الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الآن، وليس غدا

إكرام يوسف

2009 / 1 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


بفمي ماء، وهل ينطق من في فيه ماء؟ حتى كتابة هذه السطور بلغ شهداء عشرة أيام من العدوان على قطاع غزة 550 شهيدا والجرحى 2700، تفرقت دماؤهم بين أطراف عديدة؛ فالجميع جناة، إما بالعدوان أو التواطؤ أو الانقسام أو الصمت.. دماء الشهداء وأنات الجرحى وآلام الجوعى ورعب الأطفال وهلع الأمهات، أجل وأعظم من أي كتابات تصور أو تحلل، تدين أو تبرر، ترصد أو تتنبأ. وهذا بالتحديد ما يجعل المرء يتردد في الكتابة، ففي ظل القصف والاجتياح الذي يحصد حياة المئات لا يصح لمن يجلس في حجرة مكتبه الدافئة الآمنة أن يزايد على من يواجهون الموت بصدورهم وأطفالهم. ويصبح من السخف أن يتبادل الجميع الاتهامات بدلا من أن توحد الجهود لوقف العدوان أولا.
ومنذ اليوم الأول، انشغل الجميع في تبادل الاتهامات، وكتب البعض منددا بحركة حماس المتهمة بخرق الهدنة ـ رغم أنه لم تكن هناك هدنة من جانب الصهاينة ولا يحزنون، فلم يحدث إنهاء للحصار وفق شروط الهدنة، وخرقت القوات الصهيونية الهدنة مرارا بقتل مدنيين فلسطينيين لم يكن آخرها قصف خريجي كلية الشرطة في حفل تخرجهم ـ ومع اختلافنا مع نهج حماس وقياداتها، إلا أن هذا ليس وقته، فالعدوان يحصد أرواح الأشقاء!
وانبرى كثيرون يكيلون اتهامات لمصر، تجاوزت الهجوم على حكومتها ـ التي لا يعنيها المصريون أصلا حتى يتوقع منها الاهتمام بالفلسطينيين ـ إلى سب الشعب المصري يوجه عام في مظاهرات منظمة، بعضها في دول نعرف جيدا أنها لا تسمح بالتظاهر إلا بتوجيهات رسمية، فضلا عن حملات "الردح" التي انهالت على المصريين في مختلف مواقع الانترنت، متناسين أن الشعب المصري أكثر الشعوب العربية ارتباطا بالقضية الفلسطينية، حتى أن الكثيرين لفت نظرهم التناقض بين الإقبال على التظاهر بعشرات الآلاف في المدن المصرية عندما يتعلق الأمر بحدث فلسطيني، مع ضآلة المشاركة الشعبية في الاحتجاجات المتعلقة بهموم شعبية محلية أو اقتصادية أو فئوية. واختزل البعض القضية الفلسطينية في معبر رفح، ووصل الأمر بقادة من حماس وأنصارهم إلى الحديث عن عدوان ثلاثي (إسرائيلي، مصري، فتحاوي) على غزة! رغم أنه ليس لأحدهم أن يزايد على موقف المعارضة المصرية بمعظم تياراتها التي اتفقت ـ رغم اختلاافات كثيرة بينها ـ على إدانة مواقف حكومتها المتخاذلة التي تراجعت بدور مصر من فاعل إقليمي قوي إلى متهم بالسعي لنقل مياه النيل إلى الدولة الصهيونية، ثم التورط ـ الذي أدانه حكم قضائي مصري ـ في بيع الغاز للأعداء، حتى أصبحت الشقيقة الكبرى مجرد وسيط بين القادة الفلسطينيين والدولة الصهيونية، ثم بين الفرقاء الفلسطينيين، وهو الدور الذي تفقده الآن مع تراجع مصداقيتها وبروز الدور التركي وأطراف عربية أخرى تسعى لسرقة الكاميرا وتبحث عن دور يمنحها تواجدا على الخريطة السياسية الدولية. ويعلم الجميع أنه ما من مظاهرة خرجت في مصر منذ توقيع كامب ديفيد إلا وكانت الدعوة لطرد السفير الإسرائيلي أهم شعاراتها. غير أن الوقت أيضا ليس مناسبا لحساب الحكومة المصرية، أو المزايدين الإقليميين، فهو أيضا ليس وقته، والعدوان يحصد أرواح الأشقاء!
ثم هذا الجدل الدائر حول معبر رفح وما إذا كان من الواجب فتحه لإدخال مواد الإغاثة ونقل الجرحى فقط، أو فتحه بصورة كاملة وبلا ضوابط بما يهدد بإخلاء قطاع غزة من أهله وتحقيق هدف إسرائيل بتحويل سيناء إلى وطن بديل لهم، أو كما تردد مرارا وأكده مؤخرا في الواشنطن بوست "جون بولتون"سفير الولايات المتحدة السابق في الأمم المتحدة، عن فشل خيار الدولتين، وضرورة ضم قطاع غزة والضفة الغربية إلى مصر والأردن، على التوالي، مع تقديم دعم مالي وسياسي للدولتين من الدول العربية والغربية. إلا أن هذا الجدل واستمرار استنزال اللعنات على المصريين، وإهانة العلم المصري والسفارات المصرية، وما يعانيه المصريون العاملون في مختلف الدول العربية من استفزازات وإهانات مختلف الأشقاء، لن يسفر في النهاية إلا عن نجاح سياسة "فرق تسد" وتراجع عدد المصريين المهمومين بالقضايا العربية، وتصاعد الدعاوى الداعية للفرعونية والبعد عن أي تقارب مع العرب. وهذا كذلك ليس وقته!
الوقت الآن فقط ـ فضلا عن تكاتف الجميع.. أكرر الجميع، من أجل توصيل المساعدات ومواد الإغاثة ونقل الجرحى ـ لتوحيد الصفوف لصد العدوان ووقف نزيف الدم الفلسطيني، عبر التحرك الجاد بلا مزايدات. ليس مطلوب حرب عسكرية تكون نتيجتها خسارة المزيد من الأراضي، وإنما الضغط على المعتدين والمطالبة بمحاكمتهم دوليا، وطرد السفير الإسرائيلي ـ فلا يصح أن تتحرك موريتانيا وتستدعي سفيرها ويطالب برلمانها بقطع العلاقات ولا تفعلها مصرـ والتهديد، على الأقل، بإعادة النظر في اتفاقية السلام المنفرد، وتفعيل سلاح المقاطعة لكل من يدعم المعتدين.
مطلوب تحرك لإنقاذ دماء الأشقاء، وكرامتنا، وأيضا أمننا القومي.. فإسرائيل يا سادة، تسعى حثيثا لتحقيق حلمها "من الفرات إلى النيل"، وشرعت منذ الاحتلال الأمريكي للعراق في إيجاد موضع قدم لها على الفرات، ولن تتوقف ـ طواعية ـ عن السير قدما نحو النيل. ولاشك أن مخطط تهجير أهل غزة إلى سيناء خطوة في هذا السبيل. وهكذا يصبح حماية أهل غزة وتحقيق استقرارهم على أرضهم شرطا أساسيا لحماية الأمن القومي المصري، يستحق التحرك بسرعة، فضياع الوقت في مهاترات لن يؤدي ـ كالعادة ـ إلا إلى نجاح الصهاينة في فرض التغيير على الأرض ثم تكريسه كأمر واقع.. تذكروا أننا قبل ثلاثة عقود كنا نطالب بتحرير "كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر"، ثم تراجع الحلم ليصبح"العودة إلى حدود 4 يونيو 1967 وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس"، ثم "غزة وأريحا أولا".. وأرجو ألا يأتي اليوم ـ لا قدر الله ـ الذي نطالب فيه باسترداد الأراضي شرق النيل. وحتى لا يتحقق هذا الكابوس المشئوم، يجب صد العدوان ـ الآن وليس غدا ـ ثم يحين وقت الحساب بعدها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق على المقال
neil ( 2009 / 1 / 11 - 01:52 )
الاستاذة أكرام - تحياتى لك - هذا المقال محترم ومحايد وواقعى عن مشكلة غزة


