره مصالحها الوطنيه اقتصاديه كانت او مواقع استراتيجيه. حتي اذا تداخلت اعتبارات دينية- ثقافية في السياسات الامريكية كما يتمثل في وزن اليمين المحافظ ضمن ادارة جورج بوش الحاليه، فأن تعرضها للنقد المستمر والجذري من الصحافه وهيئات المجتمع المدني يحد من تأثيرها ويلغيه تماما علي المدي الابعد. علي ذلك فأن المصالح الامريكية رغم انها ثوابت مشتركة في خطوطها العريضه بين الجمهوريين والديموقراطيين الا انها يمكن ان تتغير او تتعدل اذا وصل التفاعل بين الضغوط الداخلية والخارجية حدا يهدد هذه المصالح تهديدا جديا. وكلما كانت رسالة التهديد اسرع في الوصول الي الرأي العام الامريكي بأستغلال الطبيعة المنفتحة للنظام السياسي كلما كان التغيير اسرع واكبر حتي اذا اخذنا في الاعتبار نفوذ المركب العسكري- الرأسمالي، اضافة لنفوذ اللوبي الصهيوني في الحالة الفلسطينية.
الانتفاضة الفلسطينية الاولي ( 87-93 ) كانت اقدر علي ايصال الرساله من الانتفاضة الثانيه ( 2000- 2008 ) لان اسلوب الاعتصامات والاضرابات والتظاهرات الشعبيه لقي استجابة واسعة لدي الرأي العام الغربي لكونه مقبولا بالمعايير الديموقراطيه كما ان مواجهة العنف الاسرائيلي بالحجارة فقط ساهم في ذلك بأبراز طابعه الوحشي. اما انتفاضة التفجيرات الاستشهاديه بقيادة الحركة الاسلاميه التي لاتميز بين المدنيين والعسكريين فقد افقدت الفلسطينيين كافة المكاسب السياسية التي حققوها حتي ان الاتحاد الاوروبي شارك امريكا في اعتبار حركتي حماس والجهاد منظمتين ارهابيتين واستعاد اليمين الاسرائيلي الذي كان يحتضر شارعيا وسلطويا اثناء الانتفاضة الاولي، حيويته واصبح القوة الكبري في اسرائيل يقتل ويدمر ويحاصر يوميا دون رادع حقيقي مرتفعا الي ذروة جديده خلال الايام القليلة الماضيه.
ماأحوج المقاومة الفلسطينية والعراقيه واللبنانية للنظر الي التجارب الاخري وماأحوجنا نحن الذين لاتلسعنا نار الاحتلال والعنف الا من خلال شاشة التلفزيون ان نلفت النظر اليها غير مكتفين بالدعم المعنوي. بالاضافة لتجربة جبهة الساندينيستا في نيكاراجوا هناك تجربة " الاتحاد الوطني الافريقي A N C " التي تماثلها في كونها شهدت صراعات داخلية ضد تيارات العنف الاعمي قبل ان يصل بها تيار التوازن بين العنف والسلم بقيادة مانديلا الي بر الامان. وماأحوج هذه المقاومات لصم اذانها عن تأييدنا لها فهو علي حسن نيته لايفلح الا في زيادة اندفاعها علي طريق لن ننفعهم فيه لاننا، عربا ومسلمين، سنبقي عاجزين عن شكم جموح امريكا واسرائيل الا اذا تعلمنا اولا كيفية محاسبة قياداتنا السياسية الحاكمة والمعارضه بتنمية سلوكيات العقلانية والديموقراطيه. عندئذ فقط نصبح قوة ضغط هائل ومستمر لمصلحة المقاومات بدلا من سلوكنا الحالي : هيجان عاطفي مؤقت يحقق فيه بعض مثقفينا وسياسيينا امجادهم المنبرية الفضائية وغير الفضائيه بينما يعود سواد الناس الي رصيف السياسه وهوامشها في انتظار صفوف الشهداء الجدد.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - موضوع معقول بطرح متعصب
صائب خليل ( 2009 / 1 / 6 - 21:54 )
الأستاذ العزيز عبد العزيز حسين الصاوي المحترم،
بدا لي، خاصة في بداية مقالك انك تطرح بديلاً معقولاً قابلاً للنقاش للمواجهة مع القوة الغاصبة، امريكية منها او اسرائيلية، لكنه ليس سوى خيار، يمكن ان يحقق نجاحاً او فشلاً، لذا فأن تكلمة الموضوع بصب الغضب على من يرى في المقاومة الخيار الأفضل جاء مخيباً لأملي في مرونة طرحكم للقضية.
وبالمناسبة فأن نيكاراغوا لم تحقق نجاحاً ملحوظاً ليستحق كل هذا المديح وكأنه الأسلوب الوحيد، ففي رأي جومسكي ان الأمريكان اعادو لأورتيغا السلطة بعد تدمير البلاد ليمسحوا رمزه من أذهان شعبه حين يفشل في إنقاذها.
أما بالنسبة للأسلاميين فأقول لك ان سجلهم حتى الآن انظف من سجلنا في مسألة الديمقراطية، فلم يسجل التاريخ انهم انقلبلوا على ديمقراطية سلمتهم السلطة، لكن التاريخ سجل انقلابات علمانية عديدة على الديمقراطية عندما سلمت السلطة للإسلاميين.
يبقى الموضوع يستحق الكثير من النقاش، فشكرا لك

اخر الافلام

.. فاتح مايو 2024 في أفق الحروب الأهلية


.. السداسية العربية تصيغ ورقة لخريطة طريق تشمل 4 مراحل أولها عو




.. آخرهم ترامب.. كل حلفائك باعوك يا نتنياهو


.. -شريكة في الفظائع-.. السودان يتهم بريطانيا بعد ما حدث لـ-جلس




.. -اعتبارات سياسية داخلية-.. لماذا يصر نتنياهو على اجتياح رفح؟