الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد عام من الاحتلال ،العراق إلى أين ؟

حامد الحمداني

2004 / 3 / 15
ملف - اذار/ نيسان 2004 - مرور عام على الغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري


لم يكن أي عراقي غيور على مصلحة شعبه يتمنى أن يكون البديل لنظام الطاغية صدام حسين هو الحرب والاحتلال الأمريكي للعراق .
لقد كنا ندرك ما تسببه الحروب من ويلات ومآسٍ لا حصر لها ، وندرك أن دخول قوات الاحتلال الأمريكي سيكون بمثابة رهن العراق وشعبه لهيمنة المحتلين لأمد بعيد ،كما حدث إبان الاحتلال البريطاني للعراق عام 1915والذي استمر حتى قيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958 بأشكال متعددة لا مجال للتوسع في شرحها في هذه العجالة ، وتدخلهم بكل صغيرة وكبيرة في السياستين الداخلية والخارجية ، والهيمنة الاقتصادية المطلقة ، ولاسيما ونحن نعيش في عصر العولمة والأسواق المفتوحة والشركات المتعددة الجنسيات التي بدأت تتغلغل في كل مفاصل الاقتصاد العراقي ، وعلى وجه الخصوص الثروة النفطية التي يعتمد عليها العراق بشكل أساسي لتدبير أموره الاقتصادية .

وكنا ندرك أن الحرب ستأتي على البقية الباقية من بنيتنا الاقتصادية المخربة أصلاً بسبب الحروب الصدامية المجرمة ، وسياسة التسلح ، والنهب المنظم لثروات البلاد على أيدي زمرة محدودة من أقرباء ومريدي رئيس النظام المقبور .

وكنا ندرك أيضاً أن البنية الاجتماعية التي انهارت على عهد الدكتاتور بسبب الحصار الظالم الذي فرضته الولايات المتحدة على شعبنا ، وما فعله ذلك الحصار الذي جاوز في تخريبه للبنية الاجتماعية كل الحروب التي خاضها النظام الصدامي ، فقد انهارت الطبقة المتوسطة المثقفة وتجاوز ذلك حتى الطبقة البرجوازية المتوسطة ، وتجاوزها لخط الفقر والإذلال وتحطيم كل المقومات الاجتماعية ، مما أدى إلى إلغاء العديد من القيم والعادات والتقاليد الاجتماعية التي كان يعتز بها المواطن العراقي من صدقٍ و أمانةٍ وعفةٍ و نزاهة ٍ وإخلاصٍ وتعاون ٍ ، وغيرها من القيم النبيلة لتحل محلها قيم وعادات على النقيض منها تماماً ، وهذا التغير الذي حدث هو بكل تأكيد نتاج طبيعي لتلك الحروب وذلك الحصار اللعين .

لقد كنا ندرك كل هذه المخاطر ولذلك فقد أكدنا ،وأكد كل الكتاب الحريصين على مصلحة الشعب والوطن في مقالات عديدة على الأخطار التي سيتعرض لها العراق جراء الحرب والاحتلال ، وطالبنا الدكتاتور صدام حسين بترك السلطة وتسليمها لهيئة الأمم المتحدة ومغادرة البلاد دفعاً للحرب والاحتلال ، لكن الدكتاتور أبى واستكبر،وظن أنه قادرٌ على منازلة الولايات المتحدة ،القوة العظمى الأولى في العالم ،علماً أن لا أحداً كان يخامره الشك في نتيجة الحرب .

كان شعبنا يتطلع إلى اليوم الذي يتحرر فيه من سلطة الطغيان البعثي الفاشي بوسائل أخرى غير الحرب والاحتلال ، لكنه لم يكن قادراً على منع وقوع الحرب التي أصرت الولايات المتحدة على خوضها وإسقاط النظام الصدامي ، وتحدت الأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول الكبرى .
لقد وقعت الحرب دون إرادتنا وسقط النظام الصدامي الفاشي ، لكن شعبنا انتابه قلق مشروع على المستقبل الذي ينتظره ، فهو وإن كان قد فرح بإزاحة أعتى نظام إجرامي عرفه العالم في النصف الثاني من القرن العشرين ،لكن فرحته امتزجت بالخوف على مصير العراق بعد الاحتلال ولاسيما وأن تجربته مع الاحتلال البريطاني الذي جرى خلال الحرب العالمية الأولى والذي استمر يهيمن على مقدرات العراق حتى قيام ثورة 14 تموز 1985 ، حيث كان العراق يُحكم من قبل السفارة البريطانية ، ولا يمكن أن تُشكل أي حكومة إلا بترشيح من السفير ، وجرى تقييد العراق بقيود ومعاهدات جائرة لم يستطع الفكاك منها إلا بعد الثورة ،حيث جرى لأول مرة تشكيل وزارة عراقية وطنية دون تدخل البريطانيين .

