الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضجيج الضعفاء

ياسر العدل

2009 / 1 / 13
الصحافة والاعلام


مع الحرب الدائرة على غزة، يتعرض مئات وألوف من البشر للإبادة على الهوية، ويبقى خارج دائرة الصراع ملايين من البشر منكفئون على حياتهم لا يشعرون بالكارثة الإنسانية، ربما تقض مضاجعهم أخبار الحروب ويرون فيها مثيرا للغبار على طريقتهم فى الحياة، هكذا تهيج تلك الجموع فيتململون ببعض الهتاف والشجب والتأييد والابتسام ومصمصة الشفاه.

كثير من العاطفيين ينادون جزافا بالسلام الصامت بين المتحاربين، والسلام الصامت دعوة للمخاطرة، مخاطرة التسليم بالأمر الواقع، فالسلام الصامت لا يفرق بين الجلاد والضحية، قليل من العقلاء هم المنادون بالتعايش السلمى الفاعل بين البشر، ذلك بأن التعايش السلمى نمط حياة يثير التحدى بين متنافسين، ولا يبقى أمام الضعفاء غير الرهان على وجودهم يستجدونه فى ساحات الحروب، تترصد أجسادهم آلات حرب جائعة، وتشوه أرواحهم سياسات حكام جائرين.

مع كل الكوارث تصنعها الحروب فى بلادنا يطرح سؤال، ما هو دور مؤسسات المجتمع المدني لمساندة الأصوات المطالبة بمحاكمة القادة العسكريين كمجرمي حرب؟ يتسابقون على جعل المدنيين دروعا بشرية تحمى طموحاتهم فى القتل والتدمير.

جزء رئيس من إجابتى أننى من المتشائمين، لا أرى مستقبلا مضيئا بالحضارة لقومنا، وأشعر بالرضى لتشاؤمى هنا، فالمتشائم عاقل يحصر فكرة فى أشياء بذاتها، صحيح انه يصاب باهتزاز فى الرؤى، يعطى الأحجام على غير حجم، لكنه يرى ضخامة أصل الداء ويراقب عن كثب فعل الدواء.

أصل الداء فى ظلام مستقبلنا، أننا أناس نحيا فى منطقة جغرافية، حوالى 40% من أهلنا يعيشون دون خط الفقر ولا يعرفون القراءة أو الكتابة، أهلنا فقراء خاوية معداتهم، يهدرون حياتهم بحثا عن لقمة وهدمة تكفى يوم غد، وأكثر من 90% من أهلنا يعيشون دون خط الكرامة، يأخذون الحكمة من كتب صفراء ومواثيق ضعف وأقوال موتورين بالفخر والسلطة، أهلنا يبحثون عن حكمة اليوم بين الحجاب والنقاب والثعبان الأقرع والإله المتجسد فى إنسان بسيط، الحكمة عندنا نتجرعها فى كئوس تخرق نواميس العقل وفواتح التقدم بمعجزات وأساطير تلقى بنا فى أتون الخدر واستمراء الهزائم ، حكامنا ليسوا أكثر من شواهد على كل تخلفنا.

واقعنا الحضارى لا يرصد لدينا مؤسسات مجتمع مدنى فاعلة، وتعريف وجود الأسماء لدينا وجود قاتل، فالمؤسسات الناجحة بناء علمى ونحن أسطوريون، والمجتمع وحدة من جماعات تتعايش على مصالح مشتركة، ومجتمعاتنا فرق وأشتات تتحين الفرص للانفلات من عبئ الجماعة، والمدنى تعنى مدنية المجتمع وديمقراطية الحكم، ونحن مجتمعات بدائية تعيش على دين ملوكها وترهات رؤسائها.

هكذا يصبح مستقبلنا قرينا بقدرتنا على تجرع مر الدواء، دواؤنا خلطة من أساطير جديدة تزرع فينا حب الحياة من جديد، وتملأ أدمغتنا بعقول جديدة تصنع معجزة بقائنا تحت الشمس.

الداء قاتل فستقبلنا مهدد، والدواء مر فنحن بحاجة إلى ثورات، وما بين الدواء وفعل الشفاء سنوات وسنوات قبل أن يصبح لدينا مؤسسات مجتمع مدنى، تضم قوما أحرار الفكر معداتهم مليئة بكد يدهم بغير منة أو استجداء، يرغبون فى تقدم الجميع ويشاركون فى صناعة الرأى، مؤسسات غنية ماديا وفكريا تناطح دكتاتورية السلطان والملك والرئيس، مؤسسات قومية لا تعمل مأجورة عند حكامنا فتحافظ على وجاهتهم، ولا تنتظر إعانات مأجورة من أغراب يطمعون فى وجودنا.

آه يا لسفسطتى، نسيت الإجابة الواضحة على السؤال المطروح عن دور المؤسسات المدنية فى حل أزماتنا المعاصرة، الإجابة الواضحة أن الواقع الحالى لمؤسسات المجتمع المدنى فى بلادنا واقع مريض لا يعطيها القدرة على فعل ايجابى ومؤثر لصالحنا، ذلك بأنها مؤسسات تحمل أسماء فقط وتتنازع هويتها بطبيعة تمويلها، هويتها تدور ما بين دعم لدكتاتورية حكامنا ليسحلوا أجسادنا أو الترحيب بأعدائنا ليجزوا رقابنا.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وضعت يدك علي راس الدمل
محمد البدري ( 2009 / 1 / 13 - 19:56 )
الدواء دائما مر لكن لا بد من تجرعه. وما بين الدواء وفعل الشفاء ربكم يكون اقل مما تتخوف منه من سنوات طويلة، اقول ربما!!! لكنني عرفت كيف يكون الدواء وما اسمه هو عدم الصمت علي السلام الصامت الذي يحكم ذهنية وروح كل فرد منا. مقارنتي بمن عايشتهم في بلاد الغرب الكافر الصليبي اللاديني الاستعماري الامبريالي حسب توصيف من زرعوا فينا السلام الصامت مقلرنتي بينهم وبين اهل بلدي انه لايوجد صمت في عقل كل منهم. فلا صمت داخلي بل ولا صمت خارجي هناك دائما ثورة علي ذاته لو حاول الواقع اسكاتهم بقناعات زائفة او وهمية او كاذبة او دينية و هناك ثورة دائمة عبر حق التعبير وتفعيل كل مؤسساته المدنية فليس هناك ما يقلق من وجوده المدني لكننا هنا في اوطاننا التعسة نمارس السلام الصامت لاننا مسكونين بكل انواع العفاريت والجن والبعبع الذي يجعلنا نصمت هروبا منه وهروبا من ذواتنا التي تشدنا نحو الثورة.

اخر الافلام

.. البريك العنابي.. طبق شعبي من رموز مدينة عنَّابة الجزائرية |


.. بايدن يعلن عن خطة إسرائيلية في إطار المساعي الأميركية لوقف ا




.. ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين إثر العمليات الإسرائيلية في


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بالمحافظة الوسطى بقطاع غزة




.. توسيع عمليات القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة برفح