الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اله الموت يجول من اشويتس ، إلى العراق ، فغزة

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2009 / 1 / 12
الارهاب, الحرب والسلام


لقد كانت روزا لوكسمبورج حقا , ليست مفكرة ومناضلة فحسب ، بل كانت أيضا رائية ومستشفة لمستقبل البشرية . وما أصدقها في مقولتها العبقرية، إن تراجعت البشرية في السير نحو الاشتراكية، فأنها سوف تغير مسارها نحو البربرية. أي أن البربرية سوف تسود. وها إنها سائدة منذ القرن الماضي.

ترى ما الذي تغير في القرن الحادي والعشرين، وما الفرق بين العشرين عن القرن الحادي والعشرين؟ وما الفرق بين الإنسان اليهودي الذي قضى في محرقة اشويتس ، وبين طفل في غزة يحترق في حضن أحد والديه ، أو إخوته؟
تأملاتي في أشلاء الأبرياء تضطرني أن أعتقد إن إنسان القرن الحادي والعشرين قد أمسى شرا من إنسان القرن العشرين، ومن أجداده السالفين ، لأنه الذئب الذي كانه دوما لأخيه صار بمقدوره التخفي في رحمة الملاك، يمزق الطفل و يشوش على رؤى العالمين ، موحيا لهم أنه يلاطفه ويحبه.

إنها ذات السكين لكنها أكثر حدة ، و أعلى أداء على الذبح والفتك، لكنها تبقى سكينا وليست مروحة . فالرأسمالية سر بقائها هو فائض القيمة، أي الاستغلال واستثمار العامل والإنسان،
إلا أنها اليوم اخترعت وسائل شيطانية لمسخ الإنسان و تجريده من قيمه السامية.
ولكي أنتهي من تكرار هذه البديهيات المملة ، أقول إن هذه الرأسمالية هي إدامة الرأسمالية في القرن الماضي ، والتي ولدت النازية والفاشية و الهولوكوست ، كأمراض لا
تزال تعاني منها، و تأتيها نوبتها بين فترة وأخرى... الفاشية لم تمت والنازية لا تزال تتربص بالبشرية، و تنتظر البيئة الملائمة للظهور. الحروب هي جوهرها الأساس، والتي كانت خلال العقد الأخير أشد فتكا ودمارا بالبشر.بالأمس كان الفقر، وها عاد اليوم بشكل أبشع مما كان في عصور كانت الطبيعة ارحم بالفقراء، لكنها اليوم أمست تنتقم للظلم الذي مارسته البرجوازية الجشعة عليها، من امتصاص روحها وتجفيف شرايينها من الروح.
الرأسمالية مهما حاول مفكريها تجميلها وتلطيفها ، و حتى في مظاهرها الأكثر إنسانية التي تجلت في تشريع قوانين العدل و الرفاهة ، لم تفقد جوهرها الأساس ا البشع الاستغلالي ، المستعد للقتل و الفتك بالبشر في سبيل الربح. طالما الرأسمالية كنظام يسود العالم، فخصالها، أي الموت الزؤام، باقية، كابوسا يخنق الطفل والشيخ والمرضى والتعبانين.
فالاقتصاد الرأسمالي حين يقع في أزمة عميقة وخطرة ، يلوذ إلى الحرب كوسيلة ، ولو مؤقته،
حرب يحترق في أتونها الأخضر واليابس، و تتحطم فيها مقومات الحياة للشرائح المحرومة من البشر ، في سبيل أن تعود ماكنتها التعبة قادرة على امتصاص الدماء والروح البشرية مرة أخرى. هذا ما عشناه من حروب ومآسي إنسانية طوال تاريخ الرأسمالية.يرتكب هذه الجرائم؟
شبح الموت يجول .. من جسر الأئمة , وآمرلي و تلعفر و قرى اليزيدية والفيلية حتى وصل اليوم إلى غزة ..
فلو أجبنا على السؤال عاليه بان المجرمين هم هتلر وبوش و بيريز و ليفني واحمدي نجاد وحماس و مبارك .. الخ لعرضنا القضية إلى تسطيح وتسفيه. ولكن هذه الاجابة لا تعني تخلية سبيل هؤلاء المجرمين ، فلو كانت ثمة ذرة من العدالة في النظام العالمي لحوكم معظم هؤلاء الزعماء في محاكم دولية عادلة لجرائم ارتكبوها ضد الانسانية.
لقد انتهت النازية ظاهريا وبقرار رسمي بمقتل هتلر عام 1945، و صدر قانون تجريم الصليب المعقوف الهتلري، لكن النازية لا تزال في العالم حية تعيش . وطالما تنبض النزعات القومية والعصبيات الوطنية والقومية فخطر النازية يخيم على رقاب البشر كسيف ديمقليس. طالما الرأسمالية تسود، فالنزعة القومية تعيش بيننا و تمزق البشر و تثير بينهم الكراهية والأحقاد.
الرأسمالية هي واهبة الموت و البؤس والردى
لا ترتوي من الدم ،
لا يبدو لجشعها و ظلمها أفق ولا مدى

