الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من دروس أحداث غزة : العلاقات الدولية تقوم على المصالح لا على الأخلاق

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2009 / 1 / 9
القضية الفلسطينية


كل من يتابع ما يجري بخصوص مواقف الدول الكبرى في العالم من القضايا العربية ؛ لا يتردد لحظة في إدراك أن هذه المواقف تأتي دوما ضدا على قضايانا ؛ و هذا ما يجعل الشارع العربي يتهم هذه الدول بأنها ضد العرب و المسلمين ؛ و يسير أبعد من ذلك حينما يستدعي نظرية المؤامرة ليؤكد أن الأمة العربية مستهدفة ؛ و أن الحرب ضد الإسلام .
لكن إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية أخرى ؛ نجد سياسة المصالح المشتركة هي التي تحكم العلاقات بين الدول ؛ و ليست الأخلاق و العواطف ؛ و لا يمكن لأي دولة في العالم أن تدعم قضايانا إذا لم ترتبط بنا بمصالح مشتركة ؛ و في الآن نفسه لا يمكن لأي دولة في العالم أن تهدد مصالحها في علاقتها بدولة أخرى في سبيل دعم قضايانا بشكل مجاني .
و في هذا الإطار يمكن التوقف لمساءلة تلك الجلبة التي سادت العالم العربي بانتخاب باراك أوباما على رأس الإدارة الأمريكية ؛ باعتبار جذوره الإسلامية ؛ و باعتبار نشأته في جزء من حياته في دولة إسلامية ؛ و يذهب البعض بعيدا حينما يعتبر أن اسمه الحقيقي هو براق و ليس باراك ... و يتعاظم هذيان العالم العربي منتظرا بفارغ الصبر نجاح أوباما في الانتخابات لنصرة قضايانا العربية و الإسلامية ؛ التي انتهكت في عهد بوش .
لكن ما ننساه في تفاؤلنا المفرط هذا هو أن باراك أوباما –أو غيره- لا يمثل نفسه بل يمثل دولة لها سياستها الخارجية الخاصة التي تقوم على المصالح المشتركة في علاقتها مع مجموعة من الدول الأخرى في العالم ؛ و منها إسرائيل –عدونا اللذوذ- التي عرفت كيف تتسلل إلى العمق الأمريكي لتتحكم في توجيه سياسته الخارجية لخدمة مصالحها .
و في غياب هذا الوعي يقف العالم العربي - بعامته و نخبه - من المحيط إل الخليج مشدوها من الدعم اللامحدود الذي تتلقاه إسرائيل من جميع الدول الكبرى في العالم ؛ من أمريكا إلى أوربا إلى ... حتى و هي تقترف أبشع الجرائم ضد الإنسانية في حق الأطفال و الشيوخ و النساء ؛ و هي أعمال يجرمها القانون الدولي و يحاكم مقترفيها .
لكن ما ننساه هو إسرائيل نسجت خيوطا عنكبوتية ؛ تقوم على المصالح المشتركة التي تربطها مع معظم الدول الفاعلة في العالم ؛ و هذه الدول لا يمكنها أن تضحي بمصالها خدمة للمقاربة الحقوقية التي تمنع حدوث هذه الجرائم ؛ و لذلك نجد الإدانة و الاستنكار لا تتجاوز في هذه الدول المجتمع المدني و النخبة المثقفة ؛ و هي قوى غير مرتبطة بأجهزة الدولة ؛ و بالتالي لا يمكنها أن تؤثر على صنع قرار دولها بخصوص ما يرتبط بالسياسة الخارجية لهذه الدول .
إن المطلوب من النخب الثقافية و السياسية و الاقتصادية العربية اليوم و مستقبلا هو أكثر من إدانة الدول الكبرى في العالم ؛ لأنها لا تتعاطف مع مجموع قضايانا التي نعتبرها عادلة ؛ و كذلك أكثر من التعامل مع السياسات الخارجية لهذه الدول تعاملا أخلاقيا .
