الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إحراجات غزة

خالد صبيح

2009 / 1 / 10
الارهاب, الحرب والسلام


ادخل الاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة جميع الأطراف المشتركة فيه والمعنية به ‏في حالة من الحرج. فبعد ان كشفت وسائل الإعلام المرئية الطبيعة الهمجية ‏للعدوان، وبشكل لا يمكن فيه لضمير ان يبقى في حالة سكون( إلا إذا كان ضميرا ‏حجريا) وأظهرت ان الضحايا هم أناس مدنيون وكثرة كثيرة منهم أطفال ليسوا معنيين ‏لا بحماس ولا باسرائبل ولم يكن لهم في هذه الحياة، التي غدروا فيها، سوى ‏اللهو البريء.‏

‏ خرجت المنظمات الإنسانية ( الاونروا والصليب الأحمر) عن صمتها وحيادها، وفضحت ‏إسرائيل وأدانتها بعدما تكشف للرأي العام العالمي بشاعة الجريمة. وبهذا فقد ‏دخلت إسرائيل في حالة من الحرج بعدما اهتزت صورتها المزيفة أمام العالم التي ‏راهنت على صمته طويلا. وما ضاعف هذا الحرج هو أنها أضاعت فسحة الوقت ‏الثمينة التي منحت لها ولم تحقق أهدافها بالطريقة السريعة والخاطفة التي عجزت ‏عن إتيان أمثالها منذ حزيران 67. ويبدو ان إسرائيل لا تريد ان تتعظ وتتعلم من ان ‏موازين القوى وأشكال المواجهة معها قد تغيرت، وانه أصبح عليها الآن خوض ‏صراعاتها العسكرية مع شعوب وتنظيمات شعبية، وهؤلاء لا يمكن الانتصار عليهم ولا ‏كسر إرادتهم كما يحدث مع جيش نظامي مستلب ومفكك ومشدود لحماية كرسي ‏السلطة.‏

‏ وبعدوانها المفتعل تكون إسرائيل قد أحرجت معها أصدقائها وحلفائها من العرب وغير ‏العرب. فلم تعد الإدارة الأمريكية غير معنية وتدير ظهرها لما يجري كما فعلت رايس ‏أول أيام العدوان حينما صرحت بأنها ليس لديها ما تفعله في الشرق الأوسط، ‏ورحلت صوب الصين تاركة وراءها إسرائيل تعبث كما تشاء في غزة. وأحرجت عدوانية ‏اسرائيل كذلك الأنظمة العربية المعنية بحل القضية الفلسطينية من الذين لم يترك ‏لهم هذا العدوان أي خيار او هامش لمناورة سورة الغضب المكبوت التي فجرها خروج ‏الشارع ومطالباته الصريحة والحادة بوضع حد لتهاون الأنظمة ومهادنتها.‏

‏ ولمداراة هذا الحرج توجه العرب إلى مجلس الأمن علهم يحركون هذه المؤسسة ‏المستأسدة على الدول الفقيرة والمغلوبة. ذهبوا بعدما عجزوا عن البقاء صامتين ‏وعن الاختباء طويلا وراء مؤامرة إيران وأجندتها. ذهبوا لمجلس الأمن وسعوا لتعاون ‏أوربي بعدما فشلوا في عقد قمة عربية اتقاءا لفضيحة التنافس والخلاف الذي يؤذي ‏مشاعر مواطنيهم. لكن وهم هناك تداركتهم مبادرة مصرية يبدو أنها تريد إنقاذ ماء ‏وجه كثيرين ومن بينهم إسرائيل. وإسرائيل سوف تسعى لاستثمار هذه المبادرة ‏وتوظيفها لصالحها قدر ما تستطيع. فقد حملت المبادرة في طياتها شروط إسرائيل ‏الأساسية، وان تضمنت بعض من شروط حماس التي يمكنها( إسرائيل)، بطبيعة ‏الحال، الانقلاب عليها متى تشاء. وسوف تحاول اسرائيل، من خلال هذه المبادرة ‏وغيرها، الظهور أمام العالم، بعد السخط ألذي ملأ شوارع مدن العالم على سلوكها ‏وعدوانيتها المفضوحة، بمظهر الداعي للسلام والمستجيب لجهود حل ألازمة، ولتبرز ‏من جانب آخر تطرف حماس التي سترفض مبادرة من هذا النوع لأنها لن تناسبها. ‏فحماس من جانبها مستغرقة بما هو خلف هذا العدوان. هي مهتمة بما يمكن ان ‏يعزز سلطتها المستقبلية وأجندتها المحلية أكثر مما يهمها مصير أبناء غزة، وهذا ‏من شانه ان يدخلها مع الأيام في دائرة الحرج هي ايضا. إذ لا يمكنها ان تماطل ‏كثيرا على حساب الأبرياء، وعليها ان تبدي المرونة الكافية لإنقاذ أبناء غزة، فهم في ‏النهاية ليسوا ملكيتها الشخصية لتفرط بهم كيفما تشاء. وعليها، ان كانت تريد ان ‏تحافظ على قدر الدعم الذي حصلت عليه، ان تحافظ على حياة المواطنين وتكف عن ‏تعصبها والمبالغة في مواقفها وسقف مطالبها، وتركن إلى ما يقرره الإجماع الوطني ‏الفلسطيني، وان تقبل دعوات الحوار مع السلطة الفلسطينية، ومع حركة فتح. وان ‏تتعاون مع الفصائل الفلسطينية وان تكف عن اعتبار نفسها الممثل الحقيقي ‏للشعب الفلسطيني وانها المعبر عن آماله وطموحاته. ‏

