الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدوات العدوان الإسرائيلي

خالد صبيح

2009 / 1 / 6
الارهاب, الحرب والسلام


الصمت والتواطؤ وفسحة الوقت هو ما تحتاجه إسرائيل عادة للقيام باعتداءاتها على ‏أي منظمة مقاومة لها( لم تعد إسرائيل تواجه دولا منذ زمن بعيد). وقد قدمت لها ‏حكومات أوربا الصمت، والأنظمة العربية التواطؤ، والولايات المتحدة فسحة الوقت من ‏خلال سعيها بكل صلف لعرقلة أية جهود دولية او عربية( خجولة ومرتبكة بعمومها) ‏لحث مجلس الأمن( الحكومة الدولية كما يفترض) لاستصدار قرار ( سوف لن تلتزم به ‏إسرائيل) يطالب بطريقة باردة وقف عدوان إسرائيل وعربدتها.‏

لكن هناك عامل قوة جديدا، غير العوامل المذكورة، تحتاجه إسرائيل لإتمام مهمتها ‏الهمجية وهو تبرير أفعالها ووصول وجهات نظرها، بكثافة، إلى المتلقي العربي. ‏وهذا ينبغي ان تقوم به وسيلة إعلامية ناطقة بالعربية. وبما ان إسرائيل تدرك مقدما ‏ان خطابها الزائف لن يمرر على المواطن العربي، المحصن بوعي غريزي ضدها، لهذا ‏السبب هي لم تقم بإنشاء محطة تلفزيونية ناطقة بالعربية خاصة بها لكنها، في ‏عدوانها الجديد على غزة، وجدت ضالتها في القناة الأمريكية الموجهة إلى المنطقة ‏العربية، قناة الحرة الفضائية. ‏

‏ اتبعت قناة الحرة، مع بعض التحوير، في تغطيتها الإعلامية للعدوان الإسرائيلي ‏على غزة الوسيلة التقليدية التي يتبعها عادة الإعلام الأمريكي الموجه في تغطية ‏الأحداث الكبيرة، وهي الضخ المكثف لوجهة نظر محددة، وبأشكال متعددة، ثم، ‏وتحت يافطة الرأي الآخر، يمنح بعض الوقت لوجهة النظر الأخرى لتقديم حججها في ‏فسحة اقل من الوقت وهامش اقل من المحاور. لهذا أخذت القناة تستضيف في ‏الأستوديو، طيلة فترة التغطية، شخصا أمريكيا مختارا بعناية فائقة من إحدى ‏الجامعات او مراكز البحث ليقدم وجهة النظر الأمريكية ـ الإسرائيلية مقابل أي حجة او ‏محاججة تطرح من الضيوف العابرين الذين تستضيفهم القناة عبر الأقمار الاصطناعية ‏وتوجه لهم أسئلة قصيرة ومحددة، لتعطى بعد ذلك فرصة واسعة لضيف الأستوديو ‏لتفنيدها بهدوء واسترخاء من خلال تكرار لازمات الموقف الإسرائيلي. ‏

ولم تكتف القناة بضيوف الإنابة بل قدمت عدة مرات، وبشكل واسع، وجهات نظر ‏إسرائيلية من مسؤولين إسرائيليين، كالناطقين بأسماء الجيش والخارجية ورئاسة ‏الوزراء. فهذه القناة (من خلال متابعتي) كانت أكثر قناة تلفزيونية اتاحت لمسؤولين ‏إسرائيليين تقديم كافة التبريرات للعدوان من خلال تقديم أسئلة عديدة لهم تغطي ‏كافة جوانب حججهم ، وأيضا باستضافتهم منفردين لكي لا تتشابك وجهة نظرهم مع ‏وجهات نظر أخرى مضادة لها.‏

