الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حينما تبتسم الملائكة - 1

حنين عمر

2009 / 1 / 6
الادب والفن


رواية حينما تبتسم الملائكة
من مذكرات طبيبة عراقية
لـ: حنين عمر
عن دار الكتاب العربي 2003


الحلقة الأولى :

15/ 3/2003

حينما بدأت الحرب ذات خميس، كنت قد وصلت الى هناك دون أن أعي تماما معنى الوصول بوقت كاف قبل الحرب لتحضير الشاي والكعك لها وانتظار رنة جرس الباب منها بهدوء غير معهود.



كل ما اتذكره الآن هو أنني حزمت حقائبي مثل مجنونة تتعقبها اطياف هلوستها وامسكت بيد الحنين الذي جرني الى بغداد مثلما يجر الحبيب حبيبته الى مغامرة حميمة.



وحتى لا اكون كاذبة تماما وادعي انني لم اكن اعرف مسبقا انني اواجه مصيرا مجهولا بابتسامة عاشقة، فإنه لابد لي أن أعترف بأن وقت الرجوع العصيب الذي اخترته كان عن سابق معرفة بعواقب الذهاب الى مكتب حجز وطلب تذكرة جوية الى عراق يستعد لمواجهة العاصفة ، وعن علم كامل بأن ما أفعله هو نوع من ممارسة طقوس الشكر بتقديم رسالة حب مكتوبة بدمي على مذبح الوطن.



مع ذلك ايضا لابد ان اقدم اعترافا ثانيا قد يبدو غير عقلاني تماما وان اقول اني كنت سعيدة.



أجل هذه هي الجملة المناسبة كنت سعيدة جدا، سعيدة بالعودة الى بيتنا لاكتشاف حجم اغترابي الذي كان كبيرا بقدر كاف لتغطية سمائنا الحزينة، وعميقا بقدر كاف لجعلي لا التفت ورائي وانا اغادر شقتي اللندنية تاركة رسالة وداع صغيرة مع استقالني من عملي لصديقتي الايرانية التي اتقاسم السكن معها ومجموعة كتب طبية ثقيلة الوزن كحزني و قدرا من المال لتغطية نفقات الشهر.



لم اكن سعيدة يوما في لندن، ولم تكن لندن سعيدة بتواجدي ايضا، انا العراقية ذات الملامح الشرقية والشعر الأسود، كنت أسير في شوارعها ابحث عن ضالة ما طوال سنوات الدراسة الطويلة التي قضيتها فيها لأكتشف في كل كرة انني ضائعة مثل سنجاب صغير في الهايد بارك.

وحينما تخرجت وقررت العودة، هيء لي ان الوقت قد فات وانني اصبحت جزء من رماد السجائر الانجليزية فلا حاجة للبحث عن رائحة الهيل في ثيابي ولا حاجة للبحث عن عرائش الياسمين في اهدابي.



الغربة تجعلنا قطعة منها، دون ان تخفي اثار اللحام، تحولنا الى اعتياديين وتدخلنا في رتابة انظمتها لتجعل من وحدتنا اكثر وحدة ومن وحشتنا اكثر وحشة ومن موتنا اقل اثارة.



لا بأس هنا من اعتراف ثالث ايضا : لم املك الشجاعة الكافية لأعود من حيث اتيت، فبقيت ببساطة.

ولأكن اكثر صراحة في هذا ما دمت قد قررت ان اكتب في مذكراتي كل شيء بصراحة :

بقيت لانني لم اختر ان اجيء وجئت لانني ضيعت شيئا ما في بغداد ذات يوم...

شيء ذهب الى المانيا ولم يعد.

هل ما زلت اذكره ؟

لا، مؤكد لم اعد.



16/3/2003



لا اعرف من اين جاءت شجاعتي الهرقلية لأدق ثانية باب وطني واطلب من اللجوء الرومانسي في اسوء لحظة ممكنة.

قالت خالتي هدية وهي تستقبلني باكية انني مجنونة، ولم يكن هذا افتراءا عليا لانه كان فعلا كذلك، ولا غرابة ابدا لأن كل قصص الحب والجنون تبدأ في بغداد وأنا مصابة بالاثنين على ما يبدو.

