الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شتاء غزة الحار ثمن لفصول سابقة.

عمرو البقلي

2009 / 1 / 6
الارهاب, الحرب والسلام


ربما تتشابه أحداث غزة اليوم كثيرا مع أحداث الإجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982، حيث كانت الصواريخ الفلسطينية تنهمر علي شمال اسرائيل بواسطة منظمة التحرير الفلسطينية أنذاك، و كان الرد الإسرائيلي قد بدأ بنفس الصورة غارات اسرائيلية محكمة علي بيروت الغربية و الجنوب تهدف إلي تدمير البنية التحتية لمنظمة التحرير تلتها عملة غزو بري وصلت إلي بيروت و حاصرتها، حتي إنتهت بخروج مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت علي متن بواخر حملت قادتها إلي تونس.

الفارق الوحيد بين صيف بيروت الساخن و شتاء غزة البارد الشرعية الشعبية الفلسطينية التي منحت لكل طرف سياسي جابة إسرائيل في تلك المعارك، فمنظمة التحرير لم تكن تملك إلا شرعية إعلامية و إقليمية من قبل جبهه الصمود و التصدي و أجهزتها الإعلامية أنذاك، بالأضافة إلي تأييد قطاع كبير من الفصائل الفلسطينية المنطوية تحت لواء منظمة التحرير، لكنها لم تحصل مطلقا علي تأييد شعبي رسمي ناتج عن عملية إنتخابية ديموقراطية إلا بعد توقيع إتفاق أوسلو الذي أنشأت علي إثرة سلطة فلسطينية منخبة علي أنقاض منظمة التحرير و الغريب في الأمر أنة بعد الحصول علي تلك الشرعية الشعبية بدأت القيادة الفلسطينية في التغاضي تدريجيا عن مواجهه إسرائيل عسكريا و اللجوء إلي مسار المفاوضات مع إستخدام العمل العسكري النوعي كورقة تفاوضية، حتي أنتهي مسار العمل العسكري بوفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات و إنتخاب محمود عباس علي رأس السلطة الفلسطينية.

رغم إستمرار حماس في إنتهاج المسار العسكري إلا أنها لم تحقق نتائج يمكن أن تضاف إلي مكتسبات القضية الفلسطينية، بل في بعض الأحيان أدت العمليات العسكرية الحمساوية إلي تدمير المكتسبات الفلسطينية و إيقاف مسار التفاوض، بل أحيانا وصلت بعض التحليلات إلي تحالفات سرية بين اليمين الإسرائيلي و حماس كان أكثرها إثارة للجدل ما عرف بإتفاق (حماس - نتنياهو) عام 1993 لإسقاط أوسلو، خاصة مع تلك المعلومات المتواترة عن دور مخابراتي اسرائيلي في تأسيس حماس تحدث عنة رئيس سابق لجهاز الموساد في إحدي مذكراتة الشخصية التي نشرت في اسرائيل.

في كل الأحداث السابقة لم تكن حماس تملك بعد شرعية سياسية ناشئة عن عملية إنتخابية، حيث كانت حماس تقاطع العمل السياسي مكتفية بالمسار العسكري، لكن مع التحولات الإقليمية التي تبعت أحدث الحادي عشر من سبتمبر، و التدخل الأمريكي في العراق و أفغنستان و إنسحاب القوات السورية من لبنان و الإنسحاب الأحادي الجانب من غزة، قررت حماس نتيجة توازنات إقليمية دخول العملية السياسية و المشاركة في الإنتخابات التشريعية لتحصل علي ما يقارب 60% من مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، و هنا بدأت مرحلة سياسية جديدة حيث إكتسبت القضية بعدا جديدا، فها هي حركة إسلامية متشددة تعتمد المسار العسكري طريقا للتعامل مع الصراع تحصل علي تأييد شعبي من أول مشاركة إنتخابية لها و ترتبط إرتباطا وثيقا بنظامين سياسيين تعتبرهما اسرائيل أحد ممولي الإرهاب، و أحدهما تعتبرة الولايات المتحدة جزءا من محور الشر العالمي.

بفوز حماس بتلك الإنتخابات التشريعية باتت تملك شرعية اساسية يمكن أن تستند عليها لمواجهه إسرائيل و في الوقت ذاتة أصبحت اسرائيل تمتلك زرائع عدة لتوجيه أي ضربات نحو الفلسطينين دون التفرقة فعليا بين عسكري و مدني و علي رأس زرائعها المنطق "الحمساوي" الذي يفسر إستهداف المدنيين الإسرائيلين بإعتبارهم مسؤولين عن ما يرتكبة نظامهم السياسي المنتخب.

