الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الملك العضوض حين يُعضّ عليه بالنواجذ

رابحة الزيرة

2009 / 1 / 12
حقوق الانسان


كالجرذان اختبأوا في جحورهم فلم نسمع لهم تصريحاً أو تنديداً، أو كالغربان نعقوا في الظلام ليلقوا اللوم على المقاومين الشرفاء ويُخلوا أكتافهم من مسئولية ما يحدث في غزّة الصمود، أو كالحرباء تلوّنوا ليزايدوا على القضية ويبيعونا معسول الكلام المنزوع الفائدة والخير، فتسمع رئيس أكبر دولة عربية، أو رئيس وزراء إحدى أهم الدول العربية، أو الأمين العام للجامعة العربية وهم يُلقون خطاباتهم الأدبية، ومقطوعاتهم الإنشائية بينما الأبرياء في غزّة يُقتّلون ظلماً وعدواناً، وتُدّمر البيوت على رؤوسهم فلا يطرف لهم جفن.

ولا عجب فهم امتداد الحكم الذي أورثه الاستعمار بعد معاهدة سايكس بيكو يخلفون بعضهم أباً عن جد ويعضّون عليه بالنواجذ، أو صنيعة الإمبريالية العالمية التي أرهبت الجبناء وأغرت عبيد الدنيا فلحسوا أحذيتها لكي يُبقوا على كراسيهم وإن كانت رؤوسهم تحت أقدامها، ولكن العجب لو تصرّف أحدهم خارج سرب المنبطحين الزاحفين وقدّم استقالته تعبيراً عن اعتذاره وعجزه عن تحمّل المسئولية المناطة به حين بدأت حرب الإبادة في غزّة، فهذا المنطق مفقود لدى الزعماء، ويبدو أنهم ورثوا سياسة "الملك العضوض" من جدّهم الأمويّ الأكبر، فها هم يعيدون تاريخه الفاشل.

يُذكر أن معاوية بن أبي سفيان كان لا ينام ليلة دون أن تُقرأ عليه صحائف من التاريخ ليتّعظ بما فعله الملوك قبله، ومع ذلك فقد وقع فيما وقعوا فيه، فاستبدّ وورّث الملك لابنه، ومازال يفعل حتى حمل الناس على البيعة ليزيد كرهاً، فكتب نهاية ملك بني أميّة على يد يزيد في العاشر من محرم يوم استشهد الحسين (ع) في كربلاء، ثم نزلت لعنة المظلومين على ذلك البيت بما فعله قوّاد يزيد في مدينة النبي (ص) ومكة المكرّمة بعد واقعة كربلاء.

وكما لم تنفع قراءة التاريخ معاوية، لأنّ مجرد قراءة التاريخ لا تعظ الإنسان، فلن ينتفع الحكّام والزعامات لا من التاريخ ولا من الحاضر وهم شهود عيان فيه لأنهم يعيشون في عالم افتراضي فلا يعقلون الواقع ولا يعون سنن التاريخ، وبالتالي فالتاريخ يتكرّر.

العرب أهل شهامة ونخوة ومروءة، وكانوا يهبّون لنصرة المظلوم الغريب والقريب والجار والأخ، ولكن الساسة العرب انسلخوا من خصال العروبة، وشهامة الرجال، فلم تعد هذه الأنظمة بما لديها من أسلحة وعدّة وعتاد تساوي جناح بعوضة، لا عند شعوبها المعارضة لسياساتها المهادنة للعدو، ولا عند المجتمع الدولي المتواطئة معه، ولم يعد يربطها بالأمة إلاّ عصا الاستبداد، وباتت الأنظمة العربية كالشجرة المجتثة من جذورها لا علاقة لها بالتربة التي نشأت فيها لأنها انفصلت عن الناس وهمومهم فلن تلبث أن تجف وتموت، تماماً كما حدث للدولة الأموية التي قطعت أواصرها بالناس نتيجة لسياساتها الخرقاء التي مارستها مع أهل البيت (ع) ومع معارضيها فتسببت في نفور الناس منها وأسرع الموت إلى دولتهم ولم يأسف على ذهابهم أحد.

يشبه الحكام العرب في تعاملهم مع قضايا الأمة ذاك الرجل الذي راح يسجّل ابنه في الروضة، فسأل عن رسوم الدراسة فقيل له أنها تكلّف ثلاثة آلاف ريال، ورسوم الباص خمسمائة ريال، فقال إذاً سجّلوا ابني في الباص!! فهم يبحثون عن الخيار الأقل كلفة وإن أثبت عدم فاعليته، وحتى لو بدوا سفهاء ومهرّجين في أعين الناس كاختيارهم الذهاب إلى مجلس الأمن مثلاً لتَسَوّّل قرارٍ لوقف إطلاق النار على غزة وبأيديهم العشرات من الإجراءات والقرارات الأسرع نفاذاً والأمضى أثراً، ما قد يحفظ ماء وجههم ويشعر شعوبهم بالعزّة والقوة والمنعة والكرامة، واكتفائهم بترديد شعارات جوفاء، والترويج لمغالطات لامنطقية بدلاً من اتخاذ مواقف حاسمة من العدو ومن يسانده.

لغة الأحرار لا يفهمها عبيد الدنيا مهما فعلنا، فكما أن دوّي صوت الحسين (ع) "فكونوا أحرارا"، والملحمة التي سطّرها مع أهل بيته وأصحابه (ع) لم تثنِ عُمي القلوب في كربلاء عن ارتكاب جريمتهم في يوم العاشر من محرّم، كذلك لن تحرّك مجازر غزة اليوم ساكناً لدى أموات الأحياء من الزعامات العربيّة.

وصدق نزار قباني حين قال قبل عقود من الزمن ..
"كل ما قرأت من سيرتنا المعطرة يا صديقتي ..
من كرم ونجدة ونخوة والعفو عند المقدرة ..
ليس سوى تلفيق .. .. ..
فنحن منذ أن توفى الرسول سائرون في جنازة ..
ونحن منذ مصرع الحسين سائرون في جنازة ..
ونحن من يوم تخاصمنا على البلدان والنسوان والغلمان في غرناطة ..
موتى ولكن ما لهم جنازة .."
فعظم الله أجورنا وأجوركم ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ماذا بعد هذا الشعر ؟
أحمد السيد ( 2009 / 1 / 12 - 07:12 )
من قال لك أن العرب أهل شهامة ونخوة ومروءة أرجعى لأبن خلدون وهو يصف العرب بأرذل الخصائص، العرب جرب ياسيدتى سواء حكام أو محكومين


2 - شكرا احمد السيد
محمد خليل عبد اللطيف ( 2009 / 1 / 12 - 19:47 )
تعليق ممتاز

اخر الافلام

.. أبو حمزة: الطريق الوحيد لاستعادة الأسرى هو الانسحاب من غزة


.. جبال من القمامة بالقرب من خيام النازحين جنوب غزة




.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان ضد الحرب الإسرائيلية على ق


.. كيف يمكن وصف الوضع الإنساني في غزة؟




.. الصحة العالمية: المجاعة تطارد الملايين في السودان وسط قتال ع