الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قدر العراق أن يكون الأنموذج, فهل يكونه؟

منير شحود

2004 / 3 / 15
ملف - اذار/ نيسان 2004 - مرور عام على الغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري


مع كل ما يحدث في العراق من قتل وتفجير واحتلال, فإنه البلد الجريح الذي يحاول الوقوف على قدميه, ليقدم أنموذجا في التعايش, وعبرة وأملا للشعوب العربية المسلوبة الإرادة والقرار, في كنف أنظمة تجمعها اللاشرعية إلى هذه الدرجة أو تلك.
وعودة للأحداث التي مرت على العراق منذ الاحتلال الأميركي, يمكن أن نسترجع الوقائع التالية:
أولاً. كان سقوط النظام القومجي البعثي المشخصن خطوة كبيرة وضرورية, وإن جاءت بقوة خارجية؛ لأن هذا النظام المستبد الشمولي لم يكن يسمح بأي حراك مجتمعي, ناهيك عن معارضة, ما أدى إلى التهجير والهجرة هربا من جحيم الدماء التي تُسفك إرضاء لنزوات القائد الملهم, والمتوحد, والمستوحش. وكان لابد من كسر القوقعة من خارجها.
ثانياً. كانت الفوضى التي تلت سقوط النظام نتيجة منطقية, إلى هذه الدرجة أو تلك؛ لأن الباب الموصد فُتح دفعة واحدة, فانداحت فوضى الحرية, بسبب الزوال المفاجئ لطغيان السلطة, وحدث الانتقام المؤسف من مؤسسات الدولة؛ لما تمثله هذه المؤسسات من مواقع لهيمنة الاستبداد وطغيانه. ومع ذلك, يجب ألا نستثني الأطراف الأخرى, التي قد تكون ساهمت في تدمير مؤسسات الدولة العراقية, بدافع الانتقام والتخريب, بعد سقوط النظام الذي كان يروِّعها.
ثالثاً. كان التعقيد الذي حصل في الساحة العراقية خلال السنة المنصرمة مؤشرا على إشكالية الفترة الانتقالية والتباساتها, واختلط العنف الأعمى بالحكمة السياسية. بيد أن مسيرة العراق نحو الديمقراطية والتعايش الطوعي بين أبنائه قد سارت قدما, رغم كل المصاعب, وبرهنت معظم القوى السياسية الحية على تفضيلها النضال السلمي لإزالة الاحتلال المباشر, في الوقت الذي تصوغ فيه العلاقات فيما بينها, دون استئثار أو استفراد بالقرار. وكان الاتفاق الأخير على مشروع قانون إدارة الدولة المؤقت, خطوة مهمة في الطريق نحو السيادة الوطنية, مع تفهمنا لكل الاعتراضات والمثالب.
رابعاً. بينما تستمر حالة المراوحة في الوضع العراقي, من خلال السباق المحموم بين محاولات استتباب الأمن والبناء من جهة, وعمليات التخريب والقتل الوحشية بحق أبناء العراق, ومحاولات زرع بذور الفتنة من جهة أخرى, فإن الأنظمة العربية تبدو عاجزة, بدرجة كبيرة, عن تطبيق إصلاحاتها المزعومة, ورافضة للإصلاحات المفروضة عليها من الخارج, الأميركي خصوصا, في الوقت نفسه, مع أنها هي التي أوصلت بلدانها إلى هذا المأزق, بمباركة من ولي نعمتها, العم سام.