و لا يمكن في خضم تلك المعارك و هذا العدد من القتلي و المصابين الذين يسقطون يوميا نتيجة الرد الإسرائيلي علي صوارخ حماس إلا أن تعترف حماس بما جناه الشعب الفلسطيني نتيجة أجندتها السياسية التي لم تشكل يوما تهديدا حقيقيا لأمن اسرائيل بل شكلت تهديدا مضاعفا لأمن الشعب الفلسطيني، بل لا يمكن المبالغة إذا إعترفنا بأن الشعب الفلسطيني مسؤول مسؤلية مباشرة عن نتائج إنتخابة لحماس و عن إعتمادة لبرنامجها السياسي رغم كل التحذيرات الدولية التي سبقت الإنتخابات التشريعية الفلسطينية من خطورة إنتخاب حماس علي مصالح الشعب الفلسطيني و مسار عملية التسوية السلمية، بل و التلويح بقطع جزء رئيسي من الإعانات الأوربية و الأميركية، و جاء إنقلاب حماس في غزة ليكمل البقية الباقية و يفرض حصارا محكما علي قطاع غزة تفاقم معه الوضع الإنساني العام داخل غزة، دون تدخل حقيقي من حلفاء حماس سواء في طهران أو دمشق لمحاولة فك الحصار المفروض علي غزة بالأساليب السياسية، بل مضت سوريا مستغلة الوضع في غزة و جنوب لبنان كورقة ضغط علي مستوي المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل للدخول في عملية تسوية سلمية، و إستخدمت طهران الوضع كمحاولة لإبتزاز الولايات المتحدة و الإتحاد الأوربي في برنامجها النووي و إحكام السيطرة علي جنوب العراق، و في الوقت ذاتة تركوا أهل غزة يواجهون مصيرهم المجهول الذي شاركوا في صناعتة بأيديهم.

جزء أخر من الواقع يحمل النظام المصري جزء كبير من مسؤولية ما يحدث في غزة اليوم، نتيجة لخطأ إستراتيجي قام به النظام المصري بدعمة لصعود حماس للسلطة في الأراضي الفلسطينية كجزء في مسلسل الصعود السياسي للحركات الإسلامية الذي إقتصر علي مصر و أراضي السلطة الفلسطينية التي يملك فيها النظام المصري نفوذا فرضتة الجغرافيا السياسية ليقف أمام الضغط الأمريكي من أجل الإصلاح الديموقراطي تارة مشهرا فزاعة الإسلاميين، و تارة أخري كمحاولة لتأديب حركة فتح ردا علي محاولات التقارب مع الأردن، و لم تكن مصادفة أن تصعد حركة الإخوان المسلمين في مصر و تحصل علي 88 مقعدا في البرلمان المصري و أن تحصل حماس علي أغلبية مقاعد المجلس التشريعي و تحقق أغلب ربحها في قطاع غزة بينما تتراجع نسب التمثيل السياسي لكل تيارات الإسلام السياسي علي مستوي كل الدول الأسلامية بلا إستثناء واحد.

وقع النظام المصري في الشرك الإسرائيلي مرتين، الأولي عندما قبل بإنسحاب إسرائيلي أحادي الجانب من غزة و الثانية عندما إستخف بنتائج الإنسحاب الأحادي ووقع إتفاقية حدودية لا تسمح لة إلا بوضع 750 عسكريا بسلاح خفيف علي حدود غزة، ووقع في الشرك السوري الإيراني ثلاث مرات، مرة عندما سمحوا لة بدعم حماس لتصل إلي السلطة لتكون سلطة سياسية شرعية علي حدودة الشرقية و المكبل فيها فعليا بسبب الإتفاقات مع الجانب الإسرائيلي، و مرة ثانية عندما إجتاحت حماس الحدود المصرية بكل ما يحملة الإجتياح من إحتمالات أمنية و مخابراتية، و مرة ثالثة بعد بدأ العملية الإسرائيلية علي غزة عندما إستغل السوريون و الإيرانيون حلفائهم لتشوية النظام و ضربة سياسيا و إعلاميا.

في النهاية حماس اليوم ليست حماس الأمس و لا يحق لحماس و هي تمضي في مسار إيران و سوريا أن تطلب الدعم من مصر لأن المساران متعارضان فإن أرادت حماس أن تطلب الدعم المصري عليها أن تبقي في المسار المصري و تقبل بالحوار مع فتح و هدنة طويلة مع الجانب الإسرائيلي، أما النظام المصري فأتمني أن يعيد النظر في نتائج سياساتة السابقة و التي أدت إلي فشل في التعامل مع القضية الفلسطينية و فشل ذريع في التعامل مع الواقع الإقليمي، أما الفلسطينين فليس أمامهم سوي الإعتراف بالخطأ الذي إرتكبوة بإختيارهم لحماس و أن يكونوا علي مستوي المسؤولية لمعالجة هذا الخطأ، مثلما تحمل الألمان خطأ إختيارهم لهتلر كاملا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المؤتمر الرابع للتيار الديمقراطي العراقي-نجاحات وتهاني-3


.. ماذا جاء في تصريحات ماكرون وجينبينغ بعد لقاءهما في باريس؟




.. كيف سيغير الذكاء الاصطناعي طرق خوض الحروب وكيف تستفيد الجيوش


.. مفاجأة.. الحرب العالمية الثالثة بدأت من دون أن ندري | #خط_وا




.. بعد موافقة حماس على اتفاق وقف إطلاق النار.. كيف سيكون الرد ا