لا توجد بظني وسيلة إعلام تقدم مادتها بحيادية تامة، خصوصا في وقت الأزمات، ‏وبالذات في الملفات الشائكة. وما قدمته فضائية الحرة، (وموضوع هذه القناة يحتمل ‏نقاش أوسع مما طرح قبل قليل) لم يختلف من حيث الجوهر عما قامت به القنوات ‏الفضائية الإخبارية العربية. فكل قناة من هذه القنوات هي بالأصل تابعة لنظام ‏سياسي او وجهة نظر سياسية او أيدلوجية معينة. ولهذا فقد اتبعت هذه القنوات ‏آليات وسلوك خطاب إعلامي برز وجهات نظر الجهات التي هي تابعة لها رغم ما ‏حاولت ان تقوم به من إيحاء بتعدد وجهات النظر. فقناة العربية مثلا ركزت في جل ‏خطابها وتغطيتها للأزمة على الدور ( الايجابي) للأنظمة العربية بتضخيم أنشطتها ‏الدبلوماسية القاصرة وحملاتها للتبرع والإدانة، بالإضافة إلى إبرازها لرؤية الاتجاه ‏الناقد لحماس من قبل مسؤولين ومحللين كثيرين خلطوا الأوراق ووسعوا دائرة ‏الهجوم لتشمل حزب الله وربطوا بتعسف ما يجري في غزة بمشروع إيران للتوسع ‏في المنطقة. وهذا يتساوق بشكل كلي مع الخطاب الإعلامي الدعائي الإسرائيلي، ‏حيث ركز ضيوف القنوات من الإسرائيليين على بضعة عناصر لإدانة حماس ‏ليستخلصوا ضمنيا في النهاية ان نقد حماس ليس سلوكا إسرائيليا منفردا، وإنما هو ‏حالة مشتركة مع بعض الانطمة العربية التي تمارس نقدا لحماس كمصر والسعودية. ‏وبهذه المشتركات في نقد حماس تضفي إسرائيل (مشروعية) اكبر لعدوانيتها على ‏الشعب الفلسطيني. وبتوسيع دائرة الناقدين وتنوعهم فقد شُيطنت حماس( بضم ‏الشين) وأُظهرت على إنها قوة منفلتة وشاذة ومعزولة وغير شرعية يصح، بل ويلزم، ‏ضربها (وتلقينها درسا قاسيا) كما عبر مرارا، وبغطرسة، الناطق باسم رئاسة الوزراء ‏الإسرائيلي. وبشيطنة حماس وجعلها عنصر الأزمة الوحيد تتحقق عدة أهداف منها ‏تبراة إسرائيل من مهاجمتها شعبا اعزلا بتصوير العملية العدوانية كأنها مواجهة مع ‏الشواذ والخارجين عن خط الإجماع العام، ولا باس هنا من دمغهم بدمغة العملة ‏الرائجة الآن (الإرهاب)؛ وفي نفس الوقت التمويه على مصدر ووجه الأزمة الحقيقي، ‏وهو مماطلة وتهرب إسرائيل من استحقاقات الحل السلمي الشامل للقضية ‏الفلسطينية بإنهاء احتلالها لأرضه والتحكم بمقدراته. ومنها أيضا تبرير وتهوين وقع ‏القتل الجماعي الذي يتعرض له أهالي غزة وتصويره على انه محصلة تلقائية ‏لقبولهم الارتهان لمنظمة متمردة وخارجة عن (الشرعية). ‏

ويترافق مع السعي الدعائي لخلق فجوة بين حماس والشعب الفلسطيني في غزة ‏السعي لخلق نفس الفجوة بين قيادة حماس وقاعدتها وذلك بالتركيز المزيف على ‏مظاهر ترف غير مرئية لقادة حماس. فقد ركز مسؤولون وأكاديميون اسرائليون أكثر ‏من مرة على سيارات الليموزين التي يركبها قادة حماس في الخارج، وفنادق ‏الخمس نجوم التي يقطنونها ويحرضون الشعب الفلسطيني منها، والسيجار الذي ‏يدخنونه في منافيهم المريحة. وهذه الاتهامات هي مزيج كاريكاتوري من التهم التي ‏كانت توجهها الدعاية الأمريكية للنظام ألبعثي في العراق إبان الحصار، كالقصور ‏وتدخين السيجار، والتهم التي يوجهها (ياللمفارقة) النظام ألبعثي نفسه، وباطلاقية ‏وتعسف، على كل معارضيه (فنادق الخمس نجوم). وإذا كانت تهم الدعاية الأمريكية ‏نجحت لأنها تصح على مسؤولي النظام ألبعثي، لتفاهة وسخافة سلوكهم، الذي ‏كان مرئيا وفضائحي، فان هذه التهم يصعب توجيهها، ناهيك عن إثباتها، لقيادات ‏حماس( وأنا من معارضي حماس) على الأقل بالشكل الذي أرادته له الدعاية ‏الصهيوينة. فرصيد قيادات حماس في دفع ثمن مواجهتهم لإسرائيل رصيدا كبيرا لا ‏تخطئه العين المجردة. فالعديد منهم استشهد واستشهد كذلك أبناؤهم. ‏

