الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في حاجة النشر الإلكتروني إلى الأقلام العربية المتنورة

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2009 / 1 / 7
الصحافة والاعلام


يعتبر الانترنت من الوسائط – بتعبير الأستاذ سعيد يقطين- الحديثة ؛ التي تساهم في نشر الثقافة ؛ بين شريحة واسعة من القراء ؛ بأسهل الطرق و أنجعها كذلك . فهو يوفر إمكانيات كبيرة أمام الباحث ؛ لكتابة و نشر أفكاره و تداولها بين شريحة واسعة من القراء ؛ في جميع أقطار العالم .
لكن المتابع للنشر الإلكتروني العربي ؛ يخرج بخلاصة أساسية مفادها ؛ أن المثقف العربي التنويري ؛ ما زال إلى حدود الساعة لم يدرك خطورة هذه الوسيلة ؛ و بالتالي فهو لا يستعملها لنشر أفكاره ؛ إما تعاليا منه و ميله إلى الطابع الأكاديمي ؛ عبر نشر كتب و مقالات في مجلات و صحف ؛ و إما اعتبارا منه أن أفكاره تتجاوز قدرة المتلقي العادي ؛ الذي يشكل نسبة مرتفعة من التلقي الإلكتروني .
لكن هذه الأسباب مجتمعة رغم صحتها؛ لا يمكن أن تبرر ترك المثقف التنويري –الذي يتميز في الثقافة العربية بتكوينه المعرفي المتين و شهاداته العليا- المكان شاغرا ؛ للجهلاء و المتطرفين كي يعيثوا في الثقافة العربية فسادا و جهلا ؛ و يرسموا صورة العربي على طريقتهم الخاصة ؛ باعتباره كائنا جنسيا ؛ يهفو وراء نزواته الحيوانية ؛ أو كائنا إرهابيا ؛ يستخدم مفاهيم دينية لتبرير القتل و الإجرام . و لعل هذه الصورة ليست بالخيالية ؛ بل تؤكدها إحصاءات كوكل ؛ التي أكدت أن العرب حققوا رقما قياسيا في البحث عن كلمتي جنس و جهاد على محرك البحث .
لكن ألا يعد المثقف العربي التنويري مسؤولا عن هذه الوضعية ؛ لأنه ترك الساحة الإلكترونية فارغة للجهلة ينشرون جهلهم على الملأ بحرية كاملة . و النتيجة أن أصبح النشر الإلكتروني باللغة العربية ؛ لا يشفي غليل نخبة من القراء ؛ تبحث عن التنوير الفكري ؛ و لذلك فهي إما تنزوي بنفسها عن متابعة ما ينشر إلكترونيا؛ أو تساير أمواج التجهيل و التطرف ؛ و تصبح عنصرا فاعلا فيها .
و ما توالد المواقع الإلكترونية المتطرفة كالفطر إلا ملمح من ملامح هذا التردي السائد ؛ بحيث أصبحت فتاوى التكفير و التحليل و التحريم ؛ تمثل أعلى النسب على الشبكة ؛ و أصبح بلادن و الظواهري ؛ و أمثالهما من المجرمين و الإرهابيين ؛ يسيطرون على الشبكة بنسب تتجاوز ما ينشر في المعارف العلمية مجتمعة . ناهيك عن صنف آخر من (الكتبة) ؛ الذين لا يمتلكون أبسط شروط الكتابة ؛ التي تدرس في مادة التعبير و الإنشاء ؛ فما بالك بالكتابة الفكرية ؛ التي تتطلب تكوينا معرفيا رصينا ؛ و رؤية فكرية واضحة .
كل هؤلاء مجتمعين هم الذين يستغلون مساحة واسعة على شبكة الأنترنت ؛ و يدمرون ما بقي في الفكر العربي من روح تنويرية ؛ مستغلين في ذلك غياب الفكر النقدي المرتبط بالعلوم الإنسانية الحديثة عن المنظومة التربوية العربية ؛ لذلك فهم يحققون انتشارهم بين فئة من القراء بسيطة التكوين ؛ و يوجهونها بطريقتهم الخاصة ؛ عبر الوعظ الديني تارة ؛ و عبر سب و شتم المختلف – في شكل مقال – تارة أخرى ؛ و عبر الوعد بنعيم الجنة ؛ و الوعيد بنار جهنم في أغلب الحالات . و قد يستعملون الخرافات و الشعوذة ؛ إن أعوزتهم الحيلة ؛ و جمد فكرهم ؛ و عجز عن الإبداع و الخلق .
في ظل هذا الواقع الثقافي المتأزم ؛ هل يمكن للمثقف العربي التنويري أن يظل متعاليا عن مجتمعه ؛ بدعوى غياب التلقي ؛ أم إنه من الأفيد له و لمجتمعه أن يخوض المعركة ؛ متسلحا بفكر متنور؛ و قدرة على التفكير و الخلق و الإبداع ؛ مستلهما في ذلك نماذج ثقافية رائدة ؛ من جرامشي ؛ الذي دافع عن المثقف العضوي ؛ الذي يخوض المعارك الفكرية و السياسية و الدينية ؛ متسلحا بمعرفته دفاعا عن القيم الإنسانية الراقية ؛ و هجوما على جميع أشكال التردي و الجهل الممنهج . إلى بيير بورديو ؛ الذي كان يعتبر المتخصص في العلوم الإنسانية؛ ومن بينها السوسيولوجيا ؛ محاربا في معركة شرسة ؛ سلاحه الوحيد فيها هو تكوينه المعرفي الرصين ؛ و إيمانه بالقيم الإنسانية؛ و دفاعه عن الحق في الاختلاف و التعددية الثقافية و الدينية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر بين روسيا وإسرائيل يتصاعد.. هل يخرق نتنياهو خطوط بوتي


.. إيران تؤكد أنها ستدعم حزب الله في حال تعرضه لهجوم إسرائيلي




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي لسوق بحي الزيتون


.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف خلية في مخيم نور شمس بطولكرم أ




.. الدفاع الروسية تعلن استهداف 5 مقاتلات أوكرانية بصواريخ إسكند