الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عام على سقوط القتلة !

سهر العامري

2004 / 3 / 15
ملف - اذار/ نيسان 2004 - مرور عام على الغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري


في بداية سنة 1979 م هجرت أنا العراق ، مثلما هجره كثيرون غيري ، وكان كل واحد منها يحدوه أمل بعود قريب ، ومظفر الى العراق ، شرطه زوال الحكم العفلقي ، الفاشي فيه ، وكان الرهان في أمل زوال الحكم هذا ينصب على الظرف الداخلي والخارجي في وقت واحد .
في الخارج كان جل نقاشنا يتمحور حول نقطتين : اسقاط النظام الدكتاتوري ، أم انهاء ذلك النظام ، وكان البعض منا ما زال يرمي بعيونه على جثة الجبهة التي ولدت ومات في يوم واحد . فحين وقع عزيز محمد ، سكرتير الحزب الشيوعي العراقي ، وأحمد حسن البكر ، رئيس الجمهورية ميثاق تلك الجثة ، كان حزب البعث العفلقي في العراق، وفي نفس يوم توقيع ذلك الميثاق قد عمم على قواعده منشورا يطلب منها به موافاة القيادة برسم أفضل صورة لقتل الحزب الشيوعي العراقي ، واخارجه من ساحة العمل السياسي في العراق ، مثلما توهمت تلك القيادة الغبية ، وكان الحري بها أن تتعض بتجربتها المخزية في سنة 1963م ، والتي فشلت بعد أشهر من قيامها ، وبسبب من معادتها للحزب الشيوعي العراقي ، وتعريض كوادره لتصفيات دموية قلّ نظيرها ، وقد شخصت قيادة البعث هذا السبب بعد سقوط تلك التجربة بنفسها .
لقد ظل التعامل ، لأي نظام حكم في العراق ، مع الحزب الشيوعي العراقي ، محرارا لقياس وطنية ذلك النظام ، فحين يسوء هذا التعامل ينزل في العراق بلاء وخيم ، وتضطرب الحياة السياسية فيه ، ويخيم عليه جو من الخوف والارهاب ، وينعكس كل هذا على الحياة الاقتصادية والأجتماعية للناس فيه .
بعد انفراط عقد الجبهة تلك ، وشن الحرب على الحزب الشيوعي ، ارتكب صدام مجزرة الرفاق ، ضحايا المؤامرة السورية المزعومة ، ولم تمر أشهر على ذلك ، حتى ارتكب مجزرة الحرب العراقية- الايرانية ، وقد امتدت تلك المجزرة على مدى سنوات ثمان صحاح ، أكلت فيها الملايين من العراقيين والايرانيين ، يضاف لهذا ما رمت به تلك الحرب من آثار اجتماعية واقتصادية رهيبة على مختلف أوجه الحياة في العراق ، والتي لا زال يعاني منها البلدان والشعبان للساعة .
بين موت الجبهة تلك ، والحرب القذرة التي شنها صدام على الشيوعيين ومناصريهم، وخروجنا من العراق ، وبين سقوط القتلة في التاسع من نيسان من العام المنصرم ، شهدت ساحة المعارضة العراقية في الخارج نشاطات كثيرة ، لكنها لم تستطع هزّ النظام في بغداد واسقاطه ، فقد حصن النظام نفسه بثروة العراق الهائلة ، وبدعاية مضللة جعلت منه ليس حامي البوابه الشرقية ! فحسب ، وإنما حامي العرب والقبلتين والحرمين ، وسيّر باموال العراق المظاهرات والمسيرات في أكثر من مدينة وعاصمة عربية ، حتى عاد بدعايته تلك صلاح الدين ، والقعقاع إن كان للقعقاع من وجود في التاريخ العربي !
ومع تلك الثروة أحاط صدام نفسه بجيش عرمرم ، حبته كل دول العالم بأفتك الاسلحة، وأشدها خطرا ، وكثير ما أستخدم هذا الجيش في قمع أية هبة جماهيرية ، أو انتفاضة ، والأمثلة على ذلك كثيرة . فقد سُخر هذا الجيش منذ تأسيسه لضرب الشعب العراقي ، وليس للدفاع عن حدود العراق ، فبمجرد أن تنزل مظاهرة في شارع من شوارع بغداد نزل هذا الجيش بدباباته ومدرعاته لقمعها ، وكأن لا توجد أجهزة شرطة في العراق بعد، وحين استولى صدام الهارب من الجندية على قيادته ، أذلّ قادة الجيش هذا أي ذل، وصار يذبحهم ذبح الخراف ، أو يلقي بهم الى أفواه الأسود الجائعة ، والأمثلة على ذلك كثيرة أيضا .