إن الرهان المطلوب يتعلق بقدرة هذه النخب على نسج مصالح مشتركة مع هذه الدول للتأثير على سياساتها الخارجية ؛ و الاستفادة منها لخدمة قضايانا . و أنا أركز هنا على النخب الاقتصادية خصوصا ؛ و التي تتحمل المسؤولية بشكل مضاعف ؛ لأنها لم تتمكن إلى اليوم من تشكيل لوبي اقتصادي عربي على شاكلة اللوبي الصهيوني في الدول الكبرى يكون قادرا على مزاحمة إسرائيل في التأثير على السياسات الخارجية لهذه الدول في العالم ؛ و هذا لا يرتبط بتاتا بانعدام الوسائل ؛ بل يرتبط في العمق بالفشل في استخدام هذه الوسائل ؛ لأن الطفرة النفطية التي تحققت خلال السنة الفارطة في دول الخليج قد وفرت ملايير الدولارات ؛ لكن هذه الملايير لم تستغل استغلالا واعيا في تشكيل لوبي اقتصادي عربي في أمريكا و أوربا و الصين و اليابان و بريطانيا و روسيا ؛ كدول فاعلة في صياغة القرار الدولي ؛ خصوصا و أن الأزمة المالية التي تمر منها مجموع هذه الدول تعتبر فرصة سانحة أمام الرأسمال العربي للتغلغل في المؤسسات الاقتصادية الكبرى في العالم ؛ عبر السيطرة على أسهمها في البورصات العالمية .
إن نجاح العرب في تشكيل هذا اللوبي الاقتصادي ؛ هو ما سيمكن من تشكيل لوبيات موازية ترتبط بالثقافة و الإعلام ؛ و التي يمكنها أن تؤثر على الرأي العام الدولي و تحوله لخدمة قضايانا التي نعتبرها عادلة .
إن الصراع الذي يجب أن نخوضه اليوم ضد إسرائيل –كدولة استعمارية- يتجاوز حجارة الأطفال كما يتجاوز استراتيجية الجهاد و الاستشهاد ؛ إنه صراع يقوم على نسج شبكة من المصالح مع الدول الكبرى ؛ و التي يمكنها لوحدها أن تكون قادرة على دعم قضايانا و توفير الوسائل التقنية القادرة على تمكيننا من المواجهة ؛ و منها الحق في امتلاك المعرفة العلمية المرتبطة بالمجال العسكري ؛ و الدفاع عن حقنا في امتلاك أسلحة الردع النووية التي تمتلكها إسرائيل دون أن تتحرك وكالة الطاقة الدولية للقيام بحملات التفتيش ؛ التي مهدت لتدمير العراق ؛ و تمهد الآن لتدمير سوريا ؛ و يمكنها مستقبل أن توسع الدائرة
و في ظل غياب هذا الوعي ؛ الذي يجب أن يعوض حملات الشجب و الإدانة و الاتهامات للدول الكبرى في العالم و لمجلس الأمن الدولي بالتواطؤ مع إسرائيل ضد قضايانا ؛ في ظل غياب هذا الوعي بأن العلاقات الدولية تقوم على المصالح المشتركة لا على الأخلاق و التعاطف ؛ في ظل غياب هذا الوعي سنستمر في تخبطنا خبط عشواء ؛ نخرج إلى الشوارع بالملايين ؛ و نستعطف الرأي العام الدولي ؛ و ندعو الله أن ينصرنا ... و لكن الأكيد هو أننا لن نحقق هدفا واحدا من أهدافنا المسطرة ؛ بل ستستمر النكبات تلو النكبات و الهزائم تلو الهزائم ؛ و سيستمر القتل و التنكيل بالشعوب العربية ... و ذلك –أكرر- لأن العلاقات الدولية لا مجال فيها للأخلاق و الدين و القيم ؛ بل تقودها المصالح المشتركة بين الدول .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر بين روسيا وإسرائيل يتصاعد.. هل يخرق نتنياهو خطوط بوتي


.. إيران تؤكد أنها ستدعم حزب الله في حال تعرضه لهجوم إسرائيلي




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي لسوق بحي الزيتون


.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف خلية في مخيم نور شمس بطولكرم أ




.. الدفاع الروسية تعلن استهداف 5 مقاتلات أوكرانية بصواريخ إسكند