الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حوار في المبادئ-2 (على هامش الحوار حول الحرب في غزة مع د.كاظم حبيب)
سلامة كيلة
2009 / 1 / 12ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الاشتراكية أم طريق التطور الرأسمالي؟
هنا مربط الفرس. حيث نعود إلى الذي سقط. فالذي سقط هو "شعارات بناء الاشتراكية في مجتمع لايزال يعيش في مرحلة الإنتاج الأبوي أو العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية". من دعا إلى بناء الاشتراكية؟ الحركة الشيوعية؟ متى؟ فقط بعد أن سيطرت القوى القومية على السلطة وقررت هي التحالف معها تيمناً بالرفيق كاسترو. هل طرح الحزب الشيوعي العراقي سنة 1958 تحقيق الاشتراكية أم دعا إلى ثورة وطنية؟ لقد طرح الثورة الوطنية بقيادة البرجوازية (وهذا هو خط الحركة الشيوعية كلها)، وحين ارتأى سلام عادل تحويلها إلى ثورة وطنية ديمقراطية عبر استلام السلطة أعطي "درس في الماركسية" لأن المرحلة تقتضي الانتقال إلى الرأسمالية. وأين وصلت الأمور؟ إلى استلام حزب البعث "الاشتراكي" السلطة. ومن ثم التوهم من قبل الشيوعيين (فيما عدا قلة اعتبروا بأن هذا التطور هو تطور رأسمالي) بأن الاشتراكية تتحقق. هذه "الاشتراكية" سقطت لأنها لم تكن اشتراكية، بل صيغة للتطور الرأسمالي في ظل الهيمنة العالمية للنمط الرأسمالي. حيث حمل البعث أفكار الاشتراكية التي تعبّر عن فئات وسطى، تعني المساواة في التملك وليس إلغاء الملكية، كما تعني دور الدولة الاقتصادي، وليس دورها في ظل مجتمع دون ملكية خاصة.
لكن سوء الفهم هذا لمعنى الاشتراكية يقود كما نرى إلى نقد شكلي، حيث لم يجرِ تحقيق الاشتراكية لكي تسقط، بل جرى باسم الاشتراكية تحقيق شكل من أشكال التطور الرأسمالي. وبهذا فالحزب الشيوعي كان يتمسك بطريق التطور الرأسمالي قبل استلام البعث، وظل كذلك بعد مشاركته السلطة رغم الأوهام حول الاشتراكية التي كان يكررها مع البعث. هنا الكلمات اختلفت، التعبيرات تغيرت، لكن ظل التطور الرأسمالي هو المطروح. رغم أنني لست ممن يقول بضرورة الاشتراكية الآن. وهذا ما سوف يتوضح تالياً. أقول ذلك خشية التسرع في إصدار الأحكام وتحميلي ما لن أقوله.
السؤال الذي يطرح هنا هو لماذا كان الحزب الشيوعي يرفض استلام السلطة رغم مقدرته على ذلك، أكثر من البعث مائة مرة؟
لأنه لم يكن يريد القفز على المراحل، كما يكرر د. حبيب هنا، فـ "الاشتراكية، كما في تحليلات ورؤية ماركس، مرحلة لاحقة للمرحلة الرأسمالية، وعلاقات الإنتاج الرأسمالية المتقدمة هي القاعدة المادية التي تزيل علاقات الإنتاج الإقطاعية أو شبه الإقطاعية، وتوفر مستلزمات التحول صوب الاشتراكية". لهذا يجب "النضال العقلاني لتغير وبناء المجتمعات الوطنية والديمقراطية من جانب القوى اليسارية الماركسية"، في أفق "الديمقراطية والتحرر من الهيمنة الأجنبية الاستعمارية، وإقامة العلاقات الإنتاجية الرأسمالية على أنقاض العلاقات شبه الإقطاعية".