ان لهذه الارض التي انتمي اليها قوة عجيبة في امتصاص الارواح وفي عزف موسيقى سحرية تتسلل في عروقنا وتجتث منها مصلا للحلم.

كان بيتنا ما يزال كما هو، بكل تفاصيله، كأنني تركته من بضعة ايام، وكان اخي ليث الوحيد الذي جعلني اشعر ان اشياء قد تغيرت وانا اشاهده يحمل طفلته الرضيعة شهد بينما تعلق ابنه ذو الاربعة اعوام بساقه في محاولة للتلصص على عمة جديدة لا يعرفها.

عمة انتحارية، دخلت عليهم فجأة من حيث لا يدرون ليمتليء البيت بالبكاء والاحضان والعتاب والفرح.

لم اخبر احدا انني سوف ادق باب بيتنا، شعرت انه لا حاجة لي بذلك لانه في النهاية بيتنا ومن الطبيعي ان ادق بابه بلا مواعيد.

كل ما كان يلزمني كان سيارة اجرة اقلني سائقها بلا ثرثرة واخذ مني ثلاثين دولارا مقابل الرحلة وصمته.

وكل ما كان يلزمني هوان يتكرم قليلا ويقوبم انزال الحقيبتين الضخمتين اللتين حوتا كل ممتلكاتي وانا ادق باب البيت مرتين.

ركضت اختي رنا لتفتح لي بينما كانت امي وخالتي قد جلستا في احدى الغرف لتبادل الثرثرة واحتساء القهوة التي انقلب احد فناجينها حينما صرخت رنا من فرط ابتهاجها وهي تعانقني بلهفة لتتناوب امي وخالتي على ذات الامر قبل ان نجلس واسمع منهما ما لا يرضيني.

وحين عاد ابي في المساء وجاء اخي ليث وزوجته وطفلاه و زوج اختي رنا وابنتاه وبعض من الجيران والاقارب، لم يخطر على بال اي احد منا ان الحرب وان تأخرت عن المجيء في تلك الليلة ، فإنها سوف تزورنا قريبا لتقدم هي ايضا تهانيها.

يتبع

حنين عمر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقدمة توعد بالصدق
ابراهيم البهرزي ( 2009 / 1 / 5 - 22:06 )
تقبي تحيتي ياحنين
حين قرات السطور الاولى (مذكرة طبيبة عراقية ) تبادر الى خاطري كتاب بحثت عنه في كل مكان زرته ولم احصل عليه وهو كتاب لمذكرات طبيبة عراقية لرائدة الطب والحضارة والتمدن النسائي العلماني في العراق المبجلة (سانحة امين زكي ) والتي كتبت موضوعا في موقعي في الحوار المتمدن لايفي حق خطوة واحدة من خطواتها على ارض العراق ..هذه الافتتاحية التي اتوسم فيها خطى المبجلة (سانحة امين زكي ) وهي تصدر من طبيبة عراقية ..وما دامت في اولى حلقاتها فانني اتوسم منك سيدتي الفاضلة ان لا تقلي صراحة وصدقا وحسا انسانيا وذاكرة محايدة مثل تلك التي ابهرتنا عند متابعتنا لحوار السيدة سانحة امين زكي في قناة الشرقية .رغم جهدنا في الحصول على مذكراتها .
سيدتي الكريمة
هذه البداية الموقرة التي ارجو لها الديمومة اهم كثيرا من كتابة خواطرنا
نحن نحيا زمنا ينبغي ان يوثق فيه كل شيء بصدق ....بما في ذلك مخيلة الشعر
اعتذر ان اطلت ...وسبب اطالتي انك تكتبين او تحاولين الكتابة في درجة الصراحة المطلقة وهو امر شديد الحراجة ولكنني واثق من ان هذا هو ما يحتاجه القاريء
التعبير عن التجربة باقصى حد ممكن من الصدق ...ان لم يكن بالصدق المطلق
تحيتي وانا بانتظار المذكرات دونما اي عارض للانقطاع

مع امن

اخر الافلام

.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع