الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


باركنسون عربي مزمن

رياض الأسدي

2009 / 1 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


منذ أن تأسست جامعة الدول العربية - حفظها الله ورعاها وأبقاها خيمة على رأس العرب- وهي تعاني من الكساح والصداع والرشح وسؤ التغذية وأخيرا الباركنسون - داء الخرف- أعاذكم الله منه وأبقاه صفة للحكام العرب. وداء الخرف هذا لم يكتشفه الغرب ويحاول ان يقدم له حلولا علمية هنا وهناك، بل نحن العرب أول من اكتشفه – على طريقة كل شيء كان عندنا وحسب- ونحن أول من مارس الخرف في العالم أيضا. كيف لا ونحن السباقون في كل شيء والمتخلفون في كلّ شيء أيضا. كيف ذلك؟ إنه الخرف أيها السادة فلا تؤاخذوننا على ما نقول ونكتب، فهذا عصر الباركنسون العربي.
وفي الحقيقة إن هذا الداء الوبيل لا يشمل الجامعة العربية وحدها بل كثير من الأنظمة السياسية المكونة لها. وهو الموظة لدى العصر العربي منذ 1850 كبداية للنهضة العربية كما يود العديد من المؤرخين تحديده وخاصة مؤرخي عصر النهضة العربية. لكن هذه التأرخة في الواقع لم تكن بداية للنهضة كما يتوقع البعض، بل هي بداية للخرف الباركنسوني العربي أيضا. بدأنا وبدأ الخرف معنا. لتنظروا قليلا بدأت النهضة الصينية في هذه المدة أيضا 1850 تقريبا، وكانت الصين قبل عقدين أو ثلاث تعد من العالم الثالث، قولوا لا، فانظروا إلى ما ألت إليه الصين وانظروا أيها العرب إلى ما ألنا أليه. ألا تعتقدون إن السبب يكمن في داء الخرف الباركنسون العربي. قولوا لا. أنا أعتقد ذلك.
إنها أنظمة خرفه وخرفانه ومخرّفه ولا فائدة ترجى منها. وإسقاطها هو الأولى وهو ألأجدى دائما. لكننا قوم مخرفون فلماذا نعيد ونصقل بالكلام؟ لم يزح الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة - على سبيل المثال- عن منصبه إلا بعد ان أعلن خرفه – وصار أضحوكة الدنيا- وعلى الملاء. كما ان العديد من الحكام العرب يموتون وهم مصابين بداء الخرف منذ زمن طويل ورغم ذلك يصفق لهم بعضهم بحرارة مبالغ فيها ويعدهم قادة سبحان الله كم هو الباركنسون مستشر فينا.
ويبدو ان الداء الأخير الخرف العربي لا شفاء منه، فلا صيدلية تساعد على التخلص منه، ولا مكتشف يعمل على إجراء عملية في العقل العربي المريض بالخرافات غالبا. ولأن الباركنسون العربي ببساطة هو الذي سيودي بهذه المؤسسة الشكلية المعروفة بالجامعة العربية وسيطيح بها كواحدة من أكثر البلادات المصطنعة في العالم العربي. فلا احد يعرف حقيقة لم هذه الجامعة العربية موجودة مادامت لا تهش ولا تنش ولا تغني ولا تسمن من جوع. إنها مجرد بناية متهالكة يتوالى على العمل فيها موظفون عاطلون. يمكن ان تكون غزة كأخر مصيبة عربية شاهدا على ذلك فهذه الجامعة لم تستطع حتى هذه اللحظة جمع الحكام على طاولة واحدة رغم كل الجهود المبذولة هنا وهناك. لماذا؟ لا احد يعلم إلا السادة الموظفين في هذه الجامعة فقط الذين يقبضون رواتب مجزية كل رأس شهر عربي.
هذه الجامعة الطنطلية - الطنطل حيوان خرافي في اللهجة العراقية- تأسست في عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة بما عرف وقتذاك ببروتوكول الإسكندرية. ثم تطورت بعد ذلك إلى جامعة الدول العربية وهي امتداد بائس لمنظومة قديمة تدعى جامعة الدول الإسلامية أسسها الطاغية التركي السلطان عبد الحميد الثاني. ولن يكون مصير جامعة الدول العربية بأفضل من جامعة الدول الإسلامية على أية حال. وإن غدا لناظره قريب.
ويعد العراق واحدا من المؤسسين لهذه الجامعة العتيدة. لكنها بالطبع لم تقدم للشعب العراقي حتى الآن أي شيء ملموس يخفف من معاناته الكبرى ومصائبه العظمى، اللهم إلا تباكي بعض الأنظمة العربية على نظام صدام الأسود. ومن اجل أن لا نصاب بداء الباركنسون الذي يتسلل رويدا رويدا إلى عقل هذه الجامعة نذكر فقط: إن هذه الجامعة قد أصدرت بعد حرب 1967 مشروع اللاءات العربية الأربع الشهيرة ضد إسرائيل: وهي على التوالي لا اعتراف لا تفاوض لا استسلام لا تناول لمشروب الكوكا كولا الصهيوني. لكن موظفي الجامعة طبعا من أحب المشروبات لديهم الآن هي الكوكا كولا فقد سقطت هذه اللا كما سقطت جميع اللاءات الأخرى قبلها، ولم تعد كلمة لا متداولة في أروقة الجامعة ولا في قاعات اجتماعات السادة الحكام العرب وحل محلها نحت جديد لم تعرفه العرب من قبل هو: لعم. واللعم هذه ليست لا وليست نعم لكنها من اجل الدقة والدقية العلمية في الباركنسون العربي هي نعم مبطنة دائما.