2 - الى متى هذا الخداع؟
محمد خليل عبد اللطيف ( 2009 / 1 / 11 - 02:36 )
ماهذا الهراء حول موضع قدم لها على الفرات...الحكومة العراقية المنتخبة اكثر شرعية حاكمكم وحكومتكم...نحن لانبيع الغاز لاسرائيل بارخص الاثمان ولانرفع علم اسرائيل كحكومتكم في قلب بغدادنا ولانستقبل ليفني او نستدعيها كما يكذب وزير خارجيتكم...كفاك لويا للحقائق


3 - نعم سيدتي الفاضله
ناديه ( 2009 / 1 / 11 - 07:58 )
صدقت سيدتي بان حلم اسرائيل سيتحقق سريعا والشعب يغط في نومه وسوف يستفيق فجأة على صوت القنابل والطائرات والصواريخ الاسرائيليه ، والدليل عل هذا القصور والعمارات التي اشتراها اليهود من العراقيين بعد الاحتلال ، والدليل الاخر سر مثال الالوسي المتكرر الى اسرائيل ،وسبب اقوى وجود الاسرائيليين في ارض كردستان العراق وووووووووصح النوم يا عراقيين


4 - حذاء النصر قادم لا محال
حيدر الخزاعي ( 2009 / 1 / 11 - 11:04 )
الم يكن النصر الذي احرزناه قبل شهر بحذاء الزبيدي كاف لتغطيه خسائرنا عفوا انتصاراتنا مثقفنا يساهم بتلك الخسائر بالدفاع والتطبيل للموجودين من العرب في الحكم

اخر الافلام

.. توقعات بتسليم واشنطن قنابل نوعية للجيش الإسرائيلي قريبا


.. غالانت: لا نسعى إلى الحرب مع حزب الله لكننا مستعدون لخوضها




.. حشود في مسيرة شعبية بصنعاء للمطالبة بدعم المقاومة الفلسطينية


.. فايز الدويري: الاحتلال فشل استخباراتيا على المستوى الاستراتي




.. ساري عرابي: رؤية سموتريتش هي نتاج مسار استيطاني طويل