الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عراقي شريف!!

عمار السواد

2009 / 1 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


لا اظن ان هناك بلدا تستخدم فيه مفردة الشرف بقدر العراق.. بل انها باتت مصطلحا متداولا في القاموس السياسي ومن قبله الشعبي. فالمتابع لتصريحات المسؤولين ولقاءات المواطنين يسمع دائما كلمة شريف تضاف الى كلمة عراقي لتصبح "عراقي شريف". وعبارات مثل "لا يرضى اي عراقي شريف بالعمل الفلاني" او "كل عراقي شريف يعارض هذا الامر" او "العراقي الشريف يقف مع فلان لانه يمثل الوطن" او "العراقيون الشرفاء يدعمون هذا الموقف" او او..... تروج بكثرة في محافل النخب وعموم الناس.. وتستخدم هذه الكلمة دائما لمدح طائفة من الناس والتعريض بعراقيين اخرين يقومون بتصرفات لا تتماشى ومواقف البعض، وهي مفردة عراقية بامتياز لم اسمعها كثيرا لدى المصريين او السوريين او اللبنانيين او الخليجيين.
وفقدان الشرف في الثقافة الشعبية يمثل منتهى الهبوط والسقوط، فغير الشريف، هو انسان ساقط، وهابط، وخائن... واذا ما كان هذا الانسان غير الشريف امرأة فانها في الثقافة الشعبية فاقدة "العفة" التي لا تحافظ على جسدها.... ولذلك فان انعدام الشرف في العقلية العراقية يمثل اقصى حالات السقوط، والشريف هو المتعالي عن هذا السقوط. والاستخدام الاعلامي الشائع لهذه المفردة ينبع من هذه الخلفية الشعبية.
وليس بوسع احد ان يعرف من هم العراقيون الشرفاء، وايضا غير الشرفاء، لان كل طرف وكل توجه وكل قناعة تنظر الى نفسها كميزان الشرف، فـ"مقاومو" الوجود الامريكي بالسلاح يرون ان الشرفاء هم اولئك الذين يرفضون هذا الوجود باستخدام السلاح، بعض ممثلي الطوائف يرون ان الشرفاء هم ابناء طوائفهم، انصار النظام السابق يرون ان اعداء العملية السياسية الحالية هم الشرفاء، انصار العملية السياسية يجدون المناصرين لها هم الشرفاء. فالشرف غير واضح، انما هو خاضع لمواقف ومبادئ مسبقة. هذه الاضافة، التي بدأت بالظهور في القاموس السياسي العراقي منذ اواخر سنوات النظام السابق، هي امتداد طبيعي لمفردات واوصاف متتالية اشتقت في الغالب من روح عدائية تأسس في العراق مع مجيء الاحزاب الشمولية التي وجدت لها بيئة مناسبة كي تعشعش وتديم بقاءها. فمصطلحات الخيانة والعمالة والرجعية هي مفردات شاعت في مراحل مضت، واذا كانت اليوم قد تراجعت نظرا لفقدانها الوهج القديم، فان العقل السياسي اكتشف مفردة جديدة تتماشى والعصر الحالي، فالشرف ينتمي الى ثقافة اجتماعية لا يبدو انها ستتغير في القريب العاجل.
ولكن، ومهما نجح البعض في تمرير مثل هذه المفردات الى الخطاب السياسي، فانها ستكون نشازا اذا ما سادت ثقافة المواطنة وحق الانسان في امتلاك رأي وتعدد الخيارات، لان هذه الثقافة لا يوجد فيها شريف وغير شريف، مادام لدى الجميع الحق في اتخاذ اي موقف يرونه مناسبا بشرط ان لا يتعارض وحق الاخر باستخدام حريته وحقوقه.. وحتى لو قام البعض بانتهاك حرية الاخر فانه لا يخرج عن الشرف بل هو مجرم بنظر القانون، ويبقى عراقيا مهما فعل.
نحن بانتظار ان تسود هذه الثقافة... ومن يدري قد نحتاج الى عقود لحصول هذا الامر، وقد لا يحصل اصلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - موضوع جميل
هاني السعدي ( 2009 / 1 / 14 - 01:15 )
شكرا لك يا أخ عمار على هذا الموضوع اللطيف ,على الرغم من بساطته لكن فيه إشاره تلفت النظر ,فعلا انت مواطن شريف !!هههه


2 - الاحتلال و الخيانة
عادل الياسري / الولايات المتحدة ( 2009 / 1 / 14 - 05:31 )
اذا كانت الخيانة مصطلح قد مضى .. فما هو البديل ياترى.. لعملاء الاحتلال.. حتما الوطنية..ولكن ماذا تقول بقوله تعالى (( ان الله لايجب الخائنين ) الاية 57 من سورة الانفال


3 - الشريف الحقيقي
عراقي شابع قهر ( 2009 / 1 / 14 - 07:15 )

هو العراقي الذي يعتبر الوطن فوق الدين والقوميه والعشيره والقبيله والعائله تحيه للاخ عمار


4 - شكر
عمار السواد ( 2009 / 1 / 14 - 10:14 )
الاخ هاني السعدي شكرا لمرورك... انا ممكن اكون شريف عندك بس مو عند صاحب التعليق الثاني الاخ عادل الياسري الذي قام مشكورا بنقدي لاقول له الله قال انه لا يحب الخائنين بس لم يحدد الخائن من غير الخائن، ولا اعتقد اننا نستطيع ان نحدده، قد يكون دعاة الوطنية واعداء الاحتلال خونة وقد يكون المتعاملون مع الاحتلال وطنيين، وكي نتخلص من هذه الحزورة لابد ان نتخلص من تصنيف الناس بناء على ارادتنا الخاصة..
واخي عراقي شابع قهر شكرا لك واعتقد ان الجميع هم عراقيون وان اساؤوا..


5 - شكرا لك
محمد خليل عبد اللطيف ( 2009 / 1 / 14 - 13:07 )
مقال جميل. اعتقد ان المشكلة تكمن في العقول التي لاتاخذ الامور بنسبية ولكن الاطلاق هو السائد وخصوصا لدى العراقيين المعروفين بحدة طباعهم لاسباب لاتخفى على اللبيب.
شكرا لك مرة اخرى


6 - شكر اخر
عمار السواد ( 2009 / 1 / 14 - 18:19 )
شكر محمد خليل على مرورك الكريم واتفق معك بالكامل


7 - ما هو الشرف
القاضي سالم روضان الموسوي ( 2009 / 1 / 14 - 19:38 )
شكرا للاستاذ عمار على هذه الاشارة اللطيفو واود ان اضيف الى ما ذكر ان الامر لا يتعلق في العراق بل انه جزء من الثقافة السائدة بين الشعوب العربية والاسلامية التي حاولت ان تبعد الفرد عن اعمال العقل وذلك حينما اقرنت الشرف بالجسد وفي المكان الذ يعد من العورات والنجاسات في ذات الثقافة التي اقرنت الشرف فيه وابعدته عن العقل من اجل ان تسود ثقافة التخلف - شكرا للاستاذ عمارعلى هذه الالتفاته

اخر الافلام

.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا لتفريق المحتجين| الأخبار


.. مؤشرات على اقتراب قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية في رفح




.. واشنطن تتهم الجيش الروسي باستخدام -سلاح كيميائي- ضد القوات ا


.. واشنطن.. روسيا استخدمت -سلاحا كيميائيا- ضد القوات الأوكرانية




.. بعد نحو 7 أشهر من الحرب.. ماذا يحدث في غزة؟| #الظهيرة