وحظي صدام بدعم عربي وأجنبي لا مثيل له ، فقد أغدقت عليه دول الخليج أموالا طائلة لا زالت تعتبرها ديونا على الشعب العراقي ، في وقت كان صدام قد انفقها في حروبه التي باركوها هم ، وصلوا في محاربها ، كما أغدقت عليه دول كبرى مثل الاتحاد السوفيتي وقتها ، وأمريكا ، وفرنسا ، أم البعث ، التي وصلت بها الوقاحة الى تأجير صدام طائرات : السوبر اتندار التي استخدمها فيما سمي بحرب السفن في مياه الخليج .
لقد قاست المعارضة العراقية في الخارج ظروفا صعبة وممضة ، وقد اغلقت دول كثيرة الأبواب دونها ، أو عرّضتها لمساومات رخيصة لا تمت الى النزاهة في شيء ، وصار بعض من أطرافها يتاجر بالعراق وشعبه ، وانحصر دور الآخر في العمل الأعلامي ، والذي كان كثير ما ُلوحق بكواتم الصوت من قبل أجهزة مخابرات سفارات صدام المبثوثة في دول كثيرة من العالم . وإنني هنا إن أنس فلا أنسى تلك المشادة الكلامية التي وقعت بين السفير العراقي في عدن ، وبين رئيس الجمهورية ، عبد الفتاح اسماعيل بسبب من مقالة كتبتها أنا في جريدة 14 أكتوبر العدنية ، وتحت عنوان : البوهة وتهمة القسمات ! كنت قد فضحت فيها الممارسات القمعية الفضيعة التي كان صدام يرتكبها بحق أبناء شعبنا العراقي ، وتحت ظلال سكوت مريب من أغلب دول العالم التي سال لعابها على نفط العراق . ورغم أنني كتبت تلك المقالة دون أن أشير صراحة الى العراق ، ولا الى النظام فيه ، لكن هذا لم يقنع السفير العراقي حين رده عبد الفتاح بقوله : إنني قرات المقالة ولم أجد فيها اشارة للحكم عندكم في العراق . فردّ السفير قائلا : ( أنتم ما تعرفون لغة الشيوعيين العراقيين ، بس احنا نعرفها !! )
لقد كان هم النظام الوحيد ، الأوحد هو البقاء على كرسي الحكم ، مهما كلف ذلك العراق والعراقيين من خسائر وفواجع ، وكان صدام يطمح الى أن يُجلس أحد أبنائه على الكرسي هذا من بعده ، وقد هيأ ابنه ، قصيا ، للجلوس عليه ، لكن فاته شيء واحد، هو أن الذي أجلسه على هذا الكرسي ، وجاء به حافيا من أزقة بغداد ، وجبانا فرّ أمام طلاب جامعة بغداد ، حين أطلق عليهم الرصاص من مسدسه في كلية الحقوق، ولاذ عنهم بشرطة عارف التي كانت تطوق تلك الكلية ساعتها ، قد قرر خلعه من حكم العراق ، لكن صداما ، الذي تخيل أنه صار فارس الأمة العربية ! أبى ونفخ ريشه ، فقد كان مستهاما ، متيما ، مغرما ، يملأه حب الحكم والسلطة ، وقد ظل هذا الحب القاتل يلازمه في جحره حين هتف بالجنود الأمريكان : أنا صدام ، أنا رئيس جمهورية العراق ! يا لسوء العراق والعراقيين يا صدام !
أما تدري يا صدام أن كرسيك الذي سخرت ثروة العراق من أجله ، وجيشت الجيوش لخدمته ، وأعدمت الكثيرين فداء له ، قد رماه الأمريكان خارج قصر حكمك ، فأخذه أحد العراقيين الذين حولته أنت على ابان عهدك فقيرا ، معدما ، ثم وضعه على قارعة الطريق ، يؤجر الجلوس عليه للغادي والرايح بمئتين وخمسين دينارا من دنانير بريمر! وليس من دنانيرك التي ضاقت بها مزابل العراق الآن ! ؟ فماذا جنيت لنفسك وللعراق؟ هل رأيت كيف تكون نهاية الظلم والظالم ؟ ها أنت مثل بعير أجرب تتحاماك الناس ، ويطوف بك الأمريكان من مكان الى مكان ، فبئس الرجل أنت ، وبئس الرئيس !
