الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استهجان المقاومة في غزة!!

صالح سليمان عبدالعظيم

2009 / 1 / 12
مواضيع وابحاث سياسية



أغرب ما يواجهنا تجاه ما يحدث في غزة الآن هو استهجان البعض لما فعلته حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى من الدخول في مواجهة مع إسرائيل. ومن خلال هذا الاستهجان يتم الترويج لأشياء كثيرة، مخيفة ومبتذلة في الوقت نفسه، مثل الحديث عن جدوى المقاومة، والكيفية التي يتم بها مواجهة القوة العسكرية الإسرائيلية الضخمة، والحديث عن الخسائر المدنية الهائلة، إضافة للمقارنات الدائمة بين ما حدث من دمار في جنوب لبنان وبين ما يحدث في غزة الآن. وعلينا هنا ألا نضع الجميع في سلة واحدة. فالبعض يرفض ما قامت به حماس من خوف حقيقي على الفلسطينيين وليس من أجل حسابات سياسية ضيقة ومصالح أقرب للخيانة منها لأية دوافع وطنية أخرى.
الغريب في الأمر هنا أن الكثيرين وقفوا عند مسألة إنهاء التهدئة وإعادة إطلاق الصواريخ بدون تناول جذور المشكلة. وكعادتنا نحن العرب في تناول القضايا السياسية الهامة أننا نتناولها من النهايات دون البدايات والمقدمات والتداعيات المرتبطة بها. فمنذ صعود حماس سدة الحكم بناء على انتخابات حقيقية ونزيهة أصاب البعض في عالمنا العربي هلع شديد، ورغبة عارمة في التخلص من هذا التنظيم الذي لا يعترف بإسرائيل ويصر على المقاومة. واللافت للنظر هنا أن البعض قد وجد سهولة ويسر في التناغم مع الخطاب الأميركي الإسرائيلي الرافض لحماس، أكثر من إمكانية تعايشه معها وقبوله بالأمر الواقع. بل وصل الأمر بالبعض إلى تصوير حماس على أنها جماعة من الإرهابيين وقطاع الطرق متناغما في ذلك مع التهم الجاهزة والتنميط المسبق لكل من يرتبط بالإسلام في عالمنا العربي.
منذ وصول حماس للحكم تعامل معها العرب على وجه الخصوص بوصفها شيئا دخيلا على الكيان الفلسطيني، ناهيك عن طريقة التعامل الغربي الذي أنكر في الواقع أهمية صوت الشعب الفلسطيني الذي أوصل حماس لدائرة الحكم والضوء. علينا هنا أن نضع في الاعتبار أن ما يحدث في غزة الآن ليس عقابا لحماس فقط لكنه عقاب للأصوات التي أوصلت حماس لسدة السلطة.
وتصاعدت وتيرة هذا الرفض مع الحصار الرهيب للبشر في غزة والذي يمثل سبة في جبين العرب وفي جبين المجتمع الدولي المعاصر. فحتى في ظل الفصل العنصري في جنوب أفريقيا لم يمارس المجتمع الدولي حصارا هائلا وبربريا مثل الذي فرض على غزة وأهلها. ألا يمثل هذا الحصار بالنسبة للبعض حربا مسبقة على أهل غزة وليس حماس وحدها. ألا تمثل الطريقة التي تعاملت بها إسرائيل وأذيالها مع أهل غزة قمة المهانة والإذلال. وكيف يمكن الحديث عن سلام في ظل حصار لا يراعي الحدود الدنيا من الإنسانية بدءا من توفير الغذاء وانتهاء بالأدوية.
يهمل الكثيرون تلك الصورة التي كانت عليها غزة قبل اندلاع تلك الحرب الشرسة ضدها، وهو في رأيي إهمال متعمد ومجرم يهدف في النهاية إلى إلقاء اللوم على حماس وزعزعة ثقة الشعب الفلسطيني في ذاته، وتحويل الضحية إلى جلاد، وتبرئة إسرائيل مما تقوم به الآن ضد الشعب الفلسطيني. لا يتعلق الأمر فقط بالحصار لكنه يتعلق أيضا بالقتل اليومي الذي مارسته إسرائيل ضد النشطاء الفلسطينيين في قطاع غزة، وكأن التهدئة التي يرتئيها البعض لغزة ترتبط بقتلهم وتكبيل أيديهم في حق الرد على قاتليهم. منطق أعوج وخارج أعراف التاريخ، منطق لا يقبله سوى الأذلاء الخانعين.
إن القبول بالإذلال هو ما يدفع البعض هنا للحديث عن جدوى إنهاء التهدئة في ظل تباين حاد في القوى بين إسرائيل الهمجية وبين حماس. لا يرى هؤلاء أن المقاومة مسألة لا تقاس دائما بحجم القوة، وهنا لن نستدعي مآثر المسلمين الأوائل والرسول العظيم في غزوة بدر بقدر ما نستدعي الكثير من تجارب التحرر في العالم المعاصر في الجزائر وفيتنام وجنوب أفريقيا وغيرها الكثير والكثير من أشكال المقاومة التي لو فكرت لوهلة في حسابات القوة وتبايناتها لما أقدمت على مقاومة المستعمرين ومواجهتهم.
لا يجب أن نتعامل مع حماس والتنظيمات الفلسطينية المقاومة الأخرى على أنهم غير عقلاء ومجانين يتوقون إلى الموت، بقدر ما يجب النظر لأوضاعهم ومتطلبات الكرامة الإنسانية التي يدفعون بسببها كل غال ونفيس. المسألة لا تكمن في حسابات القوة بقدر ما تكمن في حسابات الكرامة والرغبة في المقاومة والصمود.
لقد نجحت إسرائيل في جر بعض الأقلام العربية في الحديث عن العقلانية، وفهم مجريات الأمور، بل وصل الأمر بالعض للأسف لإدانة حماس ومحاولة النيل منها سواء عن قناعة شخصية أو خدمة لبعض الأنظمة العربية. وعلينا هنا أن نسأل أي من هؤلاء الذين يلومون حماس ما الذي يمكن أن تفعلوه وأنتم في مكان أهل غزة وترون أهلكم وذويكم يُداسون بالأحذية ويعاملون بامتهان يوميا على أيدي جنود الاحتلال. هل سوف تفكرون في حسابات القوة وتبايناتها العقلانية أم سوف تندفعون للمقاومة بغض النظر عن الخسائر. نحمد الله أنكم ليسوا بين أهل غزة الآن، فحماس وغيرها من التنظيمات المقاومة لا تحتاج المزيد من المرشدين للمجرمين الإسرائيليين. عاشت المقاومة الفلسطينية ورحم الله شهدائنا الأبرار ووقانا شر الخونة والمرشدين.














التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عبارتك الأجمل
صائب خليل ( 2009 / 1 / 11 - 20:04 )
الأستاذ صالح سليمان، تحيتي لك
موضوعك جميل وأعجبني فيه بشكل خاص عبارتك:-صاب البعض في عالمنا العربي هلع شديد، ورغبة عارمة في التخلص من هذا التنظيم الذي لا يعترف بإسرائيل ويصر على المقاومة. -
تقبل مني التحية والإحترام


2 - ما ذا كانت تسعى حماس من المواجهة الحالية؟
خالد عبد الحميد العاني ( 2009 / 1 / 12 - 00:44 )
الأستاذ صالح
تحياتي
هل ممكن أن توضح لنا ماهي أهداف حماس من الدخول في هذه المواجهة وما هي اليات تحقيق النصر على العدو الصهيوني؟ أرجو أن لا تقول لنا أن الله سوف يرسل الملائكة لتقاتل مع الشعب الفلسطيني وشكرا.


3 - الي السيد العاني
محمد عبعوب ( 2009 / 1 / 12 - 10:40 )
يبدو لي أنك لم تقرا المقال بقلبك وعقلك، الم يقل لك الكاتب -وكعادتنا نحن العرب في تناول القضايا السياسية الهامة أننا نتناولها من النهايات دون البدايات والمقدمات والتداعيات المرتبطة بها -بطرحك للسؤال تكون قد تناولت المسألة من نهاياتها واهملت جذورها الاولى، فهل لحماس وغيرها من تنظيمات فلسطينية خيار آخر غير خيار المقاومة؟؟!! ماذا حققت اوسلوا وانابوليس وووادي عربة وووو...؟؟؟
سيدي هذا العدو لا ولن يعترف بوجود الفلسطينيين إلا كمشردين في كل بقاع الارض أو لاجئين مؤقتين في ارضهم سيدفعهم شظف العيش والقهر في يوم ما الى مغادرتها بانفسهم.. المشروع العبري نقيض للدولة الفلسطينية مهما صغر حجمها وبالتالي فإن المواجهة مفروضة على الفلسطينيين والعرب ،والفرق بين حماس وبقية الفصائل والدويلات العربية أن الأولى قررت خوض المواجهة وإثارة القضية، والآخرين آثروا العيش حتى تحت الجزم الاسرائيلية.. لم يعد لتساؤلك اي معنى سيدي فمن فرض المواجهة هو العدو العدو العدو، وحماس بغض النظر عن ايدولوجيتها قررت قبول المواجهة اماالملائكة والغيبيات الشماعة التي كثيرا ما نستعملها لتبرير مواقفنا فلن تنفع في تضلايلنا وابعادنا عن واقع وحقيقة ما يجري...


4 - إلعدو فرض المواجهة فماذا أعددنا
خالد عبد الحميد العاني ( 2009 / 1 / 12 - 17:33 )
الأخ محمد عبعوب
أنا مع المقاومة إذا توفرت لها شروط تحقيق النصر وضد المقاومة العبثية التي تستخف بأرواح البشر من أجل تحقيق مكاسب سياسية ضيقة إنها مغامرة وليست مقاومة فشهاء غزة تجاوز 800 والجرحى تجاوز ال5000 أما خسائر العدو هي واحد لكل 150 والنسبة تتزايد بمرور الوقت.

اخر الافلام

.. رغدة تقلد المشاهير ?? وتكشف عن أجمل صفة بالشب الأردني ????


.. نجمات هوليوود يتألقن في كان • فرانس 24 / FRANCE 24




.. القوات الروسية تسيطر على بلدات في خاركيف وزابوريجيا وتصد هجو


.. صدمة في الجزائر.. العثور على شخص اختفى قبل 30 عاما | #منصات




.. على مدار 78 عاما.. تواريخ القمم العربية وأبرز القرارت الناتج