في النقاش حول هذه المسألة هناك مستويان، الماضي حيث كانت المجتمعات كما يشير د. حبيب، والراهن حيث من المفترض –كونه ينطلق من أن الماركسية تلحظ التغير- أن يكون الوضع قد اختلف، خصوصاً وأن البعث قد حقق الإصلاح الزراعي، والتطور العالمي أنهى "العلاقات الإقطاعية أو شبه الإقطاعية". حيث أن الواقع الجديد فرض تعميم العلاقات الرأسمالية، ولم يعد هناك ذكر لها، ربما حتى في أقاصي الأرض. وهو الأمر الذي يفرض تجاوز ما كان يتكرر قبل أكثر من نصف قرن، وطرح بديل جديد يفرضه الواقع الراهن. لأن الاستمرار في طرح الطريق الرأسمالي والرأسمالية هي المهيمنة يعني التكيف مع سيطرتها، والتحول إلى جناح "ربما يساري" لها. وبالتالي إبداء الملاحظات ولعب دور استشاري لا غير. وهذا ما كانت تلعبه الحركة الشيوعية مع "البرجوازية الوطنية" لكي تصل هي إلى السلطة بدعم من الأحزاب الشيوعية، ثم مع نظام البعث. والآن مع أسوأ النظم المافياوية والكومبرادورية.
هذا هو الأساس الذي كيّف قطاع كبير مع الشيوعيين مع الخطاب الليبرالي، وحتى الإمبريالي. وسوف يتوضح ما أقصد في التالي. لكن المشكلة كانت في الأساس، حيث جرى تبني هذه الصيغة التي يوردها د. حبيب كمسلمة، أي الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية قبل التفكير في الاشتراكية. لكن من ألزم التاريخ لأن يسير وفق هذه المسلمة؟ هل هي "رؤيا" ماركسية مقدسة؟ وهل هي رؤية ماركسية أصلاً؟
إذا كنا ننطلق من التحليل الملموس للواقع الملموس، أي من الجدل المادي، سوف تلقى هذه الفكرة في سلة المهملات، لأن لا خطية في التاريخ، ولا جبرية، وإلا أعدنا الماركسية إلى ما قبلها، حيث الفكرة هي التي تسيّر الواقع. إن هذا الإلزام يلغي، بالتالي، النظر إلى الواقع الملموس ذاته، ويجعلنا نسيّر التاريخ كما نشاء. هذه هي النظرة المثالية للتاريخ. وسنلمس أنه حتى ماركس كان يطرح ما يتجاوزها حينما لمس بأن البرجوازية الألمانية عاجزة ومترددة ومتداخلة مع الإقطاع، فنادى بـ "الجمهورية الحمراء" ضد الإقطاع وليس بعد انتصار العلاقات الرأسمالية. ثم تطورت الرأسمالية الألمانية بعد إذ. بمعنى أن المسألة تتقوم في هل من برجوازية معنية بتحقيق التطور أو لا؟ هنا يأتي التحليل الملموس للواقع الملموس.
إذن، من حيث المنهجية الماركسية هذه نظرة مثالية، جبرية. حيث يجب أن نحقق التطور الرأسمالي. لكن إذا لم تنوجد برجوازية تفعل ذلك ماذا نفعل نحن؟ ثم أن كل القرن العشرين أثبت أن برجوازيات الأمم التي لم تترسمل لم تعتقد بأن من مهمتها تحقيق ذلك، سوى في إطار علاقة تبعية مع المراكز الرأسمالية. أي أنها عممت العلاقات دون قوى الإنتاج التي هي الصناعة. فحين الحديث عن الرأسمالية يجب لحظ أن المسألة تتعلق ببناء الصناعة وتطوير المجتمع على أساسها. على العكس من ذلك فإن كل التطور الصناعي تحقق في ظل "نظم اشتراكية". هذه هي خلاصة تجربة القرن العشرين. ولو دقق د. حبيب في هذه التجربة لوجد أن كل الأحزاب الشيوعية التي اتبعت السوفيت قد فشلت، وأن التطور (بغض النظر عما إذا كان اشتراكياً أم لا، فهذه مسألة أخرى يمكن نقاشها لاحقاً) تحقق من أحزاب شيوعية قررت أن تحقق هي الثورة الديمقراطية. روسيا باتت دولة صناعية حديثة، والصين كذلك، وحتى الدول الأصغر. وفي البلدان التي لم يلعب الشيوعيون فيها هذا الدور نشأت "حركات التحرر"، أو "الحركات القومية" التي عملت على تحقيق تقدم ما، لكن طبيعتها الطبقية جعلت فئات منها تغلّب المصلحة الخاصة على عملية التطور ذاتها، ففشلت.