والآن ، وبعد أن زال صدام وحكمه ، وحلّت محله قوى عراقية تمثلت في مجلس الحكم المؤيد بقوة الاحتلال الامريكي ، والتي لولاها لدخلت تلك القوى في حرب شعواء ، تغذيها أطراف خارجية ، ما انفكت وعلى امتداد تاريخ طويل تسعى لتدمير العراق . ويقف في مقدمة هذه الدول تركيا وايران ، وبدلا من أن تتدخل هاتان الدولتان مباشرة في شأن العراق الداخلي ، خوفا من الامريكان ، وليس حبا بالعراقيين ، راحتا ، وعن طريق قوى عراقية ، تتدخلان في الوضع المضطرب أصلا فيه لهذا الحد أوذلك ، وكلاهما يساوم أمريكا فيما يحدث في العراق من أجل نفسيهما ، وليس من أجل العراق الذي لا يهمهما أن تشبّ النار في كل بيت منه ، ويحترق أخضره ويابسه في حرب طائفية ، أو عنصرية لا تبقي ولا تذر ، ولا يستطيع أحد يكذب التاريخ القريب فيما مضيت إليه ، وعلى هذا الاحد أن يراجع تلك الكوارث الرهيبة التي حلّت بالعراق ابان الحروب الطاحنة التي دارت بين الدولتين : العثمانية والصفوية على أرضه ، والتي صار فيها العراقي في بغداد أوالبصرة يأكل من لحم جثة أخيه أو اخته ، بعد أن تحول كل شيء فيهما الى بلقع .
أما الامريكان فهمهم الاول والاخير مصلحتهم ، وتثبيت أقدامهم في المنطقة . والعراق، في حكم نظرهم الطويل ، بلد مهم في ثروته وموقعه ، وها هم الآن يبسطون سيطرتهم عليه ، ولهم قول الفصل فيما يُراد له ولا يُراد ، وهم والحال هذه يصرون على بناء سياسي له ، يتلائم والبناء الاقتصادي الذي يطمحون باشادته فيه ، فليس من المعقول أن يقيموا اقتصاد سوق حرة ، وعلى رأس السلطة رجل يطمح ببيت مال للمسلمين ، أو باشتراكية للينين. لقد كان جون دوي ، قائد البراغماتيين ، يردد دائما : لا تسلني عن من خلق الطاولة ، سلني عن مقدار ما ستدر عليك من ربح ! هذا هو اختصار فلسفة رأس المال ، وهذا ما تنشده هذه الفلسفة أين ما حلت ، ومتى ما نزلت،
وحتى يصل الامريكان الى بغيتهم هذه سيثار غبار معارك بين العراقيين أنفسهم ، وليس بالضرورة أن تكون البنادق هي السلاح فيها ، فقد تكون العصي ، والحجارة ، والسباب اسلحة بديلة ، وكل واحد منهم تدفعه غاية ، هي في حقيقة الامر خارج دائرة الصراع الحقيقي ، فهذا الطرف يرفع شعارا لمعركته هو : السفور فجور ! وذلك يرفع شعارا مضادا يقول : الحجاب عقاب ! وثالث يرى أن الاكراد نزلوا أول ما نزلوا كركوك وطوزخرماتو ، ورابع يرسم حدود تركمانيا ، والى أن تسيل الدماء ، وتتعب الشوارع من المتظاهرين والمصلين ، يشع مؤتمر للطائف في سماء العراق ، عندها سيرضى الجميع بارباع الحلول ، إن لم يكن بانصافها ، وتظل أمريكا هي السيد المكين رغم أنفي تركيا وأيران ، وآخرين من دونهم !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما شكل المقاربة الأمريكية للدفع باتفاق سياسي لإنهاء الحرب في


.. خلافات معلنة بين بايدن ونتنياهو.. ما تأثيرها على الانتخابات




.. واحات جنوب المغرب -الساحرة- مهددة بالزوال!! • فرانس 24 / FRA


.. السفينة الأميركية -ساغامور- تحمل أولى شحنات المساعدات من قبر




.. #متداول.. مستوطنون يقطعون الطريق بالحجارة أمام شاحنات المساع