الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى أين يذهب أهل غزة ؟

مهدي بندق

2009 / 1 / 7
حقوق الانسان


للأديب السويسري العالمي فردريش دورنمات مسرحية بعنوان " رومولوس العظيم " بها مشهد في غاية الطرافة ، خلاصته أن ضابطا رومانيا أقبل منهكا من الجبهة لينهي إلي الإمبراطور النبأ الفاجع : لقد هزم الجيش ، وهاهي ذي روما تواجه خطر السقوط مالم يخرج الشعب ليفتديها بحياته .. فما كان من رومولوس إلا أن قال : لقد مات الرومان طيلة العصور فداء لعظمة الإمبراطورية ، أفلا يصح أن تبرهن الإمبراطورية على عظمتها بأن تختفي ليحيا الرومان ؟!
والمغزى أن الأفكار العظيمة إنما ُخلقت للإنسان ، ولم ُيخلق الإنسان ليكون برهانا ً
على عظمة الأفكار المحلقة في العالم ما فوق الواقعي Meta- reality .
يقبل بهذه الحقيقة كل من آمن بأن الحياة البشرية تستحق أن تصان ، فهي الهدف من كل سعي ، والغاية لكل نضال مشروع . بيد أن السيد إسماعيل هنية ليس واحدا ً من أصحاب ثقافة الحياة هؤلاء ، ومن هنا فلقد جعل من العدوان الإسرائيلي المجرم فرصة لكي يسجل اسمه في لائحة الفيلسوف شوبنهور ( داعية الإنتحار فكريا ً ) بأن أصدر تصريحه الحماسي " ليمت كل الغزاويين و لتبق غزة " غير ملتفت إلى حجم التناقض اللغوي والوجودي في جملته ، ذلك أنه لو تحقق الجزء الأول من جملته- لا قدر الله – لكان عليه أن يوضح لمستمعيه الكرام الكيفية التي سيبقى بها الجزء الثاني . هل سيبقى القطاع خاليا ً من السكان؟! أم يتحول إلى قبر كبير شاهد على " عظمة "المقاومة ؟! أم تراه سوف يستخدمها أيقونة ً في عالم المثل الأفلاطوني؟! أم عساه يرتهنها " فكرة ً " لدى إيران مثلا ً لزمن مناسب ، بإيصال يحمل توقيع الجماعة الحمساوية التي ستختفي
(تكتيكيا ؟ ) إلى أن تعود- كالإمام المستور - كي تباشر النضال ضد أعداء الأمة أحفاد القردة والخنازير ؟!
قد يسأل قارئ : هل هذا وقت يمارس فيه النقد إزاء فصيل هو في مقدمة الصفوف التي تحمل لواء المقاومة المسلحة بالضد على العدو المحتل ؟ وماذا عن العدو ذاته ؟
أولم يكن العدو الجلاد الأولى بالإنتقاد من الشقيق الضحية ؟
في ملتي واعتقادي أن العدو لا ُينقد بل ُيحارب .. ولكن بالإسلوب المتيح لصاحبه تحقيق النصر لا الهزيمة ؛ وفي حالة حماس لا يتصور إلا " المتحمسون " أن ما تنخرط فيه هو الطريق الصحيح المؤدي للغاية المرجوة . فمن نافلة القول أن فصيلا ً للمقاومة المسلحة لا غرو يفقد ورقته الرئيسة - التي هي إمكانية الكفاح المسلح - ساعة أن يتحول إلى سلطة ،إذ تحل محل هذه الورقة أوراق السياسة والدبلوماسية ( هكذا فعلت منظمة التحرير بداية من مدريد وحتى أوسلو ) وربما ورقة المقاطعة الإقتصادية مع العدو ( هكذا فعل شعب الهند بقيادة غاندي )
لكن حماس بانقلابها على المنظمة الأم في حزيران 2007 قد وضعت نفسها
ومعها القضية الوطنية في أشد المواقف وعورة ، الأمر الذي أغرى بها أطرافا ً إقليمية
أخرى كي توظفها لحساب أجندتها الخاصة . وهكذا وبضربة إنقلابية واحدة عزلت حماس نفسها عن المجتمع الدولي الذي لا يعترف بغير منظمة التحرير ممثلا ً وحيدا ُ
للشعب الفلسطيني ، وفي نفس الوقت فقدت استقلالية قرارها في ممارسة المقاومة المسلحة إلا بالقدر الذي ُ تعطي فيه الضوءُ الأخضرُ من القوة ِ الإقليمية الراعية ( محور إيران / سوريا ) وهو ضوء لا يعطيه هذا المحورُ إلا لحسابه هو يقينا ً، وليس لحساب الفلسطينيين . فإذا أضفنا إلى هذا وذاك أن شعب غزة – تحديدا ً – لا يمكنه تنفيذ
سياسة المقاطعة الاقتصادية مع إسرائيل ( حيث يعتمد الغزاويون على أحفاد القردة في شئون الطاقة والغذاء والدواء ، بل والعمل ) لأدركنا أي هاوية سياسية ألقت فيها حماس نفسها بنفسها .
