الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المصالحة الوطنية كبديل للدكتاتورية

مهند البراك

2004 / 3 / 15
ملف - اذار/ نيسان 2004 - مرور عام على الغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري


يدعو العديد من الزعماء والشخصيات السياسية والأجتماعية والروحية الى المصالحة الوطنية، والسعي لأيجاد ارضية جديدة للعيش المشترك لأبناء الوطن الواحد، بعيداً عن العنف والقسر والحرب، بعد ان سقطت الدكتاتورية وانكسرت قبضة القمع.
وتأتي تلك الدعوة الطيبة وتزداد حضوراً الآن، في بلد متعدد الأعراق والقوميات والأديان والثقافات، ادّت الى تنوع الأجتهادات وظهورها باشكال وصيغ متنوعة، شقّت طريقها في محيط تحكّم فيه العنف، لمراحل وسنوات طويلة لم تخلُ من فترات قصيرة من الأنفتاح، وقد أستغلّها الدكتاتور المنهار ووظّفها لضرب الآخر، ممزقاً البلد اقتصادياً، قومياً،دينياً ومذهبياً، اجتماعياً وسايكولوجياً، ومستمرة آثارها بالفعل بعد سقوطه.
وتزداد الدعوة الحاحاً، بعد انهيار آلة القمع والأرهاب وآلياتها السياسية والعسكرية والأجتماعية، التي أُجبر على العيش تحت سياطها الملايين، رجالاً ونساءاً في الوقت الذي رفضها وتحدّاها مئات الآلاف بكلّ الأشكال، ممن واجهوا ورفضوا وتحمّلوا تبعات ذلك الرفض، ودفعوا ثمنه استشهاداً وتعذيباً وتعويقاً، شباباً وصحة، تشريداً وفقرا،ً وحدة وضياعاً، عرباً وكرداً واقليات، اسلاماً سنة وشيعة ومسيحيين ومن كلّ الطوائف، طيلة خمسة وثلاثين عاماً . . . الاّ ان الدكتاتورية استمرّت لتسقط بعدها بفعل خارجي وليس بفعل ضربات ابناء البلد وبناته، ولابفعل الحاجات الأقتصادية ـ الأجتماعية الداخلية ووعي الحاجة اليها، والتي مُنعت وأعيقت عن النمو بفعل ذلك القهر.
الأمر الذي ترك ويترك عوامل لاتزال فاعلة، تاركة بصماتها في الواقع العراقي اليوم، شاء البعض منّا ام ابى، لأنها وفي جوهر واقع عدد منها، لم تُستنفذ بعد اقتصادياً، اجتماعياً، سايكولوجياً وبالتالي سياسياً وفق الآليات التي لازالت قائمة وعدم وجود بديل واضح بعد، بعد التحوّلات الأقتصادية ـ الأجتماعية الشائهة التي شوّهت وبنت بالتالي مجتمعاُ مشوّهاً مغلقاً غير متفاعل مع تطوّرات العالم والمنطقة، الاّ بالقدر الذي خدم ديمومة الدكتاتورية، طيلة حكمها .
وفي الوقت الذي ترفض فيه الغالبية الساحقة المصالحة ان عنت مصالحة الضحية والجلاد، وتحذّر من مصالحة وطنية غير واضحة قد تعني تحريف الأرادة الشعبية والدعوة لعودة رجال النظام الدكتاتوري المنهار للحكم، وتطالب بتحديد الجلاد كنظام اجتماعي سياسي اقتصادي، وتحديد الضحية التي تضمّ ضحايا ذلك النظام من اقسام وفئات الشعب السياسية، الأقتصادية، الأجتماعية والقومية والدينية ليتمّ بضوئه معاقبة المجرمين بعد احالتهم الى القضاء.
