الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق حدود-الوجود- الأمريكي والاستراتيجية البديلة -1

سلامة كيلة

2004 / 3 / 15
ملف - اذار/ نيسان 2004 - مرور عام على الغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري


كانت مشكلة العراق في طبيعة السلطة الاستبدادية التي حكمت بالعنف الدموي طيلة عقود، وافضت إلى "نزع السياسة" من المجتمع واقتلاع الأحزاب السياسية و بالتالي التنوع الضروري لضمان حيوية المجتمع. إضافة إلى الحروب التي دخلها العراق دون استراتيجية واضحة أو تقدير استراتيجي دقيق، الأمر الذي جعلها تخدم الاستراتيجية الأمريكية بالتحديد.
لكن هذا الوضع لم يكن السبب الذي أفضى إلى الحرب الأمريكية سنة 1991، ومن ثم الحصار الطويل، وبالتالي إلى الغزو الأمريكي للعراق واحتلاله، أن السبب الجوهري للغزو الأمريكي لم يكن رفض الاستبداد، ولاخطر استخدام أسلحة الدمار الشامل، رغم أن كل ذلك قد أستخدم في جوقة إعلامية هائلة تبريراً للحرب، اربك مواقف أحزاب وجعلها تقلل من أهداف الغزو الأمريكي. وإذا كان إرهاب السلطة ودمويتها، وبالتالي الشعور بالعجز عن إزاحتها، يسمح بأن تعلق الآمال على " قوة خارجية"، وأيضاً إذا كان الغزو الأمريكي قد أفضى إلى إزالة تلك السلطة، فإن العراق ألان تحت الاحتلال، بمعنى أنه إذا كانت إزالة السلطة قد أزاحت كابوس الاستبداد، وبالتالي " حققت هدف" الحركة السياسية، فان إزالتها عبر الغزو قد أسست لنشوء الاحتلال، أي لم تؤسس لبديل أفضل. وإذا لم يكن أسوأ فهو يتناقض و مصالح الشعب العراقي، ليس من الزاوية الوطنية فقط، فهذه" غطاء" لجملة مسائل حياتية، هي التي تشير إلى هذا التناقض وتؤسس لتفاقم الصراع ضد الاحتلال الأمبريالي الأمريكي .
يكمن سبب الغزو في المصالح الأمريكية ذاتها، التي وحدها تحرك الدولة الأمريكية للسيطرة والغزو والاحتلال، وتسمح ب" التبرع" بآلاف القتلى من الجنود الأمريكيين، و بإهداء مليارات الدولارات. هذه المصالح هي التي لا تسمح بتحقيق بديل أفضل، كما أنها أساس الحاجة للسيطرة والاحتلال، ويجب أن نؤكد(ونكرر التأكيد) على هذه المسألة لأنها أساس بلورة رؤية متكاملة من الضروري أن تجري صياغتها في مواجهة الوضع الجديد.
وحين نتحــدث عـــن المصالـــح، نشيـــر إلى المصالـح الخاصـة بالشركـة الاحتكاريـة الامبرياليــة ( وخصوصاً النفطية)، كما إلى المصالح الخاصة بالدولة الأمريكية (أي مصالح في المستوى الاقتصادي، ومصالح في المستوى السياسي الاستراتيجي الذي يصب في خدمة الاقتصاد). هذه المصالح التي تتمثل اولاً في النفط، نتيجة الحاجة الأمريكية المتصاعدة له، ولكن أيضاً من أجل الاستثمار المالي في إنتاجه وتسويقه،وكذلك التحكم فيه من أجل الضغط على المنافسين الآخرين الذي هم أكثر حاجة له (أوروبا،اليابان، والصين)، في لعبة التنافس الدولي، لكي تكرس أميركا القوة الاقتصادية السياسية المهيمنة"بشكل مطلق".
وثانياً: الأسواق، من أجل تصدير السلع (حيث كان استيراد العراق الأساسي من أوروبا) في إطار التنافس العالمي على الأسواق ومن أجل حل أزمة اختلال الميزان التجاري الأميركي لغير صالحها. وكذلك تصدير الرأسمال من أجل الاستثمار( وهو ما يسمى ألان إعادة الأعمار).
وثالثاً:- الموقع الاستراتيجي، كمركز حماية لنفط الخليج ورأس جسر للسيطرة على إيران وسوريا وكل "الشرق الأوسط" (الذي بات يسمى الشرق الأوسط الكبير)، وعبر ذلك التحكم بالعالم. أي التحكم برسم " النظام العالمي الجديد" على أساس المصالح الأميركية ومن أجلها فقط (مع هوامش للرأسماليات الأخرى وللآخرين).
وهي مصالح كانت في جذر نشؤ الرأسمالية، ورافقتها طيلة مسار تطورها، وهي الآن مترافقة مع أزمة "أفول" أميركا، التي تتمثل في اهتزاز موقعها الاقتصادي العالمي بفعل مقدرة الرأسماليات الأخرى على المنافسة واختلال تطور نظامها النقدي (الدولار). وتفاقم نزعة الاستهلاك لديها على حساب الإنتاج ومن ثم تضخم "الرأسمال المنفلت" نتيجة انسداد آفاق الاستثمار في القوى المنتجة في أميركا /أوروبا. وتحوله إلى رأسمال مضارب يفضي إلى انهيار مستمر لاسواق الأسهم يهدد الاقتصاد الرأسمالي بمجمله.