في مثل هذا المأزق يغدو مفهوما ً تزايد ُ الدعوة إلى إعادة إنتاج ثقافة الإنتحار الجماعي ، تلك التي سربتها الميثولوجيا اليهودية للاوعي الجمعي العربي خلال العصور ، مثلا الإشادة بشمشون الذي هدم المعبد على رأسه ورؤوس أعدائه
( شجاعة فردية ! ) والترويج لأسطورة قلعة "موسادا " التي لاذ بها ألف مقاتل يهودي لينتحروا جميعا ً بديلا ً عن استسلامهم للجيش الروماني في القرن الأول الميلادي( بطولة جماعية ! ) والتلميح المستمر باقتراب معركة هر مجيدون التي ستنتهي بمقتل كل المحاربين ( الفناء مصير البشر!) وغير ذلك من الموروثات الثقافية ، التي تحتقر الحياة وترحب بالموت . وغير منكور أن العرب لم يجدوا صعوبة في تقبل هذه الثقافة خاصة في عصور الانحطاط ، مما لا يسمح المجال بعرض تفاصيله .
وفيما تمكن المذهب الصهيوني ( العلماني ) من إنشاء دولة لليهود في فلسطين ، ولم يعد بحاجة لمثل هذه الأساطير ؛ فلقد رأى أنه من المناسب أن يصد ّر تلك البضاعة البائرة عنده ، للسكان الأصليين كمتفجرات رمزية تضاف إلى القنابل والرصاص ، وتدمير المنازل ، واقتلاع أشجار الزيتون ، واعتقال الشباب بأوهى الأسباب والعلل .
والحاصل أن الفلسطينيين – وتحديدا ً أهالي غزة – قد وجدوا أنفسهم بين نقيضين ،
الأول :ترحيبهم بالموت فرارا ً من قسوة العيش المفروضة عليهم ، والثاني : تراهم
فيه كأبناء طبيعيين للحياة يطلبونها في أي مكان .. ولكن أين ؟ إسرائيل تحاصرهم وتمنعهم من العمل عندها . وحماس تمنعهم عن أهلهم في الضفة . لم يبق إلا مصر . غير أن مصر دولة لها حدودها ودستورها وقوانينها ، ومن المحال أن ترقص على موسيقى إسرائيل التي تتمنى أن تفرّغ فلسطين من سكانها جميعا ً ، ومن المحال أيضا أن تغفل
عن مخطط حماس – ومن ورائها إيران و الأخوان – فتلغي حدودها وتشطب سيادتها وهويتها كدولة مدنية ، لتصبح مجرد إمارة من إمارات الخلافة الإسلامية / تحت التأسيس ! فأين يذهب إذن أهل غزة ؟
لا يستطيع أحد أن يجيب عن هذا السؤال المصيري غير الغزاويين أنفسهم ، ومع ذلك فثمة حقائق لا يمكن إغفالها ، ولا يمكن أن يتحرج محب عن البوح بها ، وأول هذه الحقائق أنهم يعلمون من واقع التجربة التاريخية المريرة أن " من خرج من داره قل مقداره " بنص المثل الشعبي ، فالذي يحرضهم على الخروج الثاني( الأول كان عام 1948) هو عدو لا غش في هويته . وثاني تلك الحقائق أنهم أمسوا على بينة من أمرهم فيما يتعلق باختيارهم الانتخابي ، فإذا اختاروا حماس في المرة القادمة فهذا شأنهم ولا تثريب عليهم ، إنما لا تثريب منهم بعد ُ على مخالفيهم ممن يرون أن إطلاق الصواريخ الاستعراضية ليس هو السبيل القويم لتحرير الأرض ، سيما وردود أفعال العدو أبشع من أن تذكر ، وردود أفعال الأهل أضعف من أن يشار إليها . أما ثالث الحقائق فتتعلق بثقافة المقاومة التي هي إرادة حياة لا إرادة موت ، فبناء مصنع وقارب صيد ومدرسة والسعي لإنجاز الوحدة الوطنية أفعال مقاومة من الدرجة الأولى ، وهي أفعال تقربنا من يوم التحرير ، بقدرما تبعدنا عنه صيحات الحناجر ، والأحزمة الناسفة ، والصواريخ التي إن أصابت فلا تصيب دبابة أو طائرة بل مدنيا ً تقوم الدنيا لمقتله ولا تقعد !
على أهل غزة إذن ، وقبل أن يسألوا غيرهم " إلى أين نذهب ؟ " أن يسألوا السيدهنية : هل حقا ً تريدنا أن نموت جميعا ً لتبقى غزة لك وحدك ؟! وساعتها ستبيعها لمن يا شاهبندر النجار ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد اعتقال المحامية سنية الدهماني بالقوة.. محامو تونس يضربون


.. اعتقالات وإعفاءات في تونس بسبب العلم التونسي




.. تونس– اعتقالات وتوقيف بحق محامين وإعلاميين


.. العالم الليلة | قصف إسرائيلي على شمال غزة.. وترمب يتعهد بطرد




.. ترمب يواصل تصريحاته الصادمة بشأن المهاجرين غير الشرعيين