ومما ضاعف في قلق أبناء شعبنا وسلب الفرحة بسقوط النظام الصدامي هو ما جرى بعد انتهاء الحرب مباشرة من نهب وتخريب وسرقة وحرق لكافة المؤسسات والدوائر الحكومية والوزارات والمصانع والمتاحف والمكتبات وسائر المرافق الأخرى من قبل الزمرة المجرمة التي أطلق سراحها الجلاد قبل سقوط نظامه بالتعاون مع الزمر البعثية المجرمة دون أن تقوم قوات الاحتلال بوقف تلك الجرائم ،بل والتغاضي عنها .
ومما زاد في الطين بلة ، وصاعد من هموم وقلق أبناء شعبنا قيام الزمر البعثية وحلفائها أنصار القاعدة وطالبي الرحيل إلى الجنة !! بالعبث بأمن وسلامة المواطنين وممارسة أعمال القتل ،والسيارات المفخخة والانتحاريين واللصوص وقطاع الطرق ، وخطف الأولاد والبنات وغيرها من الجرائم الأخرى جراء تهاون قوات الاحتلال مع أنصار النظام الصدامي فور سقوطه وإلغاء عقوبة الإعدام واقتصار المطلوبين على الخمسين من قادة النظام المنهار مما فسح المجال واسعاً لقوى الردة أن تنظم صفوفها وتباشر جرائمها بحق الشعب والوطن ، وبذلك أصبح الشغل الشاغل لأبناء شعبنا الشعور بالأمان والسلام على الرغم من الظروف المعيشية القاسية والبطالة التي لم يسبق لها مثيل ، لكن الأمن أصبح في المقدمة وقبل لقمة العيش .حيث لا يأتمن المواطن على حياته وهو في طريقه إلى عمله أو مدرسته بعد أن تصاعدت جرائم القتلة المجرمين .

صحيح أن الشعب العراقي تنسم نسيم الحرية ، وانطلقت الأفواه والحناجر لتعبر عن ما يجول في الأذهان بعد تلك المرحلة المظلمة الكالحة السواد ، وظهرت الكثير من الصحف من مختلف الاتجاهات ،ونشطت الأحزاب السياسية العريقة ،وبرزت العديد من الأحزاب الجديدة وتشكلت المنظمات والنقابات والجمعيات ، وهذا مؤشر إيجابي في الحياة السياسية والاجتماعية وتشكل مجلس الحكم من قبل المحتلين ،والذي ضم العديد من القوى السياسية والطوائف والقوميات ، وتبعه تشكيل حكومة مؤقتة ، لكن مجلس الحكم غلب عليه التشكيل الطائفي من جهة ، وتم استبعاد قوى سياسية أخرى بقيت خارج مجلس الحكم في وقت نحن أحوج ما نكون إلى جمع كل القوى التي وقفت ضد نظام الطاغية وحزبه الفاشي في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ العراق . وفوق كل هذا وذاك فإن هيمنة الحاكم المدني السيد بريمر على مجلس الحكم ومجلس الوزراء لا يمكن نكرانها وكل ما قيل ويقال عن الموافقة الجماعية لأعضاء مجلس الحكم على قانون الحكم يجانب الواقع بدليل أن أحد عشر عضوا يمثلون الشيعة أعلنوا في اليوم التالي في بيان أصدروه عن تحفظهم على بعض مواد القانون المتعلقة بتثبيت المطالب الكردية ، ومن هذا يتبين أن التوقيع على القانون جرى نتيجة ممارسة السيد بريمر ضغوطاً شديدة على أعضاء المجلس أجبرتهم على التوقيع على القانون .
ومن المؤسف حقاً أن صراعاً قد طغى على سطح الأحداث بين القوى المنضوية تحت لواء مجلس الحكم وبشكل خاص حول صياغة قانون الحكم في العراق للمرحلة الانتقالية فالقوى الدينية من جهة ،والقوى القومية بشقيها الكردي والعربي من جهة أخرى ،والقوى العلمانية من جهة ثالثة ، هذا إلى جانب الصراع بين القوى المنضوية في مجلس الحكم والقوى المستبعدة منه ، ولكل من هذه القوى أجندتها الخاصة والتي تسعى لفرضها على القوى الأخرى ، مما يضعف القوى الوطنية أمام سلطة الاحتلال .ويضعف من إمكانيات فرض إرادتها في الأمور المصيرية لشعبنا ووطننا .

ولا شك أن قانون الحكم الذي جرى تصديقه ، وجرى التحفظ على بعض بنوده ، وخاصة الفقرة المتعلقة بحق النقض لثلاث محافظات على أية مادة في الدستور الدائم ،من قبل عدد من القوى السياسية الموقعة عليه ، ومن قوى سياسية أخرى من خارج مجلس الحكم يحمل في طياته بذور الاختلاف وربما الصراع بين تلك القوى عند إقرار الدستور الدائم للبلاد ، وُستظهر الأشهر القادمة مدى الالتزام ببنود القانون وما يعده كل طرف من تصورات وما سيلجأ إليه من إجراءات عند المباشرة بسن الدستور.

