الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحداث غزة : صراع الأصوليات الدينية لنشر الدمار و الموت .

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2009 / 1 / 8
القضية الفلسطينية


كل من تابع أحداث 2006 بجنوب لبنان ؛ و يتابع الآن أحداث غزة يستنتج أن الفكر السلفي فعل فعلته في وجدان المواطن العربي ؛ بحيث أصبح الافتخار بالموت (الشهادة) سمة غالبة ؛ و أصبح من بين ما يفتخر به قادة هذه الجماعات السلفية العدد الكبير من الموتى ؛ و هذا إن دل على شيء فإنما يحيل على غياب روح الفكر الحديث من مجتماعتنا العربية ؛ و الذي يعطي للحياة قيمة لا يوازيها شيء آخر .
إن الحروب على مر التاريخ استراتيجيات و خطط ؛ و ليست بتاتا موتا مجانيا ؛ عبر التضحية بآلاف الأبرياء من أجل الحفاظ على (روح المقاومة ) ؛ و من أجل فضح بربرية إسرائيل أمام العالم . إنه منطق سخيف لا ينبني على أبسط شروط التفكير الإنساني الحديث ؛ و لا يمكن أن نعثر له على نموذج مماثل إلا عند تلك الجماعات الدينية التي تشجع الانتحار الجماعي لمغادرة هذا العالم الآثم و الفوز برضى الخالق .
إن ما يدمي القلب حقا هو أن يخرج علينا قادة حماس مبشرين بأن المقاومة في مأمن لا تصلها نيران العدو ؛ و في نفس الآن تنقل لنا الشاشات مئات الأطفال و النساء تتناثر أشلاؤهم في الشوارع ؛ و هذا ما يدل على أن هذه المقاومة تتخذ الأبرياء دروعا بشرية و تضحي بهم في معركة خاسرة من الأساس ؛ لعدم تكافؤ موازين القوى بين الجانبين .
إن من الواجب علينا أن نفضح ما يجري و لا نسقط في الاستلاب السلفي الذي تمارسه هذه الجماعات مستغلة الدين لتبرير التضحية بآلاف المواطنين تحت يافطة الشهادة ؛ التي لا يقدم عليها قادة حماس بل يوثرون المواطنين على أنفسهم فيها ؛ و نحن في هذا الصدد لا نبرر جرائم العدو الصهيوني الغاشم ؛ الذي تجمعه مع هذه الجماعات أفكار أصولية ؛ تقوم على منطق ديني يقتل باسم الله و يمارس حيوانية لا سابق لها باسم الدين الذي يبرر له قتل غير اليهود للمحافظة على شعب الله المختار .
إن الأصوليات الدينية واحدة لا تمييز فيها بين الإسلام و اليهودية و المسيحية ؛ فهي تشترك جميعها في احتقار الإنسان و معه احتقار الحياة التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة ؛ و لذلك فهي تقتل و تشرد و تمارس أبشع الجرائم باسم الدين ؛ و باسم رضى الله ؛ و هذه ظواهر مرضية يجب البحث فيها من منظور سيكولوجي ؛ بعيدا عن منطق الحرب بمفهومه الحديث ؛ و بعيدا عن منطق الدولة و المواطن ؛ و حتى بعيدا عن منطق حقوق الإنسان ؛ لأن الله عند هؤلاء هو الذي يقود كل هذا التدمير؛ و هم فقط ينوبون عنه ؛ لذلك يقتل الصهاينة غير اليهود تطبيقا لتعاليم دينهم ؛ و يبشر السلفيون هؤلاء الموتى بجنات النعيم و يدعون لهم بأن يتقبلهم الله شهداء عنده ؛ لأن الشهادة في سبيل الله من تعاليم الدين الإسلامي ؛ لكن على أرض هذه المعركة الفاقدة لأبسط شروط الإنسانية بله القانون الدولي ؛ يؤدي الضعفاء من الأطفال و النساء و الشيوخ ضريبة إرضاء إله اليهود و إله المسلمين .
لقد كان الدين دائما سبب الدمار الذي ساد التاريخ البشري ؛ لأنه يوفر للمجرمين و المرضى النفسيين غطاء لممارسة وحشيتهم ؛ بل و يجازيهم بالثواب عن هذه الوحشية ؛ لذلك ظهرت الحرب المقدسة و ظهر الجهاد و تم تبرير قتل و تشريد غير اليهود ؛ كمفاهيم تخفي في باطنها وحشية الإنسان البدائي الذي لا يختلف عن الحيوان في شيء ؛ بل يفوقه أحيانا لأنه يتوفر على وسائل التخريب ؛ و من هذا المنظور فإن الدين يختلف جوهريا عن المنظومة الفكرية الحديثة التي صاغها الإنسان الحديث بعدما تمكن من القطع مع سلطة الدين ؛ و لذلك فإنه لا يمكن حماية الإنسان من الهمجية البدائية إلا عبر ترسيخ المفاهيم الحديثة ؛ التي صاغها الإنسان بعدما قطع مع الفكر البدائي ؛ مثل الديمقراطية و حقوق الإنسان ... و التي تواجه خطرا داهما خلال هذه المرحلة التي تميزت بعودة المكبوت الديني ؛ الذي ظهر في أكبر الديمقرالطيات العالمية ؛ و التي تحدث زعيمها عن الحرب الصليبية التي تحمل صورة همجية عن حيوانية الغرب حينما مارس حربا مقدسة على شعوب المسلمين ؛ فقتل و دمر شعوبا بأكملها باسم الله و باسم محبة المسيح ؛ و يؤكد بوش و هو يستعيد المكبوت الديني القديم أن الله هو الذي كلفه بهذه المهمة ؛ و يجب عليه ألا يغضب الله بعدم تطبيق أوامره ؛ و لذلك فقد توجه نحو العراق و أباد شعبا و حضارة عن آخرها ؛ و هو في ذلك -في اعتباره- ليس بمجرم حرب ؛ بل إنه ليس بمريض نفسي يتلذذ بقتل الآخرين ؛ بل هو على العكس من ذلك تماما مؤمن يطبق أوامر الله في أرضه ؛ و له الجنة جزاء له على ما قدمه لله من قرابين بشرية تحصى بالآلاف .
و الكيان الصهيوني لا يختلف عن ذلك في شيء ؛ فالله هو الذي فضله على جميع شعوب الأرض و الله هو الذي اختاره لنفسه ؛ و الله هو الذي بشره بأرض شاسعة تمتد من النيل إلى الفرات ؛ و الله هو الذي أعطاه الحق في قتل و تشريد شعوب بكاملها ؛ و ترحيلها من أرضها تائهة لا تدري أين تتجه ؛ و هو حينما يقتل الأطفال و النساء ؛ فهو يطبق أمرا إلهيا يوصيه بالمحافظة على شعب الله المختار .
و نفس المنطق نجده في الإسلام الذي يؤكد أنه الدين الوحيد ؛ و من يبتغ غيره دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين ؛ و لذلك فإن مفهوم الجهاد يبرر قتل الكفار و تشريدهم بلا رحمة و لا شفقة ؛ و إذا انهزم المسلم في قتاله و مات فهو شهيد يدخله الله الجنة ؛ و اعتمادا على المفهومين فإن الله أوصى المسلم بقتال الكفار (الذين يختلفون عنه في الدين) إذا لم يسلموا ؛ و هو في قتاله مبشر بأحد الحسنيين ؛ إما النصر في المعركة ؛ و إما الاستشهاد و دخول الجنة .
و سواء في الإسلام أو في المسيحية أو في اليهودية فالمنظومة الدينية واحدة ؛ تقوم على ممارسة العنف بجميع مظاهره؛ و هي بذلك تكرس صورة الإنسان البدائي ؛ الذي لا تحكمه قوانين و لا قيم ؛ بل و تضيف إلى هذه البدائية أنها تستغل صورة الإله لإخفاء ما تقترفه من جرائم في حق الإنسان
إن المخرج الوحيد للإنسانية ؛ كي تشيع ثقافة السلام و الاحترام المتبادل بين مختلف الشعوب و الثقافات ؛ هو محاربة كل النزعات الأصولية باختلاف انتماءاتها الدينية ؛ و يمر ذلك بالضرورة عبر الدفاع عن المنظومة الفكرية الحديثة التي تشكل فلسفة حقوق الإنسان أكبر إنجازاتها ؛ و حمايتها من بطش الفكر الديني الأصولي ؛ الذي أصبح يهدد وجود الإنسان في العالم ؛ و ينشر الصراع بين الشعوب و الثقافات . إن مسؤولية المثقف التنويري الحامل لقيم التحرر و الحداثة هو المؤهل اليوم للدفاع عن حرية الإنسان و حمايته ضد الأصوليات التي تهدد حياته و تفكيره .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الإسلام غير
ahmad ali ( 2009 / 1 / 7 - 20:33 )
الإسلام ياعزيزي يختلف عما تعتقده ؛أنصحك بمراجعة بعضا من معتقداتك إذاكنت مسلمآ وماذافعل صلاح الدين وهل تذكر الحروب الصليبية ومافعلته في المسلمين