هذه المسألة تطرح السؤال حول الأسباب التي جعلت التطور الرأسمالي غير ممكن، وفرضت أشكال أخرى للتطور. هنا يكون مطلوباً فهم الواقع الموضوعي المتحرك المتغير، وليس التمسك بفكرة قيلت نهاية القرن التاسع عشر. والفارق بين نهاية القرن التاسع عشر والقرن العشرين كبير، حيث في هذا المفصل اكتمل تشكل النمط الرأسمالي، واتخذ طابعه العالمي، وبالتالي فرض آلياته على كل العالم. لهذا بعد اليابان لم تنتقل أية دولة إلى الرأسمالية (سوى النمور، وبدعم رأسمالي وليس في تناقض مع ذلك، ولهذا أسباب جيوسياسية أخرى غير القوانين الموضوعية للرأسمالية). فالصين، ذاك السوق الكبير، لم تتطور رأسمالياً رغم سيطرة "البرجوازية" على الحكم. ولو قامت هذه البرجوازية بتحقيق الإصلاح الزراعي لفشل ماو تسي تونغ حتماً. والبرازيل دولة "رأسمالية" عاجزة.
بمعنى أن وضع العالم زمن ماركس وما بعده بقليل هو غير الزمن منذ بداية القرن العشرين, وهنا كانت أهمية لينين الذي ارتأى بأن مهمة الماركسيين، والطبقة العاملة، باتت هي تحقيق المهمات الديمقراطية (وليس الاشتراكية). أي أن يصبحوا هم السلطة من أجل أن تتحقق هذه المهمات، لأم البرجوازية عاجزة ومترددة وجبانة. وبالتالي بات حقل الفكرة الأولى حول التطور الرأسمالي هو ذاك المتصل بالماضي. باتت فكرة من التراث وليست رؤية لواقع. فقد تجاوزها التحليل الماركسي لأن الواقع قد تجاوزها.
ما جعلها تتكرر عندنا هو أن ستالين أعادها من الموت، لأنه كان يربط التطور في العالم بدور الاتحاد السوفيتي وليس بالقوى الذاتية للشعوب (وهذا ما جعله يختلف مع ماو تسي تونغ). وبالتالي كانت المدخل لإخضاع سياسات الأحزاب الشيوعية لتكتيك الاتحاد السوفيتي. لقد تخلى عن لينين لمصلحة بليخانوف، ورسم سياسة منشفية تحت اسم البلشفة. وهنا يجب التركيز على إسقاط منطق ستالين ورؤيته، وليس التمسك به وطرد لينين. يجب إسقاط الفكرة الميتة التي كررها ستالين كمسخرة وليس شطب الفكرة اللينينية التي جاءت كتعبير عن وعي طبيعة العالم بداية القرن العشرين وتشكل الإمبريالية.
لماذا بات التطور الرأسمالي مستحيلاً؟ كنت أنتظر من د. حبيب أن يجيب، فهو مفكر في الاقتصاد، والمسألة تتعلق بالتكوين الاقتصادي للعالم. حيث أن فيض الإنتاج، الذي هو سمة جوهرية في الرأسمالية، كان يفرض الحاجة إلى الأسواق والمواد الأولية، لهذا كانت الرأسمالية، المتنافسة فيما بينها، وحيث كان هذا التنافس يفضي إلى الاحتكار، كانت تفرض عبر أسبقيتها وبالتالي تفوقها –العسكري والتقني، ثم المالي والاقتصادي- وقف انتشار التصنيع، وتحارب كل ميل لذلك. وتشكل الفئات التي تمتلك تراكماً مالياً في الأطراف في أطر مكملة: أي في التجارة والخدمات والمال فقط. وهذه لا تحقق تطوراً رأسمالياً. من هنا أجهضت إمكانية التطور الرأسمالي، لأنه لم يجد من يحمله.