وثمة نوعان من البشر يسكن الأرض. إنسان يقبل بهذا الواقع، و إنسان يرفضه. والإنسان الذي يرفض الواقع الراهن الذي هو رأسمالي، عليه أن يسعى لنظام إنساني جديد. طالما هذا الإنسان يرفض الواقع الظالم السائد، لأنه بالتأكيد يرفض قوانينه ، واقتصاده ، وسياسته ، وأعرافه وتقاليده وثقافته... وعليه أن يقدم بدائله للظواهر التي يرفضها. له بديله في الاشتراكية للبرالية المبتذلة ، و يتبنى اقتصاده الاشتراكي بديلا عن اقتصاد الاستغلال والاستثمار والجشع.
و له بديله عن الفلسفة المثالية والمادية الميكانيكية في الفلسفة المادية الجدلية... ولا يمكن من الوجهة الفلسفية أن يقف الشخص الرافض لهذا الواقع في الجبهة المضادة ، وليست ثمة منطقة وسطى بين الخير والشر... الحياد لا معنى له في هذه الأوضاع.. الأوضاع التي يسود فيها الفقر والاستغلال والجوع والجريمة وسفك الدماء والموت هي السائدة.. ومن يدعم هذه الأوضاع هو مسبب هذه الجرائم، أو شريك المجرمين..ومن يرفض هذه الأوضاع المأساوية لا يستطيع التصريح بأنه معجب بهذا النظام، و يشجب الأوضاع التي ينتجها. فهذا النظام ممتنع عن الإصلاح، والكلام عن رأسمالية إنسانية ليس إلا هراء، إذ أن فلسفتها في الحياة هي تعبير عن هذه الأوضاع.
يمكن لبعض أن يتصور أن نظام الحكم في بلجيكا، أفضل من الأنظمة العربية، لكن الحكومة البلجيكية القائمة على جماجم الإفريقيين و دمائهم، أيضا ذئب شبعان لا يبدو عليه الجوع القاتل لكي يأتي على النعاج جميعها.
حرب الإبادة العرقية التي تشنها الحكومة الإسرائيلية المجرمة ليست إلا عودة للنازية باسم ضحاياها . غزة تقدم القرابين لإله الدم الذي لا يرتوي دماء أبدا، الا بسحقه سحقا.
إن قتل الإنسان والنواح عليه تراجيديا العصر الحديث والعالم المتمدن ظاهريا. فالإنسان بات يخجل من كون ذئاب يشبهونه في الشكل..
جراح الإنسانية عميقة .. ليس ثمة مكان يخلو من ظلم واستغلال وإجحاف بحق أناس لا حول ولا قوة لهم . فبدون الاشتراكية يسير العالم إلى البربرية، وها حقا تفتك الوحوش في جلود البشر بالبشرية ومستقبلها، مركزة جرائمها في غزة. لكن هل يجوز للإنسان أن يبقى متفرجا على المآسي البشرية بانتظار الاشتراكية ؟؟؟؟