وعلى الرغم من جميع المآسي والكوارث المتواصلة التي حلت بالأمة وعملت على تخريب النظام العربي التقليدي، إلا ان هذه الجامعة العتيدة – رحمها الله من يوم ولادتها- لم تتخذ بإزاء قضايا العرب الكبرى إلا قرارات الاستنكار والشجب والرفض أحيانا، وهذا كل ما استطاعته وتستطيعه من يوم ولادتها وحتى يوم دفنها قريبا بإذن الله. مع ذلك فإنها – أي جامعة الدول العربية- لم تصدر قرار شجب أو لعن أو استنكار او حتى تظلم صغير وخجول ضد أي حاكم عربي مجنون أو غير مجنون أو مصاب بالباركنسون أذاق شعبه سؤ العذاب ولقنه عبادة الفرد وأهمية بقاء سياسية القطيع قائمة فيه. أبدا. لم تصدر الجامعة حرفا واحدا بإزاء أولئك الذين أورثوا الأمة المصائب الكبرى تلو الطامات الكبرى واحلوا بها دار البوار.
فالحكام بالنسبة لجامعة الدول العربية مصانون غير مسؤولين وعلى الناس ان تسبح بحمدهم ليل نهار وصبح مساء – ولو شئت لأصدر وعاظ السلاطين وشيوخ السلطات فتاوى بالحمد لهم عقب كل صلاة- إنهم أصنام العرب الجديدة وهم ورثة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى؛ أما هبل العالم العربي الكبير الذي سقط أخيرا في 2003 على يد الغزاة الأجانب فإن العديد من السادة الحكام ما زالوا يبكونه وأحدهم – من المجانين الرسميين- نصب له صنما في وسط طرابلس الغرب. مرحى فعصر التوحيد لم يبدأ عندهم بعد على الرغم من إعلانه قبل أكثر من 1400عاما.
وجامعة الدول العربية غير معنية بحقوق الإنسان العربي. البتة. لا حقوق للعرب في هذا العصر وعليهم واجبات إطاعة ولاة الأمور الظلمة. فحاكم جهول خير من فتنة لا تزول. والحكم لمن غلب. هذه هي القواعد اللاذهبية التي مارستها جامعة الدول العربية وهي وريثة عصر التسلط البيزنطي الأموي لو شئتم الدقية. أسف ثمة خطأ تاريخي ارتكبته أيها السادة لم تتأسس جامعة الدول العربية أو الجامعة الإسلامية في عصرنا هذا بل تأسست في عصر معاوية بن أبي سفيان وأبنه المارق يزيد وكلا الحاكمين يعدان عضوا شرف تاريخي فيها.
والدليل على بلادة هذه الجامعة وانتهاء صلاحيتها يكمن في السيد العراق وهو سند كاف وشاف: قتل من العراقيين مليونا في الحرب العراقية الإيرانية والجامعة العربية لم تحرك ساكنا. ومات مليون طفل وشيخ عراقي في الحصار الظالم على شعبه وحده للمدة 1991- 2003 ولم تقم جامعة الدول العربية بأي حركة ولو بسيطة بإزاء الموت البطيء لهذا الشعب الكريم المعطاء. ثم إن العراقيين عانوا من ويلات الاحتلال وحرب الإرهاب والتكفير الأسود ودفع العراق أكثر من مليون إنسان - حسب أقل التقديرات إنصافا - ولم تقم جامعة الدول العربية بأي جهد ملموس سوى إرسال ممثل عنها ثم لم يلبث ان استقال بحرفية بالغة.
وبرغم من أن دستور الجامعة المستعربة قد أقرّ منذ زمن طويل معاهدة الدفاع العربي المشترك والسوق العربية المشتركة، والقبول بالمصائب العربية المشتركة، لكن هذه الجامعة لم تحرك ساكنا واحدا أيضا تجاه هذه القضايا المشتركة أيضا. مصابة هذه الجامعة ليس بالشلل النصفي بل بالشلل الكلي والموت الدماغي فعلام الانتظار ولم لا يطلق عليها رصاصة الرحمة؟ كل ما استطاعته هذه الجويمعة المكبلة للأيادي العربية هو المشاركة في الاجتماعات العربية المشتركة، والتحضير لاجتماعات القمم العربية المشتركة، والإسهام بهذا المقدار أو ذاك في صناعة المصائب العربية المشتركة: طبعا هناك ولع عربي جامعي دائم بهذه الكلمة المشتركة ولا يعد هذا الأمر المشترك سؤا في الطباعة أو نوعا من الباركنسون العربي الدائم. فلا احد يدري لم تكرر جامعة الدول العربية مفهوم المشتركة المشتركة كثيرا دون ان تسيّره ولو مرة واحدة على الأرض العربية المشتركة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يخيب آمال الديمقراطيين خلال المناظرة الأولى أمام ترامب


.. تهديدات إسرائيل للبنان: حرب نفسية أو مغامرة غير محسوبة العوا




.. إيران: أكثر من 60 مليون ناخب يتوجهون لصناديق الاقتراع لاختيا


.. السعودية.. طبيب بيطري يُصدم بما وجده في بطن ناقة!




.. ميلوني -غاضبة- من توزيع المناصب العليا في الاتحاد الأوروبي