يذهب البعض الى حصر القضية في اتهام ومطاردة اشخاص كثيرين، في كل موقع من مواقع المجتمع، للأقتصاص المباشر منهم . . الأمر الذي ادىّ ـ اضافة الى الخوف ـ الى اسراع العديد منهم الى الأنضمام والتمترس باحدى التجمعات والأحزاب الجديدة التي نشأت على عجل عقب سقوط الدكتاتورية او وجدت فرصتها فيها، متسلحين بما جمعوا من اموال، رافعين راية الخلاف والصراع العنيف من مواقع جديدة وبلغة جديدة، مواصلين حالة الفرقة على الأرضية الجديدة، للحفاظ على مصالحهم وامتيازاتهم في الواقع الجديد .
لقد سقط الدكتاتور واصبح سقوطه وعدم دفاع احد عن عرشه الكريه حقيقة واقعة. وبسقوطه سقط هرم الدكتاتورية الشمولي الذي كبّل كلّ الشعب بدرجات متفاوتة وبشكل اخص الفئات الفقيرة، وتسبب بخسائر هائلة متنوعة بعد ان قهر وفرض ارادته على كل الفئات والمصالح وشوّه آلية اعمالها لتصب بمصلحته هو فقط، وادامة دكتاتوريته .
واذا كانت دكتاتورية صدام شمولية، فان سقوطها بالتالي شمولي ايضاً ، يتطلّب بديلها تغييرات شاملة، تشمل السياسة، الأقتصاد وآلياته ( السوق، القطاع ؛ الخاص، العام، المختلط، التعاوني . . )، الفكر وآلياته ( مدرسة، جامعة، صحافة، مطبوعات، راديو، تلفزيون، سينما . . ). في وقت يعتبر فيه الكثير من الباحثين والأخصائيين ان الأنسان هو اصعب واعقد اهداف تلك التغييرات، التي تتطلّب بناءاً تحتياً مناسباً .
وتنبع الصعوبات من صعوبة تحديد الأضرار والتغييرات غيرالمادية ( حجم الخسارة النفسية جرّاء الحرب وفقدان الأحبة، فقدان الشخصية الأصلية، بناء الشخصية، آليات علاقة الفرد بالجماعة، العدوانية والتسلّط، مفاهيم الفرد عن الحياة وعن تعويض الخسائر، الربح والخسارة وآلياتهما . . ) وبالتالي صعوبات علاجاتها . الأمر الذي ازداد تعقيداً بسقوط النظام بعامل خارجي، الذي رغم انه ازال الدكتاتورية المكروهة، الاّ انه ارتكب اخطاءاً بدأت من اعلان الأحتلال، الى حل الدولة وارتكاب اخطاء لم تكن مقبولة لدى اقسام واسعة من الناس . . اضافة الى ادوار دول الجوار التي انطلقت ولاتزال من مصالحها هي، ثم ارهاب منظمات الأرهاب الدولية وفلول صدام . .
وفيما يرى كثير من الباحثين ان المصالحة الوطنية تعني، المصالحة الأجتماعية للوقوف امام خطر يهدد سلامة المجموع، يرى آخرون انها مصالحة ضرورية للتعايش معاً وتقبّل الآخر، وتذليل وحل التناقضات بعيداً عن العنف والهيمنة من اجل مكتسبات للجميع بضوء بوصلة مستقبل افضل، يحقق نوعاً من الرفاهية ويحسّن من اوضاع الكادحين، يشجّع ويفتح مجالات للفئات الوسطى .
واذا ما تحقق نجاح سياسي حزبي ملموس بالأتفاق على قانون ادارة الدولة الأنتقالي، الذي يعتبر خطوة هامة على طريق الأستقرار، او التغيير المستقر ـ رغم صيحات عدم رضى هنا وهناك، يرى كثيرون ان لاداع لها، لأن القانون يغطي مرحلة انتقالية ويشكّل قانوناً مؤقتا يمكن تغييره باسلوب دستوري حضاري في مرحلة مستقبلية ـ . . فان ذلك النجاح السياسي يشكّل خطوة وبداية ناجحة للمصالحة الأجتماعية الأكثر تعقيداً، اذا ما حسنت النيات وتوفرت الثقة وتلبى الحد المقبول من المصالح بعد تعديلها لصالح البديل الديمقراطي المنشود.
