الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سبع قذائف.. وقذيفة

هشام أبو شهلا

2009 / 1 / 10
القضية الفلسطينية


شمعة أمامي، وسماء غزة من فوقي، وجريدة الأمس تنتظر مصيرها المحتوم، أوراق عذراء، وصوت المذياع بالكاد يتغلب على سمفونية أوركسترا الموت من خلفي؛ صراخ، زخات الرصاص المصبوب، طنين المقاتلات كأنها بعوضة تسرق منا الحلم في ليلة باردة، وقذيفة..

ترتعد النافذة خوفاً، أترك أوراقي وأنظر إلى السقف، ولحسن حظي لا يزال مكانه،عويل سيارات الإسعاف الذاهبة إلى حيث سبقها الموت، أرفع صوت المذياع قليلاً،خبرُ عاجل، انفجار وقتيل. يا ترى، ما اسمه؟ ما عمره؟ أمتزوج، أم أنه – ولحظ الأولاد – لم يفعلها بعد؟ من سيقول لوالدته الخبر؟ أسئلة من وحي الخبر العاجل، كذب الخبر العاجل ولو صدق، أسئلة تزدحم، ولا يبعثرها إلاّ خبرُ آخر، وقذيفة..

يقول الخبر، أن القتيل أصبح اثنين، عفواً، ورد الآن أنهم ثلاثة، أربعة، خمسة.. يجيب المذيع، ولكن من يسأل؟ ومن يهتم؟ لماذا يفترض المذيع أننا نسأل، كم؟ صوتُ آتٍ من العدم؛ هل كلنا شهداء؟ لا جواب. يعلو الصوت على أنين الصمت، ويتكرر السؤال؛ هل كلنا شهداء؟ لماذا نجيب؟ بماذا نجيب؟ لا وقت للإجابة ولصور الجدران، نحن نصفق، نحن نكفنهم بخبر عاجل، يجرف أسماءهم في إحصائية، بعد أن سرقت منهم الجسد، قذيفة..

سألت مخرجاً ذات مرة، لماذا يتكرر هذا المشهد التراجيدي في كل فصل؟ في كل مسرحية؟ فيجيب؛ لقد صفقوا له أول مرة، فنثرناه في بياض الورق، لتكتمل المسرحية. يُكمل، يا بنيّ؛ عندما ينزفون لك تصفيقاً في المرة الأولى، ستصاب به وبالركام، وستفعل المستحيل من أجله، ستقتل الممثلين وكاتب السيناريو، بل وحتى نفسك، ولن تبالي كثيراً من أين جاءت القذيفة..

يا سادة، جرّبوا شيئاً جديداً، فالجديد أيضاً يستدعي التصفيق. كم مرة تنعون أشلاءكم؟ كم مرة تقيمون الجنازة؟ كم يوماً تغرقون في وحل الأخبار؟ لا تتركوا البيت يحترق، ولو على سارقيه، فالعنب عنبي، وأنا لا أغفر الذنب ولكن، أعفو عند المقدرة، عند المجزرة، عند المعركة. أعفو حين تصلي البنادق، كل البنادق، لقبلتها الأولى. اتركوا الموت للموتى يا سادة، وجرّبوا أن تحيوا يوماً واحداً للوطن، فقد يعلو التصفيق يومها، على صوت القذيفة..

بعد نشوة الرماد والتصفيق، تستيقظ فينا الكلمات، خجلةً، فهي لن ترتق للأحمر، بينها وبينه سبع بحار، وعصا موسى مفقودة منذ أزل، يركض ما تبقى منها إلى صدرٍ عارٍ، لتغمض عينيها، وتبكي. تعانق وجع المنازل، وشاباً يزرع روحه مدويةً بالمداخل، تصلي الكلمات للجدران الحزينة وللمناجل، لجسدٍ توحّد بما حوله من أشياء غامضة، واختار بنفسه ما سوف يكون، لأن الموت ليس خياراً، ليس خياراً، هذا جواب الجسد، وجواب القذيفة..

وغزة اكتمال الأسئلة، لمن وراء ظهرها، لمن وزّعتهم الشمس على نافذتين، فنسوها وعبدوا الستائر، لأغصانٍ خائفة، سقطت بمرور العاصفة. كفّوا أيديكم عن غزة، واتركوها وحيدة، تفرد خصلات صمتها السوداء على الشاطئ، تقرأ التقاء الأزرقين، وتداري قدميها العاريتين خجلاً من أمواج تلاطمت تقبّلهما، والموت من ورائها ينشر ما غسلته قذيفة..

لملمي الوطن – أو ما تبقى – من على حبل الغسيل، ولتعلقي أحلامك يا غزة، على أنجم جديدة، فكلما زادت وطأة الظلام اشتدادا، توهج الحلم وتمادى. افردي جناحيك صعوداً، وانشريهما صموداً، وليكن ما شئت، لن تصعدي الحصار، ولن ننتظر القيامة. لا تشبهي أمسك أبداً، انتزعي قميصك غزة، وأجيبيهم دماً، وقذيفة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زاخاروفا: على أوكرانيا أن تتعهد بأن تظل دولة محايدة


.. إيهاب جبارين: التصعيد الإسرائيلي على جبهة الضفة الغربية قد ي




.. ناشط كويتي يوثق خطر حياة الغزييين أمام تراكم القمامة والصرف


.. طلاب في جامعة بيرنستون في أمريكا يبدأون إضرابا عن الطعام تضا




.. إسرائيل تهدم منزلاً محاصراً في بلدة دير الغصون