وبالتالي رسمت إستراتيجية الحركة الشيوعية في الوطن العربي –وفي عديد من بلدان العالم- على أساس موهوم. هو التعلق بتطور رأسمالي بات مستحيلاً. وهو الأمر الذي كان يدفعها إلى التعلق بأي رأسمالي تجد أن لديه ميول وطنية، وعملت على تضخيم مفهوم "البرجوازية الوطنية". وبنت تكتيكها على هذا الأساس، حيث أسست لـ "نضال مطلبي" في حدود ما هو قائم، من جهة، ولـ "نضال ديمقراطي" من أجل تأسيس جمهورية ديمقراطية برجوازية من جهة أخرى. وهي في كل ذلك أقامت كل رؤيتها على أن زمنها لم يحن بعد، فهذا هو زمن البرجوازية، كما يكرر د. حبيب اليوم. لهذا، ورغم أنها خاضت الصراع الطبقي، وأصبحت قوة عمالية وشعبية، لم تطرح على ذاتها بأن هذا الصراع الطبقي يجب أن يحسم لمصلحة هؤلاء، وإلا انفضوا، أو تحقق الحسم من طرف آخر. لم يكن دخول الجيش إلى السياسة صدفة إذن، بل جاء نتيجة أزمة مجتمعية لم يكن هناك من يفكر في حلها من القوى التي يجب أن تحلها: البرجوازية والعمال. ليفسح المجال للفئات الوسطى كي تؤسس سلطتها التي عشناها.
إذن، إن فكرة التطور الرأسمالي هي التي يجب أن تلفظ لأنها من الماضي السحيق. لقد طرحت في الماركسية قبل أن يكتمل بلور النمط الرأسمالي لكنها باتت خاطئة بعد ذلك. لكن أوضح هنا بأن برفض القفز على المراحل صحيح فقط فيما يتعلق بالمهمات الواقعية، أي في تحقيق المهمات التي تسمى "المهمات الديمقراطية"، التي هي مجمل المهمات التي تحققت مع الرأسمالية في أوروبا وأميركا واليابان. إنهاء الإقطاع وبناء الصناعة والوحدة القومية والحداثة والدمقرطة. والخاطئ هو التمسك بفكرة القفز فيما يتعلق بدور الطبقات، حيث باتت البرجوازيات المحلية متكيفة مع النمط الرأسمالي وتنشط ككومبرادور في إطاره، وبالتالي تتمسك بـ "أيديولوجيته" وسياساته، بما فيها الحفاظ على البنى المخلّفة والأيديولوجية التقليدية والاستبداد، والتفكك والطائفية.
هنا المهمات ظلت ثابتة، حيث أنها لا تزول إلا بتحققها، لكن آليات تحقيقها تغيرت مع تغير الواقع. وما من شك في أن التمسك بصيغة قديمة سوف يكرر فشل الحركة الشيوعية، ويبقى الوطن العربي عرضة لأزمات متتالية.
لهذا ليست الرأسمالية هي الطريق، وليس من الممكن أن نحقق الاشتراكية الآن، لكن يجب أن تحقق الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء كل المهمات الديمقراطية، وبناء "القاعدة المادية التي تزيل علاقات الإنتاج" القائمة "وتوفر مستلزمات التحول صوب الاشتراكية". يجب ألا ننتظر "غودو"، لقد انتظرنا طويلاً، وانتظارنا هو الذي سمح بتبوء كل القوى التي يصب د. حبيب جام غضبه عليها. إن من يهدف إلى تحقيق التطور والديمقراطية والتحرر يجب أن يتقدم لتحقيقها لا أن ينتظر طبقة أخرى.
إن الانطلاق من أن "المرحلة هي ليست مرحلتنا" فرضت سياسة معينة، غير صراعية، أو صراعية في حدود لا تتجاوز الحسم. أي لا تقوم على الوصول إلى السلطة لتحقيق مصالح العمال والفلاحين. حيث جرى إتباع مساقين، نضال مطلبي لا يتجاوز هذه الحدود، ونضال ديمقراطي يسعى لفرض سيادة برجوازية ديمقراطية. دون الوصول في الصراع إلى مرحلة الحسم رغم توفر القوى في العديد من الحالات. من هنا يمكن أن نفهم الميل الدائم لنضال سلمي، ولقبول "الحقائق" التي تقررها القوى المهيمنة. هذا كان يجعل كل التطور في مأزق، لأن ليس من حل سوى ببديل تحققه هذه الطبقات.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. رولكس من الذهب.. ساعة جمال عبد الناصر في مزاد
.. Socialism 2024 rally
.. الشرطة الألمانية تعتدي على متظاهرين مناصرين لغزة
.. مواطنون غاضبون يرشقون بالطين والحجارة ملك إسبانيا فيليب السا
.. زيادة ضريبية غير مسبوقة في موازنة حزب العمال تثير قلق البريط