ومثلما لاتزول آلام من اضطهدوا بقرار، فأن الألتفاف على القرارات الجديدة التقدمية وافراغها من محتواها لايرتدع بقرار ايضاً، بتأثير النفاق الأجتماعي الذي بناه صدام بالحديد والتعذيب والنار والحرب طيلة خمسة وثلاثين عاماً وشكّل الوسيلة الأساسية للبقاء على قيد الحياة في زمنه، وستبقى آثاره تتحكّم برأي الكثيرين ان لم يجرِ وضع حلول والتصديّ بقوة لها ومواجهتها في المجالات التي جرى ذكرها، والعمل على تجفيف منابعها للوقاية من مخاطرها فيما لو نكأت الجروح بأي طارئ . . فالعودة الى الوضع الشخصي المشوّه السابق سلوكاً وممارسة امر سهل، بحكم التربية الأولى التي استمرّت طويلاً نسبيّاً اضافة الى العادة والتعوّد، ثمّ بسبب الفوضى والأرهاب والبطالة .
ويذكّر عديدون بحجم الجهود التي بذلت في المانيا بعد الحرب، لأطفاء النزعات العدوانية التي بعثها وشوّهها وزرعها النظام النازي الذي سقط . . من معاقبة المجرمين وحل مشاكل الأمن والبطالة، و تحقيق جديد من حياة مقبولة و رفاهية دون الحاجة الى الفوهرر . . الى معسكرات التثقيف الأجبارية و زيارات العالم والتعرّف على حياة البشر، مع العلم ان العنف والنزاعات الداخلية فيها آنذاك لم يأخذا شكل وحجم وعمق ما جرى في العراق .
ان تحقيق وضمان سلامة الوحدة الوطنية، لابدّ ان يمرّ في طريق تحقيق مصالحة وطنية على اسس من تحديد ومعاقبة كبار المجرمين، ضمان تكاتف وتلاحم قوى التغيير على اساس انهاء حالة الأحتلال وقيام حكم وطني، بناء عراق جديد قائم على رفض العنف لحل الخلافات ، وتوفير آليات التوصل الى القناعة وبالتجربة بأمكان الحصول على الحقوق عبر القانون ومؤسسات الدولة ـ بعد تعويض المتضررين وتفعيل سياسة من اين لك هذا؟ ـ وفهم ان النزاعات التي حصلت لم تكن بفعل افراد بعينهم، وانما لأنهم كانوا جزءاً من نتاج آلية نظام اقتصادي اجتماعي ايديولوجي قومي شوفيني قسري، عاش على الأرهاب والمقابر الجماعية، وسقط لأنه اضرّ بالبلاد واهلها وخرّبها وفشل في الحكم .
اضافة الى بذل الجهود كلّها من اجل الأمان والخبز وحل مشاكل البطالة وفتح الباب امام تطوّر اقتصادي اجتماعي ثقافي حضاري، واستثمار ثروات وامكانات البلاد لتحقيق حياة افضل لملايين الفقراء، وشكل من الرفاه الأجتماعي وضمان تطوّره وصولاً الى شعور الفرد انه فعلا في مجتمع جديد وحياة جديدة، ينخرط بها و يمنحها تأييده ويستعد للدفاع عنها .

14 / 3 / 2004 ، مهند البراك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بودكاست تك كاست | شريحة دماغ NeuroPace تفوق نيورالينك و Sync


.. عبر الخريطة التفاعلية.. كتائب القسام تنفذ عملا عسكريا مركبا




.. القناة الـ14 الإسرائيلية: الهجمات الصاروخية على بئر السبع تع


.. برلمانية بريطانية تعارض تسليح بلادها إسرائيل




.. سقوط صواريخ على مستوطنة كريات شمونة أطلقت من جنوب لبنان