لهذا فان معركة أميركا في العراق ليست من أجل مسائل "بسيطه" مثل "إزالة الطغاة" و" نشر الديمقراطية"، فهي بداية معركة من أجل السيطرة على" الشرق الأوسط الأعظم" الممتد من المغرب العربي إلى وسط آسيا، وهي بالأساس معركة للسيطرة على العالم من أجل فرض واقع يكون في صالح الرأسماليةالأميركية (والشركات الأميركية) في التنافس مع الرأسماليات الأخرى، لتحقيق مصلحة الرأسمال الأميركي الذي يسعى لان يصبح " كل الرأسمالية" أو الرأسمالية"الاوحد"عبر تحويل الرأسماليات الأخرى إلى رأسماليات"من الباطن"، أي يتحدد نشاطها عبر الشركات الأميركية، "وتستثمر" في الحدود التي تقررها تلك الشركات (أي في النشاط الفرعي).
إذن العملية هنا مزدوجة، حيث أن السيطرة على العراق (وعلى الشرق الأوسط الأعظم)تعني السيطرة على الاستثمارات والأسواق، وبالتالي تعظيم أرباح الشركات الاحتكارية الأميركية، وتجاوزها لازمة الركود التي تطبع الاقتصاد الأمريكي،وانتشالها من إفلاسها الذي توضح بشكل جلي منذ نهاية تسعينات القرن العشرين، ومن جهة أخرى تعزيز المقدرة التنافسية مع الرأسماليات الأخرى من أجل "ابتلاعها" كما تعزيز المقدرة التنافسية للدولار مع اليورو.
الأمر الذي يؤشر إلى الميول الاستعمارية ذاتها، ويوضح الطابع الامبريالي بشكل جلي، الذي أنفلت بعد انهيار المنظومة الاشتراكية،وعاد ليمارس كل نزعاته القديمة لكن عبر أحدث تكنولوجيا الأسلحة والسيطرة.
وبالتالي فان المسألة لا تتعلق بميول " إنسانية" لدى الرأسمالية الأميركية، أو بمصالح يمكن التقاطع معها،بل هي مسألة سيطرة ونهب وتدمير وتفتيت، هي في جوهر الطابع الامبريالي للرأسمالية. فالقيم كانت تخضع دائها للمصالح، الأمر الذي يفرض علينا كشف المصالح وإلا تراكمت أوهام تكون نتيجتها الاسهام في التدمير. وبالتالي فإذا كان نظام صدام حسين استبدادي دموي، فان العراق اليوم محتل وينهب بأشد أشكال النهب(أي يسرق)،وهو يعيش حالة مريعة من الفوضى والتخريب والتدمير والقتل تمارسها قوات الاحتلال اولاً،ومن ثم لايسير في اتجاه الحرية والديمقراطية، على العكس يسير باتجاه العودة إلى الأصولية، و التبلورات الطائفية والفوضى، وبالتالي احتمالات التفكك والدمار.
و الدولة الأميركية تسعى لأن تصيغه وفق مصالحها، حيث ضرورة السيطرة على النفط والاستثمار والسوق، وهو ما تبلور فيما أسمي قانون بريمر المتعلق بالاستثمار وحصر " مشاريع الاعمار" بسلطة الاحتلال، وبالقرارات الأميركية بحصر مشاريع "إعادة الأعمار" في الشركات الأميركية (مع سماح بإعطاء حصص من الباطن، أي عبر الشركات الأميركية)، وكذلك بحزمة من "القرارات" الاقتصادية التي صدرت، والتي تؤكد احتكار الشركات الأميركية للنشاط الاقتصادي. والإدارة الأميركية لا تخفي هذا الاحتكار بل تعتبر أنه من حقها مادام دم جنودها هو الذي "حرر" العراق، ومادامت أموال دافعي الضرائب الأميركيين هي التي تصرف!! هناك.هذا الوضع يفرض صيغة للنظام السياسي يكرس هذا الاحتكار، ولاشك في أن الوجود العسكري ضروري من أجل ذلك، الأمر الذي يشير إلى " تواجد طويل" للقوات الأميركية وبالتالي احتلال طويل في ظل سلطة لن تكون سوى دمية أميركية، لأنها يجب أن تقر بالحقائق التي فرضها الوجود الأميركي، وتدافع عنها وتشرعنها. الأمر الذي يفرض أن تكون "ممثله" الاحتكارات الأمريكية والمدافعة عن مصالح هذه الاحتكارات، وبالتالي المكرسة "شرعاً" للوجود العسكري الأميركي، و المنفذة للسياسات الأميركية من ثم، لكي تستحق أن تسمى دمية.
إن المشكلة مع الوجود الأميركي نابعة من سياسات النهب التي يمارسها، والسيطرة السياسية التي يفرضها عبر الوجود العسكري.الأمر الذي يقود إلى مشكلات مجتمعية عميقة يمكن تحديدها في التالي:
1) الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والامني.
2) الفوضى الاقتصادية نتيجة السياسات الاقتصادية المفروضة بالقوة المسلحة.
3) وبالتالي الفقر والبطالة نتيجة تدمير الدولة وانهاء دورها المجتمعي، كما نتيجة الانفتاح الاقتصادي وسياسات النهب الامبريالي.
4) اشتداد القمع والتنكيل والاستبداد بحجة مواجهة "الإرهاب".
5) اللعب على تناقضات الماضي الطائفية والدينية والاثنية وتعزيز الأصولية والتعصب واعطاء الاحتلال الأميركي الدور الأساسي للوجاهات والزعامات الطائفية والقبلية بديل المتجمع المدني وهو الأمر الذي يعزز ذلك،ويؤسس له.
إذن الفوضى سوف تدمر مصالح الطبقات الاجتماعية، ودمار البنية التحتية(الكهرباء، الاتصالات، الطرق) سوف يعقد من طبيعة الحياة ويدمر الاقتصاد، وكل ذلك سوف يقلل من فرص العمل، و يوسع الفقر، كما أن فرض "اقتصاد السوق" سوف يوجد اختلالا مريعاً في مستوى المعيشة نتيجة تدني الأجور. الأمر الذي يدفع الطبقات الفقيرة إلى النضال من أجل العمل ولقمة العيش والاستقرار، وهذه صيرورة موضوعية، وإن كانت خافتة الآن، فسوف تكون أساساً لنضال شعبي واسع. إن أرضية المقاومة وجدت مذ وجد الاحتلال،ومذ دمر "الاستقرار" الاقتصادي النسبي، وأسس لعملية نهب واسعة لن تبقي للشعب ما يسمح له بالعيش.
وبالتالي فان الرأسمالية الأميركية والدولة الأميركية هي الخطر الرئيسي الآن، وهي التي تؤسس لنشؤ مقاومة فاعلة ضدها، لأنها تفرض" على الأرض"من الوقائع والممارسات ما يدفع إلى الصراع ضدها، ولن يفيد البحث عن أعداء وهميين سواء في " إشباح الماضي"، أو في الأصولية، أوفي "العرب"، حيث أن أشباح الماضي لا يمكن تجاوزها إلا بتطوير مقاومة شعبية حقيقية يلعب اليسار، وتلعب القوى العلمانية الديمقراطية الدور المركزي فيها، وهذا هو أيضاً طريق تجاوز الأصولية (السنية أو الشيعية) التي لا تفعل سوى تقسيم المقاومة الشعبية، والتوهان في صراعات مدمرة انطلاقا من "برنامج" ماضوي ضد التطور والحداثة وضد المرأة، ولا يفعل اقتصاديا سوى التكيف مع الرأسمالية المسيطرة لانه يرفض جوهر التحديث القائم على أساس بناء القوى المنتجة (الصناعة)،كما أنه يعمم الاستبداد(الاستبداد السياسي والشخصي)، ويفكك المجتمع إنطلاقاً من التميز الديني والطائفي.
إن غياب اليسار أو تكيفه مع " سلطة الاحتلال" سوف يعزّز من قوة الأصولية التي تبدو وكأنها وحدها تقاوم الاحتلال، رغم " المجازر" التي ترتكبها، لهذا فإن اليسار هو الذي يجب أن يضع في أولوياته تطوير المقاومة الشعبية (السلمية والمسلحة)،و صياغة البرنامج الوطني الديمقراطي، برنامج الاستقلال والتحرر، و تأسس العراق الديمقراطي، والساعي نحو التطور. فهو لا يرفض الاحتلال مجرداً، بل يرفض النمط الاقتصادي الليبرالي الوحشي الذي تفرضه قوات الاحتلال الأميركي، ويرفض نهب النفط والاقتصاد، والفوضى وتسعير النزعات الطائفية والعنصرية، والقتل العشوائي، ويرفض أن تفرض القوة الماحقة الأميركية خياراتها على الشعب، كما يرفض التدمير الذي يعيشه العراق، ويحمل حلماً إنسانياً للتطور وتحسين ظروف الشعب، و بناء الاقتصاد المنتج.وإذا كان لم يدافع عن النظام السابق نتيجة تناقضه العميق معه، فيجب أن يدافع عن الشعب الآن، الذي تفرض عليه كل الخيارات المدمرة، في الاقتصاد كما في السياسة وفي المجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غموض يلف أسباب تحطم مروحية الرئيس الإيراني؟ • فرانس 24


.. التغير المناخي في الشرق الأوسط: إلى أي مدى مرتبط باستثمارات




.. كيف يسمح لمروحية الرئيس الإيراني بالإقلاع ضمن ظروف مناخية صع


.. تحقيق لـCNN يكشف هوية أشخاص هاجموا مخيما داعما للفلسطينيين ف




.. ردود الفعل تتوالى.. تعازى إقليمية ودولية على وفاة الرئيس الإ