لقد حل لينين قضية فنلندا في بضعة أيام و ذلك بالاعتراف للفنلنديين بدولة مستقلة. و يكمن الحل للقضية الفلسطينية في تشكيل دولة مستقلة للفلسطينيين، و لن يتحقق هذا الهدف الإنساني العظيم إلا بصعود قوى التقدم والاشتراكية في إسرائيل وإقامة نظام اشتراكي يلحق الهزيمة بالقوى اليمينية العنصرية، و عن طريق التضامن ألأممي لقوى اليسار الاشتراكي الفلسطيني والإسرائيلي و العالمي.
البحث يتبع
2009-01-12








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا لبصيرتك
يحيى السماوي ( 2009 / 1 / 12 - 13:08 )
إنه سؤال بحجم ملايين الضحايا الذين احتطبتهم - أسبرطة الجديدة - ... هذا السؤال هو : هل يجوز للإنسان أن يبقى متفرجا على المآسي البشرية بانتظار الاشتراكية ؟؟؟؟
لا ياصاحبي ... لا يجوز قطعا ... هذا ما يقوله الذائدون عن كرامة الانسان وعن حقه في الحياة الكريمة .. وهذا ما تقوله أنت في مقالك الثرّ والنبيل ..لكن المؤسف يا صاحبي أن بيننا مَنْ يُشيع ثقافة التيئيس والاستسلام الذليل وتمجيد الاحتلال ـ وإني لأعجب كيف يُسمح لهم بنشر أشواكهم في الحدائق الجميلة !!


2 - يجب ان ينتصروا
ثائر سالم ( 2009 / 1 / 12 - 14:52 )
غزة معركة رمزية ، تتجاووز حدها الوطني. (بالمناسبة لم تكن القضية الفلسطينية، يوما قضية قومية، الا بنظر وارادة الغرب الراسمالي ومشروعه للسيطرة الاقتصادية والسياسية على المنطقة) . بل كانت دوما قضية شعب كافح لوحده من اجل حريته . وطعن من اشقائه القوميين والاسلاميين ، باسم القومية والدين ، بينما كان يتلقى المساندة والدعم السياسي والاخلاقي الثابت ، على طول الخط من قوى اليسار العالمي والماركسي ـ وهذا شافيز والراي العام العالمي يقدم تاكيدا جديدا طعنات ربما كانت في بعض الحالات لا تقل قسوة عن طعنات وجرائم اسرائيل
كما يحصل له اليوم ايضا ـ ليس الوقت مناسبا للحديث بها الان ـ
على مدى ستة عقود والاسلاميون القوميون، يمسكون السلطة في البلدان العربية ويرفعون شعار التحرير، والوحدة القومية ، واوقفوا عمليات التنمية الاجتماعية ، في بلدانم بحجة فلسطين ...وهاهي - عروس عروبتهم -وما زاد الطين بلة دخول انظمة وقوى الكومبرادور الليبرالي والرجعي الشديد الارتباط بالامبريالية ، على خط العمل ...في العقود الثلاث الاخيرة ....وهاهي الحصيلة كما نراها الان في غزة
قبل خمسة عقود تقريبا اقترح الشيوعيون حل الدولتين او الدولة الديموقراطية التي اقتحها السوفيت حينها ..سيناضل القوميون والاسلاميون الان ومعهم كل

اخر الافلام

.. روسيا والناتو.. المواجهة الكبرى اقتربت! | #التاسعة


.. السنوار .. يعود للماطلة في المفاوضات|#غرفة_الأخبار




.. مطار بيروت في عين العاصفة.. حزب الله وإسرائيل نحو التصعيد ال


.. مظاهرة في شوارع مدينة مونتريال الكندية دعما لغزة




.. مظاهرة في فرنسا للمطالبة باستبعاد إسرائيل من أولمبياد باريس