لكن المشكلة الأهم التي أمامنا اليوم هي كيف سيتم اختيار أعضاء الجمعية الوطنية واختيار الرئيس ونوابه، وتشكيل الحكومة التي ستتولى الحكم في المرحلة الانتقالية ، ولا شك أن السيد بريمر هو الذي سيقرر الاختيار،ولو بوسائل مبطنة ، مما سيثير الخلافات والتناحر بين هذه القوى ويهدد باندلاع أعمال عنف لا أحد يتمناها .
إن الولايات المتحدة جاءت بجيوشها إلى العراق وأنفقت عشرات المليارات من الدولارات ليس لسواد عيون شعبنا ،وإنقاذه من نير الطغيان الصدامي الفاشي ، وإنما جاءت لتنفد أجندتها المقررة سلفاً في دهاليز البنتاكون ووزارة الخارجية ، والمتعلقة بترتيب الأوضاع في الشرق الأوسط بما يحقق كامل المصالح الستراتيجية الأمريكية في المنطقة ، وهي لأجل هذا الهدف جاءت لتبقى ، وهي اليوم بصدد فتح أكبر سفارة أمريكية في العالم على الإطلاق في بغداد يتجاوز عدد أعضائها 4000 موظف ، وبكل تأكيد سيدار العراق من وراء الستار من قبل السفارة الأمريكية ، كما كان الحال أبان الحكم الملكي الذي نصبه المستعمرون البريطانيون على أثر قيام ثورة العشرين التي أجبرت بريطانيا على تغيير تكتيكاتها وأساليبها في حكم العراق من الحكم العسكري المباشر إلى الحكم المدني المرتبط اشد الارتباط ببريطانيا من خلال المعاهدات التي فرضتها على المجلس التأسيسي وأجبرت أعضائه على التصديق في تلك الليلة التي حددها المندوب السامي وإلا فحل المجلس التأسيسي هو البديل ، وتم الذي أراده المندوب السامي وجرى تصديق المعاهدة بالإكراه .
ما أشبه اليوم بالبارحة ، مع فارق جوهري يزيد في الطين بله ، ذلك هو أن الشعب كان موحداً ضد الاحتلال البريطاني آنذاك ، وهو اليوم منقسم على نفسه تتقاذفه الخلافات والصراعات القومية والطائفية ، وكل جانب يفكر في تحقيق أجندته ولو على حساب العراق وشعبه .
ربما سيعتقد البعض أنني قد رسمت صورة سوداوية للأوضاع الحالية في العراق ، أو أنني متشائم من المستقبل ،لكنني أود أن أؤكد أن ما ذكرته عن الوضع الحالي هو ما يعبر عن الصورة الحقيقية دون رتوش ، وهو يشكل إنذاراً وتحذيراً لسائر القوى الوطنية بكل قومياتها وطوائفها وتوجهاتها أن سبيل الخروج من هذا المأزق وإعادة الأمن والسلام إلى ربوع العراق، وإنجاز الاستقلال الحقيقي وإعادة البنية التحية المخربة وإعمار العراق ، وتحقيق حياة حرة كريمة ومرفهة لشعبنا يتطلب منا جميعاً أن نضع مصالح الشعب والوطن فوق كل المصالح القومية والطائفية والحزبية ، وأن نحرص على بناء نظام حكم ديمقراطي تعددي يضمن التداول السلمي للسلطة ، ويصون الحقوق والحريات العامة لسائر المواطنين بمختلف قومياتهم وأديانهم وطوائفهم ومساواتهم أمام القانون في الحقوق والواجبات.

أن وحدة القوى الوطنية هي العامل الحاسم في تحقيق ما نصبو إليه لشعبنا ووطننا من خير وتقدم وازدهار .وهي بلا أدنى شك ستشكل عامل ضغط فعّال على الولايات المتحدة وحلفائها لانسحاب قواتهم من البلاد بأقرب وقت ممكن وتحقيق الاستقلال الناجز ، وإقامة علاقات متكافئة مع الولايات المتحدة وسائر الدول الأخرى قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة بما ينفع شعوبنا جميعاً ويحقق الأمن والسلام في العالم أجمع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يقدمان التعازي -للشعب الإيراني-


.. كيف ستنعكسُ جهودُ الجنائية الدولية على الحرب في غزة؟ وما تأث




.. حماس: قرار مدعي -الجنائية- مساواة بين الضحية والجلاد


.. 50 يوما طوارئ تنتظر إيران.. هل تتأثر علاقات إيران الخارجية ب




.. مقتل طبيب أمريكي في معتقلات الأسد