2 - تصحيح معلومات الكاتب
سلام فؤاد ( 2009 / 1 / 8 - 02:09 )
الحروب الصليبية -يا سيدي- بدأت سنة 1099م، بينما الغزو الإسلامي لأوربا حدث في عام 710م أي بعد ما يقرب من 4 قرون من الغزوات الإسلامية.. وقد حدثت بعد أن طفح كيل أوربا جرّاء الغزوات والإعتداءات الإسلامية، وبالتالي فقد كانت رد فعل على الغزو الإسلامي لأن المسلمين كانوا البادئين في الغزو. ولعلم السيد الكاتب -أيضاً- أنه منذ الوهلة الأولى التي حط فيها المسلمون في إسبانيا في العام 710، إولغاية الحصار العثماني الثاني لفيينا في العام 1683، كانت أوربا تحت تهديد وحصار مستمرين من المسلمين.


3 - تعقيب
إدريس جنداري ( 2009 / 1 / 8 - 18:41 )
إلى أحمد علي
الإسلام كغيره من الاديان الاخرى يجب أن يعرض للقراءة النقدية
و لذلك انصحك أن تطلع على العلوم الإنساني ؛ لأنها الوحيدة التي ستساعدك على تغيير رؤيتك للأمور
إلى سلام فؤاد
ماذا تصحح يا صديقي ؟؟؟ أنا لم أتناول الجانب التاريخي ؛ بل ركزت فقط على تناول الفكر الديني باعتباره محرضا على العنف ؛ سواء كان الإسلام أو المسيحية أو اليهودية

اخر الافلام

.. التوتر بين روسيا وإسرائيل يتصاعد.. هل يخرق نتنياهو خطوط بوتي


.. إيران تؤكد أنها ستدعم حزب الله في حال تعرضه لهجوم إسرائيلي




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي لسوق بحي الزيتون


.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف خلية في مخيم نور شمس بطولكرم أ




.. الدفاع الروسية تعلن استهداف 5 مقاتلات أوكرانية بصواريخ إسكند