في الجانب الآخر لاتقل الحجج والمحاججات الإعلامية العربية ذات المنحى الرسمي ‏تهافتا عن منطق الإعلام الصهيوني. فقد حاولت الأنظمة العربية عبر وسائل إعلامها ‏وعبر دفاعات نخبها السياسية والثقافية التهرب من استحقاقات الموقف السياسية ‏بالتشبث بما يعتبرون ان له الأولوية المطلقة وهو وقف العدوان. وليس لديهم بطبيعة ‏الحال مايوقفون به هذا العدوان سوى وسيلة واحدة هي الشجب ومناشدة المجتمع ‏الدولي المعبأ بصورة واسعة إلى جانب إسرائيل. فعلى سبيل المثال قدم الكاتب، ‏والوزير الأردني السابق، صالح القلاب رأيا تضمن رده على مطالبة بعض الأردنيين في ‏الشارع وفي البرلمان بوقف عملية السلام والتطبيع مع إسرائيل وقطع العلاقات ‏الدبلوماسية معها بان هذه الطروحات ستعالج فيما بعد لان الحكومة الأردنية، حسب ‏طرحه، تركز الآن على وقف العدوان. وهذه أل (فيما بعد) والتأجيل لأي استحقاق ‏هي كل ما تحتاجه إسرائيل لتؤدي مهمتها إلى نهايتها المرغوبة. ولا افهم كيف ‏يريدون وقف العدوان من غير ان يستخدموا وسائل الضغط السياسية والدبلوماسية؟ ‏وأي مبتدأ في السياسة يعرف ان التلويح او القطع الفعلي للعلاقات السياسية ‏والدبلوماسية هو احد أهم أشكال الضغط السياسة والدبلوماسية، إذا ما كان خيار ‏الرد العسكري مستبعدا كما هو عليه الحال الآن. ولم يقف السلوك المتخاذل من ‏قبل الأنظمة التي تربطها علاقة حميمة بإسرائيل عند هذا الحد من الإسفاف بل ‏تعداه إلى أنها عجزت حتى عن القيام بما تقوم به أي دولة او حكومة تحترم نفسها ‏،وهو القيام ،على سبيل رد العتب، باستدعاء السفير الإسرائيلي وتقديم احتجاج له ‏او طلب توضيح رسمي منه.‏

لكن يبدو ان هذا الكلام هو ترف مفرط في ظل الوضع المتدهور للسياسة العربية. ‏لان ما تقوم به إسرائيل هذه المرة ليس بعيدا عن التناغم والانسجام بين/ ومع ‏تطلعات ورغبات هذه الأنظمة. ‏

إسرائيل تريد ربح المعركة في جميع ميادينها. وهي تريد ان تستولي، بالخطاب ‏الإعلامي الممرر عبر وسائل إعلام تطرح نفسها، بديماغوجية، على أنها قنوات ‏إعلامية محايدة وموضوعية وحرةـ على عقل ووجدان المتلقي العربي من خلال ضخ ‏الأكاذيب والتشويهات التي يروجها، بالإضافة إلى هذه القنوات الإعلامية، عديد من ‏الكتاب العرب، والناطقين بالعربية، من المنضوين، بدوافع انتهازية او بسبب الوقاحة، ‏تحت خيمة الرؤية العدوانية الاستعلائية الأمريكية والإسرائيلية، كتاب هستيريون ‏مهمتهم غالبا هي إبراز ( شرور )حماس و(فضائل) نصيرتهم وموديلهم المفضل دولة ‏إسرائيل العنصرية.‏

لكن هل ستربح إسرائيل المعركة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيلينسكي: -معارك عنيفة- على -طول خط الجبهة- | #مراسلو_سكاي


.. استشهاد الصحفي بهاء عكاشة بقصف إسرائيلي استهدف منزله بمخيم ج




.. شهداء ومصابون جراء غارات إسرائيلية استهدفت مربعا سكنيا بمخيم


.. نشطاء يرفعون علم عملاق لفلسطين على أحد بنايات مدينة ليون الف




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تحقق مطالبها في أكثر من جامع