الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صبْراً آلَ غزَّةَ.. فأُمُّ الجُبْنِ فِينَا مَا وَلَدَتْ غيْرَهُ

عبد الإله بوحمالة

2009 / 1 / 6
القضية الفلسطينية


غارة أخرى.. بعد الألف غزة وحصونك تظل عصية.. تمتشق أنامل الأطفال الرهيفة.. ترسم شارة النصر تارة وطورا ترجم قذيفة.. تومئين إلي لأنتفض من تخاذلي وأقبل إلى حضنك، أفتش فيه بين ما احترق عن بقايا وصية كان لها الدم حبرا وكان لها الثرى ورق.
سلام.. سلام.. سلام
دندنة أصبح لها في مواويلنا تخت ومقام..
يهدهدني إيقاعها المستسلم الرتيب، يدغدغ جبني المزمن فأغفو وأنام.. أرى في منامي زعيمنا العربي الهمام متصابيا بشعره المصبوغ الفاحم وعينيه المنطفئتين وظهره الأقوس، يرتع بين أحضان محضياته الشقراوات.. يزرع أعشابا طفيلية في هذه وطحالب مسمومة في تلك كيفما اتفق.. يبحث عن برهان رجولة مفتقدة كل ليلة بمستحضرات صيدلية زرقاء..
ينتبه لوجودي غير المرغوب فيه بين كأس وكأس بين نزوة ونزوة، يأمر حاجبه على مضض أن يسمح لي بالدخول والمثول.. أتقدم خطوتين إلى الأمام، فأدفع بيد ثقيلة من قفاي عنوة لأركع ولأقبل الأرض بين يديه فتلفحني ريح الخيانة منبعثة من الأرجاء، يدعوني بكرم السكارى إلى نسيانات معتقة من زمن الصعاليك وملوك الطوائف..
أقبل.. يقول لي، (ويشير إلي بكأس)، هات ما عندك بسرعة قبل أن تمد الموائد وتفرش الوسائد.
ما جئت لهذا، أقول له..
يعرف مرادي قبل أن أكمل كلامي.. يقلب بطنه المتهدلة متأففا على ذات اليمين فيفسو بصوت مسموع، يحمدل الحجاب نيابة عنه ويتمنى الحاضرون لبطنه الكريمة دوام العافية.. ودوام الفسو.
يرد موجها كلامه المندلق إلي: "وما ملكت أيمانكم"،
أعرف أنه لا يقصد الحجر ولا الانتفاضة ولا المقاومة لأنه لا ينظر إلى أبعد أنفه ولا يهتم بأبعد من فخذيه فأوضح: نحن نصرخ طلبا لنجدة سيادتكم..
يصحيه الإحساس بالخزي فتنتفخ أوداجه.. يخونه صوته المبحوح، لكن تسعفه أشداق المخبرين حوله، يضرب كفا بكف يقول: وأنا احتملت صراخكم بحِلم كبير.. أي والله بحلم كبير.
أتساءل: وعمن نعول إذن.. إن لم تكن أنت يا زعيمنا الملهم المفدى؟
على أنفسكم.. على أنفسكم.. افهموووها، (يشدد على المد بالواو طويلا)،.. على أنفسكم.. (ثم يستدرك)، أو على أمريكا إن شئتم.. أو على الشيطان حتى..
يتراخى إلى الخلف فيخذله وعي الطغاة أمام فورة شبق كميائي لمفعول الحبة إياها.. يغمغم بكلام غير مفهوم: الحرف حرفي، وحرف واحد لا يكفي فكيف أصرف عن سهادي سيل الأرق؟.. وفي أول حركة بيده للحاجب للتملص مني، تنكشف عورته أمامي كاملة.. يسارع إلى تغطيتها بيده وبابتسامة صفراء تشبه الفضيحة ثم يتلاشى مندحرا خلف هزائم نفسية متتالية روج لها طويلا..
لا حرج عليه.. زعيمنا المتصابي هذا كان من أهل الفترة، وكان يعشق من النسوة والخمور الكثرة.. ويقال أنه لم يمكث في هذا منصبه إلا لأنه أضعف الضعفاء وأجبن الجبناء ممن سبقوه.. ثم إن هذا مجرد حلم غريب راودني بفعل ما رأيته هذه الليلة في التلفزيون ولابد أن أصحو منه بعد قليل على واقع أكثر شرفا.
يتقدم وجه أبي من خلف طيف الزعيم المختبي.. يقول دون أن يوجه الكلام إلى أحد: الكُحْلُ يعمي أحيانا يا بني! وأحيانا قد تنخدع رؤياك بكذبة صغيرة معمية؛
أبتئس لمثل هذا الموقف من أبي..
رباه! متى أصبح للغة في أحلامنا طعم التيفوئيد؟ ولِمَ يسيل من أحداق المعنى كل هذا الصديد؟.
يتكور وجه أبي كالمعتذر العاجز، يقول: أما أنا فدوري كان حماية عمود الشعر على أبواب الإمارة ولم يستهدفوه بالتحديد.. وبنادقنا منذ البدء بها زحافات وعلل، ورصاصنا مع الزمن أصابه الكلل.
أقول له، عهدي بكم تغضبون للعرض، وعهدي بكم تصونون الأرض، أليس هذا ما تقوله أسفاركم ودساتيركم أليس هذا ما تقوله قوافيكم وأغانيكم الحماسية؟
يأتيني صوت أبي لكن هذه المرة مترعا بالنحيب.. يا بني، هذا قلناه في زمن كان فيه السيف أصدق أنباء من الكتب، قبل أن تنشق الذرة وقبل أن تغدوَ عين الغول محمرة.
اليوم غزة هناك تنتظر وحيدة.. تعصر حليب ثدييها.. تنظف به أعين صبية صغار.. لا رمد بعد اليوم لا غبار.. عدوكم يحملق فيكم بألف عين، وعلى كل عين يمارس الخطيئة منظار.. مصمم للرؤية الليلية من أجل لصوص حربهم حرب غدر وقذارة.
ثم أعود من جديد إلى غفوتي على إيقاع أناشيد الاستسلام..
أرى هذه المرة وجهي كأنه وجه أبي.. وأرى وجه أبي كأنه وجه جدي.. يقولون، في الجذور دوما ينبض عرق التحدي.. لكن الوصية لم تكن سيفا، ولا مصحفا ولا بردة ثمينة.. الوصية كانت رحى نحتت صفحتاها من صخرة القبة ورسما بملكية الأرض استحم منذ قرون غابرة بحبره ملك التتار.
تشتد الغارة نارا ونارا ونارا على صدر غزة، ويظل نحرها مشرعا في وجه القذائف.. يخر شهيدها صريعا مرة.. ومرتين.. وأكثر، لكنه لا يتخلى عن حربه ولا عن ثأر صبي بريء قضى بقربه، في الساحة.. يكون آخر كلامه شهادة.. وفي الساحة يكون تشهده قرص على زناد بندقية.. وبين القصف والتوغل والحصار يتماثل القَسَمُ الطفولي بين أبناء فلسطين دوما للرجولة.. يتشح بالسواد، والوعيد، والعناد..
أما وقد أريق الدم ففي العروق دوما يشب إصرار.
تلملم غزة أشلاء عروبتها هذا الصباح.. وككل صباح..
أشجارها بَلَّتْ من رجفة الغضب، ونارها لا تحتاج إلى حطب، وعز المدائن غزة عزلاء تعقد ألوية الصبر والإعصار، وكلما بزغ الفجر في جدائلها البدوية، جبن عدوها وتقهقر، تعرى الخوف في عينيه فارتعد وأطلق رصاصا أكثر.. جعل لكل عصفور من عصافيرها في السماء ثأرا وقسما أن تفقأ عيون الخرتيت تحت دروع الميركافا.
ثم ينتهي الحلم على أزيز غارة وغارة أخرى أشد، منقولة مباشرة على الهواء، أصحو كالعادة دون أن أجد أثرا للزعيم المتصابي ولا أبي ولا جدي ودون أن أجد الوصية..
فقط هناك دماء الأطفال تسيل على الحيطان ونعوش صغيرة توارى بسرعة، وامرأة عجوز تتوجه إلى الكاميرا مباشرة وتدين الشعوب العربية والحكام العرب.
وصوت متبقي في ذاكرتي من أغنية حزينة تقول:
أبنائي في السماء طيور.. أبنائي في الأرض طيور.. إن كل طير طار في سِرْبه.. أو كل سرب سار في دَرْبه.. فحتما سيحلقون صوب القضية.. ولا يجرفون أبداً أبداً مَضَارِبَ الأشجار..
فصبرا آل غزة ولا تعولوا علينا فأم الجبن فينا ما ولدت غيره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل كان حزب الله يخطط لتكرار -السابع من أكتوبر- على الحدود ال


.. اللبنانيون يهرعون إلى المستشفيات للتبرع بالدم بعد القصف الإس




.. عاجل| حزب الله: ننعى القائد الجهادي الكبير إبراهيم عقيل


.. حرائق في الجولان المحتل بعد إطلاق صواريخ من لبنان




.. تحقيقات جارية فى 4 دول والكل يتبرأ من تورطه في -هجوم البيجر-