‏ فبعد قرار مجلس الأمن 1860 الصادر اليوم والداعي الى وقف إطلاق النار الفوري ‏وسحب القوات المعتدية، والذي عكس جهودا عربية نوعية بالقياس إلى مستوى ‏الأداء العربي الركيك طيلة السنوات الماضية، بعد هذا لا يحق لحماس ان تأخذ ‏الشعب الفلسطيني في غزة رهينة لأجندتها. وينبغي عليها ان تحترم إرادة الفصائل ‏الفلسطينية الوطنية. ولا يمكن وصف مواجهتها القرار الاممي بالرفض فورا، دون ‏الركون إلى أي تشاور مع الفصائل الوطنية الفلسطينية، إلا بأنه سلوك غير مسؤول ‏منها. لكن في نفس الوقت ينبغي التأكيد، لكي لا يساء الفهم، انه ليس مطلوبا من ‏حماس ولا من غيرها التنازل لابتزازت إسرائيل التي ستناور وتتملص.‏

‏ على حماس لأجل خدمة قضية شعبها، ولأجل سحب البساط من تحت اقدام ‏الإسرائيليين، ان تتحلى بالحكمة، وان تسعى لاستثمار الجو الايجابي ألذي وفرته ‏أزمة غزة لتوظفه سياسيا، وبالتعاون مع الأطراف الأخرى، لتخلق امكانات جديدة ‏لمعالجة القضية الفلسطينية معالجة شاملة. فالوضع السياسي، بعد منعطف ‏العدوان، يوحي بتحولات ممكنة في التعامل مع القضية الفلسطينية، ويمكن لو خلق ‏هذا الوضع الجديد واستثمر جيدا ان يؤدي إلى تطورات تفضي إلى مفترق طرق يضع ‏إسرائيل والمجتمع الدولي معها أمام مسؤوليات واستحقاقات الشرعية الدولية:‏
‏ فإما حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية وحسب ‏خطة زمنية مناسبة واليات تفاوض مسؤولة وبرعاية دولية، وإما انفراط لكل عقود ‏التفاهم ، وتعم حينها الفوضى، ويغدو من الصعب لملمة الموقف وإعادة المتصارعين ‏إلى طاولة الحوار مرة أخرى. وعندها سيكون العنف هو سيد الكلام وستتحطم آمال ‏السلام في المنطقة ربما مرة واحدة والى الأبد.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كلام سياسي جميل
ابو نيرودا ( 2009 / 1 / 10 - 09:30 )
نعم اخي صبيح كلام وطني ومعقول وبعيد عن التشنجات والمزايدات الصهيوامريكية هذة الحقيقة بعينها


2 - كلام سلس وواضح
عزيزجاسب الملا ( 2009 / 1 / 10 - 17:30 )
تحياتي لك واشاطرك الراي وتحليلك صائب جدا ويتسم بالواقعيه مع محبتي

اخر الافلام

.. رغم تردد واشنطن.. مشروع أوروبي يدين نووي إيران| #الظهيرة


.. حرائق مُستعرة على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية سببُها التصعي




.. صريحات صادمة لفاوتشي: التباعد الاجتماعي خلال كورونا لم يكن ل


.. رسائل من نتنياهو والسنوار وخامنئي بشأن خطة بايدن في غزة| #ال




.. استشهاد 8 فلسطينيين فى قصف لطائرات إسرائيلية استهدف عناصر من