خامساً. وللبعث في سوريا, الشقيق اللدود لبعث العراق, همومه أيضا. وقد بادر لإصلاح نفسه, بإضافة بعض الرتوش على شعاراته الجوفاء, تلك التي لن تقدم أو تؤخر. وحري, رأفة بالمواطن السوري, أن يتقدم الفرع السوري لحزب البعث بمبادرة تاريخية, يعترف فيها بعجزه وفشله في تحقيق أي من أهدافه المعلنة, ويطلب الصفح من عامة الشعب, باعتباره قائدا للدولة والمجتمع, ويغادر مؤسسات الدولة إلى غير رجعة, والتي سيطر عليها دون وجه حق؛ فيعود للعمل بين صفوف الشعب, مثل أي حزب آخر, دون أن يكون الحزب القائد, ويتخلى عن الامتيازات التي قدمها لمنتسبيه, على حساب جموع المواطنين. أما جبهته العتيدة, فستلحق به, أو تنتفي من تلقاء نفسها, تطبيقا لقانون "نفي النفي" للرفيق "ماركس", أو المنطق الصوري للسيد "أرسطو"!. وفي هذه الحالة, يكون حزب البعث العتيد قد قام بواجبه فيما يتعلق بعملية الإصلاح, التي نتمنى ألا تكون قد لفظت أنفاسها الأخيرة.
سادساً. لنكن صريحين, ونعترف بعجزنا وحدنا عن إصلاح ما أفسده المفسدون وحراس الفساد في الأنظمة العربية الفريدة في تسلطها وتمسكها بالسلطة, لدرجة السعي المحموم لتوريث السلطة, وتحويل الأوطان إلى مزارع خاصة, يتوارثها الأبناء والأحفاد. ويجب أن لا نخجل جميعا, مواطنين وسلطات ومعارضات, من طلب المساعدة من الخارج في محاولة إصلاح شؤوننا, حتى لا يأتينا الخارج بإصلاحات جاهزة من عنده, دون أدنى اعتبار للخصوصيات, الحقيقية منها, والمزعومة!.
سابعاً. يمثل تعزيز العلاقة بين السلطات والمواطنين في البلدان العربية, من خلال تدعيم الأساليب الديمقراطية في الحكم, المدخل الأساسي للإصلاح, مع ضرورة استعداد السلطات لتقبل نتائج الإصلاح على امتيازاتها, فتكون بذلك قد تخلصت من الضغوط الخارجية, بتقديم التنازلات لشعوبها, عوضا عن المراوغة, التي لن تجدي نفعا. وستتحمل هذه السلطات المسؤولية الكاملة عن ما ستؤول إليه الأوضاع, إن ركبت رؤوسها, أو دفنتها في الرمال, ولم ترَ كل هذه المتغيرات من حولها؛ فهي ترفض الإصلاح المقترح من الخارج, دون أن تشرع فورا في إصلاحات جدية ومستحقة وملموسة.
وختاما, فإن المعركة الفاصلة تجري الآن في العراق, وتحاول القوى الظلامية والاستبدادية التخريب ما أمكنها ذلك, لتخيف الشعوب العربية المقموعة من الفوضى العراقية, آملة أن لا تكرّ السبحة بعد العراق. وكم نتمنى على القوى العراقية الأصيلة, أي الممثلة لرغبات المواطنين وآمالهم, أن تنجح في استثمار الأوضاع الجديدة, المتمثلة بإسقاط النظام السابق, وتأخذ زمام المبادرة في الحفاظ على الأمن, وتتولى ترتيب البيت العراقي بأسرع وقت ممكن, لينكفئ الاحتلال تدريجيا عن أرض العراق.
يا له من تمني! أن ينهض العراق المختلف في وحدته, وينفض عنه عذابات الماضي وجراحاته, ليشمخ كالعنقاء, قويا مسالما, رغم أنف المتربصين به شرا.
قدر العراق الجريح أن يكون الأنموذج, وسط هذا الوضع العربي الظامئ للتمتع بمباهج العمل والحرية والحب, مثل كل شعوب الأرض...فهل يكونه؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا تريد روسيا حقاً من هجومها على خاركيف؟ • فرانس 24


.. إدرة بايدن وحكومة نتنياهو إلى مزيد من التباعد | #غرفة_الأخبا




.. إدارة بايدن تدرس سبل حماية منظومات الذكاء الاصطناعي الأميركي


.. إسرائيل ترفع جاهزية قواتها في جبهة الشمال مع زيادة التوتر مع




.. جامعة برشلونة تستجيب لطلابها وتقطع علاقتها مع إسرائيل