الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضجيج الصمت

نواف خلف السنجاري

2009 / 1 / 7
الادب والفن


من خلال الفسحة الصغيرة بين الوسادة والبطانية أبصرتُ حين فتحتُ عيني عنكبوتاً يتربص بذبابة، ابتسمتُ فقد ذكرني كيف كنتُ أتربص - ذات يوم- بصبية حسناء أمام باب الجامعة، وأوقعتها أخيراً في شباكي.. تلك الأيام كانت أجمل ما في حياتي.. نخرج معاً ونتحدث عن أحلامنا الغضة كحقل نرجس، والبيت الحلم الذي سنسكنه والأطفال الذين سنملؤه بهم.. كنت أرمي رأسي فوق ركبتيها فتمسد شعري بأصابعها الناعمة في ظل الصخرة الكبيرة الموضوعة في حديقة تقع خلف مبنى كلية الآداب..
تلك الصخرة الأسطورية تختلف كثيراً عن هذه الصخرة اللعينة التي نختبئ وراءها الآن لنحتمي من نيران العدو.. ساعات ثقيلة كالهم قضيناها متقوقعين ينزّ الفزع من وجوهنا خشية أن تصيبنا اطلاقات القناص الذي لا يرحم.. كم مرة فكرتُ بذلك القناص الذي يغتال الأمنيات دون أن يعرف صاحبها حتى؟!
لقد حولتنا الحرب إلى وحوش ضارية تفترس كل شيء من أجل البقاء على قيد الحياة.. وأية حياة؟! كنا نعيش الموت كل دقيقة.. أنا أتعجب الآن كيف اشتهينا الطعام وتناولناه في تلك الظروف؟! وأتذكر دائماً صديقي وهو يمسح (الصمونة) اليابسة من بقايا الدماء والوحل ويأكلها؟!
ما أطيب طعم الصمّون الذي كان يخرجه أبي من الفرن، وأنا طفل صغير أتلقف الكتل الحارة وامضغها بفرح ممزوج بالحلاوة.. ثم املأ الكيس الصغير وأعدو إلى البيت كمن يحمل كنزاً! نجلس أنا وأخوتي نتناول فطورنا ونذهب إلى مدارسنا كالعصافير.. معلم اللغة العربية يربت على كتفي ويضع لي علامة كاملة في موضوع الإنشاء ويقول لي:
- حتماً ستصبح كاتباً مشهوراً حينما تكبر!
لم أتصور يوماً إن تلك الموهبة ستصير عدواً لدوداً لي.. وسأدخل بسببها في غياهب السجون، وأذوق مرّ العذاب.. كان حلمي أن أصبح طبيباً املك عيادة أعالج فيها المرضى، واعفي الفقراء من مصاريف العلاج.. لكن معلمي كان يقول:
- لقد خُلقتَ لتكون شاعراً!!
أي قدر أحمق جعلني انظم القوافي واقرض الشعر.. لطالما عشقتُ الطبيعة، فملأت الزهور والفراشات فضاء قصائدي، لكن ذلك لم يشفع لي في التحقيق عندما قال لي ضابط الأمن:
- أنت تحرّض المواطنين وتسمم أفكارهم.
- انأ لم أحرض أحدا.
وتهوي قبضة بحجم رجل الفيل فوق فمي.. بصقتُ دماً.. تركلني الأرجل الشيطانية، وأتمرغ في ألمي وذلي.. ما أسخف أن ادفع عشر سنوات من عمري ثمناً لقصيدة!!
رميتُ الوسادة، وأزحتُ البطانية جانباً، نظرتُ فلم أجد العنكبوت ولا الذبابة! عقارب الساعة تشير إلى العاشرة.. أسحب ديوان الشعر الذي بدأتُ قراءته ليلة البارحة وأكملُ القراءة...

العراق- بحزاني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا.. جدل حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البلا


.. جدل في موريتانيا حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البل




.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -عالماشي- في العرض الخاص بالفيل


.. الطفل آدم أبهرنا بصوته في الفرنساوي?? شاطر في التمثيل والدرا




.. سر تطور سلمى أبو ضيف في التمثيل?? #معكم_منى_الشاذلي